2– النفقة الزوجية
1- تعريف النفقة لغة وشرعاً.
2- حكمها، وأدلته، وسبب وجوب النفقة، وشروطها.
3- تقدير النفقة: في الطعام
في الكساء
في المسكن
في الخدمة
في العلاج
4- بدء استحقاق النفقة، ووقت ثبوتها في ذمة الزوج دَيناً.
5- المقاصة بدين النفقة
6- الكفالة بالنفقة.
7- نفقة المعتدة.
8- امتناع الزوج عن الإنفاق .
9- النفقة لزوجة الغائب.
10- تعجيل النفقة.
11- سقوط النفقة.
تعريف النفقة لغة وشرعاً:
النفقة في اللغة اسم لما يصرفه الإنسان على عياله، وجمعها (نِفَاق) على وزن رقاب، (ونفَقاَتُ) أيضاً، ويقال نَفَقت الدراهم إذا فنيت، وبابه (تعب) ويقال نَفَقََت السلعة ونَفَقَت المرأة (نفاقا) إذا كثر طلابها وخطابها، ونافق الرجل إذا أظهر الإسلام وأخفى الكفر [1].
والنفقة في اصطلاح الفقهاء هي: الطعام والكساء والسكنى، وأطلقها البعض على الطعام فقط، حتى قال: يجب للزوجة على زواجها النفقة والكسوة والسكنى، وربما أطلقت على الطعام والكساء، فقيل: تجب لها النفقة والسكنى [2].
حكم النفقة وأدلته:
النفقة واجبة للزوجة على زوجها باتفاق الفقهاء، وهي أثر من آثار عقد الزواج، تتولد عنده حكماً كالمهر، ولا تسقط باشتراط نفيها في العقد، بل يصح العقد ويلغو الشرط، ويبقى وجوبها.
ودليل وجوبها القرآن والسنة والإجماع والقياس.
فأما القرآن الكريم ففي آيات منها:
1- قوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف) (البقرة: من الآية 233) فإن المراد به الزوجات، وهو نص في الباب.
2 – قوله تعالى في المطلقات المعتدات: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (الطلاق:6) .
و أما السنة الشريفة، فأحاديث كثيرة، منها:
1 – ما جاء في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، قوله صلى الله عليه وسلم: (أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ) رواه الترمذي وابن ماجه.
2 – ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن هند زوجة أبي سفيان قالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَقَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ).
بل إن السنة الشريفة تشهد بأن الإنفاق على العائلة من أقرب القربات إلى الله تعالى، فهو أحب إلى الله تعالى من الصدقة في سبيل الله، وقد جاء بذلك أحاديث شريفة، منها:
أ – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ) رواه مسلم.
ب – عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً) رواه مسلم.
وأما الإجماع فقد اتفق المجتهدون من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على وجوب نفقة الزوجة على زوجها، لا يخالف في ذلك أحد منهم.
وأما القياس، فيقتضي أن كل من شغل بمصلحة آخر وجب عليه نفقته، كالقاضي والمفتي وجميع موظفي الدولة، وبما أن عقد الزواج يوجب على الزوجة متابعة زوجها، وعدم الخروج إلا بإذنه، والعناية بالنشء، وجب عليه أن ينفق عليها بمقابل ذلك.
سبب وجوب النفقة الزوجية:
حصر الفقهاء أسباب وجوب النفقة للغير عامة في ثلاثة أسباب، هي: الزوجية، والقرابة، والمِلك.
فأما القرابة فسوف يأتي بحثها في آخر هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، عند الكلام على حقوق الأقارب.
وأما المِلك، فالمراد به ملك الرقيق، وملك الحيوانات، فأما مِلك الرقيق فسوف نؤجله على عادة المحدثين إلى مباحث خاصة في الاسترقاق، وأما الحيوانات فمحل بحثه نظرية الملكية.
وسوف نقصر بحثنا هنا على النفقة الزوجية.
هذا والمقصود بالزوجية هنا العقد الصحيح لا غير، فلا تجب النفقة بالعقد الباطل، ولا بالعقد الفاسد، سواء علما بالفساد أو لا، وعليه، فلو تزوج اثنان بعقد فاسد أو باطل، وكانا لا يدريان بذلك، ثم تبين لهما ذلك بعد سنين، وكان الزوج قد أنفق على زوجته فيها، فإن له الرجوع عليها بما أنفق، إن كان أنفق بأمر القاضي، فإن أنفق بدون أمر القاضي عد متبرعا، ولم يرجع بشيء.
كما أن وجوب النفقة لا يحتاج إلى الدخول أو الخلوة، فإن سبب وجوبها العقد وحده، إلا أن لهذا الوجوب شروط لا بد من تحققها، وإلا سقط الوجوب لفقدان شروطه، وهي كما يلي:
شروط وجوب النفقة للزوجة:
اختلف الفقهاء في بيان شروط وجوب النفقة للزوجة على زوجها، وكان اختلافهم شكلياً في بعض الأحيان، وإنني سوف أورد هذه الشروط على طريقة الحنفية، محاولاً بيان الاختلاف في ذلك قدر الإمكان.
1 – أن تُسلِّم الزوجة نفسها إلى الزوج بطلبها الانتقال إلى منزله، أو طلبها مجيئه إلى منزلها، أو بإظهارها استعدادها لتسليم نفسها، بحيث لا تمتنع عن ذلك إذا دعاها، فإذا رفضت تسليم نفسها إليه على الوجه المتقدم، لم يكن لها عليه نفقة، لأنها ناشز، هذا ما لم يكن امتناعها بحق شرعي، وإلا لم تكن ناشزاً، وتكون لها النفقة، كما سوف يأتي.
وقد خالف المالكية في هذا، حيث اشترطوا لاستحقاها النفقة قبل الدخول دعوتها أو وليها المجبر الزوج إلى الدخول، ولم يكتفوا بإظهارها الاستعداد له.
2 – أن تكون الزوجة صالحة للدخول بها بالجملة، بأن تكون كبيرة، أو صغيرة يمكن الدخول بها، أو الاستمتاع بها عامة، فإن كانت دون ذلك، فقد ذهب أبو يوسف إلى وجوب النفقة لها أيضاً إن انتقلت إلى بيته فعلاً، لأنه يؤتنس بها، وهو المختار في المذهب، وإلا فلا نفقة لها، وذهب الطرفان من الحنفية، إلى أنه لا نفقة لها وإن انتقلت إلى بيته، لعدم إمكان الدخول بها من قبلها.
3 – ألا يفوت حق الزوج في الدخول عليه بدون مبرر شرعي، وبدون سبب من جهته، فإن فات حق الزوج في الدخول عليه، فإن كان بمبرر شرعي، لم تسقط نفقتها عنه، وإن كان من جهتها لوجود المبرر، كما إذا كانت حائضاً أو نفساء، أو امتنعت عنه لعدم إيفائها مهرها المعجل المستحق، فإن امتناعها في ذلك عنه لمبرر شرعي.
وكذلك إذا كان الامتناع بسبب من جهته، كأن يكون صغيرا لا يطيق الدخول، أو مجنوناً أو مريضاً مرضاً يمنعه من الوطء.....فإن لها النفقة في كل ذلك، لأن المانع من جهته.
فإذا كان المانع من الدخول من جهة الزوجة بدون مبرر شرعي، كأن تمتنع عن الانتقال إليه، ولم تسمح له بالدخول إليها في بيتها، أو تكون صغيرة جداً لا يستمتع بها أصلاً، إلا أن تنتقل إليه فعلاً على مذهب أبي يوسف كما تقدم، فلا نفقة لها، لنشوزها، أو عجزها عن القيام بمهمات الزوجية، بدون عذر.
فإن كان المانع من جهتهما، كأن يكونا صغيرين جداً، فلا نفقة لها أيضاً، لوجود المانع من جهتها مع الخلو عن المبرر الشرعي، وهو كاف لسقوط النفقة.
ولو كان المانع من الدخول بسبب خارج عن إرادة الزوجين، كحبس الزوجة ظلماً، أو وقوعها في الأسر مدة من الزمان......، فقد ذهب الحنفية إلى سقوط نفقتها عن الزوج مدة ذلك، لفوات حقه في الدخول لا بسبب منه، وذهب المالكية إلى عدم سقوط نفقتها بذلك، لعدم التقصير منها، وهو رواية عن أبي يوسف، إلا أن المذهب هو الأول، ولو كان حبسها بجريمة ارتكبتها، سقط حقها في النفقة بالاتفاق، لتسببها في ذلك، ومثل ذلك ما لو سافرت الزوجة، فإنها لا نفقة لها مدة السفر عند الحنفية، إلا أن يكون زوجها معها، واستثنى أبو يوسف أن يكون سفرها للحج الفرض.
4 – أن لا تكون ناشزا، وذلك بالخروج من بيت الزوج بغير إذنه بدون مسوغ شرعي، أو منعه من الدخول إلى بيتها قبل أن تطلب منه مسكناً شرعياً.
فلو خرجت بغير إذنه عدت ناشزاً وسقطت نفقتها مدة خروجها، ويستوي في ذلك خروجها المباح والمحرم، كما لو خرجت لطلب علم أو حج أو زيارة الأقارب، فإن كان ذلك بإذن الزوج، لم تكن ناشرا به، ولها النفقة، وإن كان بغير إذن الزوج، كانت ناشزا وسقطت نفقتها حتى تعود إلى بيتها، وكذلك خروجها لغير هذه المصالح المشروعة، فإنها تعد به ناشزا من باب أولى، ولو خرجت من بيته لمنعه نفقتها، أو لطرده إياها، أو عدم استيفاء مسكنه الذي أعده لها الصفات الشرعية اللازمة، لم تعدَّ ناشزا بذلك، ولم تسقط نفقتها.
وعلى ذلك الزوجة الموظفة التي تعمل بعض ساعات النهار خارج البيت، سواء كانت عاملة في مصالح الدولة أو في أعمال خاصة، كالطبيبة والقابلة، فإنها إن خرجت من بيتها لوظيفتها بإذن زوجها، لم تعد ناشزا ولم تسقط نفقتها، وإن خرجت بغير إذنه، كانت ناشزا وسقطت نفقتها حتى تعود إلى بيتها.
ولو شرطت عليه في العقد أن تبقى في عملها فرضي، ثم منعها بعد ذلك، كان منعه مشروعاً عند الحنفية والمالكية، فإن خرجت بغير إذنه سقطت نفقتها، وخالف الحنبلية، وقالوا بلزوم هذا الشرط ما لم يمنعها من القيام بواجباتها الزوجية، وإلا عدت ناشزا وسقطت نفقتها أيضاً.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري في هذا بمذهب الحنفية، ونص عليه في المادة /73/ منه، وهذا نصها:
المادة /73/
يسقط حق الزوجة في النفقة إذا عملت خارج البيت دون إذن زوجها.
وهل تجبر الزوجة على السفر مع زوجها، فإن أبت عدت ناشزاً؟
اختلف الحنفية في ذلك، فمنهم من أوجب عليها السفر، ومنهم من لم يوجبه، إلا أن الاختلاف في نظري اختلاف عرف وظروف حال، وهم مثقفون على أن سفره إن كان مأمونا،ً ولمصلحة مشروعة، كطلب العلم والتجارة وما إليه، وجب عليها السفر معه فيه، وإلا عدت ناشزاً، وإن كان سفراً مخوفاً، أو مراداً به الإضرار بها وتعجيزها، لم يجب عليها، ولو امتنعت عنه لم تكن ناشزا بذلك.
تقدير النفقة:
ذهب الشافعية إلى تقدير النفقة بحسب حال الزوج عسراً ويسراً، بصرف النظر عن حال الزوجة، وهو أحد قولين صحيحين في المذهب الحنفي أيضاً.
ودليل هذا القول قوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) (الطلاق: من الآية7)
وذهب المالكية والحنبلية والحنفية في قولهم الثاني، وهو الراجح في المذهب، إلى أنها تقدر بحسب الوسط من حال الزوجين، فإن كانا موسرين فنفقة الموسرين، وإن كانا معسرين فنفقة المعسرين، وإن كان أحدهما موسراً والثاني معسراً فنفقة الوسط، ثم إذا كان الزوج هو المعسر لم يلزمه القاضي بأكثر من طاقته، ويكون الباقي ديناً عليه بأمر القاضي.
وقد استدل هؤلاء بقوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (الطلاق:7).
وقد كان العمل في سوريا قبل عام /1953/م على قول المالكية والحنبلية والحنفية الثاني الراجح، حيث جاء في المادة /49/ من قانون حقوق العائلة العثماني الذي كان مطبقاً آنذاك ما نصه: (إذا امتنع الزوج الحاضر عن الإنفاق على زوجته وطلبت الزوجة النفقة يقدر الحاكم لها نفقة على حسب حال الطرفين اعتباراً من يوم الطلب)، ولما صدر القانون الجديد عام /1953/ نصت المادة / 76 / منه على الأخذ بقول الشافعية، كما يلي:
المادة /67/
تقدر النفقة للزوجة على زوجها بحسب حال الزوج يسراً وعسراً، مهما كانت حالة الزوجة، على أن لا تقل عن حد الكفاية للمرأة.
هذا والنفقة لدى الفقهاء تشمل الأصناف الخمسة الآتية، وهي الطعام، والكساء، والسكنى، والخدمة، والتطبيب، وفيما يلي بيان بطبيعة كل وأوصافه.
فأما الطعام، فيجب أن لا يقل عن الحد الأدنى الذي يستطيعه الزوج، وأن لا يكون دون حد الكفاية للزوجة، هذا ما ذهب إليه الشافعية والحنفية في قول، وهو ما عليه التشريع السوري، وأما الحنفية في قولهم الثاني الأرجح، فيجب على القاضي أن يفرض لها ذلك، ثم يأذن لها بالاستدانة على الزوج إذا كان المستحق لها فوق ذلك، بحسب الوسط من حالهما.
والزوج مخيَّر بين أن يجلب لها الطعام الذي تستحقه عليه بنفسه جاهزاً كل يوم، ويسمى بالإمتاع، وبين أن يدفع لها قيمة الطعام لتشتريه لنفسها، وله أن يجلب لها الطعام غير مطبوخ، ويطلب منها إعداده، إذا كانت عادة أمثالها فعل ذلك، وإلا لم يكن له ذلك، ولا يجبر الزوج على واحد مما تقدم، بل الخيار في ذلك له، إلا أن يثبت امتناعه أو تقصيره في الإمتاع، فيأمره القاضي عند ذلك بدفع القيمة جبراً.
وإذا أمر بدفع القيمة دفعها لها بحسب حاله وطريقة رزقه، يوماً بيوم، أو شهراً بشهر، أو سنة بسنة، ويدفعها لها في أول كل فترة من ذلك، وقيل في آخر كل فترة عن الفترة التي بعدها.
وعلى الزوج أن يهيئ لزوجته أدوات الطبخ إذا طلب منها طبخ الطعام وكانت ممن يعتاد ذلك، كما عليه أن يهيئ لها أدوات الزينة إذا طلب منها الزينة، فإذا كانت ممن لم تعتد الطبخ بنفسها، وجب عليه إحضار الطعام لها جاهزاً، أو دفع قيمته لها لتشتريه جاهزاً بنفسها، وكذلك أدوات النوم والجلوس.
وأما المسكن، فيجب أن يكون موافقاً لحاله يسراً وعسراً عند الشافعية، وموافقاً للوسط من حالهما عند الجمهور والحنفية في القول الأرجح، كما تقدم في الطعام، للأدلة نفسها، بشرط أن لا يقل عن غرفة مستقلة لها منافعها الخاصة بها، وبابها المستقل، وقد تنزل بعض الفقهاء فاكتفى بالمسكن ذي المنافع المشتركة، إذا كان الزوج لا يستطيع أكثر منه، فإذا كان يستطيع داراً مستقلة فارهة لم يقبل منه أقل منها.
هذا، ويشترط في المسكن الشرعي أن يستوفي الشروط الآتية:
1 – أن لا يكون موحشاً، بأن يكون في مكان قفر بعيد عن الناس.
2 – أن لا يكون مشتركاً في مكان نومه مع أحد غير زوجته.
3 – أن لا يشاركها في منافعه من يؤذيها غالباً، كزوجته الثانية إن كان له زوجة أخرى، أو أولاده من غيرها، إلا الصغير الذي لا يعي أمور الزواج، أو والديه، إلا أن ترضى هي بذلك.
4 – أن يكون صحياً تدخله الشمس والهواء.
5 – أن يكون فيه من الأثاث والفرش ما يناسب حاله، أو الوسط من حالهما –حسب اختلاف الفقهاء– بشرط أن لا ينزل عن الحد الضروري، وإلا كلف بالحد الضروري مطلقاً.
وأما الكساء، فالواجب لها كساء كامل ومتين في كل سنة على الأقل، بما فيه الألبسة الداخلية والخارجية، حتى الحجاب، وأدوات الزينة المعتادة، وأدوات التنظيف، كالصابون وما إليه، فإنه يجب لها، وإذا فني اللباس قبل مرور ستة أشهر وجب لها غيره، ما لم تتعمد إفناءه.
ويشترط في اللباس من حيث ثمنه وأوصافه أن يكون مناسباً لحال الزوج، أو الوسط من حال الزوج والزوجة، على خلاف بين الفقهاء كما تقدم في الطعام والمسكن.
وأما الخدمة، فإن الواجب على الزوج إذا كان ذا يسار أن يقدم لزوجته خادماً يقوم بأودها، إن كانت عادة أمثالها ذلك، بل عليه أن يقدم لها خادمين أو أكثر عند أبي يوسف إذا كان ميسوراً وعادة أمثالها ذلك، إلا أن الطرفين من الحنفية لم يكلفاه بأكثر من خادم مطلقاً.
وإذا كان الزوج معسرا، أو ميسوراً ولكن الزوجة من عادتها خدمة نفسها، لم يجب عليه تقديم خادم لها أصلاً، لعدم الحاجة إليه، أو عدم القدرة على تأمينه.
وأما التطبيب، فإن جمهور الفقهاء على أن تطبيب الزوجة ليس من النفقة الزوجية، فلا يلزم الزوج أجرة الطبيب، ولا قيمة الدواء، ولا أجرة العمليات الجراحية ..........لأن الواجب عليه هو النفقة العادية، وهذه نفقة ضرورية، ولكن يجب التطبيب –في حال وجوبه – عليها في مالها، إن كان لها مال، وإلا وجب على من تجب عليه نفقتها لو لا زوجها من أقاربها، كابنها و أبيها........
إلا أنني رأيت قولاً لبعض الكتاب في هذا الموضوع، يرى فيه أن ما كان من العلاجات العادية التي لا يخلو إنسان عن الحاجة إليها غالباً، كعلاج الأمراض الموسمية، والالتهابات التي تعترض الإنسان من البرد أو غيره، كان واجباً على الزوج، إلحاقاً له بالنفقة العادية، وإن كان من الأمراض النادرة التي يخلو عنها غالب الناس عادة، كالأمراض الخبيثة والكسور الكبيرة........ لم تكن من النفقة العادية، ولم تجب على الزوج، وهو رأي حسن ومستساغ عندي.
وقد اتجه إلى ذلك قانون الأحوال الشخصية السوري، حيث نص في الفقرة الأولى من المادة /71/ منه على ما يلي:
المادة / 17/
1 – النفقة الزوجية تشمل الطعام، والكسوة، والسكنى، والتطبيب بالقدر المعروف، وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها خادم.
هذا ويساعد على تقوية هذا القول ما نص عليه الفقهاء، من إلزام الزوج بأجرة القابلة، وما يحتاج الأمر إليه من النفقة في الولادة، فإنه نوع من العلاج المعتاد، فيكون مثله العلاج الذي يحتاجه الإنسان غالباً.
بدء استحقاق النفقة، وصيرورتها دينا في ذمة الزوج، ونوع هذا الدين:
اتفق الفقهاء على أن سبب وجوب النفقة هو العقد الصحيح، واتفقوا على أن الزوجة تستحق النفقة بمجرد العقد، إذا استوفت شروطها المتقدمة، فإذا امتنع الزوج عنها رفعته إلى القاضي، فألزمه بها.
ولكن إذا تأخرت الزوجة عن طلب النفقة بعد وجوبها لها مدة من الزمان، فهل تصبح ديناً في ذمة الزوج، ويكون لها أن تطلبها عن المدة السابقة، إذا لم يكن قد قدمها الزوج لها فعلاً؟
ذهب المالكية والشافعية والحنبلية، إلى أن النفقة تصبح ديناً في ذمة الزوج منذ وجوبها عليه، ولا تبرأ ذمته عنها ما لم يدفعها لها، أو تبرئه الزوجة عنها.
وذهب الحنفية إلى أن النفقة لا تصبح ديناً في ذمة الزوج بمجرد وجوبها لها، ولكن بالتراضي عليها بين الزوجين، أو بقضاء القاضي بها بناء على طلب الزوجة، وعلى هذا فلو سكتت الزوجة عن طلب النفقة سنين بعد العقد، وأنفقت من مال نفسها، ثم طلبت منه النفقة، ورفعته إلى القاضي، لم يقض القاضي لها بالنفقة عن المدة السابقة عند الحنفية، ولكن عن الفترة اللاحقة لا غير، إلا أنهم أجازوا للقاضي الحكم لها بشهر فقط عن المدة السابقة، لأن الشهر قد يحتاج إليه للتروي ومحاولة التقاضي، فإذا حكم لها القاضي بالنفقة، أو تراضت عليها مع الزوج، ثبتت في ذمته ديناً من تاريخ ذلك، دون ما قبله.
ثم إن هذا الدَّين عند الحنفية دين ضعيف، لأنه دين فيه معنى الصلة (الهدية) على خلاف الجمهور، فإنه عندهم دين قوي من تاريخ وجوب النفقة لها كما تقدم.
وعلى هذا، فإنه لا يسقط عند الجمهور بغير الأداء أو الإبراء، أما عند الحنفية، فإنه يسقط بالأداء والإبراء، كما يسقط من جهة الزوجة بالنشوز، وبالموت من أحد الزوجين، إلا أن هذا الدين يصير قوياً عندهم ولا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء بشرطين هما:
1 – أن يأذن لها القاضي أو الزوج باستدانتها.
2 – أن تستدينها فعلاً.
فإن توافر فيها هذان الشرطان معاً، أصبحت في ذمة الزوج ديناً قوياً من تاريخه، ولا تسقط بعد ذلك إلا بالأداء أو الإبراء، وإذا لم يتوافرا، أو توافر واحد منهما فقط، بقي الدين ضعيفاً، يسقط بالنشوز والموت.
وقد أخذ التشريع المصري بقول الجمهور، ونص عليه في المادة /1/ من القانون رقم /25/ لعام 1920م، ونصها: (تعتبر نفقة الزوجة التي سلمت نفسها لزوجها ولو حكما ديناً في ذمته من وقت امتناع الزوج عن الإنفاق مع وجوبه بلا توقف على قضاء أو تراض منهما، ولا يسقط دينها إلا بالأداء أو الإبراء).
إلا أن تطبيق هذه المادة ألحق ببعض الأزواج حرجاً، حيث يعمد كثير من النساء إلى السكوت عن طلب النفقة سنين، ثم يطالبون بالدين المتراكم مرة واحدة، مما يعجز بعض الأزواج عنه، فعدل ذلك بالمادة /99/ من القانون /78/ لعام 1931 ونصها: (ولا تسمع دعوى النفقة عن مدة ماضية لأكثر من ثلاث سنوات ميلادية، نهايتها تاريخ رفع الدعوى).
إلا أن هذا التعديل لم يلب المصلحة كلها.
ولذلك اتجه التشريع السوري اتجاهاً وسطاً بين مذهبي الجمهور ومذهب الحنفية، وقضى بسقوط دين النفقة عن الزوج بعد مرور أربعة أشهر فقط على وجوبه دون مطالبة من الزوجة به، وذلك في المادة /78/ منه، وهذا نصها:
المادة /78/
1 – يحكم للزوجة بالنفقة من تاريخ امتناع الزوج عن الإنفاق الواجب عليه.
2 – لا يحكم بأكثر من نفقة أربعة أشهر سابقة للادعاء.
هذا ما لم تكن النفقة مفروضة بالقضاء أو التراضي بين الزوجين، وإلا لم تسقط بحال وإن سكتت الزوجة عن المطالبة بها مدة من الزمان مهما طالت، أخذاً بمذهب الجمهور، خلافاً للحنفية كما تقدم، وقد نص على ذلك في المادة /79/ منه، ونصها:
المادة /79/
النفقة المفروضة قضاء أو رضاء لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
المقاصة بدين النفقة:
إذا كانت الزوجة مدينة للزوج بدين عادي، كقيمة عقار، أو سلعة اشترتها منه ولم تدفع ثمنها، أو اقترضت منه مالاً لبعض أعمالها....... وتراكم لها في ذمة الزوج مبلغ من النفقة، ثم أراد أي من الزوجين إسقاط الدين الذي عليه في نظير الدين الذي له على الآخر، وهو ما يسمى (بالمقاصَّة) فهل يجاب إلى طلبه؟
ذهب الجمهور إلى جواز المقاصة بين الزوجين في ذلك، إذا طلبها أحدهما، لأن دين النفقة عندهم دين قوي، فساوى الدين الذي للزوج عليها، فجازت المقاصة.
وذهب الحنفية إلى أن المقاصة إذا طلبها الزوج أجيب إليها حتماً، لأن دينه قوي لا يقل عن دين الزوجة، وإذا طلبتها الزوجة، نظر، فإن كانت الزوجة مأذونة بالاستدانة، واستدانتها فعلاً، أجيبت إلى طلبها، لأنها دين قوي عندهم في هذه الحال كما تقدم، وإذا لم تكن استدانتها فعلاً، أو لم تكن مأذونة بالاستدانة أصلا، فلا تجاب إلى طلبها المقاصة، إلا إذا رضي الزوج بذلك، لأنها دين ضعيف في هذه الحال عندهم، وشرط المقاصة في الدين تساوي الدينين في القوة.
هذا إذا كان الدين الذي للزوج قد حل أجله، فإذا كان مؤجلاً، لم يجب إلى طلبه المقاصة مطلقاً، لاختلال شرط المقاصة، وهو تعجيل الدينين.
هذا وقد نص المالكية والحنبلية، على أن الزوجة إذا كانت فقيرة تحتاج إلى النفقة لإحياء نفسها، وطلب الزوج منها المقاصة بدينه عليها، لم يجب إلى طلبه إلا برضاها، تقديماً لأحياء النفس على وفاء الدين.
امتناع الزوج عن الإنفاق:
إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته بسبب، كالفقر، أو بغير سبب، فإن لزوجته بالاتفاق أن تطلب منه أو من القاضي إذنها بالاستدانة لنفقتها، كما أن لها التنفيذ عليه جبراً إذا كان قادراً على الإنفاق وله مال ظاهر، فإذا أذنها القاضي أو الزوج بالاستدانة، ولم تجد من يقرضها، أوجب القاضي على من تجب عليه نفقتها لولا زوجها كالابن والأب ...... أن يقرضها، ثم يرجع عليها أو على زوجها بما أقرضها من النفقة، فإن رجع عليها رجعت هي على زوجها عند يساره.
وهل لها أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها في هذه الحال؟
ذهب الحنفية إلى عدم جواز طلبها التفريق.
وذهب المالكية والشافعية والحنبلية إلى أن لها طلب التفريق إلى جانب حقها في طلب الإذن بالاستدانة، وسوف يأتي مزيد من التفصيل لهذا الموضوع في فرق الزواج إن شاء الله تعالى.
وهل لها أن تطلب حبس الزوج إذا امتنع عن الإنفاق عليها؟
إن كان للزوج مال ظاهر نفذ القاضي عليه النفقة، فباع ماله ودفعه إليها، وإن لم يكن له مال ظاهر، فإن أثبت إعساره لم يحبسه القاضي، ولكن يأذن لها بالاستدانة عليه كما تقدم، وإن لم يثبت إعساره، أذنها القاضي بالاستدانة، وحبسه لكشف حاله، مدة يتبين له من خلالها أنه لو كان موسراً لأنفق، ثم أفرج عنه.
وقد ذهب الحنفية إلى أن هذه المدة لا يجوز أن تزيد عن ثلاثة أشهر، وهذا الحبس لا يكون بدلاً من النفقة، بل النفقة المستدانة واجبة عليه معه.
وقد عالج قانون الأحوال الشخصية السوري موضوع النفقة الزوجية بالمواد (71 – 84) فليرجع إليها.
نفقة زوجة الغائب:
الغائب هنا هو من تعذر إحضاره لمجلس القضاء، لسفر أو فقد أو غير ذلك، ولو ادعت الزوجة على زوجها منعها النفقة، وحضر الزوج إلى مجلس القضاء، طبق القاضي عليه ما تقدم من الأحكام.
وأما الغائب، فهو كالحاضر عند جمهور الفقهاء، بعد أن تثبت الزوجة صحة زوجيتها واستحقاقها للنفقة وامتناع الزوج عنها، إلا أن المالكية ذهبوا إلى أنه لا يقضى على الغائب بالنفقة هنا، إلا إذا حلفت الزوجة بأنها تستحق عليه النفقة، وأنه لم يترك لها مالاً تنفق منه على نفسها، ولا أقام لها وكيلاً ينفق عليها، وتسمى هذه اليمين عندهم بيمين الاستيثاق.
تعجيل النفقة:
إذا عجل الزوج لزوجته النفقة عن مدة مستقبلة، كشهر أو سنة أو أكثر من ذلك أو أقل، ثم حصل بينهما ما يسقط النفقة المعجلة عنه، كالفراق أو الموت، فهل للزوج أو ورثته في هذه الحال استرداد المقدار المعجل غير المستحق من النفقة؟
ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه ليس له أن يسترد شيئاً مما عجله من النفقة مطلقاً، لما فيها من معنى الصلة والهبة عندهم.
وذهب الجمهور، ومحمد بن الحسن من الحنفية، إلى أن له استرداد نفقة المدة الباقية مطلقاً، فإن كانت قائمة استرد عينها، وإن كانت هالكة استرد مثلها أو قيمتها.
وهذا كله إذا لم يكن عجَّلها لها بقضاء القاضي، وإلا كان له استردادها بالاتفاق، لأنها بالقضاء تصبح ديناً قوياً.
وهل للقاضي أن يحكم بتعجيل النفقة؟
تقدم في مبحث نفقة الطعام أن الزوج يلزمه طعام زوجته بحسب دخله يوماً بيوم، أو شهراً بشهر، أو سنة بسنة، وأنه يدفعها لها في أول كل فترة من تلك الفترات، لتنفق منها على نفسها فيها، هذا إذا لم يمتعها إمتاعاً، وإلا فلا يجب عليه غير الإمتاع، ومنه يتضح أن على الزوج أن يسلف زوجته نفقة عن فترة مقدمة لا تزيد عن سنة، ولا تقل عن يوم، حسب طريقة دخله.
هذا ما لم يقصد السفر، فإذا قصد السفر، فكذلك، إلا أن أبا يوسف أجاز لها طلب كفيل بالنفقة عن مدة غيبته، إن عُلمت مدة غيبته، وإلا فعن شهر واحد فقط، ولا يسع الزوج الامتناع عن ذلك.
وقد عالج قانون الأحوال الشخصية السوري هذه النقطة، وأدخل فيها أن للقاضي أن يأمر الزوج بإسلافها نفقة مقدمة لا تزيد عن نفقة شهر في أثناء دعوى النفقة إلى حين أن يبت فيها، ونص على ذلك في المادة /82/ منه، وهذا نصها:
المادة /82/
1 – للقاضي أثناء النظر بدعوى النفقة وبعد تقديرها أن يأمر الزوج عند اللزوم بإسلاف زوجته مبلغاً على حساب النفقة لا يزيد عن نفقة شهر واحد، ويمكن تجديد الإسلاف بعده.
2 – ينفذ هذا الأمر فوراً كالأحكام القطعية.
سقوط النفقة:
إذا ثبتت النفقة للزوجة لم تسقط بغير الأداء إليها أو إبرائها الزوج عنها، وهذا عند الجمهور، وعند الحنفية تسقط بعد ثبوتها بالأداء والإبراء، كما تسقط بالنشوز والموت ما لم تتأكد بالاستدانة المأذون بها فعلاً، فإذا تأكدت بالاستدانة لم تسقط بغير الإبراء والأداء.
هذا ولا يجوز الإبراء عن النفقة إلا بالشروط التي تقدمت لصحة الإبراء عن المهر، لأنها بعد تأكدها تكون ديناً مثله، وقد تقدمت هذه الشروط.
ولكن أيسقط بالإبراء النفقة السابقة فقط، أم يسقط به السابقة واللاحقة؟
من القواعد المعتمدة لدى الفقهاء أن الإسقاط لا يرد إلا على ما هو متحقق، دون ما ليس بمتحقق.
وعلى هذا فإسقاط النفقة يرد على ما هو سابق ومستحق منها، دون ما ليس بمستحق بعد، فلو أبرأته من نفقتها السابقة برئ منها بالاتفاق، ولو أبرأته من نفقتها في الأعوام القادمة لم يبرأ منها، لبطلان الإبراء، وهذا عند الجمهور، وذهب الحنفية إلى القول بصحة الإبراء عن المدة المستقبلة أيضاً بشرطين:
أ – أن يكون الإبراء في مدة توجبت لها فيها النفقة عليه بحسب دخله، كأن يكون دخله أسبوعيا، وقد أبرأته عن نفقة الأسبوع القادم في أوله، أو يكون دخله سنويا وقد أبرأته من نفقة السنة القادمة في أولها...... لأنه إبراء من واجب عليه.
ب – أن يكون الإبراء من نفقة عدتها في مقابل الخلع أو الطلاق، فإنه يصح، لأنه يجب لها في أول العدة، فكان إبراء عن واجب عليه.
الكفالة بالنفقة:
اتفق الفقهاء على أن نفقة الزوجة تلزم الزوج وحده، ولا تلزم العاقدين، ولا أولياء الزوج.
ولكن هل للزوجة أن تطلب بها كفيلاً؟
اتفق جمهور الفقهاء على جواز أخذ كفيل بالنفقة في عقد الزواج أو بعده، لأنها دين قوي عندهم منذ العقد، فجاز أخذ الكفيل بها لذلك.
أما الحنفية فالنفقة عندهم لا تصبح ديناً إلا بالقضاء بها أو التراضي عليها بين الزوجين، ثم إنها بذلك تكون ديناً ضعيفاً لا يقوى إلا بالاستدانة فعلاً، وعلى ذلك فلا يجوز أخذ الكفالة بها قبل استدانتها فعلاً عندهم على القياس، لأن الكفالة شرطها الدين القوي، إلا أنهم استحسنوا جوازها بعد القضاء بها أو التراضي عليها، ولو لم تستدن فعلا، للتيسير، بل إن أبا يوسف استحسن إجازتها منذ وجوبها بعد العقد مباشرة، كالجمهور، وهو المفتى به في المذهب الحنفي، وهو الذي عليه العمل في القضاء السوري والمصري، رغم عدم النص عليه.
نفقة المعتدة:
ما تقدم كله خاص بنفقة الزوجة، مادامت الزوجية قائمة بينها وبين زوجها، وأما المعتدة، فهل لها نفقة على زوجها الذي تعتد من زوجيته المنقضية؟
اتفق الفقهاء على ثبوت النفقة كاملة للمعتدة من طلاق رجعي، حتى انقضاء عدتها، مهما طالت، لأنها زوجة في الحكم، بدليل جواز عودة زوجها إليها بالمراجعة بدون عقد ولا رضا جديد.
وأما المعتدة من طلاق بائن، فإن لها النفقة عند الحنفية كاملة كالمعتدة من رجعي، بدليل الاحتباس في كل منهما.
وذهب الجمهور إلى أن للمعتدة من بائن النفقة الكاملة إذا كانت حاملاً فقط، لقوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (الطلاق:6).
فإن كانت حائلاً غير حامل، فلا نفقة لها مطلقاً عند الحنابلة، أما المالكية والشافعية فقد أثبتوا لها السكنى فقط، مستدلين بقوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)، وبمفهوم الآية الكريمة السابقة، حيث أوجب الله تعالى لها السكنى مطلقاً، والنفقة مادامت حاملاً، ففهم منه أن لغير الحامل السكنى فقط.
وأما المعتدة من وفاة، فلا نفقة لها بالاتفاق، لانقطاع الزوجية بينهما تماماً بالموت، إلا أن الإمام مالكا أوجب لها السكنى فقط مدة العدة، إذا كان المسكن مملوكاً للزوج، أو دفع أجرته قبل وفاته.
وأما المعتدة من مفارقة بعد زواج فاسد، أو وطء بشبهة، فلا نفقة لها عند الحنفية، وأوجب لها المالكية النفقة الكاملة إذا كانت حاملاً كالمبانة، لأنها محبوسة مثلها بسبب الزوج، فإذا كانت غير حامل فلها السكنى فقط.
وقد نص القانون السوري للأحوال الشخصية على وجوب النفقة للمعتدات لغير الوفاة جميعاً، إلا أنه جعل حدها الأعلى تسعة أشهر، وذلك في المادتين /83- 84/ منه وهذا نصها:
المادة /83/
تجب على الرجل نفقة معتدته من طلاق أو تفريق أو فسخ.
المادة /84/
نفقة المعدة كنفقة الزوجية، ويحكم بها من تاريخ وجوب العدة، ولا يقضى بها عن مدة أكثر من تسعة أشهر.
وإنني أستغرب جعل القانون تسعة أشهر حداً أعلى لنفقة المعتدة، مع أنه يجعل الحد الأعلى للعدة سنة كاملة.