الحلقة (11)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين .
أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فقد تقدم معنا سابقا أن الزكاة تجب لدى عامة الفقهاء في أربعة أنواعٍ من المال، الأولُ الذهب والفضة وسائر النقود، والثاني المزروعات بأنواعها، والثالث السوائم، والرابع العروض التجارية، ولا تجب الزكاة في غيرها .
إلا أن لذك تقسيمات وتفريعات، يَسأل كثير من الناس عنها، ويُخطئون في تقديرها، من ذلك زكاة العقارات التجارية أو السكنية، سواء كانت مسكونة من قبل مالكيها، أو مؤجرة لغيرهم، أو فارغة، وكذلك السيارات الخاصة والعامة المستعملة والمؤجرة والمهملة، وزكاة الرواتب الشهرية أو الفصلية أو السنوية التي يتقاضاها الموظفون والعمال، وسوف أبين ذلك في هذه الحلقة، بإذن الله تعالى :
فأما زكاة العقارات، سواء كانت أراض، أو عمارات سكنية، أو تجارية، أو غير ذلك .
فإن كانت مشتراة بقصد التجارة والبيع، مباشرة أو بعد بنائها، كما يحصل مع تجار البناء، حيث يشترون الأراضي بقصد أن يقيموا عليها مبان من أجل البيع، فإنها تُقوَّم في آخر كل حول، وتزكى زكاة التجارة، بحسب قيمتها في السوق في ذلك الوقت، في حالتها الراهنة، سواء بقيت أرضا على حالها، أو أصبحت بناء كاملا، أو بناء ناقصا، وإن اشتريت لا بقصد البيع، ولكن بقصد السكنى أو بقصد استبقائها ليسكن فيها أخوه أو ابنه بعد مدة من الزمان دون أن يؤجرها، فلا زكاة عليه فيها، بالغة ما بلغت، لأنها غير نامية، وفي حاجته الأصلية، وما كان كذلك فلا زكاة عليه فيه، كما تقدم في حلقة سابقة .
وإن اشترى العقار بقصد إيجاره واستغلاله، فلا زكاة عليه في قيمته، بالغة ما بلغت، ولكن تجب عليه الزكاة في الأجرة أو الغلة التي يدرها عليه، يضمها إلى باقي أمواله النقدية والتجارية -إن وجدت- ويزكيها معها في كل عام زكاة التجارة، -إذا بلغت نصابا- وهي ربع العشر، وسواء في ذلك أن تكون أجرتها شهرية أو فصلية أو سنوية .
هذا ما عليه عامة فقهاء السلف والخلف، وذهب بعض المعاصرين، إلى أن العقارات المؤجرة تزكي كما تزكى الزروع، فيخرج منها عُشر أجرتها، أو نصف عشرها، والقول الأول هو الذي عليه عامة لجان الفتوى والمجامع الفقهية الإسلامية .
أما الأراضي الزراعية المشتراة لأجل الزراعة، فلا زكاة في قيمتها باتفاق الفقهاء، ولك تجب الزكاة في ما يزرع بها، العشر أو نصف العشر، بحسب ما تقدم في حلقة خاصة لذلك .
وأما زكاة السيارات، فمِثْلها مثل زكاة العمارات، إن كانت للاستعمال الشخصي، كالسيارة الخاصة لركوب مالكها أو زوجته أو ابنه أو غير ذلك من أهله، فلا زكاة فيها، لانعدام النماء فيها، وانشغالها بحاجته الأصلية، وهما من موانع الزكاة، وكذلك إذا كانت السيارة مشغولة في مهنته، كأن يكون له معمل يحتاج إلى سيارات لنقل البضائع إلى المشترين، أو غير ذلك، فإنها لا زكاة فيها لعدم النماء، أما السيارات المشتراة للإيجار، فإن الزكاة تجب في أجرتها، بعد ضمها إلى أمواله الأخرى، لتزكى معها زكاة التجارة، في حولها، إذا بلغت نصابا، فيخرج منها ربع العشر .
وأما الرواتب الشهرية أو الفصلية أو السنوية التي يتقاضاها الموظفون والعمال لقاء قيامهم بوظائفهم وأعمالهم لدى غيرهم، سواء كانوا موظفين لدى الدولة أو غيرها، فإنها تضم في آخر كل حول إلى سائر أموال الموظف والعامل، وتزكى معها في حولها زكاة التجارة، فيخرج منها ربع العشر، إن بلغت مع أمواله الأخرى نصابا، وهذا ما عليه عامة علماء السلف والخلف، وتفرد البعض وقالوا: تجب الزكاة فيها كلما قبضها بنسبة ربع العشر، وعامة لجان الفتوى والمجامع الفقهية على القول الأول.
أما الديون، سواء كانت نقودا أو مثليات، فهي إما أن تكون على المزكي لغيره، أو له على غيره، فإن كانت الديون له على غيره، فإنها تضم إلى سائر أمواله في آخر الحول، وتزكى معها زكاة التجارة، ويخرج منها ربع العشر، إن بلغت معها نصابا، وإلا فلا زكاة فيها، وسواء في ذلك الديون الحالَّة أو المؤجلة، إلا أن الفقهاء أجازوا للدائن بعد احتسابها في آخر الحول مع أمواله الأخرى أن يؤخر إخراج زكاتها، لاحتمال ضياعها عليه، وعدم تمكنه من قبضها في المستقبل، فإذا قبضها زكاها عن الفترة الماضية إثر قبضه لها، وإن توت وتلفت وتعذَّر عليه قبضها سقطت عنه زكاتها، ولو زكَّاها فور الحول قبل قبضها جاز وأجر على ذلك، ثم إن قبضها بعد ذلك لم يزكِّها مرة ثانية، وإن توت وتلفت كان ما دفعه زكاة عنها صدقة له، يؤجر عليها .
هذا ما دام الدين مرجو السداد، فإن كان الدين ميؤوسا من سداده لأسباب كثيرة، فلا زكاة فيه عند عامة الفقهاء حتى يقبضه فعلا، فإذا قبضه بعد مدة من الزمن، لم تجب عليه زكاته عن الماضي، كمال الضمار، ولكن يزكيه في المستقبل فقط .
وأما الديون التي عليه لغيره، فإن له أن يخصمها من أصل ماله عند احتساب الزكاة في آخر الحول، ثم يزكي باقي المال، سواء كانت حالَّة عليه، أو مؤجلة، وسواء كانت دفعة واحدة أو مقسطة، لأنها مبالغ واجبة الوفاء عليه على كل حال، وهي حاجة أصلية تمنع وجوب الزكاة عليه، هذا ما عليه جمهور الفقهاء، وذهب فقهاء آخرون، إلى التفريق بين الديون الحالَّة والديون المؤجلة أو المقسطة ، فأجازوا إسقاط الديون الحالَّة من النصاب، دون الديون المؤجلة أو المقسطة، وقالوا: لا تُسقط الديون المؤجلة والمقسطة إلا في الحول الذي تحِلُّ فيه، وهو ما عليه كثير من اللجان الفقهية في عالمنا الإسلامي، لما فيه من الاحتياط لمصلحة الفقراء والمساكين وسائر مستحقي الزكاة .
والله تعالى أعلم .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
7/شعبان/1421هـ