الحضانة
تعريف الحضانة:
الحضانة في اللغة بفتح الحاء المهملة وكسرها: الضم إلى الحضن، يقال حضن الطائر بيضه حضناً إذا ضمه تحت جناحه، وحضنت الأم طفلها إذا ضمته إلى صدرها، ورجل حاضن، وامرأة حاضنة، لأنه وصف مشترك([1]).
والحضانة في اصطلاح الفقهاء: تربية الطفل أو الطفلة الصغيرين في سن معينة ممن له حق حضانته، من عناية بطعامه وشرابه ونظافته([2]).
الحقوق المتعلقة بالحضانة:
ثبتت الحضانة في الشرع توفيراً لحقوق ثلاثة، هي:
أ ـ حق المحضون، وهو الصغير أو الصغيرة، في تأمين حاجاتهما، ومستلزمات حياتهما، من طعام، وشراب، وسكن، ونوم، ونظافة... لأن المحضون صغير وعاجز عن توفير ذلك بنفسه، فكان لا بد من توفيره له بالحضانة.
ب ـ حق الحاضنة، لأن لها من الشفقة على المحضون ما لا يخفى، فكان لا بد من تلبية هذه الرغبة، وإشباع هذه العاطفة.
جـ ـ حق الولي، لأنه الذي ينتسب إليه الطفل، وتجب عليه نفقته، وهو المسؤول عن تعليمه وتهذيبه وتخليقه بأخلاق الإسلام، فكان لا بد من إثبات حقه في حضانته.
فإذا اجتمعت هذه الحقوق، وتوافقت فيما بينها، روعيت جميعاً، وإذا تنافرت واختلفت، كان لا بد من تقديم الحق الأول ـ حق المحضون ورعايته ـ أولاً، وذلك لغلبته ورجحانه. وتطبيقاً لذلك فقد أثبت الفقهاء للحضانة الأحكام التالية:
1ـ إن الحضانة واجبة على الحاضنة فوق أنها حق لها إذا تعينت عليها، وذلك حفظاً لمصالح المحضون، ورعاية لحقه، وتقديماً له على حقها.
2ـ إذا لم تتعين الحضانة على الحاضنة لوجود حاضنة غيرها ممن يرضى بها، لا تجبر الأولى عليها، لتوفر حق الصغير بدون ذلك، وذلك رعاية لعدم وجوبها عليها ما دام لم يتضارب مع حق المحضون.
3ـ إذا خالعت الزوجة زوجها على إسقاط حقها في الحضانة لابنها الصغير، لم يسقط حقها في حضانته، ولكن يصح الخلع وتبقى حضانته لها إذا طلبتها، توفيراً لمصلحة الصغير في أن يبقى عند أمه.
4ـ لا ينزع المحضون من حاضنته ويسلم إلى من بعدها في الحضانة إلا لمبرر شرعي يسقط حضانة الأولى، وذلك حفظاً لحقها في الحضانة، ما دام ذلك لم يضرّ بالمحضون.
5ـ إذا أسند الأب إرضاع طفله إلى غير حاضنته، فإن للحاضنة إلزام المرضع بإرضاع الطفل عندها، حفاظاً على حقها في الحضانة، وحق المحضون في أن يبقى عند أقرب الناس إليه، وأحناهم عليه.
6ـ للأب أن يشاهد طفله دورياً أثناء الحضانة، وليس للحاضنة منعه من ذلك، توفيراً لحقه.
7ـ للأب أن يمنع الحاضنة من السفر بالطفل المحضون من بلده، توفيراً لحقه.
8ـ للقاضي أن ينقل المحضون من حاضنته إلى من بعدها في الحضانة، إذا تعرض المحضون للضرر عندها، وذلك توفيراً لحق المحضون.
الأولى بالحضانة من أصحاب الحق فيها:
إذا لم يكن للمحضون إلا حاضن واحد، كانت حضانته إلى هذا الحاضن الواحد، فإذا تعدد الحاضنون، قدم الأولى فالأولى منهم بحسب الترتيب الآتي:
1ـ الأم، فالأم أولى الناس بحضانة أطفالها، سواء كانت زوجة لأب المحضون، أم معتدته، أم مبانته، أم أرملته. وذلك لمزيد شفقتها على المحضون وحسن رعايتها له، وقد ثبت أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وإن أباه طلقني، ويريد أن ينتزعه مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنت أحق به ما لم تتزوجي)([3]). أخرجه أبو داود.
هذا وتبقى الأم أحق بالصغير من غيرها ما لم تتزوج من أجنبي عن الصغير، فإذا تزوجت من أجنبي عنه سقط حقها في حضانته، رعاية لحق المحضون، لمظنة تضرره بسبب زواجها هذا. فإذا تزوجت من رحم محرم منه، كعمه مثلاً، لم يسقط حقها في حضانته، وهي على حضانتها له لعدم الضرر عليه غالباً.
2ـ الجدة أم الأم، إذا لم يكن للمحضون أم، أو كان له أم ولكن لا حضانة لها، لاستنكافها عنها، أو تزوجها بأجنبي عنه، أو عدم توافر شروط الحضانة فيها أصلاً.. استحقت الحضانة أم الأم، لأنها أكثر الناس شفقة على الصغير بعد الأم، ثم أم أم الأم وإن علت...
3ـ الجدة أم الأب، فإنها تأتي بعد أم الأم وإن علت في الدرجة، ثم أم أم الأب وأمها وإن علت.
4ـ الأخت الشقيقة، ثم الأخت لأم وهي مقدمة هنا على الأخت لأب، لأن الحضانة يقدم فيها جانب الأم على جانب الأب في القرابة، ثم الأخت لأب.
5ـ بنت الأخت الشقيقة، ثم بنت الأخت لأم، أما بنت الأخت لأب فهي مؤخرة عن الخالات في الصحيح من مذهب الحنفية، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري برواية في المذهب الحنفي وجعل بنت الأخت لأب بعد بنت الأخت لأم مباشرة([4]).
6ـ الخالة شقيقة الأم، ثم الخالة لأم، ثم الخالة لأب.
7ـ بنت الأخت لأب.
8ـ بنت الأخ الشقيق، ثم بنت الأخ لأم، ثم بنت الأخ لأب.
9ـ العمة شقيقة الأب، ثم العمة لأم، ثم العمة لأب.
10ـ خالة الأم الشقيقة، ثم خالة الأم لأم، ثم خالة الأم لأب.
11ـ خالة الأب الشقيقة، ثم خالة الأب لأم، ثم خالة الأب لأب.
12ـ عمة الأم الشقيقة، ثم عمة الأم لأم، ثم عمة الأم لأب.
13ـ عمة الأب الشقيقة، ثم عمة الأب لأم، ثم عمة الأب لأب.
14ـ العصبات بترتيب الإرث، والعصبة هنا هو العصبة بالنفس، وهو كل ذكر ليس في نسبته إلى المحضون أنثى، فتقدم جهة الأبوة بحسب ترتيب القرب، الأب، ثم الجد العصبي وإن علا... ثم جهة الأخوة، الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب... ولا مكان هنا للأخ لأم، لأنه ليس بعصبة أصلاً. ثم جهة العمومة، العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب... ولا حضانة أيضاً للعم لأم، لإدلائه بالأم.
15ـ ذوو الأرحام، فيقدم الأخوة لأم، ثم أبناؤهم، ثم الأعمام لأم، ثم الأخوال لأم...
فإذا اجتمع أكثر من حاضن في درجة واحدة، كأن اجتمع له شقيقان يستحقان الحضانة معاً، أو شقيقتان مثلاً، قدم في الحضانة الأورع منهما، ثم الأسن، حفاظاً على حق المحضون. هذا ولا حضانة لغير المحرم من العصبات على المحضونة الأنثى، كابن العم، دفعاً للفتنة، فإذا كان المحضون ذكراً ثبتت الحضانة لابن عمه عليه عند عدم وجود من هو أولى منه بها.
شروط الحاضن:
لقد شرع الإسلام الحضانة حماية لحق المحضون بالدرجة الأولى، ولذلك كان لا بد له من أن يضع شروطاً معينة في الحاضن، توفر للمحضون الرعاية التامة، وحسن التنشئة، وتقيه كل ما يمكن أن يعيق تقدمه، وتحسن حاله، وهذه الشروط هي:
1ـ البلوغ؛ ذلك أن القاصر ذكراً كان أو أنثى عاجز عن القيام بأمر نفسه، فكيف به يكلف بالقيام بأمور غيره، هذا والمميز ومن هو دون التمييز سواء في عدم الأهلية للحضانة في الصحيح عند الحنفية، لعدم اكتمال الإدراك.
2ـ العقل؛ وذلك لأن المجنون والمعتوه عاجزان عن إدارة أمور نفسيهما كالقاصر تماماً، فلا يجوز بحال أن يوكل إليهما أمر إدارة وتربية غيرهما.
3ـ القدرة على حضانة المحضون، وذلك رعاية لحقه، فإذا كانت الحاضنة عاجزة لكبر سنها، أو عاهة تعاني منها، أو كانت مريضة مرضاً يعجزها عن القيام بأود الصغير، أو كانت عاملة تخرج من البيت في كل الأوقات وتترك المحضون وحده ضائعاً، لم تستحق الحضانة، وينتقل هذا الحق إلى من بعدها في الدرجة، فإذا كانت الحاضنة مريضة مرضاً خفيفاً، أو أنها تخرج للعمل بعض الوقت فقط مما لا يضر بمصالح ورعاية المحضون، لم تسقط حضانتها، رعاية لحقها ما دام ذلك لم يضر بالمحضون.
4ـ الأمانة على المحضون وأخلاقه وسلوكه، فإذا كانت غير أمينة على ذلك لم تستحق الحضانة، وذلك كالفاجرة، والفاسقة فسقاً يضيع الولد به، فإذا كان فسقاً قليلاً لا يضيع الولد به، لم تسقط حضانتها، وكذلك الكافرة الكتابية أو المجوسية إذا كان المحضون مسلماً، فإنها لا تستحق الحضانة عليه إذا كان المحضون يعقل الأديان، فإذا كان صغيراً لا يعقلها لا يضر، ويبقى الولد في حضانتها إلى أن يعقل الأديان أو يخشى عليه منها. أما المرتدة فإنها لا تستحق الحضانة مطلقاً، لاستحقاقها الحبس عند الحنفية مما يعطلها عن القيام بأمور المحضون، هذا إذا كانت الحاضنة أنثى، فإذا كان الحاضن ذكراً اشترط له اتحاد الدين مع المحضون مطلقاً، فلا حضانة لكافر على مسلم، ولا لمسلم على كافر، لأن في حضانة الرجل نوع ولاية، ولا ولاية مع اختلاف الدين.
5ـ خلو الحاضن مما يضر بالمحضون، كالمرض المعدي، والنزق الشديد، وحدة الطبع الشرسة الخارجة عن الحدود المحتملة.. وذلك حفاظاً على حياة وصحة وأخلاق المحضون.
6ـ أن لا تكون الحاضنة متزوجة بغير ذي محرم من الصغير، وهذا خاص بالحاضنات من النساء، دفعاً للضرر المتوقع من زوجها الأجنبي عن المحضون، كأن تكون متزوجة برحم غير محرم من المحضون، كابن عمه، أو بمحرم غير رحم منه كأخيه رضاعاً، أو بأجنبي عنه. فإذا كانت متزوجة برحم محرم منه، كعمه مثلاً، لم تسقط حضانتها له بذلك.
أما الحاضن الرجل إذا كان متزوجاً بامرأة غريبة عن المحضون، فإنه يبقى على حضانته، ولا يفقد حقه فيها بذلك الزواج، لعدم الضرر منه على المحضون في الغالب، لغلبة شأن الرجل في بيته عادة.
7ـ أن يكون الحاضن ذا رحم محرم([5]) من المحضون إذا كان الحاضن ذكراً والمحضونة أنثى، وذلك دفعاً للفساد بينهما، فإذا كان المحضون ذكراً لم يشترط له ذلك، فابن العم مثلاً أهل لحضانة ابن عمه، ولكنه ليس أهلاً لحضانة ابنة عمه، لعدم المحرمية.
فإذا كانت الحاضنة أنثى، لم يحتج لهذا الشرط، لأن الحضانة في النساء لا تثبت لغير المحارم منهن، على خلاف الرجال ـ كما تقدم في درجات استحقاق الحضانة ـ.
8ـ أن لا تكون الحاضنة مقيمة مع من يبغض الصغير ويكرهه، أو مع من بينه وبين المحضون نزاع يخشى منه على حياته وصحته.
ما تسقط وتنتهي به الحضانة:
إذا ثبتت الحضانة لحاضن معين، أو حاضنة معينة ـ بحسب توافر الشروط المتقدمة ـ لم تسقط عنه، إلا بأحد أمور هي:
1ـ افتقاده شرطاً من شروط الحضانة المتقدمة، كمرضه مرضاً معجزاً عن القيام بشؤون المحضون، أو خروج الحاضنة من بيتها كثيراً مما يضر بالمحضون، أو زواج الحاضنة بغير ذي رحم محرم من المحضون... فإذا افتقد الحاضن أو الحاضنة شرطاً من ذلك بعد أن استحق الحضانة، سقطت حضانته، وانتقل الحق فيها إلى من بعده في الدرجة.
2ـ استنكافه وامتناعه عن الحضانة ما لم تتعين عليه، فإن الحضانة حق للحاضن كما هي حق للمحضون والولي، ولصاحب الحق التنازل عن حقه، ولهذا كان للحاضن أن يتنازل عن حضانته، إلا أن تنازله هذا مقبول ما لم يضر بالمحضون، فإذا أضر به ألزم الحاضن بالحضانة، تقديماً لحق المحضون فيها على حقه، وذلك كأن لا يكون للمحضون غيره، أو كان له حاضن آخر بعده في الدرجة ولم يقبل بحضانته...
3ـ موت الحاضن، فإنه بموته تسقط حضانته وتنتقل إلى من هو بعده في الدرجة، لانقضاء أهليته بالموت.
4ـ استغناء المحضون عن الحضانة لتجاوزه سن الحضانة، أو موته، أو تزوجها إذا كانت أنثى، لحلول الزوج محل الحاضن في رعايتها، مما يغنيها عنه.
5ـ وتسقط الحضانة عن الحاضنة إذا طلبت أجراً عليها، وكان هنالك حاضنة أخرى تتبرع بها، إلا أن في ذلك تفصيلات لدى الحنفية، سوف يأتي بيانها في أجرة الحضانة.
وهل يعود حق الحضانة للحاضن بعد سقوطها إذا زال سبب السقوط، كأن امتنعت الحاضنة عن الحضانة ثم عادت وطلبتها، أو عجزت عن القيام بها لمرض أو عمل... ثم عادت إلى القدرة عليها لشفائها أو تركها العمل... وطلبتها، أو تزوجت بأجنبي عن المحضون ثم طلقت منه، أو توفي عنها وعادت إلى طلب الحضانة...؟
والجواب أن الجمهور من الفقهاء على أن حق الحضانة يعود للحاضنة بعد سقوطه عنها إذا زال سبب السقوط مطلقاً، رعاية لحق المحضون في أن يكون عند أقرب حاضنة إليه، أما المالكية فذهبوا إلى أن المسقط للحضانة إذا كان أمراً اضطرارياً خارجاً عن إرادة الحاضن، كالمرض مثلاً، فإن الحضانة تعود بزوال المانع، أما إذا كان المانع اختيارياً، كزواج الحاضنة بأجنبي، فإن الحضانة تسقط ولا تعود بزوال هذا السبب المسقط لها.
وقول الجمهور عندي هو الأوفق تقديماً لحق المحضون في أن يكون عند أقرب حاضن إليه، وتطبيقاً للقاعدة الفقهية: (إذا زال المانع عاد الممنوع).
أجرة الحضانة:
ما دامت الحضانة عملاً تقوم به الحاضنة، من رعاية، وإشراف، وعناية بالمحضون، فلا بد من البحث في مدى استحقاق الحاضنة الأجرة عليها، ثم البحث عمن تجب عليه هذه الأجرة، ثم في تحديد مقدار هذه الأجرة، وذلك على النحو التالي:
أ ـ استحقاق الأجرة:
ذهب الحنفية إلى أن الحاضنة تستحق الأجرة على حضانتها، كالمرضعة تستحق الأجرة على إرضاعها، فكذلك الحاضنة، إلا أنهم استثنوا من ذلك حالات نصوا فيها على عدم استحقاق الحاضنة فيها الأجرة، وهي:
1ـ أن تكون الحاضنة أماً للمحضون، وهي بعد في زواجها من أبيه، وكذلك إذا كانت في عدتها منه من طلاق رجعي بالاتفاق، فإذا كانت في عدتها من طلاق بائن فقولان للحنفية: المرجع منهما عدم استحقاقها أجرة الحضانة فيها، ذلك أن أجرة الحضانة للأم فيها معنى النفقة، والنفقة لها في هذه الأحوال ثابتة على زوجها أو مطلِّقها، فلا تستحق أجرة على حضانتها لذلك.
فإذا كانت الحاضنة غير أم المحضون، أو كانت أمه ولكنها مبانة من أبيه وقد انقضت عدتها منه، فإنها تستحق الأجرة على حضانتها ابنها أو ابنتها مطلقاً.
2ـ أن تتبرع بحضانته حاضنة أخرى وإن كانت أبعد منها، ما دامت البعدى أهلاً لحضانته، كأن تكون حضانته لجدته أم أمه، فتتبرع بحضانته جدته لأبيه، فإن جدته لأمه في هذه الحال إما أن تتبرع بحضانته هي الأخرى فتبقى الحضانة لها، وإما أن تسلمه إلى جدته لأبيه.
هذا إذا كان للصغير مال تجب فيه أجرة حضانته، أو لم يكن له مال وكان أبوه معسراً عاجزاً عن الكسب، فإذا لم يكن له مال وكان أبوه موسراً لم يسقط حق الحاضنة في طلب الأجرة على حضانتها، ولكن يجب على الأب دفع الأجرة عليها، فإذا كان الأب معسراً قادراً على الكسب وجبت لها الأجرة أيضاً، وتكون ديناً عليه يطالب بها إذا أيسر، وذلك رعاية لحق المحضون.
ب ـ من تجب عليه أجرة الحضانة:
أما من تجب عليه أجرة الحضانة، فقد ذهب الحنفية؛ إلى أن الأجرة واجبة في مال المحضون أولاً، إذا كان له مال كنفقته، فإذا لم يكن له مال، فهي واجبة على من تجب عليه نفقته. فإذا كان من تجب نفقته عليه معسراً، ألزمت الحاضنة الأدنى بإمساكه مجاناً، إلا أن يكون من تجب نفقته عليه أباه وهو قادر على الكسب، فإن الحاضنة تلزم بإمساكه، وترجع على أبيه بأجرتها إذا أيسر.
هذا وأجرة الحضانة تلزم من تاريخ القضاء بها، أو التراضي عليها بين الحاضنة وولي المحضون، أو من تجب نفقته عليه، فإذا لم يكن قضاء ولا اتفاق، لم يجب للحاضنة شيء من الأجرة، إلا أن تكون أم المحضون، فإن لها الأجرة من تاريخ إمساك المحضون إمساكاً تستحق به الأجرة.
جـ ـ مقدار الأجرة:
الحضانة هي رعاية الصغير والإشراف عليه، وأمر تقدير أجرة الحضانة راجع إلى القضاء أو الرضا، وهل يدخل في أجرة الحضانة أجرة الخادم، وأجرة المسكن؟
الحنفية على أن الحاضنة تستحق على من تجب عليه نفقة الصغير المحضون أجرة خادم، إذا كان المحضون ممن يحتاج إلى خادم، لأن الخدمة من النفقة وليست من الحضانة، فإذا لم يحتج إلى خادم، لم تجب أجرته لها، وكذلك أجرة المسكن، فإنها تستحقها على المنفق على المحضون إذا لم يكن للحاضنة مسكن تستطيع فيه أن تحضن المحضون، فإذا كان لها مسكن ملائم تستطيع فيه أن تحضنه، لم تستحق أجرة المسكن.
مكان الحضانة وحكم انتقال الحاضنة بالمحضون:
مكان الحضانة هو المسكن الذي يقيم فيه والد المحضون إذا كانت الحاضنة زوجة لهذا الوالد، أو كانت في عدته من طلاق بائن أو رجعي أو موت، وذلك لحرمة خروجها من هذا المسكن في هذه الأحوال، لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}([6]).
فإذا انقضت عدتها، أو كانت الحاضنة غير أم المحضون، كجدته وأخته... اعتبر مكان الحضانة في حقها مقرها الذي في بلد والد المحضون، وذلك ليتسنى للوالد الإشراف على ولده المحضون في مدة الحضانة، رعاية لمصلحة المحضون.
وهل ليس للحاضنة الانتقال بالمحضون من بلد والده مطلقاً؟ فيه تفصيل كالآتي:
أ ـ إذا كانت الحاضنة أم المحضون، وقد انقضت عدتها من أبيه، فإن لها الانتقال بالمحضون من بلد والده إلى بلد آخر بشرطين:
1ـ أن يكون البلد المنقولة إليه قريباً من بلد والده على وجه يتمكن معه الوالد من رؤية ولده فيه كل يوم والعودة إلى بلده,فإذا كان بعيداً لا يتسنى للوالد فيه رؤية ولده كل يوم والعودة إلى بلده، لم يكن لها السفر بالمحضون إليه.
2ـ أن لا يكون الانتقال بالمحضون من مدينة إلى قرية، وذلك حفاظاً على أخلاق وعادات المحضون، فإذا كان انتقالاً من مدينة إلى مثلها، أو من قرية إلى مثلها، أو من قرية إلى مدينة، فلا بأس به، ما دام قريباً.
فإذا خالفت الأم ذلك، وسافرت بالمحضون، سقطت حضانتها حتى تعود إلى بلد الوالد، فإذا عادت إليه عادت إليها الحضانة ـ كما تقدم ـ.
إلا أنه يستثنى من ذلك حالة واحد يسمح فيها للحاضنة الأم بالسفر بابنها المحضون ولو كان المكان المسافر إليه بعيداً، وهي حالة ما إذا كان البلد المنقولة إليه وطنها وقد تزوجها زوجها فيه، فإذا كان كذلك سمح لها بالسفر إليه بالمحضون، فإذا لم يكن وطنها أو كان وطنها ولم يتزوجها زوجها فيه، لم يسمح لها بالسفر بالمحضون إليه، فإن سافرت به إليه سقطت حضانتها حتى تعود منه.
إلا أن قانون الأحوال الشخصية السوري في تعديله الأخير عام 1975م أجاز في المادة /148/ منه للأم وللجدة لأم خاصة، السفر بالمحضون داخل القطر العربي السوري بدون إذن الولي إلى البلدة التي تقيم فيها، أو إلى البلدة التي تعمل فيها لدى أي جهة عامة، شريطة أن يكون أحد أقاربها المحارم مقيماً في تلك البلدة.
ب ـ فإذا كانت الحاضنة ليست أماً للمحضون، كجدته وعمته وخالته.. اعتبر مكان الحضانة في حقها بلد أب المحضون، وليس لها السفر به منه إلى بلد آخر مطلقاً إلا أن يكون إلى بلد قريب يستطيع فيه الوالد أن يرى المحضون كل يوم ويعود إلى بلده، بشرط أن لا يكون انتقالاً من مدينة إلى قرية. هذا مع ملاحظة ما تقدم من أن القانون السوري للأحوال الشخصية، ألحق الجدة أم الأم بالأم في الحكم، على خلاف المذهب الحنفي.
حق كل من الولي والحاضنة في رؤية المحضون أثناء الحضانة وبعدها:
لوالد المحضون حق رؤية المحضون في فترة الحضانة دورياً، ليتمكن من الإشراف عليه، ذلك أن الولاية حق للولي، وهي حق للصغير أيضاً حماية له، وضماناً لحسن تنشئته، وعلى هذا فليس للحاضنة منع هذا الوالد بل الولي مطلقاً من النظر إلى المحضون دورياً، إلا أنها لا تجبر على إرساله إليه، ولكن تمكنه من رؤيته في أي مكان صالح لذلك تختاره هي، دفعاً لما قد يصيبها من حرج في ذلك، فإذا حصل خلاف بين الحاضن والولي في ذلك، فالمرجع إلى القضاء.
هذا والفقهاء لم يحددوا فترة زمنية معينة لتكرار الإراءة هذه، وقد ذهب بعض المتأخرين من الفقهاء إلى أن للولي أن يراه كل أسبوع مرة على الأقل، وذلك قياساً على حق الزوجة في رؤية والديها، وعلى هذا جرى التعامل في المحاكم الشرعية السورية، إلا أنني أرى أن للأب النظر إلى ابنه المحضون كل يوم، أخذاً من عدم جواز السفر به للحاضنة مسافة لا يتمكن الأب معها من رؤية ابنه كل يوم والعودة إلى بلده، فإنه واضح في إثبات حق الأب في رؤية ابنه المحضون كل يوم، وإلا لما لزم هذا الشرط.
وكذلك الحال في حق أم المحضون بعد فترة الحضانة، فإن لها الحق في رؤية ابنها بعد انتهاء حضانتها له وتسليمه للولي دورياً، ولكن لا يؤمر الولي بإرساله إليها، بل يمكنها من رؤيته في المكان المناسب الذي يحدده هو لها.
مدة الحضانة:
تبدأ الحضانة على المحضون باتفاق الفقهاء منذ ولادته، لأنه من هذا التاريخ يحتاج إلى الرعاية والعناية.
أما نهاية الحضانة فقد اختلف الفقهاء فيها على أقوال:
1ـ فذهب الحنفية في الراجح من مذهبهم إلى أن فترة الحضانة تنتهي في الغلام ببلوغه السابعة من العمر، وفي الفتاة التاسعة من عمرها، وفي رواية: الغلام إلى تسع سنين، والفتاة إلى إحدى عشرة سنة، وبعد ذلك يسلم المحضون إلى وليه.
ب ـ وذهب المالكية إلى أن الحضانة في الغلام تنتهي بالبلوغ، وبعدها يخير في المقام عند حاضنته أو وليه، وفي الفتاة تنتهي بالزواج ودخول زوجها بها، وبعدها تترك إلى رعاية زوجها لها.
جـ ـ وذهب الشافعية إلى أن الغلام والفتاة إذا بلغا السابعة من العمر خيرا في المقام عند أحد الأبوين، فأيهما اختاراه أبقيا عنده، فإذا لم يكن لهما أبوان، خيرا في المقام عند الحاضنة أو الولي، هذا إذا صلح الطرفان معاً للحضانة، وإلا أبقيا عند الصالح منهما، وسقط حق الطرف الآخر، رعاية لحق المحضون، وذلك كأن يكون الأب كافراً، أو تكون الأم متزوجة بأجنبي عن الصغير...
د ـ وذهب الحنبلية إلى تخيير الغلام في السابعة كالشافعية، أما الفتاة فإنها تسلم إلى أبيها بعد السابقة مطلقاً، لحاجتها إلى الصيانة.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري في تعديله الأخير عام 1975م بالرواية الثانية في المذهب الحنفي فنص في المادة /146/ منه على أنه: (تنتهي مدة الحضانة بإكمال الغلام التاسعة من عمره والبنت الحادية عشرة).
إلا أنه نص في الفقرة الأولى من المادة /147/ منه على أنه: (إذا كان الولي غير الأب فللقاضي وضع الولد ذكراً أو أنثى عند الأصلح من الأم أو الولي أو من يقوم مقامهما حتى تتزوج البنت أو تبلغ أو يبلغ الصبي سن الرشد). كما نص في الفقرة الثانية من المادة نفسها على أنه (في حال ضم الولد إلى الأم أو من تقوم مقامها تلزم بالنفقة ما دامت قادرة على ذلك)، وإنني لم أر حتى الآن مستنداً فقهياً لهذه الفقرة الثانية في أقوال الفقهاء المعتمدين، ولا أعلم مستند المشرع السوري في ذلك.
** ** **