فصل
موانع الإرث ثلاثة أقسام
الأول: وصف يمنع الإرث مطلقا، وفيه صورتان:
الأولى: الرق، فلا يرث العبد، وعنه بلى عند عدم، ولا يورث العبد قولا واحدا، ومن بُعِّض يرث ويورث ويحجب بقدر حرية بعضه، وكسبه بها لورثته، ثم لمعتق بعضه، وإن أعتق القن قبل قسم إرث قريبه لم يرث على الأصح.
الثانية: الردَّة، فلا يرث المرتد أحدا، إلا أن يسلم قبل قسم إرث قريبه المسلم، وعنه لا، وإن قتل أو مات في الردة فماله فيء، وعنه أو إرثه[1] المسلم، وعنه لوارثه من أهل دينه الذي اختاره.
والداعية[2] إلى بدعة مكفرة ماله فيء، وكذا غير داعية على الأصح.
القسم الثاني: وصف يمنع الإرث في بعض الأحوال دون بعض.
وفيه ست مسائل:
الأولى: القتل المضمون بِقَوَد أو دية أو كفارة يمنع القاتل ميراث المقتول، وما ليس بمضمون لايمنع الميراث، وعنه في الباغي إذا قتل مورثه العادل لايرثه، وعنه لا يرث قاتل مطلقا[3].
الثانية: اختلاف وصفي الوارث والموروث، بإسلام وكفر يمنع الإرث، ويتوارثان بالولاء، وعنه لا، وإن أسلم كافر قبل[4] قسم إرث قريبه المسلم ورثه، وعنه لا، والكفر ملل مختلفة فلا يتوارثون مع اختلافها، وعنه ملة واحدة فيتوارثون، وعنه ثلاثة: اليهودية، والنصرانية، ودين سائرهم، ويتوارث حربي ومستأمن، وذمي ومستأمن، وإن أسلم مجوسي أو حاكَمَ إلينا ورث بقرابتيه[5]، وعنه بأقواهما، وكذا المسلم يولِد ذات محرم وغيرَها بشبهة تُثبِت النسب، ولا إرث بنكاح ذات محرم، ولا بنكاح لا يقر عليه كافر لو أسلم.
الثالثة: اختلاف داري الوارث والموروث[6] الكافرين بذمة إسلام وحرب لهم يمنع التوارث عند[7] الأكثر، والمذهب عن أحمد يتوارث الذمي والحربي، واختلاف بلدي الإسلام والكفر باعتبار ميراث لقيط يلحق[8] بالذي وجد فيهما وإن كان فيهما مخالفا لدينهم.
الرابعة: إيهام[9] وقت موت المتوارثين مع دعوى وارث كل ميت أن مورثه كان آخرهما موتا ولا بيِّنة، أو أقاما بيِّنتين وتعارضتا، فإنهما لا يتوارثان على المذهب، وإن علم موت متوارثين معا فلا إرث، وإن جهل السابق بالموت، أو علم وجهل عينه مع اتفاق الورثة على الجهل ورث كل منهما من الآخر، نص عليه من تلاد ماله دون ما ورثه من الميت معه، فيقدر أحدهما مات أولا ويورَّث الآخر منه، ثم يقسم إرثه منها على ما ورثه الأحياء، ثم يعمل بالآخر كذلك، وكذا لو عُلم السابق ثم نُسي، وقيل يُعمل بالقرعة ويرث من شك في وقت موته ممن عُيِّن وقته، وقيل لا[10].
الخامسة: المانع الدوري، بأن يلزم من التوريث الدور المبطل للتوريث، مثل أن يقر الوارث بمن يحجبه: كأخ أقر بابن، فإنه يثبت نسب الابن قولا واحدا ولا يرث شيئا[11]في قول اختاره أبو اسحق، وذكره ابن زجي عن أصحاب غير القاضي وصححه، فعلى هذا يكون نصيب المقر به ببيت المال، وقيل بيد المقر، والمذهب أنه يثبت نسب المقر به وإرثه المسقط للمقر أو المشارك له، إذا أقر كل الورثة ولو أنه واحد وصدَّقه المقر به المكلف أو لم يصدقه مع صغر أو جنون. ولا عبرة بإنكار غير وارث لرق وقتل ومخالفة دين موروثه، ولا بإقراره، وإن أقر اثنان من الورثة بوارث للميت ثبت نسبه من المقرين الوارثين، وقيل لا، جزم به كثيرون، وعنه: ويثبت في حق غيرهم، وكذا لو أقرا بدين على الأب، فإن شهد به عدلان من الورثة أو من غيرهم أنه ولده أو ولد على فراشه أو أن الميت أقر به ثبت نسبه وإرثه قولا واحدا، ومتى لم يثبت نسبه أخذ الفاضل بيد المقر[12]، وكله إن سقط به، وطريق العمل في هذا كله أن تضرب مسألة الإقرار في مسألة الإنكار، فتعطي المقر سهمه من مسألة الإقرار في الإنكار، والعكس بالعكس، فما فضل فللمقر به، ومن قال لغيره مات أبي وأنت أخي، فقال هو أبي ولست بأخي، فالمال لهما، وقيل للمقر، وقيل للمقر به، وكذا مات أبونا ونحن ابناه، وإن قال مات أبوك وأنا أخوك فكله للمنكر.
السادسة: الشك في حياة الوارث حين موت مورثه:
في ثلاثة مواضع:
الأول: المفقود إذا ضربت له مدة التربص ومات له موروث في المدة فمضت المدة ولم يعلم خبره، فإنه لا يرث على ما جزم به في المغني وغيره، للشك في حياته، والأصح أن هذا الشك لا يمنع إرث المفقود، فيقسم ما وقف له على ورثته إذن[13]، وإن علم أن المفقود مات في المدة بعد موت موروثه، دفع نصيبه من موروثه مع ماله إلى ورثته، وإن علم أنه كان ميتا حين موت موروثه رد الموقوف له إلى ورثة الأول.
الثاني: إذا علمنا أن المفقود مات ولم ندر متى مات، لم يرث شيئا، جزم به في المغني والشرح.
والمفقود نوعان:
الأول: من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة، كالتاجر ونحوه، انتظر به تتمة تسعين سنة من يوم ولد، وعنه ينتظر أبدا، فيجتهد الحاكم في موته كغيبة ابن التسعين، وعنه ينتظر أبدا حتى يتيقن موته، وعنه ينتظر زمنا[14] لا يعيش في مثله غالبا، وقيل مائة وعشرون منذ ولد.
الثاني: من انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك، كالمفقود من بين أهله، أو في مفازة مهلكة، كالحجار[15]، انتظر تتمة أربع سنين، وعنه أربعة أشهر وعشرا، وعنه هو كالقسم قبله.
والعبد المفقود كالحر، وعنه في الأمة على النصف، ويزكى ماله قبل قسمه لما مضى، فإن مات له موروث في مدة التربص أخذ كل وارث اليقين ووقف الباقي، فتعمل المسألة على أنه حي، ثم على أنه ميت، وتضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا، أو في وفقها إن توافقتا، واحترز[16] بإحداهما إن تماثلتا، أو بأكثرهما إن تناسبتا، ويعطى كل واحد وارث أقل النصيبين، ومن لا يرث إلا من إحداهما لا يعطى شيئا[17]، ولبقية الورثة الصلح على ما زاد عن نصيبه، ومتى قَدِم بعد قسم ماله أخذ ما وجده بعينه، والتالف مضمون في رواية، وهي أرجح.
الموضع الثالث: إذا مات الانسان عن حمل يرثه، ثم سقط الحمل ميتا، لم يرث شيئا، وقد تقدم.
[1] كذا في الأصل، والصحيح ( لوارثه ).
[2] في الأصل بدون واو.
[3] اتفق الفقهاء على أن القتل مانع من الإرث، فلا يرث القاتل المقتول ولو قام به سبب الإرث، واختلفوا في صفة القتل المانع على مذاهب.
فذهب الحنفية إلى أن القتل المانع من الإرث هو القتل المباشر العدوان وهو الموجب للقصاص أو الكفارة، وذهب المالكية إلى أنه القتل العمد العدوان، وذهب الشافعية إلى أن القتل مانع مطلقا، وفي قول: إن لم يضمن ورث وإن ضمن لم يرث، وذهب الحنبلية إلى أن القتل المانع هو القتل بغير حق إذا كان مضمونا بقود أو دية أو كفارة. ( مغني المحتاج 3/25-26، والمغني 6/292، والدسوقي 4/486، وابن عابدين 5/489 ).
[4] في الأصل ( قيل ).
[5] ذلك أن المجوس يستحلون نكاح الأقارب، فلو خلف أما هي أخته من أبيه وخلف معها عما، ورثت الأم الثلث بكونها أما، والنصف بكونها أختا والباقي للعم، وهكذا. ( كشاف القناع 4/478 -479 ).
[6] كذا في الأصل، ولعل الأصح ( والمورِّث ).
[7] في الأصل ( عنه ).
[8] في الأصل ( يحلق ).
[9] في الأصل ( اتهام ).
[10] وذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه إذا مات اثنان أو أكثر ممن يتوارثون وجهل السابق بالموت، أو ماتوا معا، لم يتوارثوا فيما بينهم، ويرث كلا منهم ورثته الآخرون. مغني المحتاج 3/26، والدسوقي 4/487، وابن عابدين 5/509 .
[11] في الأصل ( شياءً ).
[12] كذا في الأصل، ولعل الأصح ( فالفاضل بيد المقر ).
[13] قال البهوتي: ( وهو المذهب، وذهب الأئمة الثلاثة إلى القول الأول )، كشاف القناع 4/474، وانظر ابن عابدين 3/332، ومغني المحتاج 3/26، والدسوقي 4/487-488.
[14] في الأصل ( منا ).
[15] كذا في الأصل، ولعل الأصح ( كالحجاز ).
[16] هذه الجملة كما في المغني إلا أنه قال: ( ويجتزي إحداهما ) بدلا من ( واحترز بإحداهما ) 6/323.
[17] في الأصل ( شياءً ).