الحيض والنفاس والاستحاضة
تمهيد:
كثيرة هي تلك الأمور الشرعية وغيرها التي يجهلها كثير من الناس، ولا يسألون عنها رغم حاجتهم الماسة إليها، وذلك لأسباب كثيرة، منها:
اللامبالاة بمهمات الأمور، فإن كثيراً من الناس يتمتع بتبلد في الحس وخمول في الشعور يجعله يقف موقف اللامبالاة في مهمات الأمور، غير مقدر العواقب ولا آبه بما ينتج عن خموله وكسله، حتى إذا ما فاجأته الحياة بنتيجة إهماله، ندم واكتفى بتجرع الحسرة والبكاء على ما فات.
ومنها التعالي والخوف من الاتهام بالجهل بعد ما فات زمن السؤال عن مثلها، فعلا المقام، وذاع الصيت... لذلك فإنه يفضل البقاء على جهله بها على السؤال عنها والتعرف عليها، وكثيرون هم طلاب المدارس الثانوية، بله طلاب الجامعات الذين يجهلون الكثير من أبسط القواعد الإملائية التي كان ينبغي أن يتعلموها في المرحلة الابتدائية، وكثيرون هم أولئك الطلاب الذين يجهلون ترتيب الحروف الهجائية، والأشهر القمرية... ولا يسألون عنها خشية الاتهام بالجهل بها...
ومنها الاستحياء والخجل لكونها مسائل خاصة تمس أموراً خفية شخصية ينبغي أن لا تذكر ولا يتحدث عنها، فيخجلون أن يسألوا عنها العالمين بها، فيبقون على جهلهم بها، مما يترتب عنه حرج كبير لهم أمام أنفسهم كلما تعرضوا لها، وربما أدى ذلك إلى فساد عباداتهم المرتبطة بها، وبالتالي ضياع الأجر والثواب واستحقاق العذاب والعقاب في اليوم الآخر.
ولا أذيع سراً إذا قلت إن شاباً مثقفاً جامعياً أتاني في رمضان الماضي وقال لي: لقد سمعت اليوم شيئاً عجباً، فقلت له: ماذا سمعت؟ فقال: صليت الظهر اليوم في الجامع الفلاني، وعقيب الصلاة انتصب أحد العلماء للتدريس فاستمعت إليه، وهي المرة الأولى التي أستمع فيها لشيخ في مسجد، فكان في درسه أن الصائم يمتنع عليه أن يجامع زوجته في نهار رمضان، فإذا جامعها عمداً فسد صومه ولزمه القضاء والكفارة، وأنا أتيتك لأسألك عن صحة هذا الكلام، فما كان مني إلا أن استغربت تعجبه وسؤاله، وقلت له: نعم كل ما ذكره الشيخ صحيح، والغريب أن تكون جاهلاً به رغم ثقافتك الجيدة، فقال لي: هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها هذا الكلام في عمري، وإنني أجامع زوجتي في نهار رمضان منذ تزوجت بها، ولم يدُر في خلدي أن ذلك مفسد لصومي... واستغرقت معه في الحديث فإذا هو جاهل بكثير من مسلّمات الدين، فبعضها للتحرج من السؤال عنها، وبعضها لعدم المبالاة بها...
ولهذا كان لا بد من إغناء هذا وأمثاله من السؤال، وتأمين ما يدور في أذهانهم، وما يحتاجون إليه في حياتهم من المسائل والحلول بعيداً عن إحراجهم ووقوعهم فيما يخافونه ويحذرون منه، وأفضل طريق لهذا في نظري نشر بحوث تعالج ما يُظن أن الناس بحاجة إليه من هذه المسائل، في نشرات دورية، ومجلات علمية يكثر تداولها وذيوعها بين الناس، وكذلك الندوات العلمية في الإذاعة والتلفزيون، فإنها ذات فائدة كبيرة في هذا المجال.
وربما قال قائل: أوليس في الكتب العلمية غناء لأولئك جميعاً عن هذه البحوث والندوات، فالكتب مطبوعة وكثيرة، وجل أولئك يحسنون القراءة والفهم، وحتى العوام منهم فإن لهم من دروس العلماء في المساجد وغيرها ما يغنيهم عن السؤال ونشر البحوث وعقد الندوات. إلا أن ذلك في نظري رغم أهميته وفائدته والحاجة إليه لا يغني عن النشر في المجلات والدوريات، والتحدث في الإذاعات واللقاءات، ذلك أن الكتب عامة مكتوبة بأساليب علمية خاصة، وفيها من المصطلحات ما يحتاج في أكثر الأحيان إلى ثقافة تخصصية يفتقر إليها أكثر الناس، وربما فهم أحدهم الحكم على غير وجهه منها فأخطأ التطبيق والعمل، وكان مثله مثل من مرض ابنه فاشترى كتاباً في الطب بغية تطبيب ابنه بما فيه بدلاً من اصطحابه إلى الطبيب، وكذلك الدروس في الجوامع، فإنها على فائدتها الكبيرة لا تغني ولا تسد الحاجة كلها، ذلك أن الكثيرين لا تمكنهم ظروفهم الحياتية وأعمالهم ومصالحهم من حضورها والاستماع إليها.
وقد شعرت بالحاجة ملحة في الأيام الأخيرة لكتابة بحث في أحكام الحيض والنفاس والاستحاضة، لجهل الكثيرات من النساء بها، وحاجتهن الماسة إليها لتصحيح العبادة، ولأنها أبحاث شائكة فيها كثير من الاختلاف بين الفقهاء.
ولهذا فإنني قياماً بالواجب أقدم هذا البحث الذي يتضمن أحكام هذه المسائل الثلاث، وقد جعلت المذهب الحنفي عمدتي في الدراسة لكثرة انتشاره، وأشرت إلى المذاهب الثلاثة الأخرى في الأحكام الرئيسية وبخاصة منها المذهب الشافعي، وقد أغضيت عن الاختلافات والآراء المتعددة في المذهب الواحد واكتفيت منها بالقول الأقوى بعداً عن التشعب والتشتيت والاشتباه، كما أغضيت عن ذكر الأدلة إيثاراً للاختصار والإيجاز ولعدم الحاجة إليها إلا للمتخصصين، وهم قادرون ـ دون شك ـ على الرجوع إلى المطولات واستجلاء الأدلة منها.
والله أسأل أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم وينفع به عباده المتقين.
1ـ الحيض
تعريفه:
الحيض في اللغة: السيلان، ومنه حاض الوادي إذا سال الماء فيه، والحيض في اصطلاح الفقهاء: (دم ينفضه رحم امرأة، بالغة، لا داء بها، ولا حبل، ولم تبلغ سن الإياس(.
تحليل التعريف وبيان محترزاته:
1ـ دم: فإذا كان السائل الخارج ليس دماً، بل ماء أبيض صافياً لم يكن حيضاً، فإذا كان سائلاً فيه كدرة أو صفرة فهو دم وهو حيض في الحكم، إذا استوفى شروط الحيض الأخرى على ما يأتي.
2ـ ينفضه رحم امرأة: فإذا نزل من غير الرحم، كالدم الخارج من الدبر مثلاً، لم يكن حيضاً، وكذلك إذا كان من غير المرأة، كالدم الخارج من الرَّجل، أو الخارج من الحيوانات كالأرنب، فإنه ليس بحيض في الشرع، وإن كان دم الأرنب حيضاً في اللغة.
3ـ بالغة: أي بالغة أدنى سن البلوغ، وهو التاسعة من العمر، فإذا كانت الفتاة دون التاسعة ورأت الدم، لم يكن حيضاً في الشرع، وإن استمر كثيراً لأنه لا يتأتى منها البلوغ قبل سن التاسعة من العمر شرعاً.
4ـ لا داء بها: لأن الحيض دم فطرة وصحة، فإذا خرج من المرأة دم مرض وعلة من بثرة أو جرح في الرحم أو المهبل أو غيرهما لم يكن حيضاً.
5ـ ولا حبل: لأن الحامل لا يمكن أن تحيض لانغلاق فم الرحم، فإذا رأت الحامل الدم لم يكن حيضاً، وهذا مذهب الحنفية والحنبلية، وذهب الشافعية إلى أن الحامل قد تحيض، فإذا رأت الدم في حملها واستوفى شروط الحيض كان حيضاً عندهم.
6ـ ولم تبلغ سن الإياس: الآيسة هي المرأة التي بلغت سناً ينقطع فيه الحيض في أمثالها، وقد انقطع الدم منها فعلاً، فلو بلغت السن المعينة للإياس ولم ينقطع دمها لم تكن آيسة، وكذلك إذا انقطع دمها قبل هذه السنة، فإنها لا تكون آيسة أيضاً.
وقد اختلف الفقهاء في سن الإياس، والراجح لدى الحنفية أنه خمس وخمسون سنة.
فإذا رأت المرأة الدم بعد ما بلغت سن الإياس وانقطع حيضها فعلاً بعده، فإنه ليس بحيض إلا أن يكون دماً كثيراً أسود أو أحمر، فإنه يعتبر حيضاً وينتقض به إياسها، فإذا كان ما رأته قليلاً أو أصفر أو ترابياً لم يعتبر حيضاً، وهي آيسة في الحكم، إلا أن تكون عادتها في الحيض قبل الإياس أن ترى دماً قليلاً أو أصفر ثم تراه كذلك بعد الإياس، فإنه يعتبر حيضاً في حقها في الأظهر لدى الحنفية وينتقض به إياسها اعتباراً بعادتها السابقة.
أقل مدة الحيض وأكثرها:
أقل مدة الحيض ثلاثة أيام بلياليها، وأكثره عشرة أيام بلياليها، والحساب يكون بالساعات الزمنية، فأقله /72/ ساعة، وأكثره /240/ ساعة. ولا يشترط فيه استمرار الدم طيلة النهار والليل، بل إن انقطاعه ساعة أو ساعتين أو أكثر من ذلك أو أقل غير مؤشر في استمراره، والعبرة لوجوده في أول الحيض وآخره فقط، اعتباراً بالنصاب في الزكاة.
فإذا رأت المرأة الدم مدة يوم أو يومين ثم انقطع لم يكن حيضاً في الشرع، فإذا استمر أكثر من عشرة أيام لم يكن الزائد عن عادتها حيضاً كما سوف يأتي. وهذا هو مذهب الحنفية.
وذهب الشافعية والحنبلية في الراجح إلى أن أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً بلياليها، فإذا رأت المرأة الدم يوماً واحداً وليلة ثم انقطع كان حيضاً عند الشافعية والحنبلية، ولم يكن حيضاً عن الحنفية، وكذلك إذا استمر الدم فوق عشرة أيام فإنه على الخلاف المتقدم.
أقل مدة الطهر بين الحيضتين:
أقل مدة الطهر بين الحيضتين وكذلك بين النفاس والحيض الذي بعده خمسة عشر يوماً عند الجمهور، وعلى هذا فإن الحائض إذا طهرت من حيضها وكذلك النفساء إذا طهرت من نفاسها ثم رأت الدم ثانية قبل مرور خمسة عشر يوماً، لم يعتبر الدم الثاني حيضاً حتى يجاوز خمسة عشر يوماً من بدء طهرها، فإذا جاوزه كان حيضاً منذ جاوز، وهنالك بعض تفصيل لذلك سوف يأتي.
وليس لأكثر الطهر حد عند الفقهاء، فهو قد يمتد شهراً أو سنة، وقد يمتد العمر كله، فلا ترى المرأة الحيض إلا مرة واحدة في عمرها، وتعتبر طاهرة ما دام الدم منقطعاً، وإن كان الغالب أن الطهر والحيض يتكرران في كل شهر، إلا أنه لا بد من ذكر النادر وبيان حكمه.
امتداد الدم بالحائض وحكمه:
قد تحيض المرأة ثم يمتد بها الدم ولا ينقطع مدة طويلة تجاوز أكثر مدة الحيض، فتصل إلى عشرين يوماً أو أكثر، فهل يعتبر ذلك كله حيضاً؟
والجواب أن لممتدات الدم أحوال عدة يختلف الحكم بحسبها، وهي:
1ـ المبتدأة:
وهي التي رأت الدم لأول مرة ثم امتد بها أكثر من أكثر مدة الحيض، وهي ـ كما تقدم ـ عشرة أيام عند الحنفية، وخمسة عشر يوماً عند الشافعية والحنبلية.
والممتدة المبتدأة هذه عند الحنفية حائض إلى عشرة أيام، ثم طاهر عشرون يوماً هي تتمة الشهر الذي يتكرر فيه الحيض في الغالب، ثم حائض عشرة أيام، ثم طاهر عشرون يوماً... وهكذا ما دام دمها مستمراً.
أما الشافعية فذهبوا إلى أن الدم الممتد في المبتدأة إما أن يكون ثابت اللون والرائحة والثخونة في كل الأيام، وإما أن يكون متغيراً، فإن كان ثابتاً، كان حيضها يوماً وليلة فقط، وما بقي من الشهر وهو تسعة وعشرون يوماً فهو طهر في الحكم. وإن كان الدم متغيراً بأن كان أسود ثم أصبح أحمر، أو كان أحمر ثم أصبح أصفر.. أو كان ثخيناً ثم أصبح رقيقاً، أو كان ذا رائحة قوية ثم أصبح ضعيف الرائحة، كان الدم الشديد اللون أو الرائحة أو الثخونة هو الحيض، وما بعده طهر في الحكم، هذا إذا لم يقل الشديد عن أدنى الحيض، ولم يزد عن أكثره، فإذا قل عنه أو زاد كان الحيض يوماً وليلة في القليل، وكان خمسة عشر يوماً وليلة في الكثير، وما وراء ذلك فطهر في الحكم.
2ـ المعتادة:
وهي التي رأت الدم والطهر بانتظام مرة أو أكثر، ثم استمر بها الدم بعد ذلك لأكثر من أكثر من مدة الحيض. وهذه يرجع في أمرها إلى عادتها السابقة ما دامت ذاكرة لها، فإذا كانت عادتها مثلاً أن ترى الدم ستة أيام والطهر أربعة وعشرين يوماً، عددنا لها ستة أيام حيضاً، وأربعة وعشرون يوماً طهراً، ثم ستة أيام حيضاً، وأربعة وعشرين يوماً طهراً حسب عادتها وهكذا.. فإذا كانت ترى الحيض ثمانية أيام والطهر عشرين يوماً أو أربعة وعشرين يوماً أو أكثر من ذلك أو أقل منه فالعبرة لعادتها ما دام الطهر خمسة عشر يوماً فما فوقها والحيض عشرة أيام فما دونها، وإلا فطهرها خمسة عشر يوماً لا ينزل عنه، وحيضها عشرة أيام لا يزاد عليها.
هذا إذا كانت المعتادة ذاكرة لعادتها، فإذا نسيت عادتها فهي المحيرة أو المتحيرة، وسوف يأتي حكمها.
هذا إذا استمر الدم بالمعتادة حتى جاوز أكثر مدة الحيض، فإذا استمر بها أكثر من عادتها ثم انقطع قبل أكثر مدة الحيض، بأن كانت عادتها في الحيض مثلاً ستة أيام، فاستمر الدم بها تسعة أيام أو عشرة أيام ثم انقطع، فإن مدة الدم هذه كلها حيض في حقها وليس مدة عادتها فقط، وتعتبر عادتها متغيرة بعد ذلك بحسب ما استمر الدم بها في المرة الأخيرة، لأن العادة تتغير بالمرة الواحدة على المعتمد، وهذا بخلاف ما إذا كانت عادتها ستة أيام مثلاً فاستمر بها الدم اثني عشر يوماً، فإن حيضها ستة فقط ـ كما تقدم ـ. وهذا مذهب الحنفية.
وذهب الشافعية إلى مثل ما ذهب إليه الحنفية إذا كان الدم ثابتاً غير متغير الأوصاف، فإذا كان متغير الأوصاف، بأن كان أسود فأصبح أحمر أو أصفر، أو كان ثخيناً فأصبح رقيقاً... كان الدم الشديد هو الحيض، وما بعده طهر في الحكم كالمبتدأة، وهذا في القول الأظهر عندهم، وفي قول آخر لهم العبرة بعادتها مطلقاً كالحنفية.
3ـ المحَيَّرة:
وهي التي كان لها عادة في الحيض والطهر ثم نسيتها وتجاوز بها الدم أكثر مدة الحيض، وهي على ثلاثة أقسام:
أ ـ محيرة بعدد أيام حيضها:
فلا تدري كم عادتها في حيضها، أخمسة أم ستة ....
ب ـ محيرة بمكان أيام حيضها من الشهر:
أفي أوله هي، أم آخره ....
جـ ـ محيرة بالعدد والمكان:
فلا تدري عدد أيام حيضها، ولا مكانها من الشهر.
فأما المحيرة بالعدد فقط:
وهي تعلم مكان حيضها من الشهر، بأن كانت تعلم أنها تحيض أول الشهر مثلاً، فإنها تمشي على ظنها في عدد أيام الحيض، فتعتبر طاهرة حتى أول الشهر، فإذا حان أول الشهر اعتبرت حائضاً بعدد ما تظن من عادتها ستة أو سبعة، ثم تعتبر طاهرة إلى آخر الشهر، فإذا شكَّت ولم تظن([1]) شيئاً، اعتبرت طاهرة إلى أول الشهر ثم حائضاً ثلاثة أيام لأنها أقل الحيض، ثم طاهرة وحائضاً معها سبعة أيام هي تتمة أكثر الحيض احتياطاً، ثم طاهرة بقية الشهر. وعليها في الأيام السبعة المتقدمة أن تمتنع عن كل ما يحرم على الحائض، وتفعل كل ما يجب على الطاهرة، فتغتسل ثم تتوضأ لكل وقت وتصلي، وتصوم في رمضان ثم تقضي ذلك بعد الطهر... ثم لا تدخل المسجد، ولا تقرأ القرآن خارج الصلاة، ولا تسمح لزوجها بقربانها...
وأما المحيرة بمكان أيام حيضها من الشهر:
وهي تعلم عدد أيام الحيض، فإنها تمشي على غالب ظنها في تعيين مكان هذه الآيام، فإذا شكت ولم تظن شيئاً، فإنها تغتسل لكل وقت وتصلي مدة الدم احتياطاً، لأن كل يوم يمكن أن يكون حيضاً، ويمكن أن يكون طهراً، وكذلك الصوم في رمضان، فإنها تصومه ثم تقضيه بعد الطهر، ولا تدخل المسجد، ولا يقربها زوجها...
وأما المحيرة بالمكان والعدد معاً:
فهي كالمحيرة بالمكان، تمشي على ظنها، فإن شكت تحتاط وتفعل كل ما يجب على الطاهرة، وتجتنب كل ما يحرم على الحائض طيلة أيام الدم.
علامات الحيض والطهر:
علامة الحيض رؤية الدم خارجاً من الرحم في أوقاته، بشروطه المتقدمة، هذا والحمرة والصفرة والتُّرَبيَّة والسواد والخضرة في لون الدم سواء، فكل ما سوى البياض الخالص دم في الحكم، إلا الآيسة التي انقطع حيضها فعلاً بعد سن الإياس ثم عاودها بعد ذلك، فإنها لا تعتبر حائضاً به إلا إذا كان لونه أسود أو أحمر، فإن كان أصفر أو أخضر أو تربياً لم تعتبر حائضاً به، إلا أن يوافق عادتها السابقة.
أما الطهر فعلامته جفاف الدم وانقطاعه وعدم عوده في مدة الحيض، فإذا انقطع يوماً أو أكثر ثم عاد في وقت الحيض (أي ضمن عشرة أيام من أول الحيض لدى الحنفية، أو خمسة عشر يوماً من أول الحيض لدى الشافعية والحنبلية) اعتبرت المرأة في فترة انقطاعه حائضاً في الحكم، لأن كل دم تراه المرأة في وقت الحيض يعتبر حيضاً متصلاً بما قبله وما بعده، ويستثنى من هذا ذات العادة المستقرة إذا عاودها الدم بعد عادتها واستمر أكثر من عشرة أيام، فإن الدم بعد عادتها طهر في الحكم ـ كما تقدم ـ.
وهذا مذهب الجمهور، وذهب بعض الفقهاء إلى أن المرأة لا تعتبر طاهرة إلا إذا رأت القصة البيضاء، وهي عندهم ماء أبيض كالذي تراه المرأة حال طهرها، ويسمى لدى العامة بـ (الطهر)، وذلك استدلالاً بظاهر حديث السيدة عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله تعالى عنها ـ حيث سئلت عن هذا الموضوع فقالت: (لا تطهر حتى ترى القَصَّة البيضاء(([2]). إلا أن الجمهور على أن الطهارة تثبت بانقطاع الدم سواء رأت الماء الأبيض أم لم تره، وأن المراد بالقصة البيضاء في حديث السيدة عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ قطعة القطن التي تستعملها الحائض، لا الماء الأبيض الذي تراه الطاهرة، ذلك أن بعض النساء لا يرين الماء الأبيض هذا مطلقاً، وبعضهن لا يرينه إلا بعد جفاف الدم بمدة طويلة.
ما يحرم على الحائض فعله:
الحيض حدث أكبر، ولهذا فإنه يحرم ويمتنع على الحائض ما يحرم ويمتنع على المحدث حدثاً أكبر وزيادة، وذلك يندرج في الآتي:
1ـ الصلاة:
فإنه تسقط الصلاة الواجبة والمسنونة عن المرأة الحائض في أيام حيضها، بل يحرم عليها الصلاة أصلاً فرضاً كانت أم نفلاً، حتى سجدة الشكر، فإنها محرمة عليها أيضاً. لأن الصلاة لا تجوز ولا تصح إلا بالطهارة، والحائض فاقدة الطهارة، فإذا طهرت الحائض، لم يجب عليها أن تقضي ما فاتها من الصلاة في أيام حيضها، تخفيفاً من الله تعالى.
2ـ صوم رمضان:
فإنه يسقط وجوب أداء الصوم في رمضان عن الحائض، ويحرم عليها الصيام مطلقاً، فإذا صامت أثمت، ولم يصح صومها، فإذا طهرت الحائض وجب عليها أن تقضي ما أفطرت من رمضان في أيام حيضها، خلافاً للصلاة، ذلك أن الصلاة تتكرر يومياً، فكان في وجوب قضائها حرج، فسقطت تيسيراً، أما الصوم فإنه في العام مرة، فهو قليل ولا حرج في قضائه.
3ـ الطواف بالكعبة:
فإنه مثل الصلاة، من شروطه الطهارة من الحدث الأكبر، ولذلك فإنه حرام على الحائض، وباطل منها لو فعلته.
4ـ قراءة القرآن بقصده:
ذلك أن قراءته تحتاج إلى الطهارة من الحدث الأكبر، فإذا قرأت القرآن وهي حائض أثمت، سواء أكان ذلك من المصحف أم من الغيب والحفظ، فإذا نوت بقراءتها للقرآن الدعاء لا القرآن، وكانت الآيات المتلوة تحتمل الدعاء، مثل قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} ([3]) جاز لها ذلك، لأنه ذكر ودعاء، والحائض غير ممنوعة منهما، وكذلك قراءة القرآن للمعلمة أثناء تعليمها القرآن للتلاميذ، فإنه جائز عند الحنفية بشرط أن تقرأه كلمة كلمة من غير وصل بين الكلمات، وذلك للحاجة والضرورة.
5ـ مس المصحف:
وكذلك كل ورقة فيها آية من القرآن الكريم، هذا إذا لم يكن مع القرآن غيره من تفسير أو غيره، فإذا كان مع القرآن غيره من الكلام، نظر للأكثر، وأدير الحكم عليه.
وكذلك حمل المصحف في الجيب أو تعليقه في الرقبة، فإنه محرم على الحائض أيضاً، هذا إذا لم يكن مغلفاً بغلاف ساتر غير ملتصق به، فإذا كان مغلفاً بغلاف ساتر له غير ملتصق به فإنه يجوز للحائض مس الغلاف، وحمل المصحف المغلف، لوجود العازل، وهو الغلاف، فإذا كان الغلاف ملتصقاً بالمصحف، لم يجز مسه ولا حمله، لأن الغلاف أصبح جزءاً من المصحف، ولم يعد عازلاً له.
6ـ دخول المسجد:
فإنه حرام على الحائض، هذا إذا لم يكن لضرورة، فإن كان لضرورة، كأن لا يوجد ماء تغتسل به إلا في المسجد ولا أحد يخرجه لها، فإنها تتيمم، وتدخل المسجد لإخراج الماء فقط، لأن (الضرورات تبيح المحظورات)، إلا أن (الضرورات تقدر بقدرها) ولهذا لا يباح لها المكث في المسجد أكثر من مقدار الحاجة لإخراج الماء منه، وهذا مذهب الحنفية، وأجاز الشافعية دخول المسجد للحائض للمرور إلى مكان آخر، بأن كان للمسجد بابان فدخلت من الأول وخرجت من الثاني مارة بالمسجد، فإنه يجوز، سواء أكان هنالك طريق أخرى أو لم يكن، إلا أنه إن كان هنالك طريق أخرى، ولم تكن أصعب منها، كان دخولها خلاف الأولى عندهم.
7ـ جماع زوجها لها:
وذلك باتفاق الفقهاء، للآية الكريمة: {فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ}([4]) وهل يحل لزوجها جماعها بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال؟ في المسألة خلاف.
ذهب الحنفية إلى أنه إن انقطع الدم لأكثر مدة الحيض، حل لزوجها جماعها قبل الاغتسال وبعده، وإن كان الأفضل عدم جماعها قبل الاغتسال، وإن انقطع الدم في مدة الحيض، فإن كان انقطع بحسب عادتها، لم يحل جماعها حتى تغتسل أو يمضي وقت صلاة كامل بدون دم حتى تصبح الصلاة في ذمتها، وإن كان الدم قد انقطع قبل عادتها، لم يحل جماعها حتى تنقضي عادتها.
وذهب الشافعية إلى أنه لا يحل لزوجها جماعها حتى تغتسل مطلقاً.
8ـ قربان زوجها منها ما بين سرتها وركبتها بما دون الجماع:
فإن قربان ذلك منها بالمس وغيره حرام على الزوج عند جمهور الفقهاء، وذهب بعض الحنفية والشافعية إلى حل ما دون الفرج منها. وهل يحل النظر إلى ما بين سرتها وركبتها لزوجها؟ فيه خلاف والأقوى عندهم التحريم.
الأحكام المتعلقة بالحيض:
تقدم بعض أحكام الحيض، وهي منع الحائض من بعض الأمور التي كانت حلالاً لها قبل الحيض، إلا أن هنالك أحكاماً أخرى تتعلق بالحيض وهي:
أ ـ يثبت بالحيض بلوغ الفتاة:
وذلك إذا رأت الفتاة الحيض بعد التاسعة من عمرها لأول مرة، فإنه يحكم به ببلوغها واكتمال أهليتها (أهلية الأداء)، فإذا رأت الدم قبل التاسعة لم يعتبر حيضاً ولم تعتبر بالغة به. فإذا لم تر الفتاة الدم حتى تقدمت بها السن، حكم ببلوغها واكتمال أهليتها في تمام الخامسة عشرة من عمرها في القول الأرجح لدى الحنفية والشافعية.
2ـ انتهاء العدة:
وذلك للمعتدة بالأقراء لدى الحنفية، فإذا انتهت الحيضة الثالثة بالطهر منها انتهت العدة بالنسبة للمعتدة، وذهب الشافعية إلى أن العدة تنتهي بانتهاء الطهر الثالث برؤية الدم بعده، وذلك للاختلاف في معنى القروء الذي وردت به الآية الكريمة: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}([5]) فذهب الحنفية إلى أنها الحيض، وذهب الشافعية إلى أنها الأطهار.
3ـ قطع التتابع في الصوم في كفارة اليمين:
فإذا كفّرت الحانث عن يمينها بالصوم فصامت ثم حاضت ثم طهرت، فإن عليها عند الحنفية أن تبدأ الصوم من جديد ثلاثة أيام متتابعة، ولا عبرة باليوم الأول الذي صامته، وهو نفل لها، ذلك أن الحيض عند الحنفية يقطع التتابع المشروط لصحة التكفير عن الحنث في اليمين بالصوم.
2ـ النفاس
تعريفه:
النفاس في اللغة ولادة المرأة، وفي اصطلاح الفقهاء: (دم يخرج من رحم المرأة عقيب ولادتها وفراغ رحمها من الحمل).
تحليل التعريف وبيان محترزاته:
1ـ دم: فلو لم ينزل دم للمرأة بعد الولادة لم تعتبر نفساء، وقيل تنفس بالولادة الجافة بدون دم.
2ـ يخرج من رحم المرأة: فلو خرج الدم من سرتها لا من رحمها، كاللواتي يلدن ولادات قيصرية حيث يشق البطن ويخرج الولد منه، فإنها ليست بنفساء في الحكم، ودمها الخارج من بطنها دم جرح لا يعطى حكم النفاس في العبادات، وإن كانت تعتبر نفساء في الأحكام الأخرى، كانقضاء العدة وما إليه.. فإذا سال لها دم من الرحم بعد الولادة القيصرية كانت به نفساء.
3ـ عقيب الولادة: وذلك احترازاً عما يخرج من الدم قبل الولادة أو معها قبل نزول أكثر الولد، فإنه ليس بنفاس في الحكم، بل يجب على المرأة معه الصلاة والصوم، إلا أنه يتصف الدم بأوصاف الحيض عند الشافعية فإنه يعتبر حيضاً، أما الحنفية فلا يعتبرونه حيضاً بل استحاضة، لأن الحامل عندهم لا تحيض مطلقاً ـ كما تقدم في الحيض ـ.
أقل مدة النفاس وأكثرها:
أقل مدة النفاس عند الحنفية والشافعية لحظة، وقيل لا حد لأقله وهما سواء تقريباً، وأكثر النفاس أربعون يوماً وليلة عند الحنفية، وعند الشافعية والمالكية والحنبلية ستون يوماً وليلة.
هذا ويبدأ النفاس من حين نزول الولد، كله أو أكثره، حياً أو ميتاً، قطعة واحدة أم قطعاً منفصلة ـ كما يحصل في بعض الولادات العسرة ـ فإذا خرج أقل الولد لم تعتبر نفساء حتى يخرج أكثره.
الولد الذي تتعلق به أحكام النفاس:
الولادة في الأصل معناها نزول الولد من الأم بعد تمام أيامه، وهي في الغالب تسعة أشهر، وفي الحالات الشاذة ستة أشهر وأعلاها سنتان عند الحنفية وأربع عند الشافعية. فإذا نزل الولد بعد ستة أشهر من علوقه وقبل سنتين أو أربع سنوات على حسب الخلاف السابق، كان مولوداً في الحكم، وكانت أمه نفساء به، فإذا حدث أن نزل قبل ستة أشهر وهو السقط، فهل يعتبر مولوداً ويكون لأمه حكم النفساء؟ في ذلك خلاف.
ذهب الحنفية إلى أن السقط ولد، ولأمه حكم النفساء تماماً، إذا جاء مستبين الخلق أو بعض الخلق، بأن كان له يد أو رجل.. فإذا كان غير مستبين مطلقاً لم يكن ولداً، ولم تعط أمه حكم النفساء به، ولكن هي حائض إن كان ذلك في أيام حيضها، وإلا فمستحاضة.
وذهب الشافعية إلى أن للسقط حكم الولد مطلقاً ما دام السقط أصل آدمي بشهادة القوابل، ولذلك فإن لأمه حكم النفساء سواء أكان السقط مستبيناً أم غير مستبين، فإذا لم يعلم أنه أصل آدمي، لم تكن أمه نفساء به، ولكن حائضاً أو مستحاضة.
هذا إذا كان الولد واحداً، فإذا كان توأمين، فإنه كذلك، وتعتبر الأم نفساء منذ خروج أكثر الولد الأول، ثم إن خرج الثاني في ضمن مدة النفاس وكان الدم مستمراً اعتبر النفاس مستمراً إلى نهاية مدته إلا أن ينقطع الدم قبل ذلك أو تكون لها عادة سابقة فترد لعادتها، وإن ولد الثاني بعد مدة النفاس لم يعتبر الدم النازل بعده نفاساً، ولكن حيضاً أو استحاضة، هذا إذا ولد الثاني قبل مرور ستة أشهر من ولادة الأول، فإذا ولد بعد ستة أشهر من ولادة الأول؛ لم يعتبر توأماً للأول، ولكن مولوداً مستقلاً، له نفاس مستقل كالأول تماماً.
امتداد الدم بالنفساء:
قد تنفس المرأة ثم يمتد بها الدم مدة طويلة فوق مدة النفاس، فهل تعتبر نفساء ما دام دمها مستمراً؟ والجواب أن الدم إذا زاد عن أكثر مدة النفاس فالزائد ليس نفاساً بالاتفاق، ولكنه طهر في الحكم وذلك كأن يستمر الدم بها سبعين يوماً عند الشافعية، أو خمسين يوماً عند الحنفية، فإن الزائد عن الستين ليس نفاساً عند الشافعية، والزائد عن الأربعين ليس نفاساً عند الحنفية، وأما الدم الذي ضمن مدة النفاس، فإن الحكم فيه كالحكم في الدم الممتد بالحائض تماماً، مع ملاحظة الفارق بين أقصى مدة الحيض وأقصى مدة النفاس ـ وقد تقدم ذلك ـ.
فإذا طهرت النفساء ثم رأت الدم بعد ذلك، فإن كان ذلك قبل آخر مدة النفاس كان الدم الثاني نفاساً تابعاً للنفاس الأول قبل الطهر، وكان الفاصل بينهما نفاساً في الحكم، هذا إذا انقطع الدم الثاني قبل آخر مدة النفاس، فإذا استمر إلى ما بعد مدة النفاس كان نفاسها بحسب عادتها إن كان لها عادة سابقة، وما زاد عن عادتها فاستحاضة، وإن لم يكن لها عادة سابقة، كان نفاسها مدة النفاس كلها، وما بعدها استحاضة.
فإذا طهرت ثم عاودها الدم بعد آخر مدة النفاس، فإن كان بعد خمسة عشر يوماً من طهرها كان حيضاً، وإلا فاستحاضة، هذا إذا لم يكن لها موعد معين في الحيض، فإذا كان لها موعد معين في الحيض، فإن أصاب موعدها فحيض وإلا فاستحاضة.
ما يحرم على النفساء فعله:
النفاس حدث أكبر كالحيض، ولهذا فإنه يحرم على النفساء ما يحرم على الحائض تماماً ـ وقد تقدم في الحيض ـ.
أحكام النفاس:
يضاف إلى أحكام الحيض في النفاس حكم آخر، هو:
انتهاء العدة بابتداء النفاس: ذلك أن المعتدة الحامل مطلقاً تنتهي عدتها بالولادة لقوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}([6]) فإذا طلقت المرأة الحامل أو توفي زوجها ثم ولدت، انتهت عدتها بولادتها ونفسها.
أما البلوغ فإنه لا يثبت بالنفاس للنفساء لأنه ثبت لها بالحمل قبله، على خلاف الحيض ـ كما تقدم ـ فإن البلوغ يثبت به.
3ـ الاستحاضة
تعريفها:
الاستحاضة في اصطلاح الفقهاء: (دم علة ينزل من فرج المرأة ليس بحيض ولا نفاس).
تحليل التعريف وبيان محترزاته:
1ـ دم: فلو لم ينزل من المرأة دم لم تكن مستحاضة.
2ـ علة: ذلك أن الفارق بين الحيض والنفاس وبين الاستحاضة، أن الأولين دماء صحة وفطرة، والثالث دم علة ومرض، وحد ذلك عدم توافر شروط الحيض والنفاس فيه من حيث المُدد.
3ـ ينزل من فرج المرأة: فلو نزل من يدها أو رجلها.. لم يسم استحاضة وكذلك النازل من الرَّجل، فإنه ليس استحاضة وإن كان له حكمها.
4ـ ليس بحيض ولا نفاس: أي غير مستجمع شروطهما من حيث المدة، وذلك كالدم المنقطع قبل أدنى مدة الحيض، والمستمر بعد أكثر مدة الحيض والنفاس، فإنه استحاضة.
أحكام الاستحاضة:
الاستحاضة حدث أصغر وأحكامها ما يلي:
1ـ حرمة الصلاة قبل الوضوء، فلو صلت قبل أن تتوضأ لم تصح صلاتها، لانتقاض طهارتها بالاستحاضة، إلا أن الصلاة واجبة عليها بخلاف الحائض، فلو لم تتوضأ وتصل تأثم لترك الصلاة ويلزمها قضاؤها، إلا أنها تتوضأ وجوباً لكل صلاة بعد دخول وقتها، لأن لها حكم المعذور، ثم هي على وضوئها إلى آخر الوقت، ما لم ينتقض بحدث آخر غير الاستحاضة، فإذا خرج الوقت ودخل وقت آخر، انتقضت طهارتها، وعليها الوضوء ثانية للوقت الجديد، وهكذا ما دام الدم مستمراً بها.
2ـ حرمة الطواف بالكعبة قبل الوضوء، لأن للطواف حكم الصلاة تماماً لدى الجمهور في حق الطهارة، فإذا توضأت جاز لها الطواف.
3ـ حرمة مس المصحف قبل الوضوء، لأن مس المصحف تشترط له الطهارة.
أما صوم رمضان فإنه يصح من المستحاضة، ويجب عليها، بخلاف الحائض والنفساء، وكذلك أنواع الصوم الأخرى.
وأما قراءة القرآن من غير مس المصحف، وكذلك دخول المسجد، وقربان زوجها منها ما بين السرة والركبة، وجماع زوجها لها، فإنه صحيح وحلال مع استمرار الدم، وذلك على خلاف الحيض والنفاس ـ كما تقدم ـ.
** ** **