ثالثاً: زيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومسجده الشريف
حكم الزيارة:
جماهير الفقهاء متفقون على أن زيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في المدينة المنورة سنة مستحبة، وذهب بعض الفقهاء إلى أنها سنة مؤكدة، وذهب آخرون إلى أنها واجبة، والأصح الذي عليه الأكثرون هو الأول،
وذلك لإطلاق النصوص الآمرة بزيارة القبور عامة، من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها). وقوله صلى الله عليه وسلم: (فزوروا القبور فإنها تذكر بالموت). فإنها تدل على استحباب زيارة القبور بعامة لديهم، فلا أقل من أن يكون قبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واحداً منها، إن لم يكن أولى منها جميعاً بالزيارة.
ثم لنصوص خاصة جاءت بالأمر بزيارة قبره صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: « من زارني بعد موتي فكأنما زارني حياً » وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: « من زار قبري وجبت له شفاعتي ». ذلك أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم حي في قبره لقوله صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء أحياء في قبورهم).
آداب الزيارة:
كثير من الزوار والحجاج يسيؤون الأدب مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في أثناء زيارتهم لقبره الشريف، من غير قصد، جهلاً وغباء منهم، وقد نص الفقهاء على آداب زيارة قبره الشريف بما يلي:
ا - أن تكون بعد الحج إذا كان الزائر ذاهباً لحج الفرض، وذلك تقديماً للفرض على المستحب،فإن كان حج نفل، أو كان الزائر غيرحاج أصلاً، خُيِّر، هذا ما لم يمر بالمدينة في طريقه إلى الحج،فإن مر بها في طريقه إلى الحج ندب له تقديم الزيارة، لما في مغادرة المدينة دون زيارته رغم القرب من قبره الشريف صلى الله تعالى عليه وسلم من سوء الأدب، ومظاهر الجفوة.
ب - أن ينوي زيارة المسجد النبوي الشريف مع زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، جمعا بين الفضلين، لئلا يفوته أجر زيارة المسجد النبوي الشريف التي حض عليها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى) متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) متفق عليه.
ج - أن يغتسل عند دخوله المدينة المنورة إن أمكن، وإلا تَوضأ، ثم يلبس أنظف ثيابه وأحسنها، ثم يتطيب، بقدر ما يتيسر له.
د - أن يقول عند دخول المسجد: (اللهم صلِ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك).
هـ - أن يبدأ بصلاة ركعتي تحية المسجد، وإذا تيسر له أن يصليها في الروضة الشريفة بين قبره ومنبره صلى الله تعالى عليه وسلم فهو أفضل.
و - أن يتجه بعد الصلاة إلى قبره صلى الله عليه وسلم، واقفاً أمام وجهه، متهيباً الموقف، متذكراً مقام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم منه، وأنه حي في قبره، مبتعداً بعض الشيء عن الحضرة، غير لامس جداراً أو شباكاً. . . ، ثم يسلم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بأدب وصوت منخفض، واصفاً إياه بأوصافه وألقابه، تكريماً واحتراماً، قائلاً: (السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا صفي الله، السلام عليك يا نبي الرحمة، السلام عليك يا شفيع الأمة، السلام عليك يا سيد المرسلين، السلام عليك يا خاتم النبيين، السلام عليك يا مُزَّمِّل، السلام عليك يا مُدَّثِّر، السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا أحمد، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبياً عن قومه، ورسولاً عن أمته، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وأوضحت الحجة، وجاهدت في الله حق جهاده، اللهم آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد، وأزواجه، وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد).
ز - ثم إذا أوصاك أحد بالسلام عليه فأبلغه سلامه باسمه.
ح - ثم تنح نحو اليمين قليلاً قدر ذراع، تكن أمام قبر الصديق أبي بكر - رضي الله تعالى عنه -، فسلم عليه بأوصافه وألقابه تكريماً له.
ط - ثم تنح نحو اليمين قليلاً قدر ذراع، تكن أمام قبر الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -، فسلم عليه بألقابه وأوصافه كما فعلت مع صاحبه الصديق.
ي - ثم عد إلى مكانك الأول مقابل قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مستشفعاً به ومودعاً، حزين القلب منكسر الفؤاد، داعياً لك ولإخوانك في الإيمان، متيقناً إجابة دعوتك، فإنك في مكان مبارك.