التعريف بالمؤلف
ورد على صفحة الغلاف للمخطوط أن المؤلف هو جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن محمد المرداوي السعدي المقدسي الحنبلي ثم الصالحي، دون بيان اسم جده، ولا سنة ولادته ولا وفاته، وقد رجعت إلى العديد من كتب التراجم العامة، والمتخصصة بعلماء الحنبلية، للبحث عنه، ومعرفة ترجمته وحياته، فالتقيت بتراجم متعددة لعلماء من علماء الحنبلية، أسماؤهم متشابهة، مما جعلني أتريث في التعرف على مؤلف الكتاب الذي نحن بصدده، سيما لم يذكر أحد ممن ترجم لهؤلاء أن واحدا منهم ألف كتاب (الكفاية في الفرائض)، إلا ابن حميد النجدي في كتابه السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، حيث قال: يوسف بن محمد بن عمر الجمال أبو المحاسن المَرداوي ثم الدمشقي الصالحي، والد ناصر الدين محمد، قال في الضوء: ويعرف بالمَرداوي، أحد الرؤوس بدمشق من الحنابلة، ممن أخذ عن التقي ابن قندس، ورأيت له مصنفا في الفرائض سماه: ( الكفاية ) وعمل آخر في الحساب، وجرد (الفروع ) لابن مفلح، وأقرأ الطلبة، وناب في القضاء عن ابن عبادة، وحج سنة (75)، وجاور التي تليها، ورأيته أجاز بعض من عرض عليه من الحنابلة سنة (878)، ومات قريبا منها. انتهى. قال في ( الشذرات ): حفظ ( الفروع ) و( جمع الجوامع ) وغيرهما[1].
وإنني -تجلية للحقيقة ووصولا إلى مؤلف كتاب الكفاية الذي نحن بصدد تحقيقه-، سوف أذكر التراجم المختلفة التي اطلعت عليها في هذا الاسم أو شبهه، ثم بعد ذلك أحاول التعرف من خلال ذلك على مؤلفنا.
1- قال شمس الدين السخاوي في الضوء اللامع لأهل القرن التاسع: يوسف بن محمد بن عمر الجمال أبو المحاسن المرداوي ثم الصالحي الحنبلي، والد ناصر الدين محمد، ويعرف بالمَرداوي، أحد الرؤوس من الحنابلة بدمشق، حج في سنة خمس وسبعين، وجاور التي تليها، مات.
وقال أيضا: وفيها جمال الدين يوسف بن محمد المَرداوي السعدي الحنبلي المعروف بابن التنبالي، الإمام الفقيه العلامة، قال العليمي: كان من أهل العلم والدين، اختصر كتاب الفروع للعلامة شمس الدين بن مفلح، وكان يحفظ الفروع وجمع الجوامع وغيرهما، ويكتب على الفتوى، وتتلمذ له جماعات من الأفاضل، وتوفي بدمشق. انتهى. ( سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة )، فيها توفي شهاب الدين أحمد بن اسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن خالد [2].
2- وقال البغدادي في هداية العارفين: يوسف بن محمد بن عبد الله المقدسي الحنبلي، المتوفى سنة (719)، صنف: (المستقنع لأدلة المقنع) في فقه الحنابلة، مجلد [3].
3- وقال ابن العماد في شذرات الذهب: جمال الدين يوسف بن محمد المرداوي السعدي الحنبلي، المعروف بابن التنبالي، الإمام الفقيه العلامة، قال العليمي: كان من أهل العلم والدين، واختصر كتاب الفروع للعلامة شمس الدين بن مفلح، وكان يحفظ الفروع أو غالبه، وجمع الجوامع، وغيرهما، ويكتب على الفتوى، وتتلمذ له جماعات من الأفاضل، وتوفي بدمشق. انتهى [4].
4- وقال الزركلي في الأعلام: المرداوي (... - 769هـ =. .. - 1367م)، يوسف بن محمد بن التقي عبد الله بن محمد بن محمود أبو المحاسن جمال الدين المرداوي. قاض من فقهاء الحنابلة، من أهل دمشق مولدا ووفاة. تصدَّر للتدريس والإفتاء في الجامع المظفر، ثم ولي قضاء الحنابلة سبع عشرة سنة، وعزل سنة (767)، ومات عن نحو (70) عاما. كان بعيدا عن المحاباة، لايركب مع القضاة في عيد ولا محمل. نسبته إلى (مردا) من قرى نابلس، له: ( الانتصار في أحاديث الأحكام )، بوَّبه على أبواب المقنع في الفقه، و: ( كفاية المستقنع لأدلة المقنع ) - خ [5].
5- وقال ابن طولون في القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية: ومنهم يوسف بن محمد بن التقي عبد الله بن محمد بن محمود - ورأيت عوض محمود أحمد - بن غرار بن نائل، الشيخ الإمام العالم العلامة الصالح الخاشع قاضي القضاة جمال الدين المَرداوي، سمع صحيح البخاري من أبي بكر بن عبد الدائم وابن الشحنة وزيره، وبعضه من فاطمة بنت الفراء، والتقى سليما (ص60) بن حمزة، وشرح عليه المقنع، ولازم قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم إلى حين وفاته، وأخذ النحو عن نجم الدين القحفازي، وباشر وظيفة قضاء الحنابلة بالشام سبع عشرة سنة بعد موت القاضي علاء الدين بن المنجا في رمضان سنة خمسين، بعد تمنع زائد وشروط شرطها عليهم، واستمر إلى أن عزل في رمضان سنة سبع وستين بالقاضي شرف الدين بن قاضي الجبل، وذلك لخيرة عند الله تعالى، وقد أخبرت أنه كان يدعو الله أن لا يتوفاه (وهو) قاض، فاستجاب الله دعوته. وذكره الذهبي في المعجم المختص وقال في حقه: الإمام المفتي الصالح أبو الفضل، شاب خيِّر إمام في مذهب أحمد، نسخ الميزان، وله اعتناء بالمتن والإسناد. وقال قاضي القضاة البرهان بن مفلح في كتاب المقصد الأرشد في طبقات أصحاب الإمام أحمد: قال الشيخ شهاب الدين بن حجي: كان عفيفا نزيها ورعا صالحا ناسكا خاشعا، ذا سمت ووقار، ولم يتغير ملبسه وهيئته، يركب الحمارة ويفصل الحكومات بسكون، ولا يحابي أحدا، ولا يحضر مع النائب إلا يوم دار العدل، وأما في العيد والمحمل فلا يركب، وكان مع ذلك عارفا بالمذهب، لم يكن فيهم مثله، مع فهم وكلام جيد في النظر والبحث، ومشاركة في أصول وعربية، وجمع كتابا في أحاديث الأحكام حسنا، وكان قبل القضاء يتصدر بالجامع المظفري للاشتغال والفتوى، لم يتفق لي السماع منه، ولكن أجاز لي.
(قلت) وقد أجاز لجدنا الشيخ شرف الدين وإخوته، وكتابه هذا سماه: الانتصار، وبوبه على أبواب المقنع في الفقه، وهو محفوظنا، انتهى كلام ابن مفلح.
(قلت) وظاهر كلام ابن حجي هذا: أن القاضي جمال الدين المذكور هو الذي يقال له قاضي الحمارة، وكذا رأيته بخط صاحبنا العلامة شهاب الدين بن البغدادي الحنبلي، وما قدمناه عن القاضي ابن التقي أنه قاضي الحمارة وهو الذي مشى عليه شيخنا المحدث جمال الدين بن المبرد الحنبلي في كتابه: الدرة المضيئة، والله أعلم.
وقال ابن حبيب في تاريخه: الجمال المرداوي عالم علمه زاهر، وبرهان ورعه ظاهر، وإمام تتبع طرائقه، وتغتنم ساعاته ودقائقه، كان لين الجانب، متلطفا بالطالب، رضي الأخلاق، شديد الخوف والإشفاق، عفيف اللسان، كثير التواضع والإحسان، لايسلك في ملبسه مسلك سبيل أبناء الزمان، ولا يركب حتى إلى دار الإمارة غير الأتان، ولي الحكم بدمشق عدة أعوام، ثم صرف واستمر إلى أن لحق بالسالفين من العلماء الأعلام، توفي يوم الثلاثاء ثامن ربيع الأول سنة تسع وستين وسبعمائة بالصالحية، وصلي عليه بعد الظهر بالجامع المظفري، ودفن بتربة شيخ الإسلام موفق الدين بالروضة، وحضره جمع كثير [6].
6- وقال حاجي خليفة في كشف الظنون: ابن التقي القاضي جمال الدين يوسف بن محمد بن عبد الله بن محمود المرداوي الشهير بابن التقي، قاضي الحنابلة بدمشق الشام، المتوفى بها سنة /763/ ثلاث وستين وسبعمائة، صنف: (الانتصار في أحاديث الأحكام)، بوبه على أبواب المقنع[7].
7- وقال ابن بدران في المدخل: وممن جمع كتابا في الأحكام العلامة الصالح يوسف بن محمد بن التقي عبد الله بن محمد بن محمود جمال الدين المرداوي، ذكره الذهبي في المعجم المختص، وقال في حقه: الإمام المفتي الصالح أبو الفضل: شاب خير إمام في المذهب، يعني الحنبلي، شيخ الميزان، وله اعتناء بالمتن والإسناد، وقال ابن حجي: كان عارفا بالمذهب، لم يكن فيهم مثله، مع فهم وكلام جيد في البحث والنظر ومشاركة في أصول وعربية، وجمع كتابا في أحاديث الأحكام، قال البرهان ابن مفلح في المقصد: وكتابه هذا سماه الانتصار، وبوبه على أبواب المقنع في الفقه، وهو محفوظنا، توفي سنة تسع وستين وسبعمائة [8].
8- وقد جاء في كتيب مفهرس لبعض مخطوطات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت، كان أعده شاب أديب باحث هو الأستاذ محمد بن ناصر العجمي بعنوان: نوادر مخطوطات علامة الكويت الشيخ عبد الله الخلف الدحيان، قوله: الكفاية في الفرائض على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل: لجمال الدين يوسف بن محمد بن عبد الله المَرداوي الدمشقي الحنبلي المتوفى سنة (769هـ) أوله: الحمد لله الذي أرشد. ... وآخره: فإن محمل إرثه عند عدم السبب......، نسخة بخط نسخي مقروء، ولم يذكر اسم الناسخ، وقد كتبت وقوبلت على نسخة المصنف كما ذكر في آخر الكتاب، وعلى طرة النسخة أنها برسم عبد العزيز بن عبد اللطيف بن محمد الشهير بابن البغدادي البعلي الحنبلي،/ 10ق - 19س - 18×13 سم - / رقم التسجيل( 911 ) [9].
وبذلك يتضح أن عددا من علماء الحنابلة الذين سكنوا دمشق في القرنين الثامن والتاسع عرفوا باسم يوسف المرداوي، إلا أن اسم والدهم مختلف، إلى جانب أن بعضهم ذكر اسم جده بعد والده، وبعضهم أغفل اسم جده كما تقدم، وذلك إلى جانب اختلاف تاريخ الولادة والوفاة، ففي بعض التراجم السابقة ذكر تارخ الوفاة، وفي بعضها الآخر لم يذكر، والذين ذكروا تاريخ الوفاة اختلفوا فيه.
ومنه يظهر أن المترجم لهم سابقا هم أناس مختلفون وليسوا واحدا، وأن مؤلف كتابنا الكفاية في الفرائض هو أحد هؤلاء، والراجح عندي أنه هو العالم الذي ترجم له صاحب السحب الوابلة، لأنه الوحيد الذي ذكر أن له كتابا في الفرائض سماه (الكفاية)، ولم يذكر ذلك غيره، إلا أنني اشتبهت في اسم جده، أهو يوسف بن محمد بن عمر كما جاء في السحب الوابلة، أم هو يوسف بن محمد بن عبد الله كما جاء في نوادر المخطوطات، كما وقعت الشبهة في تاريخ وفاته، فقد ذكر صاحب السحب الوابلة أنه توفي قريبا من عام 878 هـ، وذكر صاحب نوادر المخطوطات أنه توفي في عام 769 هـ والفرق بينهما يزيد عن مئة عام، وليس عندي دليل يرجح أحد الاحتمالين السابقين على الثاني، إلا أنني اتصلت بالأستاذ العجمي صاحب النوادر، واستشرته في هذا الموضوع، واتفقنا على تقديم ماذكره صاحب السحب الوابلة من اسم الوالد والجد وتاريخ الوفاة، وهو الذي سوف أعتمده في هذه الترجمة، وأرجوا أن يكون مطابقا للحقيقة.
ونخلص من هذه الدراسة والبحث، إلى أن مؤلف كتابنا الذي نحن بصدد تحقيقه هو يوسف بن محمد بن عمر الجمال أبو المحاسن المَرداوي، نسبة إلى (مردا) من قرى الأرض المقدسة، كان قاضيا فرضيا وفقيها حنبليا مميزا، كتب كتاب الكفاية في الفرائض، وهو الذي نحن بصدد تحقيقه وتسهيله لقارئه، وله مختصر الفروع لابن مفلح، ولد في دمشق، وقضى فيها سنين، ثم حج في عام (875هـ)، وجاور في السنة التي بعدها، ثم توفي قريبا من عام (878هـ)، عن عمر يناهز أو يقارب السبعين سنة.
ولم تذكر المصادر التي بين يدي كتبا له غير ما ذكرت، ولم تذكر شيوخه ولا طلابه، ولا شيئا من حياته الخاصة، وربما أوفق في مستقبل الأيام لمزيد من المعلومات عنه فألحقها بالكتاب في طبعة أخرى إن شاء الله تعالى.