النفقة الزوجية
تعريف النفقة:
النَّفَق في اللغة النَّفاد، يقال نَفِقت الدراهم نَفَقاً من باب تعب إذا نفدت، والنفقة اسم للنفق يجمع على نِفاق ونَفَقات، كما يطلق النفوق على الموت، فيقال: نَفَقت الدابة نفوقاً من باب قعد إذا ماتت، ويطلق أيضاً على الرَّواج، فيقال: نَفَقت السلعة نَفَاقاً بالفتح إذا راجت وكثر طلاّبها. والنَّفَق سَرَب في الأرض له مخرج من موضع آخر، ومنه النِّفاق وهو إظهار الإسلام وإخفاء الكفر، وهو أشد من الكفر إثماً وخطراً.
وتطلق النفقة في اللغة أيضاً على ما يصرفه الرجل على عياله، وسمي ذلك بالنفقة لما فيه من هلاك المال المصروف عليهم.
والنفقة في اصطلاح الفقهاء: هي الطعام والكسوة والسكنى وما يلحق بذلك، وقد تستعمل في اصطلاحهم في الطعام فقط، فيقولون: يجب على الرجل لزوجته النفقة والكسوة والسكنى، إلا أنه تجوّز، والحقيقة الشرعية هي الأول([1]).
أسباب النفقة على الغير:
الأصل أن نفقة كل إنسان واجبة عليه في ماله، لكنها قد تجب على غيره لأسباب ثلاثة: الزوجيّة، والقرابة، والمِلك. ولكل سبب من هذه الأسباب الثلاثة شروط وأحكام وقيود، والذي يهمنا هنا هو السبب الأول، لأن القرابة والملك مما يستوي في أحكامه الرجال والنساء، بخلاف السبب الأول، فهو خاص بالنساء، وهو موضوعنا هنا. لهذا فإننا سوف نقصر البحث على السبب الأول وهو النفقة الزوجية، وذلك على النحو الآتي:
معنى النفقة الزوجية:
النفقة الزوجية معناها إنفاق الزوج على زوجته ما يكفيها مما تحتاج إليه، بشروط وقيود وحدود معينة، بينتها الشريعة الإسلامية.
حكم النفقة الزوجية:
نفقة الزوجة على زوجها في الشريعة الإسلامية واجبة قضاء وديانة، فإذا امتنع الزوج عن دفعها بلا عذر أثم عند الله تعالى في الآخرة، ورفع أمره للقاضي لينال عقابه في الدنيا، لإخلاله بواجب من واجباته الشرعية الثابتة عليه بالزواج.
والدليل على وجوب نفقة الزوجة على زوجها الكتاب والسنة والإجماع والقياس:
أما الكتاب، ففي آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}([2])، وقوله جل من قائل: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}([3]) وإذا كان هذا في المطلقة أثناء العدة فهو في الزوجة حال قيام الزوجية من باب أولى.
وأما السنة، ففي أحاديث كثيرة، منها: ما روي عنه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أنه قال: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف(([4])، وما رواه القشيري قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما تقول في نسائنا؟ قال: (أطعموهن مما تأكلون، واكسوهن مما تكسون، ولا تضربوهن، ولا تقبِّحوهن( رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، والدارمي([5]).
وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على إيجاب نفقة الزوجة على زوجها من غير إنكار أحد.
وأما المعقول، فإن الزوجة محتبسة في بيت الزوج لحقه، فكان معقولاً أن تجب نفقتها عليه لذلك، مثلها في ذلك مثل القاضي والحاكم وسائر الموظفين العامين العاملين في خدمة المجتمع، فإن نفقتهم على الأمة والمجتمع لاحتباسهم لحقه ومصلحته، فكذلك الزوجة، وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الخليفة الأول أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه صبيحة مبايعته خليفة على المسلمين في السوق يبيع سلعة له، فكلمه في ذلك، فقال له: إنني أريد أن أكسب قوتي وقوت عيالي، فقال له عمر: لا، ولكن تعمل للمسلمين ويكفوك هم مؤونة قوتك وقوت عيالك، فرضي أبو بكر بذلك.
سبب وجوب نفقة الزوجة وشروطه:
سبب وجوب نفقة الزوجة على زوجها العقد الصحيح، فإذا كان عقد النكاح فاسداً كالعقد بلا شهود، أو كان باطلاً كالعقد على المجوسية والمرتدة ومن لا دين لها... لم تجب النفقة لها على العاقد مطلقاً، لأن سبب وجوب نفقة الزوجة على زوجها عامة الاحتباس، ولا احتباس على المعقود عليها فاسداً، أو باطلاً، لوجوب التفرق عليهما، فلا تجب النفقة لها عليه لذلك، فإذا لم يكن هنالك عقد مطلقاً، ولكن وطء بشبهة يدرأ بها الحد، أو كان وطءاً بلا شبهة، لم تجب النفقة لها على الواطئ بطريق الأولى، لعدم الاحتباس.
ثم إنه يشترط لوجوب النفقة هذه عند الحنفية شروط هي:
1ـ أن تكون الزوجة ممن يوطأ أو يستمتع بها بالجملة ولو بما دون الفَرْج، وذلك بأن تكون بالغة عاقلة معافاة.
فإذا كانت الزوجة صغيرة دون البلوغ، فإن كانت ممن يُشتهى ويستمتع بها ولو بما دون الفرج، وجبت النفقة لها، وإلا فلا، إلا أن ينقلها إلى بيته فعلاً، وتكون ممن يستأنس بها، فإنها تجب لها النفقة عليه مطلقاً، ولو لم تكن مشتهاة، لحصول الاحتباس فعلاً، فإذا لم تكن مشتهاة ولم ينقلها إليه فعلاً لم تجب نفقتها عليه. ويستوي الحال هنا أن تكون الزوجة مسلمة أو ذمية، فإن لها النفقة مطلقاً، ما دام عقدها صحيحاً.
فإذا كانت الزوجة مريضة، فإن كانت في بيته كانت لها النفقة عليه لحصول الاحتباس لحقه، مهما كان نوع المرض وشدته، وإن كانت في بيت أهلها ولم تنتقل إليه بعد، فإن أمكنها الانتقال إليه ولم تمتنع منه، وجبت لها النفقة، وإن لم يمكنها الانتقال إليه لشدة المرض، أو أمكنها الانتقال إليه فامتنعت منه، لم تجب لها النفقة لعدم التسليم.
2ـ أن لا تمنع الزوجة نفسها عن الزوج بدون عذر، فلو منعت نفسها عنه لعذر مشروع وجب لها النفقة عليه مع الامتناع، وذلك كأن تمنع نفسها عنه لعدم قبضها معجل المهر، أو لعدم الإنفاق عليها...
فإذا منعت نفسها لغير عذر، سقطت نفقتها. هذا والامتناع الذي تسقط به النفقة عند الحنفية هو الامتناع عن الانتقال إليه في بيته، وليس منعه من الوطء، فإنه لا تسقط به النفقة، ولكن يلزمها به التأديب إذا كان لغير عذر، فإذا كان لعذر كحيض ونفاس لم يلزمها شيء، والنفقة لها في الحالين، هذا إذا كانت في بيت الزوج، فإذا كانت في بيتها، ومنعته من الوطء فيه لغير عذر، ولم تطلب منه نقلها إلى بيته، سقطت نفقتها بذلك. وذهب الشافعية إلى أن الممتنعة من الوطء لغير عذر ناشز، لا نفقة لها مطلقاً.
فإذا عقد عليها ولم يطلب انتقالها إلى بيته، وجبت لها النفقة في بيت أهلها، فإذا طلب انتقالها إليه فامتنعت، فإن كان امتناعها لعذر مشروع، كعدم قبض معجل المهر.. وجبت لها النفقة أيضاً، وإلا لم تجب لها النفقة، فإذا امتنعت لصغر أو مرض، لم تجب لها النفقة مدة الامتناع، لأنها فوتت عليها الائتناس بها، وهو نوع استمتاع متوجب له عليها.
3ـ عدم النشوز: فإذا نَشَزَت سقطت نفقتها عنه مدة نشوزها، فإذا عادت إلى طاعته عادت لها النفقة من تاريخ انقضاء نشوزها. والنشوز هو مغادرة بيت الزوجية بدون إذن الزوج، أو منع الزوج من الدخول إلى بيتها والاستمتاع بها فيه إذا لم تطلب هي نقلها إلى بيته. وذلك أن سبب النفقة هو الاحتباس لمصلحة الزوج، فإذا خرجت من بيته بلا إذنه، أو منعته من الدخول إليها في بيتها، فقد فات الاحتباس، فسقطت النفقة بذلك.
ويستوي في هذه الحال أن يكون خروج الزوجة مشروعاً أو غير مشروع، لأن به مطلقاً يفوت الاحتباس. فلو خرجت الزوجة للحج النفل بلا إذنه، سقطت نفقتها، ولو خرجت لزيارة أرحامها بلا إذنه سقطت نفقتها أيضاً، فإذا حجت الفرض، وجبت لها النفقة في حجها، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إلا أنها تستحق عليه نفقة الإقامة، لا نفقة السفر، عند الحنفية.
فإذا كانت الزوجة عاملة خارج البيت، كالقابلة، والموظفة، تخرج أكثر النهار إلى عملها، وترجع إلى بيتها في آخره، فإن كان خروجها بإذنه، وجبت لها النفقة لعدم النشوز، وإن كان بغير إذنه، كانت ناشزاً، وسقطت نفقتها حتى تترك العمل، وقد أخذ بهذا قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة /73/ منه. فإذا أذن لها الزوج بالعمل ثم منعها منه فلم تمتنع، سقطت نفقتها أيضاً من تاريخ المنع، فإذا حُبست الزوجة لحق أو غير حق، أو اغتصبت وأكرهت على البعد عنه مدة من الزمن، لم يكن لها على زوجها النفقة في هذه المدة، لعدم الاحتباس لحق الزوج.
وقت وجوب نفقة الزوجة وطريقه:
اتفق الفقهاء على أن نفقة الزوجة على زوجها تجب لها من تاريخ العقد الصحيح عليها، لأن به يستحق الزوج على زوجته الاحتباس لحقه، فتجب النفقة لها به.
إلا أن الفقهاء اختلفوا في وقت اعتبار النفقة ديناً على الزوج إذا امتنع من أدائها، ذلك أن الزوج قد يمتنع من أداء النفقة للزوجة بعد استحقاقها النفقة عليه، وتمضي مدة قبل أن تطالبه الزوجة بها، ثم تطالبه بها بعد ذلك وترفعه إلى القاضي، أفيكون للقاضي في هذه الحال أن يحكم لها بالنفقة من تاريخ العقد، أم من تاريخ الامتناع عن الإنفاق إذا كان الإنفاق بعده، أم أنه يحكم لها بها من تاريخ الرفع إليه، ويجعل ما سبق هدراً؟ هذا ما اختلف الفقهاء فيه على قولين:
فذهب الجمهور إلى أن على القاضي أن يحكم بالنفقة للزوجة على زوجها من تاريخ امتناعه عنها بعد توجبها عليه بالعقد الصحيح، سواء أطالبته الزوجة بها، أم لا، ولو كان ذلك لسنين طويلة.
وذهب الحنفية إلى أن لا يجوز للقاضي أن يحكم لها بالنفقة إلا من تاريخ الرفع إليه، وأجاز بعضهم له الحكم بها لشهر سابق فقط، لأن الشهر قليل، وهو محتاج إليه للمطالبة بها. هذا إذا لم يكن الزوجان قد اصطلحا على نفقة معينة، فإذا اصطلحا على مقدار معين من النفقة بعد وجوبها بالعقد، وجبت، وقضى بها القاضي من تاريخ الاتفاق عليها، لأنها تصير ديناً عند الحنفية بالقضاء بها أو التراضي عليها.
وعمدة الجمهور في ذلك أن النفقة حق للزوجة، فكان كسائر الحقوق القوية، وهي لا تسقط بعد توجبها بترك المطالبة بها، فكذلك النفقة.
أما الحنفية فعمدتهم أن نفقة الزوجة على زوجها حق فيه معنى الصلة، فلا تكون حقاً قوياً إلا إذا قضى بها القاضي، أو اصطلح عليها الزوجان.
وقد توسط قانون الأحوال الشخصية السوري في ذلك بين مذهبي الحنفية والجمهور، فنص في المادة /78/ منه على أنه يحكم للزوجة بالنفقة من تاريخ امتناع الزوج عن الإنفاق الواجب عليه بشرط أن لا يزيد ذلك عن أربعة أشهر سابقة على الادعاء. وقد سبق القانون السوري في ذلك القانون المصري، فقد نص القانون المصري رقم /78/ لعام 1931 في المادة /99/ منه على جواز فرض نفقة ثلاث سنوات سابقة على رفع الدعوى.
مقدار النفقة الزوجية وأنواعها:
اتفق الفقهاء على أن النفقة الزوجية تشمل: الطعام، والكساء، والسكنى، واختلفوا في وجوب الخادم، والعلاج، وذلك حسب التفصيل التالي:
أ ـ الطعام:
اتفق الفقهاء على أن على الزوج لزوجته من الطعام ما يكفيها، ولكن أيجب عليه أن يدفع لها ثمنه، أم يكفيه أن يوفر لها ما تحتاج إليه من الطعام عيناً؟ الاتفاق على أنه لو أحضر لها الطعام عيناً كفاه، ولا يكلف بدفع قيمته لها، إلا أن يثبت لدى القاضي تقصيره فيه، فيأمره بدفع قيمته لها لتشتريه بنفسها.
فإذا قدم الزوج الطعام عيناً، أيتوجب عليه أن يقدمه مطبوخاً سائغاً؟ أم أن له أن يقدمه لها بدون طبخ، ثم يكلف الزوجة بطبخه وتحضيره؟ والجواب أن الزوجة إن كانت ممن يُخدم في العادة، بأن كان لها خادم في بيت أبيها، وجب على الزوج أن يقدم لها الطعام جاهزاً أو يحضر لها من يقوم بإعداده، وإن كانت ممن يعمل في البيت في العادة، كان له أن يقدم لها الطعام بدون طبخ، ثم يكلفها بإعداده وطبخه. فإذا طلبت الزوجة هذه على إعداده أجراً، لم تستحق شيئاً، لأن العمل داخل البيت واجب عليها ديانة، فلا تستحق عليه الأجر، إلا أن الزوج في هذه الحال يكلف بتقديم وسائل إعداد الطعام، من الموقد، والصحون، والملاعق، والسكاكين... وما إليه.
وهل يكون الطعام كماً وكيفاً بحسب حال الزوج يسراً وعسراً؟ للفقهاء في ذلك ثلاثة أقوال:
الأول: أن يكون بحسب حال الزوج. والثاني: أن يكون بحسب حال الزوجة. والثالث: بحسب حالهما معاً، غنى وفقراً. والقول الأول هو قول الشافعية، وهو قول من أقوال ثلاثة لدى الحنفية، أما الثالث فهو الراجح لدى الحنفية، وهو قول المالكية والحنبلية، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بالقول الأول، فنص في المادة /76/ منه على أن النفقة للزوجة تعتبر بحسب حال الزوج يسراً وعسراً على أن لا تقل عن حد الكفاية للمرأة.
هذا ويتعين مقدارها بحسب المبادئ السالفة، باتفاق الزوجين أو قضاء القاضي، فإذا اتفق الزوجان على نفقة معينة، أو على مبلغ معين بدلاً عنها، لزم ما اتفقا عليه، وإلاّ رفع الأمر للقاضي، والقاضي هنا إما أن يقضي بأشياء عينية معينة من النفقة يدفعها الزوج للزوجة، وإما أن يقضي بمبلغ معين من المال يدفع إليها نقداً لتشتري به ما تحتاج إليه من النفقة لنفسها، ودفع البدل هو المعمول به اليوم لدى المحاكم الشرعية في أكثر البلدان الإسلامية لسهولته.
ثم إن للقاضي أن يحكم للزوجة بالنفقة يومياً، فتدفع لها يوماً بيوم، أو شهرياً، أو سنوياً، أو أسبوعياً، وذلك بحسب كسب الزوج، فيدفع لها كل شهر أو كل سنة أو كل أسبوع...
وهذا المبلغ أو المقدار المحكوم به من النفقة لها، يتبع الأسعار وتغيراتها، زيادة ونقصاناً، وهو قابل للتغير كلما تغيرت الأسعار، أو تغير حال الزوج أو الزوجة... إلا أن قانون الأحوال الشخصية السوري نص في المادة /77/ منه على أنه لا يجوز إقامة دعوى التعديل في مقدار النفقة من الزوج أو الزوجة قبل مضي ستة أشهر على الحكم بها إلا في الطوارئ الاستثنائية، وذلك لندرة تغير الأسعار قبل ستة أشهر في الغالب.
ب ـ الكساء:
الكساء الواجب للزوجة هو الكساء الكامل الكافي لها بحسب العرف، والمعتبر في نوعه وقيمته من حال الزوجين يسراً وعسراً لدى الفقهاء هو المعتبر في الطعام من حالهما ـ وقد تقدم ـ.
ويجب الكساء للزوجة على زوجها في العام مرتين، لأن الحاجة إليه تتجدد في العادة كل ستة أشهر، فيجب لها كسوة في الصيف، وكسوة في الشتاء. فإذا هلك الكساء قبل انقضاء الأشهر الستة، فإن كان ذلك بدون تعد منها، استحقت غيره، وإن كان بتعد منها، لم تستحق غيره قبل انقضاء ستة أشهر عليه، هذا والزوج مخير في أن يدفع إليها الألبسة عيناً، أو يدفع لها قيمتها لتشتريها بها بنفسها، إلا أن يظن القاضي منه التقصير في ذلك، فيأمره بدفع القيمة إليها، وهو المعمول به في المحاكم الشرعية اليوم، حيث يدفع لها قيمته شهرياً مع قيمة الطعام.
ويدخل في الكساء الواجب لدى الفقهاء ما تحتاجه الزوجة من أدوات التنظيف التي يحتاج إليها أمثالها، كالصابون، والمشط، والمرآة. أما أدوات الزينة، فإن طلبها منها الزوج لزمه أدواتها، وإلا فلا، فإذا أحضر لها أدوات الزينة وجب عليها استعمالها، لأن الزينة حقه فتجب عليها بطلبه، هذا في الزينة المباحة، أما الزينة الممنوعة، كنمص الشعر، وتفليج الأسنان... فإنها لا تلزمها بحال، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
كما يدخل في الكساء الواجب لها أيضاً أدوات النوم، والمكث، كالفراش، والغطاء، والسجادة، والمقعد، والحصير، والوسادة... وذلك في حدود المعتاد.
جـ ـ المسكن:
يجب للزوجة على زوجها مسكن معتاد، والمعتبر فيه يسراً وعسراً حال الزوجين عند الحنفية كالطعام والكساء، وذهب الشافعية إلى أن المعتبر فيه حال الزوجة فقط خلافاً للطعام والكساء.
ويشترط في المسكن أن يكون مستقلاً ببابه ومنافعه عن غيره، فإذا كان غرفة في دار فيها غرف كثيرة، فإن كان للغرفة منافع مستقلة بها لا يشترك معها أحد فيها، كانت مسكناً شرعياً، وإلا فلا.
هذا وليس للزوج أن يسكن زوجته بجانب أهله وذويه، من والده ووالدته وأولاده من غيرها، إذا كان هذا يضرها، فإذا لم يضرها أو رضيت هي به جاز، إلا ابنه الصغير من غيرها إذا كان لا يفهم الجماع، فإن له إسكانه في بيته معها، وإن لم ترض هي بذلك، لعدم الضرر، مع الحاجة الماسة إليه.
ويشترط في البيت الشرعي أن لا يكون موحشاً، كأن يكون في قفر بعيد عن الناس، فإذا كان كذلك كان للزوجة طلب نقلها منه إلى مسكن له جيران مأمونون.
د ـ الخادم:
وهل على الزوج إخدام زوجته، أي تأمين خادم لها، يقوم بأودها، ويقضي لها حاجاتها؟
جمهور الفقهاء على أنه يجب على الزوج أن يخدم زوجته إذا كانت مريضة عاجزة عن القيام بأمور نفسها، وكذلك إذا كانت غير مريضة ولكنها ممن لا يخدم نفسه في العرف، بأن كان لها خادم في بيت أهلها، فإن على زوجها في هذه الحال إخدامها بخادم واحد لا يزاد عليه، وذهب أبو يوسف إلى أن لها أكثر من خادم إذا كانت ممن يستحق ذلك في العرف.
فإذا كانت معافاة، وهي ممن يخدم نفسه في العرف، لم يجب عليه إخدامها. وقد أخذ بذلك قانون الأحوال الشخصية السوري، فنص في المادة /71/ منه على أن النفقة الزوجية تشمل الطعام والكسوة والسكنى والتطبيب بالقدر المعروف، وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها خادم. وقد اشترطت بعض المذاهب لإخدام الزوجة يسار الزوج، كالمالكية، وبعضها أوجب الإخدام على الزوج موسراً كان أو معسراً على سواء كالشافعية، ما دامت الزوجة مستحقة له.
هـ ـ العلاج:
وهل على الزوج نفقة العلاج لزوجته إذا مرضت، من أجرة الطبيب، وكلفة العمليات الجراحية، وقيمة الأدوية...؟
المذاهب الأربعة على أن العلاج لا يجب على الزوج لزوجته، ولكنه واجب عليها في مالها، فإذا لم يكن لها مال وجب على من تجب عليه نفقتها لولا زوجها، كالأب والابن.. لأن الواجب على الزوج النفقة العادية، وهذه نفقة طارئة فلا تجب عليه، وقد ذهب إلى إيجاب العلاج على الزوج بعض المذاهب المتطرفة، وقد أخذ بهذا قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة /71/ منه وقد تقدم نصها.
الامتناع عن الإنفاق وأحكامه:
إذا وجبت النفقة للزوجة على زوجها، فطالبته بها فامتنع عن دفعها لها لغير عذر، كان للزوجة أن ترفعه إلى القاضي، ليلزمه بالإنفاق عليها، أو دفع قيمة النفقة لها لتنفق منها على نفسها، إذا امتثل الزوج لأمر القاضي حصل المراد، وإذا لم يمتثل له وأصر على منعها من النفقة، كان للزوجة بأمر القاضي أن تأخذ من ماله جبراً عنه، بعلمه أو غير علمه، مقدار الواجب لها من النفقة.
فإذا امتنع الزوج عن الإنفاق عليها لإعساره بالنفقة، أمر القاضي الزوجة بالاستدانة على الزوج إذا لم تكن ذات مال، ويكون ما تستدينه عليه من النفقة بعد ذلك واجباً عليه يقضيه عند يساره، ويجب على من تجب عليه نفقة الزوجة لولا زوجها من أب وأخ وابن.. أن يقرضها مقدار النفقة، فإذا أبى، ألزمه القاضي بذلك وحبسه فيه.
وهل لزوجة المعسر عن النفقة طلب التفريق بذلك؟
الحنفية، والشافعية في قول المزني، على أن ليس لها طلب التفريق للإعسار بالنفقة، والجمهور وفيهم الشافعية في الأظهر من مذهبهم، على أن لها طلب التفريق، كما أن لها طلب الاستئذان بالاستدانة، تجاب إلى أيهما اختارت.
فإذا استدانت الزوجة النفقة على زوجها بعد الإذن لها بذلك، رجع الدائن بها على الزوج عند يساره، أو رجع بها عليها، وهي ترجع بها على الزوج.
فإذا امتنع الزوج عن النفقة، وجهل حاله يساراً وإعساراً، ولم يكن له مال ظاهر، أو كان ماله غائباً يصعب الأخذ منه، فقد ذهب الحنفية، والشافعية في الظاهر من مذهبهم، والحنبلية في قول الخرقي، إلى أن لها طلب الإذن بالاستدانة لا غير، وذهب المالكية والحنبلية في قول القاضي، والشافعية في قول آخر لهم، إلى أن لها طلب الاستدانة، كما أن لها طلب التفريق كالمعسر بالنفقة تماماً.
فإذا غاب الزوج عن زوجته مدة طويلة، فإن كان ترك لها ما تنفق منه من المال، أنفقت مما ترك لها، ولم يكن لها طلب التفريق عند الحنفية والشافعية والحنبلية في رواية، وذهب المالكية والحنبلية في الأظهر من مذهبهم، إلى أن لها طلب التفريق للغيبة نفسها.
وإن غاب عنها وتركها بلا مال تنفق منه، كان لها رفع الأمر إلى القاضي، والقاضي يأذن لها بالاستدانة عليه كالمعسر بالنفقة. وهل لها طلب التفريق لذلك؟ الحنفية على أن ليس لها طلب التفريق، والجمهور على أن لها طلب التفريق كما أن لها طلب الإذن بالاستدانة، تجاب إلى أيهما شاءت، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري في هذا بمذهب الجمهور، فنص في المادة /109/ منه على جواز التفريق بالغيبة، وإن كان للزوج الغائب مال تستطيع الزوجة الإنفاق منه، كما نصت المادة /110/ منه على جواز التفريق للإعسار بالنفقة أو الامتناع عنها مع القدرة عليها.
ديــن النفقة:
إذا وجبت النفقة للزوجة فطالبت الزوج بها فامتنع عن دفعها إليها، فقد تقدم الحكم، فإذا وجبت النفقة على الزوج فلم تطالبه الزوجة بها مدة من الزمن، ثم بدا لها أن تطالبه بها بعد ذلك، أفيصبح ما مضى من النفقة ديناً عليه يطالب به، أم يسقط فلا تجاب الزوجة إلى طلبها إلاّ عن المدة المستقبلة؟
تقدمت الإشارة عند البحث عن وقت وجوب النفقة، إلى أن جمهور الفقهاء أجازوا للزوجة مطالبة الزوجة بالنفقة السابقة على الطلب، وخالف في ذلك الحنفية ولم يجيزوا لها ذلك إلا أن تكون استحصلت على حكم بها أو تراضت مع الزوج عليها. وهنا لا بد من معرفة درجة دين النفقة هذا على اختلاف الاتجاهين السابقين، لبيان ما يسقط به.
ذهب الجمهور إلى أن دين النفقة دين قوي، فلا يسقط إلا بدفعه للزوجة، أو بإبرائها الزوج عنه، فإذا لم يحصل دفع أو إبراء، كان للزوجة حق المطالبة به في أي وقت كسائر الديون القوية الأخرى.
وذهب الحنفية إلى أن دين النفقة دين ضعيف، يسقط بالدفع إليها، وإبرائها الزوج عنه، كما يسقط بالنشوز والموت أيضاً، وذهب بعض الحنفية إلى أنه يسقط بالطلاق كذلك، بائناً كان أم رجعياً، إلا أنه خلاف الأقوى لديهم، فإذا استحقت الزوجة النفقة على زوجها بالقضاء أو التراضي مدة سنة مثلاً، فلم تطالب لها، ثم نشزت، ثم طالبت بها، لم تجب إلى طلبها، لسقوطها بالنشوز، فإذا لم تنشز ولكن توفي الزوج، سقطت أيضاً، ولم يكن لها المطالبة بها بعد ذلك، فإذا توفيت هي، لم يكن لورثتها من بعدها المطالبة بها، لسقوطها بموتها.
دليل الحنفية في هذا أن النفقة الزوجية هذه دين فيه معنى الصلة، فكانت ديناً ضعيفاً لذلك. أمّا أنها دين؛ فلأنها جزاء احتباسها لحق الزوج، وأما أنها صلة؛ فلأن الاحتباس إنما هو في الواقع لمصلحة الزوج والزوجة معاً، وليس لمصلحته وحده.
وأما الجمهور فقد انتهوا إلى أن النفقة هذه جزاء الاحتباس، دون التفاف إلى معنى الاحتباس ومضمونه، فتكون كسائر الديون الأخرى.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بمذهب الجمهور في هذا فجعلها في المادة /79/ منه ديناً قوياً لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
إلا أن الحنفية استثنوا من ذلك حالة ما إذا وجبت النفقة للزوجة، فاستأذنت القاضي بالاستدانة، فأذن لها، أو استأذنت الزوج بالاستدانة عليه، فأذن لها بها، ثم استدانتها فعلاً، فإنها تعتبر بذلك ديناً قوياً لا يسقط إلا بالدفع إليها، أو إبرائها الزوج عنه. فإذا لم يأذن لها القاضي أو الزوج بالاستدانة، أو أذنا لها بها ولم تستدنها فعلاً، لم تعتبر ديناً قوياً بذلك، فتسقط بالإبراء والدفع كما تسقط بالنشوز والموت لضعفها.
تعجيل النفقة:
وهل للزوجة أن تطالب الزوج بنفقة عن مدة لاحقة؟ ثم إذا أعطى الزوج لزوجته نفقة عن مدة لاحقة، ثم سقطت نفقتها عنه عن تلك المدة، فهل له أن يسترد منها ما أعطاها؟
تقدم أن القاضي يفرض النفقة للزوجة بحسب دخل الزوج، فإن كان دخله يومياً، فرضها لها مياومة، وإن كان أسبوعياً أو شهرياً، فرضها لها كذلك، فإذا كان سنوياً كالمزارعين، فرضها لها سنوياً. وعلى الزوج أن يدفع النفقة لزوجته في أول المدة التي فرضت لها فيها، فإن كانت مياومة دفعها لها في أول كل يوم، وقيل يدفعها لها في آخر كل يوم عن اليوم الذي بعده، وإن كانت أسبوعياً أو شهرياً أو سنوياً، دفعها لها في أول الأسبوع أو الشهر أو السنة. هذا إذا لم ينفق عليها بطريق الإمتاع والإباحة، فإذا كان ينفق عليها بالإمتاع والإباحة، ويجلب لها الطعام بنفسه عيناً، لم يلزمه أكثر من نفقة يوم. وهذا كله عند الجمهور، وهو قول للحنفية.
وذهب الحنفية في قول آخر إلى أنه ليس للقاضي أن يفرض لها معجلاً أكثر من نفقة شهر، وفي قول ثالث إلى أنه لا يفرض أكثر من نفقة يوم معجل.
والعمل الآن في سوريا وأكثر المدن الإسلامية، على فرض النفقة شهرياً.
هذا وليس للزوجة أن تطلب عن مدة لاحقة خلافاً لما تقدم، ذلك أن النفقة جزاء الاحتباس، فلا تستحقها قبل حصوله.
فإذا قبضت الزوجة نفقة ستة أشهر أو أكثر من ذلك أو أقل عن مدة لاحقة، ثم سقطت نفقتها عن هذه المدة، كلياً أو جزئياً؛ كأن توفي الزوج أو نشزت الزوجة، أو حبست... لم يكن للزوج وورثته من بعده الرجوع على الزوجة في شيء مما قبضته من النفقة عند الشيخين من الحنفية، لأنها دين فيه معنى الصلة، فلا يصح الرجوع فيها لذلك، وذهب الجمهور ومحمد من الحنفية؛ إلى أن للزوج، ولورثته من بعده، الرجوع على الزوجة في الجزء الذي سقطت نفقتها عنه، سواء أكان ما قبضته قائماً أم هالكاً، فإن كان قائماً رجع به، وإن كان هالكاً رجع بقيمته أو مثله، لأن النفقة عندهم دين محض، فيرجع لذلك.
وعلى هذا إذا دفع الزوج لزوجته نفقة سنة، ثم طلقها بعد ستة أشهر، رجع عليها بنصف ما دفع لها عند الجمهور، ولم يرجع عليها بشيء في مذهب الحنفية.
إبراء الزوجة زوجها من النفقة:
إذا وجبت النفقة للزوجة على زوجها، فلم تطالبه بها مدة من الزمن، ثم أبرأته عنها وهي عاقلة بالغة صح الإبراء وسقطت النفقة به عن الزوج بالاتفاق. أما على مذهب الجمهور فلأنها دين قوي ثابت، وهو يسقط بالإبراء، وأما على مذهب الحنفية فلأنها بعد الاستدانة المأذونة تكون ديناً قوياً وهو يسقط بالإبراء، وقبل الإذن بالاستدانة تكون ديناً ضعيفاً وهو ساقط بترك المطالبة، بدون إبراء.
فإذا كانت الزوجة مجنونة أو قاصرة، لم يصح الإبراء، لنقصان الأهلية، لما فيه من ضرر محض عليها.
فإذا أبرأته عن نفقة لاحقة لم تتوجب لها عليه بعد، فقد ذهب الجمهور إلى عدم صحة هذا الإبراء، لأن الإبراء لا يكون إلا عن دين واجب، وهذا لم يجب بعد.
وذهب الحنفية إلى ما ذهب إليه الجمهور إلا أنهم استثنوا منه حالتين يصح فيهما الإبراء استحساناً، وهما:
أ ـ أن يكون الإبراء عن مدة لاحقة، وقد بدأت قبل الإبراء، كأن يفرض القاضي لها النفقة شهرياً وقد بدأ الشهر قبل الإبراء، أو سنوياً وقد بدأت السنة قبل الإبراء، وكان الإبراء عن نفقة شهر أو سنة فقط، فإنه يصح وتسقط النفقة عنه عن هذه المدة، وكذلك الحال إذا تراضيا على أن تكون النفقة لها شهرياً أو سنوياً بدون قضاء، وذلك لأن الإبراء قد وقع عن دين متوجب عليه في هذه الحال بالجملة.
ب ـ أن تبرئه الزوجة عن نفقة عدتها في خلعها أو طلاقها منه، فإنه يصح أيضاً، لأن النفقة تجب لها بذلك، فيكون الإبراء مرافقاً للوجوب لا سابقاً عليه، فيصح.
هذا إذا كانت الزوجة بالغة عاقلة، فإذا كانت مجنونة أو قاصرة، لم يصح الإبراء، لنقصان الأهلية، لما تقدم.
الكفالة بالنفقة:
وهل للزوجة أن تطالب الزوج بكفيل بالنفقة المستقبلة؟
ذهب أبو حنيفة إلى أنها ليس لها ذلك مطلقاً، لأن الكفالة لا تكون إلا بدين ثابت في الذمة، وهذه لم تثبت بعد، وهو القياس.
وذهب أبو يوسف من الحنفية والجمهور، إلى أن الزوجة إذا خشيت غيبة الزوج، كان لها ذلك استحساناً خلافاً للقياس، والفتوى في المذهب الحنفي في هذا على قول أبي يوسف.
ثم إن الزوجة إذا علمت مدة غياب زوجها، كان لها طلب كفيل بكل المدة التي يغيب فيها وإن طالت، فإذا لم تعلم مدة غيبته، لم يجز لها طلب كفيل بأكثر من نفقة شهر واحد.
المقاصّة بدين النفقة:
المقاصة هي إسقاط الدين بدين مقابل يساويه في الدرجة، فإذا كان لمحمد مثلاً على أحمد ألف ليرة سورية قيمة سلعة باعها منه، وكان لأحمد على محمد ألف ليرة سورية قيمة سلعة باعها منه أيضاً أو قرضاً... وطلب أحدهما المقاصة من الآخر، أجيب إلى طلبه، وامتنعت المطالبة بينهما، لتساوي الدينين في القوة، سواء أرضي الآخر بذلك أم لا.
فإذا كان للزوج على زوجته دين هو قرض أو قيمة سلعة اشترتها منه... ثم ثبت لها عليه من النفقة ما يعادل ما له عليها من الدين، فهل لكل من الزوجين أن يطالب الآخر بإجراء المقاصة في ذلك؟
الجمهور على أن كل من طلب المقاصة من الزوجين في تلك الحال يجاب إلى طلبه، لأن الدينين قويان، فتجري المقاصة بينهما فيهما.
وذهب الحنفية إلى أن الزوج إذا طلب المقاصة أجيب إلى طلبه، أما الزوجة إذا طلبت المقاصة فإنها لا تجاب إلى طلبها، إلا إذا رضي الزوج بذلك، لأن دين النفقة دين ضعيف عندهم، فلا يساوي الدين القوي، هذا إذا لم تستدن الزوجة النفقة فعلاً بعد الإذن لها بذلك، فإذا استدانتها فعلاً بعد الإذن لها بالاستدانة من الزوج أو القاضي، كانت ديناً قوياً، وكان لها طلب المقاصة به من الزوج مطلقاً.
نفقة المعتدّة:
كما ضمن الإسلام للزوجة على زوجها النفقة أثناء الزوجية للاحتباس، ضمن للمعتدة النفقة على زوجها السابق لاحتباسها لحقه أيضاً.
إلا أن في بعض أحكام نفقة المعتدة وشروطها خلافاً بين الفقهاء، وسوف يأتي تفصيله في مبحث (العدة)، وملخصه كالآتي:
أ ـ المعتدة من طلاق رجعي تجب لها النفقة على زوجها كاملة أثناء العدة، كنفقة الزوجة تماماً، فيجب لها عليه الطعام، والكساء، والمسكن، والخادم ـ فيمن يجب لها خادم ـ وذلك باتفاق الفقهاء، من غير خلاف، لقيام الزوجية بالجملة.
ب ـ المعتدة من طلاق بائن تجب لها النفقة على زوجها كاملة أثناء العدة عند الحنفية، وذهب الشافعية إلى أن لها النفقة كاملة إذا كانت حاملاً، فإذا كانت حائلاً وجبت لها السكنى فقط، ولم يجب لها الطعام والكساء والخادم.
جـ ـ المعتدة من فسخ، إن كان فسخاً بعد عقد صحيح، فإن كان بسبب الزوج، كان لها النفقة كاملة، وإن كان الفسخ بسبب منها؛ فإن كان بسبب ليس بمعصية كانت لها النفقة كاملة أيضاً، وإن كان بسبب هو معصية لم يكن لها شيء من النفقة مطلقاً، وهذا مذهب الحنفية.
وذهب الشافعية إلى أن الفسخ إن كان بسبب مرافق للعقد، لم يجب لها شيء من النفقة، وإن كان بسبب طارئ عليه كانت لها النفقة كاملة إذا كانت حاملاً، فإذا كانت حائلاً، كانت لها السكنى لا غير.
فإذا كان الفسخ بعد عقد فاسد أو وطء بشبهة، لم تستحق على الزوج أو الواطئ شيئاً من النفقة بالاتفاق.
د ـ المعتدة من وفاة ليس لها نفقة على المتوفى مطلقاً بالاتفاق، لاستغنائها بالإرث عنها، ولأن المتوفى ليس أهلاً للوجوب والالتزام.
** ** **