آداب الخِطبة في التشريع الإسلامي
يعرف العلماء الخطبة بأنها: (طلب الرجل المرأة للزواج منها)، وللمتسائل هنا أن يسأل فيقول: هل يكون طلب المرأة الرجل للزواج منه خطبة أيضاً؟ والجواب نعم، إلا أنه غير المعتاد المألوف بين الناس إلا استثناء، فقد اعتاد الناس على اختلاف بيئاتهم وأزمانهم في الخطبة أن تكون من الرجل للمرأة وليس العكس، ولهذا فإن الرجل يعلو في نظر المرأة إذا أظهر الرغبة في خطبتها والزواج منها، أما المرأة إذا خطبت الرجل وأظهرت الرغبة في الزواج منه، فإنها تنزل في نظره غالباً، هذه عادة الناس وسنة الله في الأرض.
أقول إلا استثناء، فقد حدث في التاريخ استثناءات من هذا المبدأ، حيث خطبت امرأة أو وليها رجلاً ولم تهبط في نظره، من ذلك ما حدث لابنة سعيد بن المسيب ـ رضي الله تعالى عنه ـ فقد خطبها منه الخليفة عبد الملك بن مروان لابنه وولي عهده من بعده الوليد، فأبى سعيد عليه ذلك، ثم خطب لها تلميذاً له فقيراً وزوجها منه وكان بها سعيداً ولها مجلاً ومحترماً. ومن قبل فقد أرسلت خديجة بنت خويلد ـ رضي الله تعالى عنها ـ إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم تخطبه لنفسها لما رأت فيه من الأخلاق والشيم، فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتها، وتزوج منها، وكان بها حفياً، حتى إنه كان يكرم صويحباتها بعد موتها وفاء لحقها وإكراماً لها، إلى درجة أثارت الغيرة في بعض زوجاته الأخريات منها.
والمعنى العام للخطبة هو تكريم الرجل الخاطب للمرأة المخطوبة من جهة، والإعراب عن الرغبة فيها مما يقرب قلبها منه ويثير رغبتها في الموافقة على الزواج منه من جهة ثانية، وهي من جهة ثالثة فترة استمهال وتروٍّ قبل الإقدام على عقد الزواج، مما يجعل العقد أكثر بركة وأوفر حظاً في الديمومة والاستمرار.
هذا وقد شرع الإسلام في الخطبة آداباً، حض النبي صلى الله عليه وسلم عليها ونبه إلى لزوم الاعتناء بها، لتحقق الخطبة غايتها، فتؤدي إلى السكن وحسن المعاشرة، ودوام الألفة والمودة، وقد تسامح المسلمون في عصورهم الأخيرة في العناية ببعض هذه الآداب، وجهلوها أو تجاهلوها، فجنوا من ذلك تعثراً في الزواج، وكثرة في الفراق والطلاق، ولو أنهم التزموها وعنوا بها لاستغنوا عن كثير من حوادث الطلاق ومظاهر الاختلاف والشقاق، ولأورثوا الزوجين مزيداً من السعادة والاتفاق.
وسوف أنبه هنا إلى أهم هذه الآداب مدعماً إياها بالأدلة ما أمكن:
1ـ أن يعرض الولي على ابنه ومن يلي عليه الخطبة له متى بلغ كمال الأهلية، وتطلع إلى الزواج، ويشجعه على الاستعداد له، بتوفير ما أمكن من المسكن والنفقة، وأن يعده مد يد العون له قدر الإمكان والطاقة، فإن في ذلك صرفه عن التفكير في المحرمات والتهيؤ للرجولة الحقة في المبنى والمعنى، وإدخال السرور والسعادة إلى قلبه ونفسه، وهو ما يعود على المجتمع أفراداً وجماعات، بأحسن العواقب، وإن قدوتنا في ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كبر عنده غلامه ومولاه زيد بن حارثة وبلغ سن الرجولة، فعرض عليه الزواج والمساعدة في نفقته، وخيره في من يرغب من النساء، فأعلن رغبته في زينب بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وهي سيدة قومها جمالاً ونسباً، فنهاه عنها لعدم التكافؤ بينهما، فلما أصر عليه خطبها له وزوجه منها، وهي حادثة سجلها القرآن لنا، واستنبط الفقهاء منها أحكاماً ليس هذا محل تفصيلها.
وإن أكثر ما يعانيه شباب اليوم هو تأخر الأهل عن تقديم المساعدة لهم في أمر زواجهم في زمن تعقدت فيه الحياة، وغلت فيه الأسعار، مما نتج عنه انتشار العزوبة والتعنس، وهما من أعقد المشاكل الاجتماعية وأكثرها خطورة.
وإن بعض الناس اليوم لا يرى الزواج ولا يستحسنه حتى يجاوز الشاب الخامسة والعشرين وربما الثلاثين، ويرى أن الزواج قبل هذه السن زواج مبكر، وكذلك الفتاة، فإنهم لا يرون زواجها قبل سن العشرين وربما الخامسة والعشرين، وهو في نظري خطأ كبير، فإن الإسلام يحض على الزواج متى كملت الأهلية بالبلوغ وتم الاستعداد للإنفاق على الزوجة من جهة الزوج، وكذلك المرأة متى كملت أهليتها بالبلوغ، وإن أي استمهال بعد ذلك يكون ضرره أكثر من خيره، وسلبياته أكثر من إيجابياته، ثم إن الزوجين في هذه السن المبكرة بعد البلوغ يكونان أقدر على التلاؤم مع بعضهما من المتقدمين في السن، وخاصة إذا أحسن الأهل الاختيار والتلاؤم والتقارب في المستوى بينهما، وحسن الإدارة والرعاية لهما بعد الزواج، وهذا الاتجاه هو خلاف المنتشر اليوم بين أكثر الناس، وإن هذا المنتشر في رأيي مخالف للخط التشريعي الإسلامي العام الذي وجه النبي صلى الله عليه وسلم إليه، أما تزويج الصغار دون البلوغ فهو خلاف الأولى ما لم تدع إليه مصلحة خاصة، وإن كان صحيحاً إذا استكمل شروطه وكان بموافقة الولي.
2ـ أن يحسن كل من الزوجين اختيار الزوج الثاني، مستعيناً في ذلك بالأهل والأصدقاء والأولياء، وأن لا يتسرع في الخطبة والرد عليها سلباً أو إيجاباً قبل أن يتعرف على صفات الزوج الآخر وأحواله، سواء بالسؤال عنه أو النظر إليه في الحدود المشروعة التي تقدم تفصيلها في الحلقة السابقة، فإن عدم الموافقة على الخاطب المناسب من الخطورة كالموافقة على الخاطب غير المناسب، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مراعاة أمور في ذلك، منها:
أ ـ توافر الكفاءة: وهي المقاربة في المستوى بين الزوجين في كل ما يرى العرف التقارب فيه، سواء في ذلك التقارب في السن، والثقافة والنسب، والمتسوى الاجتماعي، والمهنة، والمال، والتدين...، فإذا خطبت فتاة ممن دونها في الكفاءة فينبغي لها أن لا توافق ولا أهلها، لأن لهذا الاختلال عواقب سيئة على حياتهما الزوجية في الغالب، إلا أن توجد مصالح معينة خاصة تدعو إلى الموافقة، ولنا في قصة زواج زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم من زينب المتقدمة ثم طلاقه لها خير موعظة في ذلك.
وكذلك الزوج إذا عرض عليه أولياؤه الزواج من فتاة دونه في الكفاءة فإن الأولى أن يتنزه عنها ويفتش عن مكافئة له بدلاً منها، وإن كان الأمر هنا أهون من الزوجة في الحالة الأولى.
ب ـ الاهتمام بالدين والخلق قبل غيره من الصفات، فإن الصفات المرغبة للزوج بزوجته والزوجة بزوجها كثيرة، منها المال، والجمال، والسن، والثقافة، والنسب، والحسب... وإن توافرها كلها محال في الغالب، ولهذا كان لا بد من التغاضي عن بعضها في سبيل الحصول على بعضها الآخر، وجعلها في سلم أولويات يقدم فيه الأهم على المهم، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن أهم المهم هنا هو الدين والخلق، فإنهما الصفتان الذاتيتان الثابتتان في الإنسان في الغالب، ثم إنهما أهم ما يؤمن للحياة الزوجية السعادة والديمومة والمودة، وغيرهما من الصفات دونهما في ذلك حتماً.
فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله لأولياء الفتيات: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) [أخرجه الترمذي].
وقال صلى الله عليه وسلم للشباب: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) [أخرجه مسلم].
وبعد الدين وحسن الخلق يأتي في الأهمية الحسب والنسب لأنهما يدلان على حسن المحتد وسلامة الأصل، قال النبي صلى الله عليه وسلم للشباب: (تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم) [أخرجه ابن ماجه والدارقطني والحاكم]، ولأن النسب والحسب هما الموجهان للسلوك الإنساني والمنشآن للعادة والعرف الذي ينظم حياة الناس، ولأنهما أكثر العناصر ثباتاً في حياة الناس بعد الدين والأخلاق على خلاف غيرهما من الصفات كالمال والجمال.. فإنها آنية وعاجلة الزوال. فإذا توافر إلى جانب الدين والأخلاق والحسب والنسب، مال وجمال.. فحسن، وإلا فإن فيما تقدم من الصفات ما يكفي لديمومة المودة والألفة في الغالب.
3ـ أن تتوجه رغبة كل من الزوجين في زواجهما إلى إعفاف النفس والمحافظة على الدين، واستدامة النسل أولاً، فليس الزواج في أصله مشروعاً للمتعة واللذة، وإن كانت المتعة من معانيه المشروعة، وإنما هو للترابط الاجتماعي وبناء الأسرة والإنجاب وحسن التربية وإعفاف النفس، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 31]، وقال سبحانه: {... وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189].
وقال صلى الله عليه وسلم: (تناكحوا تناسلوا أباهي بكم الأمم يوم القيامة) [أخرجه عبد الرزاق، وفي معناه عن أبي داود والنسائي والبيهقي وغيرهم]. ثم لو كانت اللذة هي المقصود الأساس من الزواج لما حرم الله الزنا وجعله من أشد الجرائم عقوبة، ولما حرم الزواج المؤقت (المتعة).
ثم إن من يقصد المتعة واللذة وحدها من الزواج أو يجعلها هدفه الأصلي فيه ويكون ذواقاً لم يصل إلى المتعة في الغالب ويفارق زوجته عند أول مشكلة تقوم بينهما، وما أكثر مشكلات الأسر ومشكلات الحياة بعامة، أما من يقصد إعفاف النفس، وحفظ الدين والإنجاب والتربية للجيل فإنه سوف يكون محصناً أمام أي مشكلة تعترضه فيتغلب عليها بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر ولا يزعجه كثيراً إن فوت ذلك عليه بعض اللذائذ والمتع. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون الإنسان ذواقاً. فقال: (إن الله لا يحب الذواقين والذواقات) [النهاية لابن الأثير: 2/172].
4ـ التخفيف في المهور وأعباء الزواج المادية قدر الإمكان، ولا يعني ذلك بحال التزويج بدون مهر أو مهر رمزي بسيط جداً، فإن ذلك خروج على حكم الإسلام ومخالفة للحكمة التي شرع الله المهر لها، فإن المهر واجب على الرجل لزوجته بنص القرآن الكريم، قال تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 24].
وقد أوجب الفقهاء المهر للزوجة على زوجها ولو لم تذكره في العقد، بل هو واجب لها حكماً ولو نص في العقد على نفيه، وذلك لما فيه من التكريم لها والإشارة بمكانتها في نظر الرجل، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يخرج عن حد الاعتدال، فإن ما يخرج عن حده ينقلب إلى ضده، ولا يجوز بحال أن يجعل المهر وتكاليف الزواج عبئاً ثقيلاً في أعناق الأزواج يرهقهم بل يعنتهم.
والإسلام لم يحد للمهر حداً أعلى وترك ذلك للعرف مع الحض على التخفيف ما أمكن، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة) [أخرجه أحمد]. والواجب أن يدعو العلماء القادة أولياء الفتيات إلى التخفيف من المهور على سبيل القدوة والنصح والتوجيه، وأن لا يلجؤوا في ذلك إلى الإلزام والإيجاب كما ينادي بعض الناس أحياناً، فإن ذلك فضلاً عن عدم جدواه ومساهمته في حل مشكلة غلاء المهور إذا غلت، فإنه مخالف لحكم الإسلام وخطه التشريعي، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يهم بالأمر بتخفيض المهور في المدينة عندما غلت مرة فتوقفه امرأة عجوز وتقول له: أنى لك هذا يا بن الخطاب فقد أعطانا الله وأرضانا تعالى في كتابه العزيز: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [النساء: 20]. فيرجع عمر عما هم به ويقول: (أصابت المرأة وأخطأ عمر) [انظر تفسير القرطبي: 5/99 عند تفسير قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً}.
5ـ أن لا يقدم الشاب على الخطبة والزواج قبل الاستعداد له جسدياً ومادياً واجتماعياً، أما جسدياً: ( فبالبلوغ والخلو من الأمراض السارية والمانعة من الزواج كالجب والعنة والخصاء... )، وأما مادياً: (فبتوفير متطلبات الزواج من المسكن والمهر والنفقة)، وعلى الأهل أن يساعدوا في ذلك كما أشرت، بل على المجتمع ممثلاً بالدولة أن يساعد في ذلك أيضاً وبخاصة تأمين السكن الذي أصبح الآن عقبة العقبات في سبيل الزواج، فإذا لم يستطع الشاب توفير ذلك فعليه أن ينتظر ويصبر حتى يتوفر له الحد الأدنى من ذلك ولا يتورط في الزواج متسرعاً وهو يقول: (يدبرها الله تعالى). فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) [رواه الجماعة]. ذلك أن في الإقدام على الزواج مع عدم توفر الحد الأدنى من ذلك إلحاق ضرر بالزوجة من جهة وتعريض الزواج للفشل بالشقاق والخلاف، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار) [أخرجه الحاكم والبيهقي والدارقطني وابن ماجه ومالك]. ولا يجوز أن يعتمد الشاب أبداً على ثروة زوجته أو راتبها ويقول أستعين به، فإن النفقة والتكاليف واجب الزوج وحده وليس على الزوجة فيه شيء مهما كانت غنية، ثم إن هذا الواجب في ذمة الزوج جزء من رجولته فلا يجوز له أن يتخلى عنه إلا إذا استساغ أن يخلع عن نفسه لباس الرجولة. قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]. وليس هذا دعوة مني للزوجات لكي لا يساعدن أزواجهن في مالهن ولكنه دعوة للشباب في أن لا يعتمدوا على هذه المساعدة، فإن حصلت بغير ذلك برضى من الزوجة فحسن، وإن لم تحصل لا يتأثر الرجل من ذلك لأنه لم يبن حياته عليها. فإن الإسلام قرر مبدأ استقلال الزوجين كل منهما عن الآخر مالياً، وألزم الزوج وحده بكل تكاليف الزواج وبالنفقة المستمرة أيضاً، سواء أكانت الزوجة غنية أم فقيرة، والزوج غنياً أم فقيراً. قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]. وقال سبحانه: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233].
وأما تربوياً واجتماعياً فبالتهيؤ لحسن التربية للجيل وحسن المعاملة والمعاشرة للزوجة، فإن على من أحس من نفسه العجز عن ذلك أن يحجم عن الزواج، ذلك أن الامتناع هنا أقل ضرراً من التورط في زواج يعجز الزوج فيه عن تحمل أعبائه، بل إن على الفتاة إذا أحست من الخاطب عجزاً عن ذلك كبساطة في التفكير أو حدة زائدة في المزاج أن تمتنع عن تلبية طلبه، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) [أخرجه الترمذي]. ومن الخلق حسن المعاشرة وحسن التربية.
6ـ أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، فإذا خطبت فتاة من قبل أحد الشباب ووعده أهلها بالزواج منها، فلا يحل لأحد أن يخطبها بعد ذلك، لأن في خطبتها من الثاني إيحاش قلب الأول وإغراءه بعداوته، وهو حرام بين المسلمين، وربما نتج عن ذلك قتل أو غيره. وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه) [البخاري ومسلم بلفظ متقارب]. هذا إذا تمت الخطبة للأول أو حصل ركون إليه، أما مجرد الطلب فلا يمنع من تقدم الثاني لخطبتها والزواج منها، وبخاصة إذا كان الثاني أولى من الأول بها لكمال دين وخلق، وكذلك الفتاة إذا خطبها شاب مناسب لها، فليس لغيرها من الفتيات أو أوليائهن أن يحاولوا إغراء الشاب الخاطب بالعدول عن الأولى والزواج من الثانية، فإنه يحرم على المرأة هنا ما يحرم على الرجل لاتحاد العلة وهي إيحاش القلب والأغراء بالعداوة.
هذه بعض آداب الخطبة أشرت إليها ليلتزمها الشباب والشابات وأولياؤهم عند الإقدام على الخطبة والزواج ابتغاء الوصول إلى زواج سليم معافى مثمر لآثاره الشرعية والاجتماعية والقانونية من المودة والألفة وحسن المعاشرة والنسل الطيب.
والله تعالى أعلم.
** ** **