المـهـر
تعريف المهر:
المَهر في اللغة بفتح الميم صَداق المرأة، وهو ما يدفعه الزوج لزوجته من المال عند زواجه بها، وهو مفرد يجمع على مهورة، وهو ثلاثي في لغة تميم، تقول: مهرت المرأة مهراً إذا دفعت لها مهرها، وهي الأكثر استعمالاً، وفي لغة أخرى يأتي رباعياً، فتقول: أمهرت المرأة؛ إذا دفعت لها مهرها، وقيل: مهرت بمعنى دفعت المهر، وأمهرت بمعنى زوجتها على مهر.
والمهر في اصطلاح الفقهاء: اسم لما تستحقه المرأة بعقد النكاح أو الوطء، ذلك أن الوطء مطلقاً في دار الإسلام لا يخلو عن مهر أو حد.
هذا وللمهر أسماء عدة في الشرع، منها: الصَّداق، والنِّحلة، والعطيّة، والعُقر، والصَّدُقة، والفريضة، والأجر، والعلائق، والحباء. وقد جاء بها الشرع، فمن ذلك قوله تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} ([1])، وقوله تعالى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}([2]).
مركز المهر:
المهر أثر وحكم من أحكام النكاح الصحيح، والوطء بعد النكاح الفاسد، والوطء بشبهة، وهو واجب على الزوج للزوجة بعقد النكاح الصحيح وجوباً يتأكد بالدخول بها، أو الخلوة الصحيحة معها، أو الموت عنها، سواء في ذلك أكان المهر مسمى في العقد تسمية صحيحة، أم غير مسمى، أم منفياً، أم مسمى تسمية غير صحيحة، إلا أنه إن سمي في العقد تسمية صحيحة ثبت للزوجة به المسمى، وإلا ثبت لها مهر المثل ـ كما سوف يأتي بتفصيل ـ.
كما يجب المهر على الزوج للزوجة بالوطء إذا كان ذلك بعد نكاح فاسد، كالنكاح بلا شهود، أو بعد شبهة معتبرة بدون نكاح أصلاً ـ كأن وجدها على فراشه فظنها زوجته فاتصل بها فإذا هي أجنبية ـ، إلا أنه هنا يجب وجوباً متأكداً من أول الأمر لوجود الوطء، ثم إن كان بعد شبهة، كان الواجب لها مهر المثل مطلقاً، فإذا كان بعد نكاح فاسد، فإن كان المهر مسمى فيه، وجب لها الأقل من مهر المثل والمهر المسمى، وإلا وجب لها مهر المثل مطلقاً.
والدليل على وجوب المهر على الزوج لزوجته:
1ـ القرآن الكريم، ومنه قوله تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}([3]). فإنه أمر، وهو للوجوب.
2ـ السنة المطهرة القولية والعملية التقريرية:
من ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ولم ير الزواج منها ثم زوجها ممن حضر بإذنها وقال له: (التمس ولو خاتماً من حديد)([4]).
ومنه حديث عبد الرحمن بن عوف عندما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حاله فقال: تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب فقال له: (بارك الله لك، أولِمْ ولو بشاة)([5]). رواه الجماعة.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج مرات عدة، ولم يخل زواج منها عن مهر، كما أنه زوج بناته الأربع واشترط لهن المهر.
الحكمة في وجوب المهر للزوجة على الزوج:
والحكمة في إيجاب المهر للزوجة على زوجها الإشادة والتنويه بخطورة هذه العلاقة وأهميتها، فإنها أساس بناء المجتمع الكبير، وتخليقه وتأديبه، ثم إن في إيجابه على الزوج خاصة وهو الأقدر على الكسب والإنفاق، الإشارة إلى ما يفرضه الزواج على الزوج من متطلبات ونفقة، عليه أن يحس بها مسبقاً، كما أن فيه تكريماً منه للمرأة التي دخلت في طاعته وكنفه.
مقدار المهر:
اتفق الفقهاء على أن لا حد لأكثر المهر، وعندما غلت المهور على عهد عمر رضي الله تعالى عنه، وعزم على الحد من غلائها وخطب الناس في ذلك، قامت إليه امرأة وراجعته وقالت له: أنّى لك هذا يا بن الخطاب، فقد أعطانا الله وأرضانا، فقال تعالى: { وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً}([6])، فقال عمر: (أصابت المرأة وأخطأ عمر)([7]).
أما أدنى المهر فقد اختلف الفقهاء فيه اختلافاً يسيراً.
فذهب الحنفية إلى أنه عشرة دراهم أو قيمتها من غيرها، وهي تساوي الآن في سورة مئة وخمسين ليرة سورية تقريباً، ودليلهم في ذلك القياس على نصاب السرقة، والأخذ بالحديث الشريف: (لا مهر أقل من عشرة دراهم)([8]).
وذهب مالك إلى أنه ثلاثة دراهم من الفضة أو ربع دينار من الذهب أو ما يساوي أحدهما.
وذهب الشافعي وأحمد إلى أنه لا حد لأقل المهر، فكل مال يصلح أن يكون مهراً وإن قل. وبهذا أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة /54/ منه.
وقد ذهب الفقهاء إلى ندب التيسير في المهر، وعدم المغالاة فيه، وقد جاءت على ذلك الآثار، ومنها: حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة)([9])، رواه أحمد. وحديث عمر رضي الله تعالى عنه موقوفاً عليه قال: (لا تغلوا مهور النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية) رواه الخمسة، وصححه الترمذي([10]).
وغني عن الشرح والتفصيل الآثار الضارة لغلاء المهور، وقد ترتب عن ذلك في كثير من المجتمعات عزوف الشباب عن الزواج، وبالتالي انتشار التعنس والزنا والفجور والتعقيد النفسي، وغير ذلك من الأمراض النفسية والاجتماعية التي يجب المسارعة إلى علاجها، والعمل على الوقاية منها، وإلا استفحل خطرها، وعاد ذلك على المجتمع كله بأفدح الأضرار.
وغني عن البيان أيضاً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحديث المتقدم إنما تراجع عن فرض تقليل المهور على الناس، وحدّه في حد معين لا يجوز تجاوزه لعدم الإذن بذلك من الشارع، وإلا فإنه ندب إلى تقليله نزولاً عندما أرشد إليه الشارع من النصوص المتقدمة وغيرها، وتحقيقاً للمصلحة العامة.
هذا وقد شاعت في الآونة الأخيرة فكرة وجوب تحديد المهور بحد معين يضعه القانون ويمنع الناس من تجاوزه، وهي فكرة خطيرة يجب الاحتراس منها، والإقلاع عنها، وعن التفكير بها، لمخالفتها النصوص المتقدمة، ولأنها تدخل في أمور الناس الخاصة بهم، وهو ممنوع، ولأنها مستحيلة التطبيق، ذلك أن المرأة التي تود إغلاء مهرها سوف تمتنع عن الزواج بأي شاب لا يوافقها على مهر غال تطلبه، فإذا تواطأ معها ودفع مهراً كبيراً ثم حاول بعد الزواج إثبات التواطؤ لاسترداد المقدار الزائد عن الحد المعين في القانون للمهر، فإن الخصام والشقاق بينه وبين زوجته سوف يثور دون شك، فتنتقض بذلك السعادة والحياة الزوجية، ويصبح القانون أداة شقاء لهما بدلاً من أن يكون أداة سعادة وتوافق.
والحل الأمثل عندي أن لا يقنن في الموضوع شيء، وأن يكتفى بالإرشاد والنصح وتذليل العقبات، وأن يعمد القادة ـ قادة الفكر والسياسة ـ إلى تزويج بناتهم بمهور قليلة ـ إذا ما أرادوا فعلاً حل المشكلة ـ وهم دون شك قدوة لغيرهم، ومثل أعلى للناس. ولا بد لعامة الناس بعد ذلك أن تقتدي بهم وتنحو نحوهم.
أحكام المهر:
تقدم أن المهر حكم من أحكام العقد الصحيح، وأثر من آثاره، وهو أيضاً حكم من أحكام الوطء بشبهة، والوطء بعد نكاح فاسد.
وعلى ذلك فإن المهر يلزم الزوج بمجرد العقد الصحيح، سواء أسمي فيه المهر أم لم يسم فيه، أم نص فيه على نفي المهر.
أ ـ إلا أنه إذا سمي فيه مهر ثبت للزوجة المسمى، إلا أن يكون المسمى أدنى من أدنى المهر، فإنه يثبت لها أدنى المهر عند الحنفية والمالكية.
إلا أن هذا الوجوب غير متأكد، فهو قابل للإنقاص والإسقاط، وإنما يتأكد بالدخول بالزوجة فعلاً (الوطء)، والخلوة الصحيحة بها، والموت عنها، فإذا حصلت الفرقة بين الزوجين قبل حصول ما يتأكد به المهر وجب للزوجة نصف المهر المسمى، وسقط النصف الثاني عن الزوج، فإذا مات أحد الزوجين قبل الفرقة وقبل الدخول والخلوة الصحيحة، ثبت للزوجة المهر كاملاً، لأن الموت كالدخول في ذلك.
ب ـ فإذا لم ينص على المهر في العقد ولم يسم فيه، أو سمي فيه ما لا يصلح مهراً، كالخمر والخنزير.. وجب للزوجة على الزوج مهر المثل، ولا يتأكد ذلك إلا بالدخول بها، أو الخلوة الصحيحة، أو الموت أيضاً، فإذا طلقها قبل ذلك، وجبت لها المتعة لا غير، ولم يجب لها شيء من المهر عند الحنفية.
جـ ـ فإذا نص على نفي المهر في العقد، بأن تزوجها على أن لا مهر لها، فالحكم في كالحكم في عدم ذكر المهر، وذلك استحساناً خلافاً للقياس، فالقياس بطلان النكاح كالبيع لأنه معاوضة، إلا أنه استثني من ذلك لخطورته ونص على أن لا يفسد بالشروط الفاسدة، ولكن يصح النكاح ويلغو الشرط الفاسد.
فإذا كان العقد فاسداً ثبت للزوجة مهر المثل بالدخول الحقيقي وحده، إذا لم يسم فيه المهر، فإذا سمي فيه مهر ثبت للزوجة بالدخول الحقيقي بها الأقل من المهر المسمى ومهر المثل، وهذا الثبوت غير قابل للإنقاص أو السقوط بل هو متأكد للدخول الحقيقي، أما الخلوة الصحيحة والموت فلا يقومان هنا مقام الدخول في ثبوت المهر لفساد العقد. فإذا توفي الزوج أو الزوجة قبل الدخول بها في العقد الفاسد، لم يثبت لها شيء، وكذلك إذا فارقها بعد الخلوة وقبل الدخول، فإنها لا شيء لها.
فإذا وطئها بشبهة دارئة للحد، ثبت لها مهر المثل مطلقاً، ثبوتاً متأكداً لا يقبل الإنقاص أو السقوط للوطء. فإذا مات عنها أو فارقها بعد ذلك، كان لها مهر المثل([11]) مطلقاً.
وقد أخذ بذلك كله قانون الأحوال الشخصية السوري في المواد 53ـ64 منه.
الحقوق المتعلقة بالمهر:
يتعلق بوجوب المهر ابتداء حقوق ثلاثة هي: حق الله تعالى، وحق الزوجة، وحق أولياء الزوجة، ويتعلق به بعد ثبوته في ذمة الزوج حق واحد هو حق الزوجة.
ولكل حق من هذه الحقوق آثار شرعية على أحكام المهر، وذلك كالآتي:
1ـ فمراعاة لحق الله تعالى في المهر يعتبر المهر حكماً من أحكام العقد الصحيح وأثراً من آثاره، فيثبت بمجرد صحة العقد، سواء في ذلك أسمي المهر فيه، أم نفي، أم أجهل، إلا أنه إن سمي وجب المسمى، وإلا وجب مهر المثل. ذلك أنه حق الله تعالى، ولا حق لأحد في إسقاط حق الله تعالى. وكذلك فإن المهر يجب أن لا يقل عن الحد الأدنى له عند الحنفية والمالكية، فإذا قل عنه في التسمية في العقد ثبت للزوجة الحد الأدنى منه حكماً رعاية لحق الشارع فيه، فإذا سمي لها فيه ما لا يصلح مهراً كالخمر والخنزير ثبت لها مهر المثل، رعاية لحق الشارع، ضرورة فساد هذه التسمية، لعدم صحة الالتزام بهذه الأشياء شرعاً.
ب ـ ومراعاة لحق الزوجة، وجب أن لا يقل عن مهر المثل، إلا أن ترضى هي ووليها بالحط عنه إن كانت بالغة عاقلة، أو يرضى وليها بالحط عنه إذا كانت قاصرة، بشرط أن يكون الولي هو الأب أو الجد لا غير، كما أنه مراعاة لحقها فإنها تملكه مطلقاً، وتملك التصرف فيه كيفما شاءت كسائر أموالها الأخرى إذا كانت عاقلة بالغة.
وعلى ذلك إذا زوجت البالغة العاقلة نفسها بمهر المثل وصح العقد، فإنها تملك المهر فوراً، فإذا وهبته من الزوج أو من وليها أو من غيره جاز ذلك منها لأنه ملكها، فإذا زوجها وليها بأمرها وكانت بالغة عاقلة، وجب أن يكون بمهر المثل إلا أن ترضي بالحط عنه فيصح، حماية لحقها ورعاية له.
فإذا زوجها الولي وهي صغيرة، فإذا كان بمهر المثل جاز مطلقاً، وإذا كان بأقل من مهر المثل، فإن كان الولي غير الأب والجد لم يجز حماية لحقها في مهر المثل، وإن كان الولي هو الأب والجد جاز، لأن حطهما عن مهر المثل مما تظن معه مصلحة غالبة لها، لكمال شفقتهما، فصار كحطها هي، فجاز.
جـ ـ ومراعاة لحق الولي في المهر وجب أن لا ينقص عن مهر المثل لئلا يصيبه من ذلك عار ومذمة، فإذا زوجت البالغة العاقلة نفسها بأقل من مهر المثل كان للولي الحق في فسخ النكاح، رعاية لحقه في المهر، فإذا زاد الزوج المهر إلى مهر المثل سقط حق الولي في الفسخ، لاكتمال المهر.
د ـ هذا في الحقوق المتعلقة بالمهر ابتداء، فأما ما يتعلق به بقاء، فهو حق الزوجة في ملكيته لا غير، ولهذا كان لها المطالبة به ومنع نفسها عن الزوج بسببه ـ إذا كان معجلاً ـ كما أن لها إبراء الزوج عنه كلياً أو جزئياً، ولها إهداؤه إلى وليها أو غيره.. كسائر أملاكها الأخرى، ولا اعتراض لوليها على ذلك، لانقضاء حقه بثبوت المهر في ذمة الزوج هذا إذا كانت بالغة عاقلة، وإلا لم يكن لها التصرف فيه لنقصان أهليتها، لا لانعدام حقها فيه.
تعجيل المهر وتأجيله:
ذهب الحنفية إلى تخيير الزوجين تخيراً مطلقاً في ذلك، فلهما أن يجعلا المهر كله معجلاً، كما أن لهما أن يجعلاه كله مؤجلاً، فإذا أرادا تعجيل جزء منه وتأجيل الجزء الآخر كان لهما ذلك أيضاً، ثم إنهما مخيران في الأجل طويلاً أو قصيراً بحسب ظروفهما وأحوالهما، فإذا أجلاه إلى الطلاق أو الموت جاز أيضاً، لأن المهر بعد ثبوته في ذمة الزوج يصبح حقاً خالصاً للزوجة، فيجوز لها التصرف فيه على أي وجه كان ما دامت بالغة عاقلة، فإذا كانت صغيرة أو مجنونة لم يكن لها ذلك لعدم الأهلية أو نقصانها.
فإذا لم يبين في العقد أن المهر مؤجل أو معجل، رد الأمر إلى العرف، وحكم فيه بموجبه، فإن كان العرف يقضي بتأجيله كله اعتبر كله مؤجلاً أو تأجيل نصفه اعتبر نصفه مؤجلاً والنصف الآخر معجلاً.. فإذا لم يكن هنالك عرف مستقر اعتبر كله معجلاً، ذلك أن المهر حكم من أحكام العقد والوطء رعاية لحق الشارع، والأصل في ذلك أن يثبت معجلاً كالبيع ما دام لم يرد من الشروط والعرف ما يقضي بتأجيله.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بذلك في المادة /54/ منه إلا أنه نص فيها على أن الزوجة تستحق مؤجل مهرها بانقضاء عدتها، وهو مخالف لمذهب الحنفية الذي أخذت المادة منه، فمذهب الحنفية أن الزوجة تستحق مؤجل مهرها بانقضاء عدتها إذا كانت عدة طلاق رجعي، فإذا كان الطلاق بائناً استحقت المؤجل بالطلاق ذاته دون انتظار إلى آخر العدة، لعدم الفائدة من الانتظار، بخلاف الرجعي.
ثم إن للزوجة أن تمنع نفسها عن زوجها، فلا تمكنه من الوطء ولا تنتقل إلى بيته حتى يدفع لها معجل مهرها، سواء أكان المعجل كل المهر، أم بعضه. أما المهر المؤجل فليس لها أن تمنع نفسها عنه بسببه، لأنها بالتأجيل أسقطت حقها في تعجيله، والساقط لا يعود. إلا أنها إن سلمت نفسها للزوج قبل قبض المعجل لم يعد لها أن تمنع نفسها عنه إلى قبضه، ولكن تطالبه به لا غير، فإذا منعت نفسها عنه كانت ناشزاً، هذا عند الصاحبين من الحنفية، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن لها أن تمنع نفسها عن الزوج حتى تقبض المعجل مطلقاً، وهو الراجح لدى الحنفية، هذا إذا لم يشرط عليها عدم منع نفسها إلى قبضه في العقد، فإن شرط عليها ذلك في العقد سقط حقها في التعجيل ولم يعد لها منع نفسها عنه بسببه للشرط، بل المطالبة بالمهر لا غير.
وذهب الشافعي إلى أنها إن سلمته نفسها فوطئها لم يعد لها منع نفسها عنه بسبب عدم التعجيل، فإن سلمته نفسها فلم يطأها، كان لها الحق في منع نفسها عنه، وهو مذهب وسط بين أبي حنيفة وصاحبيه، فإذا لم تسلمه نفسها بعد، فإن لها أن تمتنع عنه حتى يدفع المعجل لها أو يستعد لدفعه إليها.
فإذا عجز الزوج عن دفع المعجل من المهر، فقد ذهب الشافعية والحنبلية في قول إلى أن لها أن تطلب فسخ النكاح رفعاً للضرر عنها، وذهب المالكية إلى أن لها طلب الفسخ ما لم يكن دخل بها، فإذا دخل بها سقط حقها في الفسخ.
وذهب الحنفية إلى أن ليس لها طلب الفسخ بسبب ذلك مطلقاً، ولكن لها منع نفسها عنه ومطالبته به لا غير، كسائر الغرماء (الدائنين).
هذا وقد اعتبر قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة /54/ منه المهر ديناً ممتازاً مقدماً في الاستيفاء على كثير من الديون الأخرى التي قد تكون على الزوج.
زيادة المهر ونقصانه وسقوطه:
اتفق الفقهاء على جواز زيادة المهر ونقصانه بعد العقد، وأن ذلك يلحق المهر المسمى في أحكامه، لم يخالف في ذلك إلا الحنفية في بعض الأحكام كما سوف يأتي.
إلا أن للزيادة والنقصان في المهر شروطاً وأحكاماً هي:
أ ـــ شروط وأحكام الزيادة في المهر:
1ـ أن تكون الزيادة برضا الزوج إذا كان بالغاً عاقلاً، وبرضا وليه إذا كان قاصراً والولي هو الأب والجد.
لأن الزوج إذا كان قاصراً لم يعتبر رضاه بالزيادة لعدم أهليته للتبرع، وكذلك الولي إذا كان غير الأب والجد فإنه لا عبرة برضاه لأنه لا يملك التبرع عن القاصر من مال القاصر، واستثني من ذلك الأب والجد لكمال شفقتهما مما تظن معه مصلحة غالبة للصغير في هذه الزيادة، فصار كرضاه هو بالزيادة وهو بالغ عاقل، اعتباراً بتزويجه بأكثر من مهر المثل ابتداء.
2ـ أن تكون الزيادة معلومة، وإلا لم تصح الزيادة، والمهر على حاله، فإذا قال لها: (زدتك في مهرك) ولم يحدد، لم تصح الزيادة، لأنها جهالة تفضي للمنازعة فتلغو.
3ـ أن تكون الزيادة حال قيام الزوجية حقيقة أو حكماً، فإذا حصلت بعد الفرقة وانقضاء العدة أو في عدة البائن لم تصح، أما إذا حصلت في أثناء العدة من رجعي فإنها تصح لقيام الزوجية حكماً.
4ـ أن تقبل الزوجة الزيادة في مجلس العقد، أو يقبل عنها وليها ذلك، لأن لهذه الزيادة حكم الهبة، فاشترط لها القبول لذلك.
وقد اشترط قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة /57/ منه إلى جانب ما تقدم شرطاً آخر وهو أن تكون الزيادة أمام القاضي وإلا وقعت باطلة، وهو ما لم يقبل به أحد من الفقهاء.
ب ـــ شروط وأحكام الحط من المهر:
يشترط لصحة الحط من المهر أن يكون ذلك برضا الزوجة إذا كانت بالغة عاقلة، لأن المهر حقها وحدها بعد ثبوته، فلا يسقط ولا ينقص منه شيء إلا برضاها، فإذا كانت قاصرة أو مجنونة لم يصح إنقاص شيء منه مطلقاً، أما منها فلانعدام الأهلية، وأما من وليها فلأنه هبة، وهبة الولي من مال الصغير والمجنون باطلة. وسواء في ذلك أن يكون الولي أباً أم جداً أم غيرهما، على خلاف الزيادة في المهر ـ كما تقدم ـ، ذلك أن زيادة المهر مما تعارفه الناس، وفيه منفعة للزوج وهو تكريم زوجته، أما الحط من المهر فلم تجر العادة به، وليس فيه تكريم لأحد.
هذا وقد اتفق الفقهاء على أن الزيادة الصحيحة والحط الصحيح من المهر يلتحقان بالمهر المسمى في العقد، وكذلك الاتفاق على مهر معين رضاء أو قضاء إذا لم يكن في العقد تسمية صحيحة، فإن له حكم المهر المسمى في كل الأحوال والأحكام.
وخالف في ذلك الحنفية في بعض الأحكام، فذهبوا إلى أن الزيادة والحط والاتفاق على التسمية بعد العقد له حكم المسمى في العقد تماماً إذا تأكد المهر بالدخول أو الخلوة الصحيحة أو الموت.
فإذا مات الزوج قبل الدخول استحقت الزوجة المسمى مع الزيادة إذا كانت هنالك زيادة صحيحة، أو المسمى بعد تنزيل مقدار الحط إذا كان هنالك حط صحيح، أو المتفق عليه إذا لم يكن في العقد مهر مسمى ثم اتفق على تسمية صحيحة بعد العقد برضا أو قضاء.
وكذلك إذا طلقها بعد الدخول أو الخلوة الصحيحة، فإن لها مثل ما للمتوفى عنها زوجها تماماً.
فإذا لم يتأكد المهر بدخول أو خلوة أو موت وحصلت الفرقة اعتبر المهر الأول الثابت بالعقد لا غير، ثم إذا كان هنالك مهر مسمى في العقد استحقت نصفه دون التفات إلى أي زيادة أو نقص تم بعد ذلك، وإذا لم يكن فيه مهر مسمى استحقت المتعة ولا عبرة بما اتفق عليه بعد العقد من المهر.
جـ ـــ حالات سقوط المهر:
ذهب الحنفية إلى أن الزوج إذا دخل بزوجته أو اختلى بها خلوة صحيحة أو مات عنها ثبت لها المهر المسمى أو مهر المثل على النحو المتقدم، ولم يسقط ذلك بعده بحال بغير الإبراء الصحيح، فإذا حصلت بينهما فرقة قبل الدخول:
فإن كانت الفرقة بسبب الزوج كالطلاق، وردَّة الزوج، وإبائه الإسلام.. فإن كان المهر مسمى فللزوجة نصفه، وإن كان غير مسمى، أو كان مسمى تسمية غير صحيحة، لم يكن لها غير المتعة.
فإذا كانت الفرقة بسبب الزوجة كردَّتها، أو إبائها الإسلام، أو اختيارها نفسها بعد البلوغ,.. سقط مهرها ولم يكن لها شيء، سواء أكان المهر مسمى أو غير مسمى.
وقد أخذ بذلك قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة /59/ منه.
فإذا قتلت الزوجة زوجها قبل الدخول، فقد ذهب المالكية والشافعية إلى أنها لا مهر لها للقاعدة: (من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه)([12]). وذهب الحنفية والحنبلية إلى أن لها المهر كاملاً، لأن الموت كالدخول في تقرير المهر لها به مطلقاً.
فإذا قتلته بعد الدخول فإن لها المهر كاملاً بالدخول، وكذلك إذا قتلها هو قبل الدخول أو بعده، فإن لها المهر كاملاً، لأن الموت كالدخول في حكم تقرير المهر.
ولاية قبض المهر:
تقدم في الحقوق المتعلقة بالمهر، أن المهر بعد العقد الصحيح يصبح حقاً خالصاً للزوجة، وعلى ذلك فقد ذهب الحنفية، إلى أن قبض المهر حق خالص للزوجة، وليس لأحد أن يقبضه عنها إلا بتوكيل منها بذلك، صريحاً أو دلالة، سواء أكانت بكراً أم ثيباً، ما دامت عاقلة بالغة، وليس الإذن بالعقد منها إذناً بقبض المهر، على خلاف البيع، فإن الإذن به إذن بقبض الثمن، ذلك أن النكاح مما يعتبر فيه الوكيل كالرسول، فلا ترجع إليه حقوق النكاح، ولكن إلى الزوجين، وليس البيع كذلك، ولهذا جاز النكاح بعبارة واحدة، على خلاف البيع.
هذا إذا كانت الزوجة عاقلة بالغة ـ كما أشرت ـ فإذا كانت قاصرة، أو مجنونة، أو كانت محجوراً عليها في مالها لسفه أو غيره، كان الحق في قبض مهرها عنها لولي المال عليها,كسائر الحقوق المالية الأخرى,ضماناً لمصلحتها.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بذلك في المادة /60/ منه، إلا أنه حصر التوكيل بقبضه بأن يكون في وثيقة الزواج، وهو مما لم يشهد له مذهب فقهي أو مصلحة ضرورية ـ فيما أعلم ـ.
ملحق رقم (1)
(المتعة)
تعريف المتعة:
المُتعة بضم الميم في اللغة المنفعة، وفي اصطلاح الفقهاء هنا: (المال الذي يدفعه الزوج لمطلقته غير الصداق، تطييباً لنفسها، وتعويضاً لها عن ألم الفراق).
حكم المتعة:
اختلف الفقهاء في حكم المتعة على التفصيل التالي:
أ ـ ذهب الحنفية إلى أن المتعة واجبة للمطلقة قبل الدخول بها، إذا لم يكن سمي لها مهر صحيح في العقد، سواء أكان المهر في العقد منصوصاً على نفيه أم كان مجهلاً، أم مسمى تسمية فاسدة، فإذا كان المهر مسمى تسمية صحيحة، وجب لها نصف المسمى قبل الدخول دون المتعة.
وتكون المتعة مندوبة لكل مطلقة عند الحنفية فيما عدا الحالة المتقدمة التي تعتبر فيها واجبة.
ب ـ وذهب المالكية إلى أن المتعة مندوبة لكل مطلقة إلا المطلقة قبل الدخول وقد سمي لها مهر صريح في العقد، ولا تكون واجبة بحال عندهم.
جـ ـ وذهب الشافعية في الجديد ـ وهو الأرجح عندهم ـ إلى أن المتعة واجبة لكل مطلقة، إلا المطلقة قبل الدخول وقد سمي لها مهر صحيح في العقد، وفي المذهب القديم كقول الحنفية.
د ـ أما الحنبلية فذهبوا في الراجح من مذهبهم إلى وجوب المتعة لكل مفوِّضة البُضع طلقت قبل الدخول بها. وعلى ذلك فهم في جملة مذهبهم كالحنفية، إلا أنهم يخالفونهم في مفوضة المهر، فيوجبون لها نصف المهر في حين أن الحنفية يوجبون المتعة([13]). وفي قوله ثان لهم كمذهب الحنفية تماماً.
مقدار المتعة:
اختلف الفقهاء في مقدار المتعة على أقوال:
أ ـ فذهب الحنفية إلى أن المتعة كسوة كاملة للمرأة، تتألف من درع وخمار وملحفة، بشرط أن لا تزيد قيمة ذلك عن نصف مهر المثل، ولا تنقص عن خمسة دراهم هي نصف الحد الأدنى للمهر عندهم.
هذا والمعتبر في تقدير المتعة عندهم حال الزوجين معاً، فقراً وغنى، على الراجح من المذهب، وذهب الإمام الكرخي إلى أن المعتبر في المتعة حال الزوجة فقط، كما ذهب الإمام السرخسي إلى أن المعتبر فيها هو حال الزوج لا غير، وقد أخذ بهذه الرواية الأخيرة قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة /62/ منه.
ب ـ وذهب المالكية والحنبلية إلى أن المتعة خادم، إذا كان الزوج غنياً، فإذا كان فقيراً كانت كسوة أمثال الزوجة، لا تنزل عن درع وخمار وثوب تصلي فيه، وفي رواية عند الحنبلية يرجع في تقديرها إلى القاضي.
جـ ـ وذهب الشافعية إلى أن أعلى المتعة خادم، وأدناها ثلاثون درهماً، وأوسطها ثوب، على أن لا يزيد ذلك عن نصف مهر المثل، هذا في المقدار المستحب. أما الواجب فأن لا تزيد عن مهر المثل، ولا تنقص عن أدنى ما يسمى مالاً. ثم إن المتعة عندهم معتبرة بحال الزوجين معاً كالراجح من مذهب الحنفية، وقيل تعتبر بحال الزوج، كما قيل تعتبر بحال الزوجة.
ملحق رقم (2)
(هل يجب على الزوجة تجهيز منزل الزوجية؟)
جرى العرف في أكثر الأمصار الإسلامية على أن على الزوجة أن تجهز منزل الزوجية بالمهر الذي تأخذه من الزوج، فتفرشه بالأثاث والسجاجيد والمقاعد... وقد أغرقت بعض الأمصار، فقضت بتكليف الزوجة أو وليها بإضافة شيء إلى المهر من مالهما لتتميم الجهاز، فبعضهم يضيف مثل نصف المهر، وبعضهم يضيف مثله أو أكثر منه.. إلا أن بعض المناطق الإسلامية جرت على أن لا تنفق الزوجة شيئاً من مهرها في الجهاز، ولكن تهديه لوالدها كله أو أكثره ـ كما يحصل في أكثر الأرياف في سوريا ـ.
وهنا لا بد من التساؤل عن حكم الشرع الإسلامي في ذلك، أتعتبر الزوجة ملزمة بتجهيز بيت الزوجية بالمهر الذي أخذته من الزوج كله أو بعضه، فإذا لم تفعل ألزمت به قضاء، أم أن المهر حقها، وهو خالص لها في مقابلة البُضع، وأن تجهيز المنزل كله على الزوج وحده؟
ذهب الحنفية في الراجح من مذهبهم إلى أن المهر حق الزوجة وحدها، لا تثريب عليها في أن تتصرف به كيف شاءت، أما الجهاز فهو واجب على الزوج وحده، لأنه من النفقة، وهي عليه وحده بالإجماع، وذلك مما كان عرف البلد الذي تم فيه الزواج.
هذا إذا لم يدفع لها الزوج مالاً غير المهر في سبيل إعداد الجهاز، فإذا دفع لها مالاً غير المهر في سبيل إعداد الجهاز لزمها أن تجهز بهذا المال الزائد عن المهر، وتعتبر في ذلك وكيلة عن الزوج فيه، فإذا لم تفعل استرد منها هذا المال الزائد إن شاء.
فإذا لم يدفع لها مالاً زائداً عن المهر ولكن زاد لها في مهرها في مقابل الجهاز، فقد ذهب البعض إلى أنها تلزم بالجهاز في حدود هذه الزيادة، وإلا استرد منها الزيادة، وذهب آخرون إلى أنها لا تلزم بالجهاز، ويكون الكل مهرها وحقاً خالصاً لها.
وذهب المالكية إلى أن العرف ملزم هنا، فإذا كان العرف يقضي عليها بالتجهيز بما أخذت من المهر لزمها ذلك، فإذا قضى العرف بأن تجهز بالمهر وبضعفه من مالها لزمها ذلك أيضاً، فإذا امتنعت عن ذلك أجبرت قضاء، هذا إذا لم تشترط عليه عدم التجهيز، فإذا اشترطت عليه ذلك لم تلزم بالجهاز للشرط، لأن العرف يلغو بالشرط المخالف له.
ملحق رقم (3)
(الاختلاف بين الزوجين في ملكية جهاز البيت، وطرق حله)
كثيراً ما يحصل النزاع بين الزوجين، ويستحكم هذا النزاع، وربما وصل الأمر إلى الفرقة بينهما، وربما انتهى الأمر إلى الاختلاف على ملكية متاع منزل الزوجية، من أثاث، وسجاجيد، ومقاعد وأدوات، وغيرها، فتدعي الزوجة أن ذلك كله أو بعضه لها، وأنها اشترته بمهرها، أو جلبته من بيت أبيها معها، أو اشترته بمالها بعد ذلك، ويدعي الزوج أنه له، وأنه اشتراه بماله بعد دفع المهر لها.
ثم قد يتوفى أحد الزوجين، ويدعي ورثته على الزوج الحي أن ما في البيت من متاع كله أو بعضه ملك خاص لمورثهم، وينكر عليهم الحي من الزوجين ذلك، ويدعي أنه له، وقد يتوفى الزوجان معاً ويختلف ورثتهما في ملكية ذلك.
وهنا أمام هذه الاختلافات والدعاوى، لا بد من وضع قاعدة وأساس عام يحكم به هذا النزاع على أساس عادل، ويتبين به ما للزوج من المتاع مما للزوجة منه.
وقد وضع الفقهاء أساساً يحسم به هذا النزاع، على وفق قواعد الإثبات العامة في الشريعة الإسلامية، التي يمثلها قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ادعى أمامه: (شاهداك أو يمينه)، وقوله: (البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه) ([14]). وذلك الأساس هو:
أ ـ يكلف كل من الزوجين المختلفين وورثتهما عند موتهما بالإثبات بالبينة، وهي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، فأيهما أقام البينة قضي له بها.
ب ـ فإذا عجز الطرفان عن البينة، ففي المسألة تفصيل على النحو التالي:
1) إذا كان الخلاف بين الزوجين فالقول للزوج بيمينه فيما هو خاص به من المتاع، كملابسه الخاصة، وأدوات مهنته... والقول للزوجة بيمينها في كل ما هو خاص بها من المتاع، كملابسها الخاصة بها، وأدوات زينتها... وذلك أخذاً بالأصل، إذ الأصل أن ما يخص الإنسان يكون له.
أما ما كان مشتركاً بينهما ويصلح لهما معاً، كأدوات المطبخ، والسجاجيد... فهي للزوج بيمينه، استدلالاً بوضع اليد، ذلك أن يد الرجل في بيته يد تصرف، أما يد الزوجة فيه فهي يد حفظ، ويد التصرف أقوى، ثم إن الرجل هو صاحب النفقة.
3) فإذا كان الخلاف بين ورثة الزوجين فالحكم فيه كالحكم بين الزوجين تماماً.
هذا كله على وفق مذهب الإمامين أبي حنيفة ومالك، وذهب أبو يوسف من الحنفية فيما هو مشترك بين الزوجين من المتاع إلى أنه للزوجة بيمينها في حدود ما تتجهز به في العرف، لأن العادة أن المرأة تتجهز ببعض المتاع، فكان لها ذلك بدلالة العرف، أما ما كان فوق ذلك فهو للزوج بيمينه بوضع اليد.
وإنني هنا أرى أن مذهب أبي يوسف راجح لما للعادة من سلطان على الأحكام، إلا أنني أرى أن يزاد في ذلك قيد آخر هو أن يكون المتاع الذي تدعيه الزوجة مما تتجهز به عادة من حيث النوع فوق أن يكون مما تتجهز به عادة من حيث الثمن، ذلك أن ما تتجهز به المرأة معروف مثل الخزائن والمفارش والمقاعد... أما أواني المطبخ والأدوات الكهربائية كالغسالة والثلاجة... فهي مما لم تجر العادة في تجهيز المرأة به، فلا يجوز أن يحكم به لها مع ذلك، إلا أنني لم أر من نص على ذلك.
3) فإذا كان النزاع في متاع البيت بين أحد الزوجين وورثة الآخر ـ سواء أكان المتوفى الزوج أو الزوجة ـ كان ما يخص الزوج المتوفى من المتاع لورثته بيمينهم، وما يخص الزوج الحي منهما له بيمينه أيضاً، أما ما هو مشترك بينهما فهو للحي من الزوجين بيمينه عند أبي حنيفة، لوضع اليد، لأنه لا يد للمتوفى.
وذهب مالك وأبو يوسف إلى أن الحكم في هذا كالحكم في الخلاف بين الزوجين في ذلك تماماً، ـ وقد تقدم بيانه ـ.
** ** **
([11]) مهر المثل هو مهر قريناتها من قريباتها يوم الزواج بها كأخواتها وبنات عمها.. وهو راجع للعرف ولا يحد فيه بحد معين لا يجوز تجاوزه.