الزيـنـة
التزين في اللغة التجمل في الملبس، ويدخل فيه التحلي بالحلي، واستعمال الكحل، والحناء، وما إليه.. قاله الرازي، وقال في تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}([1]) ولولا أن النص ورد بتحريم الذهب والحرير على الرجال، لدخلا في هذا العموم([2])، ويؤيده ما جاء في سورة يونس من قوله سبحانه: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً}([3]). ومنه سمى يوم العيد يوم الزينة، قال تعالى في سورة طه: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ}([4]) لما يتزين فيه الناس بأحسن ما عندهم من الثياب وغيرها عادة. وقد سمى الله تعالى التحلي والتجمل بغير الملابس مثل الذهب والفضة والحرير والجواهر.. زينة أيضاً، بل أطلق الزينة كذلك على مواضع ذلك من البدن على سبيل المجاز، فقال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ...}([5])، وقال أكثر المفسرين: المراد به مواضع الزينة من الأعضاء، كالعنق، والساعدين، والساقين...
وللزينة أثر كبير في تنمية وتهذيب علاقات الناس بعضهم مع بعض، وإنشاء المودة والمحبة بينهم، فإن النفوس جبلت على إباء القبح وحب الجمال، فهي تنفر من القبيح وتألف الجميل، وطبعي أن الناس ليسوا سواء جميعاً على مستوى عال من الجمال، وإن فيهم القبيح والدميم والمشوه... وحتى الذين خلقوا على مستوى جيد من الجمال، فإنه قد يصابون في حياتهم بعيوب خلقية، كالحروق، والجروح، ويعانون في حياتهم اليومية من ظروف العمل والمهنة، ومتاعب الحياة مما ينقص جمالهم، ويذهب برونقهم، كالأعمال المتعبة، والأوساخ، والغبار... وهذا كله ينفر الآخرين منهم، ويبعدهم عنهم، ويحل بينهم الفرقة محل الألفة، والنفرة محل الرغبة.. وفي ذلك من الأضرار على وحدة المجتمع وتماسكه ما فيه.
ولهذا فقد عني الإسلام كثيراً بأمر الزينة، وأمر بها نصّاً في كتابه الكريم عند كل صلاة (عند كل تجمع على حب الله وطاعته) فقال جل من قائل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}([6]).
بل إن الإسلام جعل من الزينة ما هو واجب على كل مسلم ومسلمة، حتى إذا ما أهمله وتساهل فيه حبط عمله، وباء بغضب الله تعالى وعقابه، وذلك لما لهذا النوع من الزينة من أهمية بالغة إلى حد يجعله ضرورياً لكل إنسان.
من ذلك:
أ ـ ستر العورة، فإنه فرض على كل مسلم ومسلمة (على اختلاف في حد العورة بين المرأة والرجل)، في الصلاة وخارجها، هو في الصلاة شرط من شروطها لا تصح بدونه، فمن صلى عارياً مكشوف العورة بطلت صلاته وكأنه لم يصل، ومن كشفها خارج الصلاة أمام الناس عزر وأدب وعوقب، وسقطت شهادته.
هذا وستر العورة معلم من معالم الحضارة والرقي والتقدم، وكشفها أمارة على البدائية والرجعية والتخلف، وقد كان المشركون في الجاهلية يطوفون بالبيت عراة، تقرباً منهم إلى الله تعالى ـ في زعمهم وجهلهم ـ، فجاء الأمر من الله تعالى بتقبيح عملهم هذا، وزجرهم عنه، ومنعهم من الطواف بالبيت بسببه، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا}([7]) كما جاء الأمر من الله سبحانه باتخاذ الزينة فيه بقوله جل من قائل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}([8])، والمراد به هنا ـ على ما ذهب إليه أكثر المفسرين ـ أصل الزينة، وهو ستر العورة.
ب ـ والختان للرجال، فإنه واجب عليهم، ومن تركه أثم لما فيه من مصلحة ظاهرة غالبة([9]).
جـ ـ وتزين المرأة لزوجها إذا طلب منها ذلك، فإنها واجبة عليها إعفافاً لنفسه، وصيانة لها عن التطلع إلى الحرام، لأن الألفة بين الزوجين التي هي عماد الأسرة وضمان وحدتها وتماسكها لا تتحقق إلا بذلك، فإذا ما خالفت المرأة ذلك مع إصرار الزوج عليه أثمت أمام الله تعالى في الآخرة، واستحقت العقوبة والتعزير والتأديب عليه في الدنيا. وما أغفل نساءنا عن ذلك!!
د ـ والاغتسال من الجنابة، ومن الحيض والنفاس، فإنه فرض من فروض الإسلام، وشرط من شروط الصلاة، وقراءة القرآن، ودخول المسجد، ومس المصحف.
هـ ـ والوضوء عند كل صلاة إذا سبقه حدث أصغر، فإنه شرط من شروط الصلاة التي لا تصح بدونه.
وجعل الإسلام من الزينة ما هو مندوب إليه من غير وجوب، وذلك لما فيه من منفعة ظاهرة ومصلحة غالبة، إلا أن فيه بعض المشقة، فجعله مندوباً إليه من غير وجوب، رحمة بالأمة، وتيسيراً عليها.
من ذلك:
أ ـ الاستياك عند كل وضوء، فقد حضّ النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأرشد إليه في قوله: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) أخرجه مالك وأحمد والنسائي وصححه ابن خزيمة وذكره البخاري تعليقاً([10]).
ب ـ وخفض([11]) الفتاة، فإنه مكرمة لها، وليكون ذلك أهون عليها وأحظى لها عند زوجها.
جـ ـ وحف الشارب وإعفاء اللحية للرجال، وكذلك تقليم الأظفار ونتف الإبط وغسل البراجم... للرجال والنساء، فقد روت عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء) قال مصعب بن عمير ـ راوي الحديث عن عائشة ـ ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة([12]). قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء. أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي.
د ـ والادهان بالطيب للرجل والمرأة عند عدم الأجنبي، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حُبّب إلي النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) ([13]) رواه الطبراني في الأوسط، وأخرج النسائي مثله([14])، كما روى أبو هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من عرض عليه طيب فلا يرده، فإنه طيب الريح، خفيف المحمل) وزاد النسائي: (وإنه خرج من الجنة) وأخرجه مسلم وقال: (ريحان) بدل (طيب) ([15]).
هـ ـ وخضب شيب الرأس بغير اللون الأسود للرجل والمرأة، فقد روى جابر بن عبد الله ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال: أتي بأبي قحافة يوم الفتح، ولحيته ورأسه كالثَّغامة بياضاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي([16]).
و ـ وترجيل الشعر ودهنه وتنظيفه ـ للرجل والمرأة، فقد روى أبو قتادة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي جمة أفأرجّلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم وأكرمها) ([17]). أخرجه الموطأ. كما روى أبو هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له شعر فليكرمه) أخرجه أبو داود([18]).
ز ـ وخضب يدي المرأة بالحناء، فقد روت عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت: أومأت امرأة من وراء ستر بيدها كتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال: (ما أدري أيد رجل أم يد امرأة؟) قالت: بل يد امرأة، قال: (لو كنت امرأة لغيرت أظفارك ـ يعني بالحناء) أخرجه أبو داود والنسائي([19])، كما روت عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أن هند بنت عتبة قالت: يا نبي الله بايعني، قال: (لا أبايعك حتى تغيري كفيك كأنهما كفا سبع) أخرجه أبو داود([20]).
ح ـ والكحل في عيني المرأة عند عدم الأجنبي، فقد روت عائشة رضي الله تعالى عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لأبغض المرأة أن أراها سلتاء مرهاء) ([21]).
ط ـ وقبل ذلك كله الاغتسال بالماء مرة كل أسبوع على الأقل، وأن يكون ذلك يوم الجمعة قبل صلاتها، فإنه أهم أنواع الزينة المندوب إليها.
إلا أن من الزينة ما هو محرم أو مكروه لما فيه من ضرر غالب على ما فيه من نفع وفائدة، ذلك أن النفع والضرر أمران نسبيان، والعبرة للغالب منهما.
ومن أنواع الزينة المحرمة أو المكروهة:
أ ـ التزين بالذهب للرجال، لما فيه من مزيد ترفه لا يناسب ما خلق الرجل له من المسؤوليات والأعباء الحياتية، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك أشد النهي، فقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي، وللنسائي أيضاً: (نهاني عن تختم الذهب) ([22]).
والتحلي بالذهب في الحدود المعتادة حلال للنساء، فقد روى بلال وابن عباس رضي الله تعالى عنهم (أن النساء كن يلبسن الفتخ والخواتيم والخرص والسخاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ([23]). كما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حلية أهداها له النجاشي فيها خاتم من ذهب فيه فص حبشي، قالت: فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معرضاً عنه أو ببعض أصابعه، ثم دعا أمامة بنت أبي العاص من بنته زينب فقال: (تحلي بهذه يا بنية) أخرجه أبو داود([24]). وروى هشام بن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى قال: رأيت على عائشة خواتيم الذهب) ([25]).
ب ـ وصل الشعر للمرأة والرجل على سواء. وفيه أدلة كثيرة مستفيضة، منها ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، قال: (زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تصل شعرها بشيء) أخرجه مسلم([26])، وسوف يأتي مزيد بسط وتفصيل لهذا الموضوع في مبحث مستقل من هذه الرسالة، لأهميته، وخطورته، وذيوعه في العصر الحاضر.
جـ ـ ادهان المرأة بالطيب عند الخروج إلى الشارع، لما في ذلك من الفتنة، أما المرأة أمام زوجها في بيتها، فالتطيب أمر مباح لها، بل واجب عليها إذا طلبه الزوج منها، إعفافاً لنفسه، وإبقاء على المودة بينهما، وقد روي في ذلك عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل عين زانية، وإن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا ـ يعني زانية) أخرجه الترمذي. وعن أبي داود والنسائي نحوه([27]). كما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه) أخرجه الترمذي والنسائي([28]).
د ـ التزين بما فيه تشبه بغير المسلمين، للرجال والنساء على سواء، وذلك لما فيه من الانسكاب في إناء الغير وقالبه، والسير وراءه بعد ذلك في أمور أخرى، وتضييع شخصية المسلم المستقلة الفاعلة القائدة. وقد روى في ذلك الحجاج بن حسان رحمه الله تعالى قال: دخلنا على أنس بن مالك، فحدثتني أختي المغيرة، قالت: وأنت يومئذ غلام ولك قرنان أو قصتان، فمسح رأسك، وبرَّك عليك، وقال: احلقوا هذين أو قصوهما، فإن هذا زي اليهود) أخرجه أبو داود([29]).
ومن ذلك في أيامنا هذه: إطالة شعور الشباب تقليداً للأجانب (الهيبز) واستعمال القبعات الخاصة بالأجانب (البرانيط)، ولبس مسوح الرهبان، وشد الحبلة على الوسط (الديشمبر)... وما إلى ذلك من الأزياء الدخيلة علينا، والتي هي من خصائص غير المسلمين.
هـ ـ حلق رأس المرأة بما يشبه الرجال، وحلق رأس الرجل بما يشبه النساء، وكذلك لبس كل من الرجال والنساء ما هو زي للجنس الآخر، وتزينه بزينته، فإنه ممنوع لما فيه من التخلي عن الشخصية النوعية المتميزة، فإن الله تعالى شاءت قدرته وحكمته أن يجعل الناس من ذكر وأنثى، وأن يجعل لكل من هذين الجنسين من المقومات ما يجعله متميزاً عن الجنس الآخر، ومكملاً له، فإذا خالف ذلك ذاب في إنائه، وضاع في شخصيته، وأصبح صورة عنه، ومثالاً له، فيختل بذلك المجتمع، وتتعطل مصالحه، وما أكثر ما نراه اليوم من مظاهر الخلط بين الجنسين في اللباس والزينة، بل في المشية والتقاليد، حتى إنه ليصعب التفريق بينهم للنظرة العجلى، والوهلة الأولى.
وقد ورد في النهي عن ذلك التشبه أحاديث كثيرة منها:
1ـ ما رواه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء) رواه البخاري وأبو داود والترمذي.
2ـ وفي لفظ عند أحمد وأبي داود وابن ماجه: (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء).
3ـ وفي لفظ لأبي داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (لعن الله الرَّجِلة من النساء).
4ـ وروى الحاكم عن أبي هريرة: (لعن الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل) ([30]).
وعلى هذا كره رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل أن يخضب يديه بالحناء لأنه من خواص النساء، وكذلك تخلّق الرجل بالخَلوق (وهو طيب له لون) فإنه ممنوع لأنه من زينة النساء، فقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذا؟ قالوا: يتشبه بالنساء، فأمر به فنفي إلى النَّقيع، فقيل: يا رسول الله ألا نقتله؟ فقال: إني نهيت عن قتل المصلين) أخرجه أبو داود([31]).
5ـ كما روى يعلى بن مرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً متخلِّقاً، فقال: (اذهب فاغسله ثم اغسله ثم لا تعد) أخرجه الترمذي والنسائي([32]).
6ـ وروى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل) أخرجه الجماعة إلا الموطأ، قال الترمذي: ومعنى كراهية التزعفر للرجل أن يتطيب به([33]). ومنه في عصرنا استعمال أنواع الكريم الملون الذي يستعمله النساء عادة في التزين، وكذلك أحمر الشفاه وأحمر الخدود وما إلى ذلك.. فإنه ممنوع على الرجال، أما النساء فلا بأس به لهن في حدود الاعتدال، إذا لم يكن ذلك أمام الأجانب عنهن.
و ـ المبالغة في الزينة المباحة، فإنها مكروهة لما فيها من إضاعة المال والوقت في غير ما يجدي، ولما فيه من زيادة ترفه إذا اعتادها الإنسان في حياته شغلته عن ضرورياته ومهامه الأساسية التي خلق لها.
من ذلك مثلاً:
1ـ المبالغة في ترجيل الشعر للرجال والنساء، فإنه مكروه، مع أن أصل الترجيل مباح بل مندوب إليه ـ كما تقدمت الإشارة إليه ـ فقد روى عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن الترجّل إلا غبّاً) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي([34]). كما روى حميد بن عبد الرحمن الحميري رحمه الله تعالى قال: لقيت رجلاً صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أربع سنين قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم) أخرجه النسائي([35]).
وروى عبد الله بن بريدة رحمه الله تعالى أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عبيدة قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثير من الأرفاه )وسئل ابن بريدة عن الأرفاه، فقال: (الترجيل) أخرجه النسائي([36]).
وإن هذا ينسحب اليوم على ما يغرق النساء فيه من ترجيل الشعر وتزيينه وتصفيفه على نحو يأخذ الساعات الطوال من اليوم، وربما كان ذلك على حساب الكثير من الواجبات الدينية والاجتماعية، بل هو كثيراً ما يكون كذلك، فلينتبه له فإنه ممنوع.
2ـ نتف الشيب لإخفاء الشيخوخة، وتفليج الأسنان، ونمص شعر الوجه، فإنه ممنوع منه، لما فيه من الإغراق في الزينة، وتغيير الخلقة، وقد ورد في ذلك نصوص كثيرة، منها ما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله(([37]) رواه البخاري ومسلم.
كما روى عمرو بن شعيب رحمه الله تعالى عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنتفوا الشيب، فإنه ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نوراً يوم القيامة)، وفي رواية: (كتب الله له حسنة، وحط عنه بها خطيئة) أخرجه أبو داود، ومثله عند الترمذي والنسائي([38])، هذا ما دام الشيب قليلاً، فإذا كثر وغطى الرأس كله أو أكثره جاز صبغه بغير اللون الأسود، بل كان ذلك مندوباً إليه، أما صبغة باللون الأسود فهو ممنوع على الرجال، أما النساء ففيه خلاف بين الفقهاء.
3ـ الإكثار من الذهب في زينة المرأة، والخروج به عن حد الاعتدال المعتاد لأمثالها، فمن كان أمثالها يتزين بعشرة مثاقيل من الذهب حرم عليها التزين بعشرين منه، ومن كان أمثالها يتزين منه بعشرين مثقالاً حرم عليها التزين بثلاثين منه، وهكذا لما فيه من التعطيل عن التداول والمبالغة في الزينة، إلا أن القليل أبيح لزينة المرأة لما فيه من المصلحة الغالبة. وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة، منها ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الذهب إلا مقطعاً) أخرجه النسائي([39]).
4ـ التزين بما فيه مثلة وتشويه للخلقة ومنافاة للحشمة، ومنه القزع، وهو حلق بعض شعر الرأس وترك بعضه على وجه غير متناسق، مما يسبب تشويهاً للخلقة، وذلك ما كان يفعله بعض الأعراب في الجاهلية، ولا زال بعض البدو في عصرنا الحاضر يفعلونه، فيحلقون أطراف الرأس ويتركون وسطه طويلاً، وقد ثبت في النهي عن ذلك ما رواه نافع مولى ابن عمر رضي الله تعالى عنهم عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع)، وزاد في رواية: (قيل: وما القزع؟) فأشار عبيد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إذا حلق الصبي ترك هاهنا، وأشار عبيد الله إلى ناحيته وجانبي رأسه، قيل لعبيد الله: والجارية؟ قال: لا أدري. أخرجه البخاري ومسلم([40]).
ومنه في عصرنا الحاضر ما يفعله الجهلة في الحفلات التنكرية من التزين بما يشوه الخلقة، ويخفي معالم الزينة التي خلقها الله تعالى فيهم، ومنه أيضاً ما يفعله العابثون في أنفسهم من التشويه في أعمالهم الفنية كالتمثيل... تحت اسم (المكياج)، فإن ذلك كله من الممنوعات شرعاً. والله تعالى أعلم.
** ** **