واجبـات الحـج
واجبات الحج كثيرة، وهي أمور إذا تركها الحاج أَثِمَ، ووجب عليه الفدية، تكفيراً لذلك الترك، ولا يفسد حجه، بخلاف الأركان والشروط كما تقدم، وسواء في ذلك أن يتركها عمداً أو سهواً، إلا أن يتركها للعجز عنها، فإنه لا فداء عليه، كمن ترك المشي في الطواف لمرض، أو ترك الوقوف في مزدلفة لشدة الزحام...
وهذه الواجبات على قسمين: واجبات مستقلة بنفسها، وواجبات تبع لغيرها من الأركان والشروط.
فأما الواجبات المستقلة بنفسها، فهي:
أ - السعي بين الصفا والمروة:
والصفا والمروة هضبتان صغيرتان، شرقي المسجد الحرام، والسعي معناه المشي، وللسعي شروط لايصح إلا بتوافرها، وهي:
1 - أن يكون مسبوقاً بالإحرام، فلو سعى من غير إحرام سابق عليه لم يصح سعيه.
2 - أن يكون مسبوقاً بطواف مفروض أو مسنون، لأنه تبع للطواف فلا يصح بدونه.
3 - أن يبدأ فيه بالصفا، فلو بدأ بالمروة لم يحسب ذلك له شوطاً.
4 - أن لا تقل أشواطه عن أربعة،فإن قلَّت عن ذلك لم يتأد الواجب بها، هذا والسعي من الصفا إلى المروة شوط، ثم العودة من المروة إلى الصفا شوط آخر، وهكذا يبدأ بالصفا ويختم بالمروة.
ب - الوقوف بالمزدلفة:
وهي مكان على الطريق بين عرفة ومنى، والوقوف هنا أيضاً معناه الوجود، على النحو الذي ذكرناه في الوقوف بعرفة، وسواء أكان قاعداً أم ماشياً أم نائماً. . . ، ويشترط لصحة الوقوف هذا أن يكون ما بين طلوع الفجر إلى قرب طلوع الشمس من يوم النحر، ولو لحظة واحدة.
ج - رمي الجمار:
ومواضع الجمار ثلاثة، تقع على الطريق بين منى ومكة، والجمار أحجار صغيرة.
ويشترط لصحة الرمي هذا شروط، هي:
1 - أن ترمى الأحجار بقذف ولو خفيفاً، فإذا وضعت بدون قذف أصلاً لم يصح الرمي.
2 - أن يكون المرمي حجراً، أو شيئاً من جنس الأرض، كالطين، فإذا كانت غير ذلك، لم يصح الرمي بها.
3 - أن لا يقل الرمي عن سبع حصيات في سبع رميات، في كل موضع. فإذا رمى الحصيات السبع مرة واحدة، كفاه عن واحدة فقط، ولزمه أن يرمي ستاً بعدها.
4 - أن يقصد الرمي في مكان الرمي، فلو طارت الحجرة من يده إلى مكانها من غير قصد منه، كما إذا دفعه غيره فطارت الجمرة من يده فسقطت في مكانها، لم يصح.
ه - أن تقع الجمرة التي يرميها في مكانها المقصود، داخل دائرة الرمي،فإن وقعت خارجها، لم يصح، إلا أن يكون قريباً منها فيصح، وقد قُدِّرَ ذلك بذراع.
د - الحلق أو التقصير:
فالحلق إزالة الشعر من الرأس بالموسى وما في معناه، والتقصير قطع جزء من شعر الرأس بالمقص وما إليه، وهو أدنى من الحلق، والحلق أفضل من التقصير للرجال، كما أن التقصير أفضل من الحلق للنساء.
ويشترط في الحلق والتقصير أن لا يقل عن الحد الذي يجب في مسح الرأس للوضوء، وهو ربع الرأس، يحلقه بالموسى، أو يقصر منه بمقدار أنملة،فإن كان لا شعر على رأسه، كالأصلع، أَمَرّ الموسى علي رأسه وكفاه.
هـ - طواف الوداع:
ويسمى طواف الصَّدَر، وهو واجب على أهل الآفاق لا غير، وهم المقيمون خارج دائرة الحل، أما المقيمون في مكة المكرمة، أو داخل دائرة الحل، فلا يجب عليهم هذا الطواف، كما لا يجب على غير الحاج أصلاَ، فالمعتمرون، لا يلزمهم طواف الوداع مطلقاً.
هذا ويشترط لصحة طواف الوداع ما يشترط لصحة طواف الزيارة « طواف الإفاضة » الذي هو ركن الحج، باستثناء شرط الزمان، إذ يشترط في طواف الوداع أن يكون بعد طواف الزيارة، وكل طواف يؤديه الحاج بعد طواف الزيارة يكون للوداع، ولو لم يتصل به السفر مباشرة.
أما الواجبات التابعة لغيرها من الأركان والشروط، فهي:
أ - واجبات الإحرام، وهي:
1 - أن يكون من الميقات، وقد تقدم بيان ذلك مع بيان المواقيت، فإذا أحرم قبله جاز، وإن تجاوزه بغير إحرام، وجب عليه الرجوع إليه للإحرام منه، أو الفدية.
2 - اجتناب محظررات الإحرام، وهي كثيرة، بعضها خاص بالرجال، وبعضها يعم الرجال والنساء.
فأما المحظورات الخاصة منها بالرجال، فهي:
- لبس المخيط، كالقميص، وما يشبهه مما هو محيط بالجسم، أو بعضو من الأعضاء، على طريقة اللباس المعتاد، كالجوارب، والقميص، والقفازين.
- تغطية الرأس بما يلامسه، كالعمامة، أما المظلة فلا بأس بها.
- لبس حذاء يستر وجهه الكعبين اللذين في وجه القدم من الأعلى (معقد الشراك)، وليس الكعبين اللذين يجب إيصال ماء الوضوء إليهما بجانبي القدم.
وأما ما يعم الرجال والنساء، فهو:
- تغطية الوجه بما يلامسه، أما الغطاء غير الملامس للوجه فلا بأس به للمرأة.
- إزالة الشعر من أي موضع من البدن.
- تقليم الأظفار من اليد أو الرجل.
- دهن شعر الرأس أو غيره من شعر البدن بأية مادة دهنية، كالزيت، مطيباً كان أو غير مطيب، لما فيه من الرفاه المنافي للإحرام.
- التطيب بأي نوع من الطيب، سواء في الثوب، أو البدن، أو الفراش، أو غيره، لما فيه من الرفاه، وكذلك أكل الطيب، فإنه ممنوع أيضاً كالتطيب سواء بسواء، أما شم الطيب من الغير فمكروه فقط، إذا أمكن التحرز عنه، وإلا فلا شيء فيه.
- الصيد، وهو اقتناص الحيوان المتوحش، أما المستأنس فلا بأس بذبحه، كالشاة والدجاجة، فإذا اقتنص صيداً كان ميتةً يحرم أكلها.
- الدلالة على الصيد، وتنفير الصيد، وأكل لحم الصيد الذي صاده غير المحرم للمحرم، فإنه حرام.
ويستثنى من ذلك خمسة حيوانات يحل قتلها للمحرم وغيره وهي: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور، وذلك لحديث البخاري ومسلم: (عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْحَيَّةُ وَالْغُرَابُ الأبْقَعُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْحُدَيَّا).
- الجماع ودواعيه، فإنه من موانع الإحرام للرجال والنساء، فإن جامع الحاج قبل الوقوف بعرفة فسد حجه، وعليه إتمامه، ثم قضاؤه في سنة قادمة، وذبح شاة فداء، وإن كان الجماع بعد الوقوف بعرفة وقبل الحلق، لم يفسد حجه، وعليه بدنة،فإن جامع بعد الحلق والتحلل الأول، لم يفسد حجه ويلزمه الفداء بشاة، فإن جامع بعد طواف الزيارة، فلاشيء عليه، لأنه بالطواف يحل له النساء.
هذا، وكما يحرم الجماع، تحرم دواعيه، كـاللمس بشهوة، والتقبيل، كما يحرم ذكر النساء بكلام فاضح مثير للشهوة.
- الجدال والنزاع مع الرفقة والجيران. . . وهو وإن كان ممنوعا منه في كل الأوقات، إلا أن المنع منه في حال الإحرام أشد.
ب - واجبات الطواف، وهي:
1 - التيامن، وذلك بالسير حول الكعبة جاعلاً إياها عن شماله أثناء الطواف.
2 - إتمام أشواط الطواف سبعاً، لأن الأربعة الأولى ركن، والثلاثة الأخرى واجب.
3 - الطهارة من الحدثين أثناء الطواف، الأصغر والأكبر.
4 - ستر العورة للرجل والمرأة كل بحسب عورته.
ه - الابتداء بالحجر الأسود في كل شوط من أشواط الطواف، فإن بدأ بعده لم يحسب هذا الشوط له.
6 - الطواف من خارج حِجر إسماعيل، حتى يكون الحِجر داخلاً في طوافه.
7 - المشي في الطواف للقادر عليه، أما العاجز فيكفيه الركوب أو الحمل ولا شيء عليه.
8 - صلاة ركعتين إثر كل سبعة أشواط من الطواف.
9 - أن يكون الطواف في أيام النحر، إن كان طواف الزيارة (أي الإفاضة) هذا عند أبي حنيفة، وذهب الصاحبان إلى أن طواف الزيارة نهاية زمـانه العمر كله.
ح - واجبات الوقوف بعرفة، وهي:
1 - استمرار الوقوف بعرفة في يوم عرفة إلى ما بعد الغروب، لمن وقف قبل ذلك، فإن غادر الواقفُ عَرفة قبل الغروب لزمه فدية دم، أما من لم يدخل عرفة إلا بعد غروب الشمس، فلا شيئ عليه.
2 - تأخير صلاة المغرب، وجمعها مع العشاء في المزدلفة، جمع تأخير.
د - واجبات أيام منى، وهي:
أيام منى، هي أيام النحر الثلاثة، مع يوم التشريق الذي يليها، أوهي أيام العاشر من ذي الحجة والثلاثة التي تليه، وأعمال الحاج الواجبة في هذه الأيام ثلاثة، هي: الرمي، والذبح، والحلق، وهي من واجبات الحج كما تقدم. ويجب فىِ هذه الواجبات ما يلي:
1 - أن يكون الحلق في أيام النحر الثلاثة، وهي: العاشر، والحادي عشر، والثاني عشر من ذي الحجة، ولا يؤخر عن ذلك.
2 - أن يكون الحلق في منطقة الحرم، وهي مكة وما حولها، مما هو دون منطقة الحل.
3 - الترتيب بين هذه الأمور الثلاثة: الرمي، والذبح، والحلق، وذلك بالبدء بالرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، هذا في حق المتمتع والقارن، أما المفرد الذي لا يلزمه الذبح، فيكفيه تقديم الرمي على الحلق.
4 - عدم تأخير الرمي في اليوم الأول إلى ما بعد فجر اليوم الثاني من أيام النحر، وعدم تأخير الرمي في اليوم الثاني إلى ما بعد فجر اليوم الثالث، وعدم تأخير الرمي في اليوم الثالث إلى ما بعد فجر اليوم الرابع، وعدم تأخير الرمي في اليوم الرابع إلى ما بعد غياب شمس ذلك اليوم نفسه.
ه - ذبح هدي، وهو شاة، أو سُبُع بدنة، أو سُبُع بقرة، للمتمتع والقارن فقط، ولا هدي على المفرد، وإذا ذَبح هديا كان أفضل.
6 - أن يكون ذبح الهدي في أيام النحر.
7 - أن يكون ذبح الهدي في منطقة الحرم، وهي مكة المكرمة وما حولها، مما هو محدود بدائرة الحل، والأصح أن هذا شرط وليس واجباً.
***