كتاب الكفاية في الفرائض للمرداوي
على مذهب الإمام المبجل أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، رضي الله عنه وأرضاه
وجعل الجنة مأواه، تأليف شيخنا الشيخ الإمام العالم العلامة الرُّحلة[1]
علامة المحققين وحجة المتناظرين صدر الدين أقضى القضاة
جمال الدين أبو[2] المحاسن يوسف بن محمد المَرداوي
السعدي المقدسي الحنبلي ثم الصالحي، أمتع
الله المسلمين ببقائه، وحفظه بملائكة
أرضه وسمائه.
تم
حققه وعلق عليه وشرحه
الأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي
مقدمة المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان وعنا معهم يارب العالمين، وبعد:
فإن علم الفقه من أهم العلوم وأفضلها، لأن العلم به أساس صحة العمل والعبادة التي خلقنا الله تعالى من أجلها في قوله سبحانه: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )56/ الذاريات، ومن هنا كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم به وحضه عليه حيث قال: ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين )متفق عليه، وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم علم الفرائض والمواريث من فروع الفقه بمزيد عناية، فقال: ( تعلموا الفرائض وعلموها الناس، تعلموا القرآن وعلموه الناس، فإني امرؤ مقبوض، والعلم سيقبض وتظهر الفتن، حتى يختلف اثنان في فريضة لا يجدان أحدا يفصل بينهما )رواه الدارمي، وصححه الحاكم وغيره وحسنه المتأخرون، وقال صلى الله عليه وسلم: ( تعلموا الفرائض وعلموها فإنه نصف العلم، وهو ينسى، وهو أول شيء ينزع من أمتي ) رواه ابن ماجه بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
وقد عني الفقهاء بهذا العلم في ضمن عنايتهم بعلوم الفقه الأخرى، وأدخلوه في مصنفاتهم وموسوعاتهم، وبالنظر لتميز هذا العلم عن علوم الفقه الأخرى لكثرة صلته بالحساب، فقد أفرد عدد منهم هذا العلم بمصنفات خاصة به، مثل متن السراجية لسراج الدين محمد بن محمد بن عبد الرشيد السجاوندي الحنفي، ومتن الرحبية لمحمد بن علي بن محمد ابن الحسن الرحبي.
وقد عني عدد من الفقهاء بشرح هذين المتنين وغيرهما من المتون عناية فائقة، وكتبوا فيها شروحا موسعة أحيانا وموجزة أحيانا أخرى على حسب الحاجة، إلا أن أغلب هذه المتون هي متون مذهبية، فالسراجية على مذهب الحنفية، والرحبية على مذهب الشافعية، ولم يعن الفقهاء السابقون بالمقارنة بين المذاهب في هذا الفن، إلا في بعض الفروع القليلة، مما يلجئ الباحث إلى الرجوع إلى أكثر من كتاب للتعرف على مختلف المذاهب في موضوع معين، وهو ليس بالأمر السهل، على خلاف الكتابات المعاصرة التي نحت منحى المقارنة وذكر المذاهب كلها أو أكثرها في كل جزئية تتعرض لها.
ومن الكتب المتخصصة في الفرائض المتن الذي نحن بصدد تحقيقه وإخراجه إلى النور، بعد أن مضى عليه زمان في خزائن المخطوطات، وهو كتاب ( الكفاية في الفرائض) للعلامة المحقق القاضي جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن محمد المرداوي السعدي المقدسي الحنبلي ثم الصالحي، وقد ألفه رحمه الله تعالى على وفق مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وقد رأيت من المفيد تحقيقه ونشره لما فيه من الفوائد وتسهيل هذا العلم وتيسيره، إلا أنني رأيت - زيادة في الفائدة - إضافة بعض الشروح عليه، مبينا فيها مذاهب الفقهاء الثلاثة: الحنفية والمالكية والشافعية، في أهم النقاط والأحكام التي تعرض لها هذا المتن الجامع لعامة أحكام الفرائض، مع عزو كل ماأضفته إلى الكتب المعتمدة في المذهب الذي ذكرته.
والله تعالى أسأل أن ينفع بهذا المتن وبالتعليقات والشروح التي أضفتها عليه عباده المتقين، وأن يعفو عن زلاتي وما يمكن أن أكون قد أخطأت فيه، ويتقبل مني هذا العمل وأمثاله مما قمت وأقوم به في خدمة العلم عامة والفقه خاصة وعلم الفرائض بشكل أكثر خصوصية، ويثيبني عليه أجرا في الجنة، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.
والحمد لله رب العالمين.
18/من صفر الخير /1419هـ - المتفق مع13/6/1998م
المحقق
أ.د.أحمد الحجي الكردي