المحرمات في الزواج
المحرمات في الزواج هن النساء اللواتي يحرم على الرجل الزواج منهن، وهن على قسمين: محرمات على التأبيد، ومحرمات على التوقيت، وكل من هذين النوعين اتفق الفقهاء في بعض أحكامه واختلفوا في بعضها الآخر على أقوال، وسوف نفصل ذلك في الآتي:
المحرمات على التأييد:
يثبت التحريم على التأييد بين الرجال والنساء بأسباب ثلاثة، هي: النسب، والمصاهرة، والرضاع.
أولاً ) المحرمات بالنسب:
المحرمات بالنسب باتفاق الفقهاء أربعة أصناف، هن :
1- الأصول وإن علوا، كالأب، والجد أبي الأب، والجد أبي الأم، وأصولهم، وذلك في حق النساء، والأم، والجدة أم الأم، والجدة أم الأب، وأصولهن، في حق الرجال.
2- الفروع وإن نزلوا، كالابن، والبنت، وأولاد الابن، وأولاد البنت، وإن نزلوا، وقد ألحق الحنفية والحنبلية بالفروع هنا الفروع من الزنا ولو لم يثبت نسبهم منه، وخالف المالكية في المشهور والشافعية، وقالوا لا يحرمن عليه[1].
3- فروع الأبوين وإن نزلوا، كالأخ والأخت الشقيقين، والأخ والأخت لأب، والأخ والأخت لأم، وفروع كل منهم وإن نزلوا.
4- الطبقة الأولى فقط من فروع كل جد أو جدة، وإن علا الجد أو الجدة، كالعم والعمة الشقيقين، والعمة والعم لأب فقط، أو لأم فقط، وكذلك الخال والخالة الأشقاء أو لأب أو لأم، وكذلك أعمام الأب وعماته، وأعمام الأم وعماتهما، وأخوال الأب، وأخوال الأم، وخالاتهما، وأعمام الأجداد، وأعمام الجدات، وأعمامهم وعماتهم، وأخوال الأجداد، وأخوال الجدات، وخالاتهم، وأما أولاد هؤلاء جميعاً، كبنت العم، وابن العم، أو ابن وبنت العمة، وبنت أو ابن الخال أو الخالة، وكذلك ابن وبنت عم الأب، أو ابن وبنت عم الأم، أو ابن وبنت خال الأب أو ابن وبنت خال الأم........ وفروعهم، فإنهم غير محرَّمين.
ودليل ذلك قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:23)، فقد رمزت الآية إلى أصول هؤلاء المحرمات، فرمزت للأصول بالأم، والفروع بالبنت، ولفروع الأبوين بالأخت وبناتها وبنات الأخ، وللطبقة الأولى من فروع الأجداد والجدات، بالعمات والخالات، وقد انعقد الإجماع بعد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فلم يخالف فيه أحد، وقد جاء النص القرآني صريحاً بعد ذلك في حل من وراء هذه الأصناف المذكورة، بقوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ)(النساء:24)
هذا وقد اتفقت الديانات كلها على جعل النسب سببا للتحريم بين الرجال والنساء، وإن كانوا اختلفوا في تحديد دائرة التحريم به.
وبما أن المحرمات بالنسب على الوجه المتقدم محل اتفاق الفقهاء، فيعد الزواج مع هذا التحريم باطلاً لا يترتب عليه أي حق، ولا ينشأ عند أي حكم.
هذا وللنسب طرق إثبات خاصة سوف يأتي بيانها، فحيثما ثبت النسب وكان داخلاً في هذه الأصناف الأربعة، ثبت التحريم المؤبد به، وعد الزواج معه باطلاً.
ثانياً ) المحرمات بالمصاهرة:
المصاهرة مفاعلة من صاهر إلى بني فلان إذا تزوج منهم، والأصهار أهل بيت المرأة في حق زوجها، وأهل بيت الزوج في حق زوجته، وقيل أهل المرأة أختان، وأهل الرجل أحماء، ويجمع الجميع الأصهار، والأصهار جمع مفرده صهر، ومعنى المصاهرة هنا الصلة الناشئة بين كل من الزوجين ، وأقرباء الزوج الآخر، وينشأ بها تحريم الزواج بينهم[2].
وقد اتفق الفقهاء على أن المحرمات بالمصاهرة على التأبيد أصناف أربعة، كالنسب، هم:
1- زوجات الأصول، كزوجة الأب، وزوجة الجد، سواء كان جدا لأب أو جدا لأم، وزوجات أصول هؤلاء وإن علوا.
2- زوجات الفروع، كزوجة الابن، وزوجة ابن الابن، وزوجة ابن البنت، وإن نزلوا.
3- أصول الزوجات، كأم زوجته، وجداتها لأمها، أو جداتها لأبيها، وإن على هؤلاء.
4- فروع الزوجات المدخول بهن خاصة، وهن الربيبات، كبنت زوجته، وبنت ابنها، وبنت بنتها، وإن نزلن، هذا إذا دخل بالأم، فإذا لم يدخل بالأم وطلقها قبل الدخول، لم يحرم عليه فروعها، فإذا اختلا بها دون دخول، لم يحرم عليه فروعها أيضاً، على خلاف الأصناف الثلاثة السابقة، فإنهم يحرمون بمجرد العقد الصحيح، ودليل تحريم الأصناف الأربعة السابقة قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:23)، وقوله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) (النساء:22).
وقد حرم الله تعالى بقوله: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ) (النساء: من الآية23) الصنف الثالث، لأن الأم تشمل من فوقها من الأصول، وبقوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ )(النساء: من الآية23). الصنف الرابع.
هذا وقد اتفق الفقهاء على أن قيد (في حجوركم) قيد اتفاقي وليس احترازيا،ً وعلى هذا تحرم الربيبة المدخول بأمها، سواء كانت هي في حجر الزوج أو لا، ويدخل في الربيبة كافة فروع الزوجة.
وحرم الله تعالى بقوله: (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُم)(النساء: من الآية23) الصنف الثاني، ويدخل في الابن الفروع مطلقاً.
وحرم بقوله سبحانه: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) (النساء:22) الصنف الأول، وجمع الآباء يدخل فيه كافة الأصول.
قد انعقد الإجماع بعد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فكان محل اتفاق.
إلا أن الفقهاء اختلفوا في بعض ما تثبت به المصاهرة المحرِّمة، واتفقوا في بعض، وسوف أذكر كل ما ثبت به التحريم بالمصاهرة لدى الفقهاء، مشيراً إلى مواطن الاتفاق والاختلاف فيه.
أسباب المصاهرة المحرِّمة:
تثبت المصاهرة المحرِّمة على التأبيد بالأسباب الآتية:
1- العقد الصحيح، فإذا ما عقد الرجل على امرأة تحل له عقداً مستوفياً لشروط انعقاده وصحته، قامت بينه وبين هذه المرأة لمجرد هذا العقد مصاهرة محرِّمة، ولكن في الأصناف الثلاثة الأولى فقط، دون الصنف الرابع الذي لا يحرم بالعقد وحده، ولكن بالدخول بعده، كما مرت الإشارة إليه.
وعلى ذلك فلو عقد رجل على امرأة عقداً صحيحاً، حرم عليه بذلك مباشرةً أصولها، كما حرم عليها به أيضاً أصوله وفروعه، أما فروع الزوجة، فلا يحرمن على الزوج إلا بالدخول بها.
فإذا كان العقد باطلاً، لم يثبت به تحريم مطلقاً، سواء تبعه دخول أم لا، ما لم يكن الدخول بعده مستنداً إلى شبه معتبرة، فإن كان الدخول مستنداً إلى شبهة معتبرة نشأت حرمة المصاهرة بين الواطئ والموطوءة، بناء على الشبهة المعتبرة، وليس على العقد الباطل.
فإذا كان العقد فاسداً، لم تنشأ عنه حرمة المصاهرة أيضاً، ما لم يتبعه دخول، فإن تبعه دخول نشأت حرمة المصاهرة بهذا الدخول المستند إلى العقد الفاسد، سواء وافق الدخول شبهة أم لا، على خلاف العقد الباطل.
أما العقد الموقوف، فمثله مثل العقد الفاسد قبل الإجازة، فإن لحقته الإجازة فهو عقد صحيح تثبت به المصاهرة مطلقاً، من حين نشوئه.
وأما العقد غير اللازم، فهو عقد صحيح تثبت به المصاهرة مطلقاً.
وهذا السبب للتحريم بالمصاهرة مما اتفق الفقهاء على ثبوت المصاهرة به، من غير خلاف.
2- الوطء المقرون بشبهة معتبرة، فإن به يثبت التحريم بالمصاهرة في الأصناف الأربعة بالاتفاق، مساواة له بالدخول المقرون بالعقد الصحيح في ذلك فقط.
والشبه المعتبرة ثلاثة أنواع: شبهة عقد، وشبهة ملك، وشبهة فعل، ويسميها البعض شبهة اشتباه.
أما شبهة العقد، فلم يقل بها غير الإمام أبي حنيفة، وخالفه فيها الصاحبان وعامة الفقهاء، وهي الشبهة الناتجة عن صورة العقد غير الصحيح، إذا جرى على لسان عاقدين متمتعين بالأهلية، مهما نقص فيه بعد ذلك من الشروط، فإذا عقد رجل عاقل بالغ على امرأة محرمة عليه عقد زواج، ثم دخل بها بعد ذلك، كان دخوله دخولاً بشبهة عند الإمام أبي حنيفة، رغم بطلان العقد، سواء أكان يعلم ببطلان عقده أم لا، وذلك لوجود صورة هذا العقد، فهي شبهة معتبرة عنده، فإذا كان العاقدان أو أحدهما فاقد الأهلية كالمجنون، لم يكن عقده شبهة أصلاً، لا عند أبي حنيفة ولا عند غيره.
وأما شبهة الملك، ويسميها البعض شبهة المحل، فهي الشبهة الناتجة عن اختلاف دليلين إذا اتبع الدليل الأضعف، مثل وطء جارية ابنه بدون عقد، فإنه شبهة سبيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) رواه ابن ماجه، فإنه دليل على الملكية المعنوية المجازية، وقد يفهم منه الملكية الحقيقية، وكذلك الزواج بدون شهود في مجلس التعاقد، فإنه رغم فساده يفيد شبهة دليلها ما ذهب إليه مالك من صحة هذا العقد كما تقدم.
فإذا دخل الرجل في المرأة بعد شبهة من هذا النوع، كان دخولاً بشبهة معتبرة، وثبت به حرمة المصاهرة بينه وبين أقرباء من دخل بها، على وفق ما جاء في الدخول بعد العقد الصحيح، سواء في ذلك ادعى الاشتباه أو لم يدعه.
وأما شبهة الاشتباه، فهي الشبهة التي تحصل في نفس الشخص، فيظن الحرام حلالاً، من غير دليل شرعي قوي أو ضعيف، أو خبر من الناس أجاز الشارع اعتباره والأخذ به، مثل من عقد على أخته رضاعاً جاهلاً فعلاً حرمتها عليه، ثم دخل بها بناء على ذلك، فإنها شبهة اشتباه، وكذلك من قرب زوجته في ظلام ثم علم بعد ذلك أنها غيرها، فإنه دخول بشبه أيضاً، وتثبت به حرمة المصاهرة.
3- الزنـــا:
الزنا هو الوطء الحرام الخالي عن العقد أو الشبهة المعتبرة، فيدخل فيه الوطء الحرام الخالي عن الشبهة المعتبرة المرافق للشبهة الساقطة الاعتبار، وهذا الوطء تثبت به حرمة المصاهرة أيضاً عند الحنفية، وهو الصحيح في المذهب الحنبلي، وذهب المالكية في المعتمد لديهم، والشافعية، إلى أنه لا أثر للزنا في التحريم بالمصاهرة.
وقد اتجه قانون الأحوال الشخصية السوري إلى الأخذ بمذهب الحنفية في هذا، فسوى بذلك بين الوطء الحلال والوطء الحرام في حق إثبات التحريم، ونص على ذلك في المادة (34) منه.
4- اللمس بشهوة:
فإذا لمس الرجل امرأة أجنبية عنه، سواء كان المس لرأسها أو بطنها أو.... ورافق المس شهوة من جهته أو من جهتها أو من جهتهما معاً، كان ذلك كالزنا بها في حق إثبات حرمة المصاهرة به، وقد تقدم أن مذهب الحنفية ثبوت التحريم به على خلاف المالكية والشافعية، وهنا الحكم كذلك، إلا أن الحنبلية لم يثبتوا التحريم بالمس على خلاف الزنا في رواية، وفي رواية ثانية مع الحنفية، وقد وضع الحنفية للتحريم بالمس بشهوة شروطاً، هي:
آ - أن يكون المس بغير حائل، ويعفى عن الحائل الرقيق الذي لا يمنع الحرارة، فإذا مسها بحائل صفيق، كأن مسها فوق الثوب السميك، لم تحرم عليه بهذا المس، وإن رافقه شهوة، واستثنى بعض الحنفية الشعر المسترسل، فلم يثبتوا في مسه بشهوة تحريماً.
ب - أن يرافق المس شهوة، وهي تحرك الآلة (العضو التناسلي بالشاب) أو زيادة حركتها إن كان متحركاً قبل المس، أما الشيخ العجوز والمرأة، فالشهوة في حقهما هي تحرك قلبهما، لعدم تحرك الآلة فيهما، وذلك عند المس، فإن حصل التحرك قبل المس أو بعده، لم يحصل به تحريم، وسواء في ذلك أن تكون الشهوة من الرجل، أو المرأة، أو منهما معاً.
ج - أن لا ينزل الرجل المني أثناء المس، فإذا أنزل، لم يثبت بالمس تحريم المصاهرة، وذلك لأن المس مع الشهوة أنزل منزلة الزنا في حق التحريم، لأنه طريق إليه غالبا، فإذا حصل الإنزال، علم أنه ليس طريق إليه، فلم تثبت به حرمة المصاهرة.
5- النظر بشهوة:
وذلك بأن ينظر إلى فرجها الداخلي، أو تنظر إلى ذكره، وأما النظر إلى غير ذلك من الأعضاء فلا عبرة به.
والخلاف فيه كالخلاف في اللمس بشهوة، فالمالكية والشافعية على عدم الاعتداد به، وهو قول للحنبلية، والحنفية والحنبلية في قول ثان على ثبوت حرمة المصاهرة به.
هذا ويشترط في النظر بشهوة هنا لثبوت التحريم به ما يشترط في اللمس من الشروط الثلاثة المتقدمة، وإلا لم يحصل به التحريم[3].
وقد اتجه قانون الأحوال الشخصية السوري إلى الأخذ بمذهب الجمهور في التحريم بالعقد الصحيح، والوطء بشبهة، والزنا، ولم ينص على التحريم باللمس مع الشهوة، ولا بالنظر مع الشهوة، خلافاً للمذهب الحنفي.
ولا بد أن أشير هنا إلى خطر النظر بشهوة أو اللمس مع الشهوة بعد ما تقدم من مذهب الحنفية والحنبلية مع ما يقع به بعض الشباب من مصافحة النساء أو إطالة النظر إليهن، فإن ذلك رغم حرمته لدى عامة الفقهاء من غير خلاف، تثبت به حرمة المصاهرة عند الحنفية والحنبلية، وهي خطورة يجب التنبه لها والبعد عنها، وبخاصة ما يحصل في الأعراس من دخول أهل الزوج معه ليلة العرس للنظر إلى عروسه وهي في أجمل ثيابها وزينتها، فإن ذلك قد يستميل قلب أبيه أو ابنه إليها فيلمسها بشهوة أو ينظر إليها بشهوة فتحرم بذلك على زوجها للأبد، وهو خطر يغفل أو يتغافل الناس عنه، فلينتبه إليه.
ثالثا) المحرمات بالرضاع:
الرضاع في اللغة[4] مص الثدي لاستخراج اللبن منه، سواء أكان ثدي آدمية أو غيرها، وهو من باب تعب في لغة نجد، ومن باب ضرب في لغة تهامة، وأهل مكة يتكلمون بها، وفي لغة ثالثة من باب فتح، والمصدر منه رضاع ورضاعة، بفتح الراء، والأم مرضع ومرضعة، وقال الفراء وجماعة: إن قصد حقيقة الوصف بالإرضاع فمرضع بغير هاء، وإن قصد مجاز الوصف، بمعنى أنها محل الإرضاع، فيما كان أو سيكون فبها، وعليه قوله تعالى: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَت) (الحج: من الآية2).
وفي اصطلاح الفقهاء: مص الطفل الرضيع اللبن من ثدي آدمية في مدة معينة بشروط مخصوصة.
وقد ألحق الفقهاء بالمص دخول اللبن إلى جوف الطفل بأي طريقة كان، كما اختلفوا في بعض شروط الرضاع المحرَّم، كما سوف يأتي.
وقد اتفق جمهور الفقهاء على أن المحرمات بالرضاع أصناف ثمانية، هي مجموع ما يحرم بالنسب والمصاهرة، وذلك حسب التفصيل الآتي:
1- الأصول من الرضاع، فيحرم على الراضع مرضعته وهي أمه رضاعاً، وكذلك جدته (أم أمه رضاعاً وأم أبيه رضاعاً.....)، كما يحرم على الرضيعة أبوها رضاعاً (وهو زوج المرضعة الشرعي عند الإرضاع) وجدها أبو أبيها، وأبو أمها رضاعاً. ...).
2- الفروع من الرضاع، فيحرم على المرضعة من أرضعته، لأنه ابنها رضاعا،ً وكذلك فروع هذا الرضيع وإن نزلوا، كما يحرم على الرجل ابنته رضاعاً، (وهي من أرضعتها زوجته) وكذلك فروع هذا الرضيع وإن نزلوا......
3- فروع أبويه من الرضاع، وهم إخوته وأخواته رضاعاً(أولاد من أرضعته، وأولاد زوجها) وأولادهم وإن نزلوا.
4- الدرجة الأولى من فروع جديه وجدتيه رضاعاً، وهم أعمامه وأخواله وعماته وخالاته من الرضاع، أما من دونهم، فلا يحرمون بالرضاع، لأنهم لا يحرمون بالنسب.
5- أصول زوجته رضاعاً: كأمها رضاعاً، وجداتها من جهة أبيها أو أمها رضاعاً وإن علون، سواء دخل بها أو لا، كالنسب.
6- فروع زوجته رضاعاً: كبناتها وبنات أبنائها من الرضاع وفروعهم، هذا إذا دخل بزوجته، وإلا فلا يحرمن عليه، كالنسب، وهذا إذا كانت زوجته أرضعتهن قبل الزواج منه، فإن أرضعتهن وهي زوجة له، فهن فروعه فضلاً عن أنهن فروع زوجته، والحرمة بينه وبينهن قائمة في الحالتين.
7- زوجات أصوله من الرضاع، كزوجة أبيه رضاعاً، وزوجة جده رضاعاً، سواء أكان الجد من جهة الأب رضاعاً أو من جهة الأم رضاعاً،.... وسواء دخل بزوجته أم لا، كالنسب.
8- زوجات فروعه، كزوجة ابنه رضاعاً، وزوجة ابن ابنته رضاعاً، وإن نزل، سواء دخل بزوجته أو لا، كالنسب.
هذا ما ذهب إليه الجمهور، وخالف الظاهرية والجعفرية وابن تيمية وابن قيم الجوزية، وقالوا لا يثبت بالرضاع التحريم إلا في الأصناف الأربعة الأولى فقط.
الأدلــــة:
استدل الفقهاء للتحريم بالرضاع أصلاً، بقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:23)، فقد أشار القرآن الكريم بالأم إلى القرببات على عمود النسب، وبالأخت إلى القريبات بالحواشي، وقد أوضحت وبينت السنة الشريفة ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عدة في ذلك، منها:
1- ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قَال: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِن الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَب) رواه الترمذيِ.
2- ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ لا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِي عَمُّكِ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ، فَقَالَ ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ) رواه البخاري.
3- ما رواه قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: (قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا تَتَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ؟ قَالَ إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ) رواه البخاري.
4- قوله صلى الله عليه وسلم: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) رواه البخاري ومسلم.
واستدل الظاهرية ومن تبعهم على عدم التحريم بالرضاع ما يحرم بالمصاهرة بالأدلة الآتية:
1- بأن الله تعالى ذكر في آية المحرمات ثلاثة أنواع، هن: المحرمات بالنسب، ثم المحرمات بالرضاع، وقد ربط بينهما، ثم ذكر المحرمات بالمصاهرة، ولم يشر بعد للرضاعة، فقال جل شأنه: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماًً) (النساء:23) والمصاهرة لا تنصرف إلا إلى ما كان النسب سببها، ولو كانت الرضاعة تثبت مصاهرة لعقب التحريم بالمصاهرة بها أو أشار إليها بعدها[5]، ثم أن السكوت في معرض البيان بيان.
2- بأن قياسها على النسب ممتنع، لما يجري من الخلاف بين المصاهرة والنسب في أحكام كثيرة مما يجعل قياسها عليها غير سديد.
3- بأنها حكم اجتهادي اختلف فيه الصحابة، فلم يثبت فيه التحريم بدليل قوي، فكان داخلاً تحت إطلاق الآية الكريمة: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)(النساء: من الآية24).
والراجح عندي مذهب الجمهور، بل هو الصحيح وحده في نظري، ذلك أن الأمر ليس قياساً للمصاهرة على النسب، ولكنه إعمال منطوق السنة، فإن السنة المتقدمة أقامت الرضاع مقام النسب بإطلاق، فكان على ذلك زوج البنت رضاعاً مثل زوج البنت نسبا بنص الحديث الشريف، فكان محرماً مثله بالنص، وليس بالقياس، وبذلك يتهاوى دليل الظاهرية ومن تبعهم إن جاز عده دليلاً، وهو في نظري شبهة بعيدة جداً لا محل لها من الاعتبار أصلاً، وإن كان بعض الفقهاء المعاصرين أشار إشارات خفية إلى استساغته مثل العلامة أبي زهرة.
هذا وقد نص قانون الأحوال الشخصية السوري في الفقرة الأولى من المادة /35/ منه على ما يلي: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، إلا ما قرر فقهاء الحنفية استثناءه)، وقد ذهب بعض شراح هذا القانون إلى القول تعليقاً على ذلك ما نصه: (لا مجال للرجوع لمذهب أبي حنيفة النعمان، لأن النص صريح في تحديد حرمة الرضاع بالنسب، لأن الإحالة إلى المذهب الحنفي وفق المادة /305/ تقتصر في رأينا على حالة سكوت القانون، أما حين يختار القانون أحد رأيين: رأي يقول: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، ورأى آخر يقول يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والمصاهرة، فلا محل للرجوع للمذهب الحنفي، وإن كان الرأي الثاني أكثر شيوعاً وبه أخذت المذاهب الأربعة، إذ لا مجال لتغليب رأي الأكثرية هنا، بل الذي نراه أن القانون في مثل هذه الحالة وغيرها حيث يختار أحد رأيين فلا مجال للرجوع للمذهب الحنفي لسد نقصه، لأنه رفض الأخذ بما سكت عنه، وكثيراً ما أخذ القانون بغير المذاهب الأربعة، وعلى هذا فالذي نراه تفسيراً للنص القانوني: أن الحرمة هنا قاصرة على تحريم الرضاع بالنسب دون المصاهرة) [6].
والذي أراه أن القانون لم يرد بنصه السابق النزوع إلى قول الظاهرية ومن تبعهم، وإنما أراد الأخذ بنص الحديث الشريف الذي فهم منه الفقهاء دخول المصاهرة في منطوقة حكماً كما أشرت، وعلى هذا فلا مجال لتفسير القانون بغير تبنيه لمذهب الجمهور في أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والمصاهرة، ثم إن الشارح الفاضل المتقدم قد نص في كتابه نفسه فقال: (الحق أن حرمة المصاهرة بالرضاع لم يرد فيها نص في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية، وإن الفقهاء أجمعوا على حرمتها عن طريق الإجماع)، والإجماع كما يعلم الجميع دليل قاطع لا تجوز مخالفته، فكيف يجوز تفسير القانون بما لا يجوز اللجوء إليه، هذا على الرغم من فساد التفسير أصلاً في نظري.
وقد نص القانون الكويتي للأحوال الشخصية على ذلك في المادتين/16-17/ منه وهذا نصهما:
المادة /16/
آ - يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
ب - وتثبت حرمات المصاهرة بالرضاع.
المادة /17/ يشترط في التحريم بالرضاع أن يكون في الحولين الأولين، وأن يبلغ خمس رضعات متيقنات مشبعات.
شروط الرضاع المحرِّم:
يشترط في الرضاع ليثبت به التحريم شروط عدة، بعضها يتعلق بالرضيع، وبعضها بالمرضع، وبعضها باللبن، وقد اتفق الفقهاء في بعض هذه الشروط، واختلفوا في بعضها الآخر، على الوجه الآتي:
1- شروط المرضع:
يشترط في المرضع ليكون لبنها محرِّماً شروط كثيرة، هي:
أ - أن تكون آدمية أنثى:
وهذا شرط متفق عليه بين الفقهاء من غير خلاف أعلمه، فلبن البهيمة ولبن الجنيّة لا يحرم بإجماعهم، وكذلك لبن الرجل، أما لبن الخنثى المشكل:
فقد ذهب المالكية في الظاهر من مذهبهم إلى أنه يحرم احتياطاً.
وذهب الحنبلية إلى أنه لا يحرم، لأن الأصل الحل، فلا يرتفع بالشك،
أما الشافعية فقد ذهبوا إلى التوقف فيه إلى أن يتبين أمره، فإن مات ولم يظهر حاله لم يُحَرِّم.
ب- أن تكون حيَّة:
فلو كانت ميتة ورضع منها صبي، لم يحرِّم ذلك عند الشافعية والجعفرية، ثم إنهم يشترطون الحياة المستقرة، فلو كانت حياة المذبوح، فهي ميتة في الحكم.
وذهب الجمهور من الفقهاء، إلى أن الحيّة والميتة سواء في التحريم، ما دام الرضيع قد رضع لبناً، فلو شك في أنه لبن، فكذلك احتياطاً، بخلاف ما لو شك في وجود اللبن في ثديها، فإنه يمنع التحريم، لأن الرضاع لا يسمى كذلك ما لم يعلم منه وصول اللبن إلى الجوف، والشك ينافي العلم بذلك، فينتفي الرضاع معه، وفي قول للشافعية: إن لبن الميتة يحرم أيضاً كمذهب الجمهور.
ج- أن تكون من أهل الحمل:
وذلك بأن تبلغ تسع سنين، إذ الحمل لا يتصور ممّن لم تبلغ ذلك، واللبن لا يتصور نزوله ممّن لم تبلغ سن الحمل.
وقد ذهب إلى اشتراط ذلك الحنفية والشافعية، أما المالكية فلم يشترطوا شيئاً من ذلك مطلقاً، وذهب الحنبلية في قول غير مصحّح إلى أبعد من اشتراط أهليتها للحمل، فقالوا: يشترط أن يكون اللبن ناشئاً من حمل فعلاً، فلو كانت يائسة أو عجوزاً ولم يكن لبنها ناشئاً من حمل سابق، فإن الرضاع منها لا يحرم، إلا أن الأصح عندهم أنه يحرم ولو كانت بكراً، موافقين في ذلك باقي الأئمة.
د- أن تكون ثيّباً:
فلو كانت بكراً لم يحرم إرضاعها عند الحنبلية، والشافعية في رواية غير مصححة، والصحيح التحريم.
وذهب الجمهور إلى أنه يحرِّم ما دام لها لبن، فإن كان شيئاً أصفر لم يحرِّم، لأنه ليس لبنا، بخلاف الثيِّب، فإنه لو كان الخارج منها ماء أصفر فإنه يحرم، لأنه لبن تغير لونه، بدليل الاستصحاب.
وذهب الجعفرية إلى أن اللبن لا يحرم ما لم يكن من نكاح صحيح أو فاسد أو وطء بشبهة، فلو درّ لبن المرأة لا عن سبب، أو كان عن زنا، فإنه لا ينشر الحرمة.
شروط الرضيع:
ويشترط في الرضيع شرطان وهما:
1- أن يكون حياً: وذلك لأن الميت فاقد الأهلية مطلقاً، حتى أهلية الوجوب، فلا تتعلق به الأحكام، وذلك بإجماع الفقهاء دون خلاف.
2- أن يكون في سن الرضاع:
وقد اختلف الفقهاء في تقديرها على أقوال:
فذهب الجمهور إلى أنها سنتان، وذلك لقوله تعالى:(وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (الأحقاف: من الآية15)، فإذا أنزلنا منها ستة أشهر، هي أدنى مدة الحمل بالإجماع، بقي سنتان للرضاعة.
وذهب أبو حنيفة إلى أن التحريم يمتد إلى سنتين ونصف، وذلك لأن قوله تعالى: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (الأحقاف: من الآية15)، يحتمل أن يكون لكلَّ من الحمل والفصال ذلك، وقد زال الاحتمال عن الحمل بقول عائشة رضي الله عنها: (لا يبقى الحمل في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بفلكة مغزل)، فبقي الرضاع على الاحتمال، ثم إن الطفل قد يحتاج للتحول عن اللبن إلى الطعام إلى ستة أشهر.
وذهب زفر إلى أن مدة الرضاع المحرِّم ثلاث سنين، فإن فترة التحول عن اللبن إلى الطعام قد تستغرق سنة، وقال الكمال بن الهمام تعليقاً على ذلك: (وذلك حسن، لأن السنة تضم الفصول الأربعة) [7].
وروي عن مالك أن التحريم يمتد إلى أن يصبح عمر الولد سنتين وشهرين، ذلك أن الشهرين قد يحتاج إليهما غالباً للتحول عن اللبن إلى الطعام، إلا أنه اشترط أن لا يكون الولد قد فصل عن اللبن بالفطام واستغنى عنه بالطعام، فإن فطم تماماً ثم رضع، فإنه لا يحرِّم ولو كان دون السنتين، فقد نصّ على ذلك في مختصر خليل فقال: (محرِّم إن حصل في الحولين أو بزيادة شهرين، إلا أن يستغني ولو فيهما)، وقد علّق عليه الدردير فقال: (استغناء بيَّناً، بحيث لا يغنيه اللبن عن الطعام لو عاد إليه، هذا هو المراد، وسواء كان الاستغناء فيهما بمدة قريبة أو بعيدة، خلافاً لمن قال ببقاء التحريم إلى تمامها) [8].
وقد روي عن بعض الفقهاء أن التحريم يمتد إلى خمس عشرة سنة، ونقل عن بعضهم إلى أربعين سنة) [9].
وروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنه يحرم في الصغر والكبر جميعاً، واحتجت بظاهر قوله تعالى: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) (النساء: من الآية23) من غير فصل بين حال الصغر وحال الكبر.
وبما روي عن عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ (أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ سَالِمًا لِسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مَعَنَا فِي بَيْتِنَا وَقَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَلِمَ مَا يَعْلَمُ الرِّجَالُ قَالَ أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ قَالَ فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لا أُحَدِّثُ بِهِ وَهِبْتُهُ ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ فَقُلْتُ لَهُ لَقَدْ حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا مَا حَدَّثْتُهُ بَعْدُ قَالَ فَمَا هُوَ فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ فَحَدِّثْهُ عَنِّي أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِيهِ) رواه مسلم، وقد علمت عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث الشريف بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى روي عنها أنها كانت إذا أرادت أن يدخل عليها أحد من الرجال أمرت أختها أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنهما وبنات أخيها عبد الرحمن رضي الله عنه أن يرضعنه، فدلّ عملها بالحديث الشريف بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه غير منسوخ.
لكنه يجاب عن حديث سالم بوجهين:
آ - أنه منسوخ، وأن عائشة رضي الله عنها لم تعلم بنسخه، هذا وقد روي عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على رجوعها، فإنه روي عنها أنها قالت: (لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم والدم)، وروي أنها كانت تأمر بنت أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق – رضي الله عنهم – أن ترضع الصبيان حتى يدخلوا عليها إذا صاروا رجالاً، على أن عملها معارض بعمل سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنهنّ رضي الله عنهن كنّ لا يرين أن يدخل عليهنّ بتلك الرضاعة أحد من الرجال، والمعارض لا يكون حجة.
ب - إنه خاص بسالم، فلا يتعداه إلى غيره.
وبذلك يتحقق الإجماع على عدم التحريم بعد ثلاث سنين، على أن الجمهور يخصّون التحريم بسنتين فقط كما تقدم.
شروط اللبن:
ويشترط في اللبن ليكون محرِّماً شروط عدة، هي:
أ- أن يكون مائعاً:
بحيث يصح أن يقال فيه إن الصبي قد رضعه، وهذا مذهب الحنفية، وذهب الجمهور وفيهم الشافعية والمالكية في الأظهر، والحنبلية، إلى أنه يحرِّم سائلاً كان أو غير سائل، كأن صنع منه جبن أو قشدة فأكله الطفل، فإنه يحرم، لأن المعنى هو التغذي به، وهو حاصل بهذا، كما هو حاصل باللبن السائل.
واحتج الحنفية بأن المحرِّم هو الرضاع كما ورد في النص، وأكل الجبن والقشد ليس برضاع عرفاً ولا شرعاً ولا لغة، فلا يحرِّم.
ولكنني أرى في هذا ما رآه الجمهور، لأن العبرة بالمعنى، وهو متحقق بذلك أيضا، إذ المحرم من الرضاع هو ما أنبت اللحم وأنشز العظم، وهو قائم في ذلك.
ب- أن لا يكون مغلوباً:
فلو خلط لبن المرأة بطعام أو شراب أو دواء، فإن كان اللبن غالباً أو مساوياً حرَّم، وإن كان مغلوباً بحيث لم يظهر شيء من صفاته، لم يحرم عند الجمهور، سواء شرب الولد المخلوط كله أو جزءاً منه فقط، لأن المغلوب في حكم المعدوم.
وذهب الشافعية في الأظهر إلى أن المخلوط يحرم ولو كان اللبن فيه مغلوباً، هذا إذا شربه كله، أو ترك جزءاً أقل من اللبن، لأنه عندئذ يعلم يقيناً وصول شيء من اللبن إلى الجوف، فإن بقي أكثر من اللبن، لم يحرم في الأصح، لعدم التيقن بوصول جزء منه إلى الجوف.
وأنا أرجح الأخذ بقول الشافعية، وذلك لأن اللبن ما دام وصل إلى الجوف سواء كان مغلوباً أو غالباً فإنه قد حصل به إنشاز العظم وإنبات اللحم، وما الفرق بين لبن خلط بماء حتى أصبح مغلوباً به، ثم أوجر به الطفل كله، وبين إيجاره اللبن ثم إتباعه بماء لو خلط به اللبن قبل الإيجار كان مغلوباً به؟ والجمهور في المسألة الثانية على التحريم، فكذلك الأولى في نظري.
وذهب الحنفية إلى أن المخلوط بجامد لا يحرم ولو كان اللبن غالباً، لأنه لا يسمى رضاعاً، وهذا قول أبي حنيفة، وذهب الصاحبان إلى التحريم به ما لم يطبخ على النار، وكذلك المخلوط بمائع مسّته النار، فهو كالمطبوخ، لا يحرم أيضاً ولو كان غالباً، فإذا خلط بمائع دون أن تمسّه النار، كأن يخلط بلبن شاة مثلاً، فإن كان غالباً أو مساوياً حرم، وإلا فلا، والغلبة تكون بظهور الصفات وخفائها، لا بالحجم والوزن، كما قد يتبادر إلى الذهن.
فإذا خلط لبن المرأة بلبن امرأة أخرى، حرم عليهما مطلقاً، سواء كان لبنهما متساوياً أو لا، هذا إذا شربه كله، فإذا ترك جزءاً منه يساوي أو يزيد على المغلوب من لبنيهما، فإنه يحرم على ذات اللبن الغالب فقط، لعدم التيقن بوصول شيء من لبن ذات اللبن المغلوب إلى جوفه، في الأصح، وذهب إلى هذا الشافعية، وكذلك الحنفية والمالكية في المفتي به عندهم، وفي قول ثان لهم: إن ذات اللبن المغلوب لا تثبت حرمتها من الرضيع مطلقاً، وهو مرجوح عندهم.
هذا ويشترط المالكية في اللبن المحرم أن يكون أبيض، سواء كانت المرضع ثيباً أو بكراً، فإن كان ماء أصفر أو أحمر، لم يحرم، لأنه ليس لبنا ولو خرج من الثدي، ولا يضر التغير البسيط، سواء في اللون أو الريح، ما دام يغلب عليه صفات اللبن.
وذهب الحنفية إلى أن المرضع إن كانت بكراً يشترط أن يكون لبنها أبيض لا أصفر أو أحمر، فإنه قيح أو دم، أما الثّيب، فإنه يعتبر لبناً، بدليل الاستصحاب، ما لم يخرج عن صفات اللبن بالكلية.
ج- أن يكون وصوله إلى الطفل يقيناً:
فلو كان مشكوكاً فيه لم يحرم لدى الجمهور، خلافاً للمالكية، فإنهم يحرمون به احتياطا، لأن الأصل عدم الوصول إلا بدليل، فلو شك في وصوله، بأن رئي وهو يمتص الثدي، وغلب على الظن أن لا لبن بالمرأة، فإنه لا يحرم، وكذلك إن كان بها لبن وتحقق من عدم وصوله إلى جوفه، فإنه لا يحرم أيضاً، ويساويه في الحكم ما لو شك في أصل الرضاع، أرضع أم لا؟ وكذلك ما لو شك في عدد الرضعات ولم يتيقن كونها خمساً أو عشراً عند من يشترط العدد.
ويستوي الحال في وصول اللبن إلى الجوف أن يكون عن طريق الفم، سواء كان بالتقام الثدي (وهو ما يسمى بالرضاع) أو عن طرق الصب في حلقه (وهو ما يسمى بالوجور) أو وصوله عن طريق الأنف (وهو ما يسمى بالسعوط)، وهذا عند جمهور الفقهاء، باستثناء الجعفرية والظاهرية، وهو رواية ثانية للحنبلية، فإنهم لا يرون التحريم إلا عن طريق التقام الثدي فقط، ولذلك لا يحرم عندهم اللبن المخلوط أو المطبوخ، سواء كان غالباً أو مغلوبا،ً إذا وصل إلى الجوف عن طريق الوجور أو السعوط.
وأما اللبن الواصل إلى الجوف عن طريق الحقنة في القُبل أو الدُبُر، أو بواسطة التقطير في الأذن أو العين، فإنه لا يحرم، لأنه لا يسمى رضاعاً، ثم إنه لا ينبت اللحم ولا ينشز العظم، وهذا عند الجمهور.
وذهب محمد من الحنفية إلى أن اللبن إذا وصل إلى الجوف بواسطة الحقنة الشرجية فإنه يحرم، وعلى ذلك المالكية، بشرط أن يكون ذلك غذاء في الأصح، فإن لم يكن ذلك غذاء لم يحرم.
وذهب الشافعية، إلى أن الوصول إلى الجوف أو الدماغ محرم، بشرط أن يكون الوصول من منفذ مفتوح غير الدُبُر والقُبل في الأظهر، فلو وصل من العين لم يحرم، لأنه مسام وليس منفذاً مفتوحا، أما الجروح المفتوحة على الجوف أو الدماغ، كالآمة والجائفة، فإن الوصول إلى الجوف أو الدماغ عن طريقها محرم، وكذلك التقطير في الأذن إن علم الوصول منها إلى الجوف، فإذا لم يعلم ذلك لم يحرم.
د- أن يكون خمس رضعات مشبعات:
نص على ذلك الشافعية، والحنبلية في الراجح، والظاهرية، فما دون ذلك غير محرِّم عندهم، واشترطوا أن يكون ذلك في خمسة أوقات منفصلة عرفاً.
وذهب الحنفية والمالكية، إلى أن قليل الرضاع وكثيرة في التحريم سواء، فالمصّة الواحدة تكفي لنشر الحرمة.
وذهب الجعفرية إلى أن القدر المحرم هو ما أنبت اللحم وأنشز العظم، أو إرضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة، بشرط أن لا يفصل بين الرضعات في الأحوال الثلاث برضاع امرأة أخرى، وأن يكون اللبن لفحل واحد، وفي قول: يثبت التحريم بعشر رضعات متوالية، وهو غير المشهور في مذهبهم.
واستدلّ الشافعية والحنبلية والظاهرية لمذهبهم، بما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قَالَت: (كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ) رواه مسلم، أي يتلى حكمهنّ أو يقرؤهن من لم يبلغه النسخ لقربه.
هذا وقد روي عن الشافعية القول بالاكتفاء بالرضعة الواحدة، كما روي عنهم القول بأن ثلاث رضعات يحرمن، لما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلا الرَّضْعَتَانِ أَوْ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ) رواه مسلم وابن ماجه، فإنه يفهم منه التحريم بما زاد على الرضعتين، لكن القول الأول هو المذهب.
ولم يشترط الشافعية اتفاق صفات الرضعات، بل لو أوجر مرة، وأسعط مرة، وأرضع مرة، وأطعم مما صنع منه مرتين، ثبت التحريم، وهو مذهب الحنبلية.
وحدُّ الرضعة عند الشافعية يعلم بالعرف، لأن اللغة والشرع لم يضبطا ذلك، فيرجع فيه إلى العرف، والعرف يقضي عندهم بأن الطفل إذا قطع الرضاعة بنفسه للتحول إلى الثدي الآخر أو للهو وعاد في الحال، فإن ذلك يكون رضعة واحدة، فإذا قطع إعراضاً ثم عاد تعدد، وكذلك إذا قطعته المرضعة لشغل لها، لكنها إن عادت في الحال كان ذلك واحدة، وإن تأخرت تعدد في الأصح.
وذهب الحنبلية إلى أن الرضاع يتعدد بمجرد القطع لو كان من المرضعة لشغلها، وكذلك من الرضيع نفسه للانتقال من ثدي إلى آخر، أو للتنفس، فإنه بذلك يتعدد ولا يعد واحدة في الأصح، فالرضعة عندهم ما تواصل فيها النهل والشرب، فإن قطع لأي سبب كان تعدّد خلافاً للشافعية.
واستدل الحنفية والمالكية لمذهبهم بالآية الكريمة: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) (النساء: من الآية23)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَب) رواه البخاريِ، فإن الرضاع جاء فيهما مطلقاً من التقييد، والمطلق يبقى على إطلاقه حتى يظهر دليل التقييد، ولم يثبت عندهم ما يقيد الإطلاق المذكور.
وقد صح من رواية البخاري أن رجلا تزوج امرأة، فجاءت أمة سوداء فذكرت أنها أرضعتهما، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم زوج المرأة أن يدعها دون أن يسأل عن عدد الرضعات، ولو كان التحريم منوطاً بقدر معين وعدد معين لتحري الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك قبل أن يأمر بالمتاركة.
وقد أجابوا عن الحديث الشريف: (لا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَان) رواه مسلم، بقولهم: إن الحديث يعني أن المصّ نفسه لا يحرّم إذا لم يحصل بسببه نزول اللبن إلى جوف الطفل، وليس المقصود بالمصّة الرضعة.
أما الجعفرية فحدُّ الرضعة عندهم ما يروى به الصبي، وقد استدلوا لمذهبهم بأن الأصل عدم التحريم، وما ذكروه مجمع عليه أنه يحرم، وما قاله المخالف ليس عليه دليل، ثم بما يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ) رواه البخاري، يعني ما سدّ الجوعة، ثم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْم) رواه أحمد ومالك، وبقول عائشة رضي الله عنها: (كان مما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن....) فهو نص في العشر، وأما قولها: (ثم نسخن بخمس معلومات) فقولها هي، ولا خلاف في أنه لا يقبل قول الراوي أنه ينسخ كذا بكذا، إلا أن يبين ما نسخ، لينظر فيه، أهو نسخ أو لا.
الترجيـح:
وإني بعد ما تقدم أرى أن المرجَّح هو ما ذهب إليه الحنفية والمالكية، لأنه مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين، ولأن علّة التحريم التي أجمع عليها الفقهاء هي: إنبات اللحم وإنشاز العظم الذي يجعل الرضيع بمثابة الجزء من المرضِع، ولا شك أن هذا قد يكون بمّصة واحدة، كما أنه لا يتوقف على أن تكون الرضعات خمساً أو عشراً أو خمس عشرة رضعة، فقد يتحقق إنبات الحم وإنشاز العظم برضعة واحدة.
ومعنى هذا أن شبهة البعضية الحاصلة بنشوز العظم وإنبات اللحم، وهي علّة التحريم، أمر خفي وغير منضبط، ومن المقرر عند الأصوليين أن علة الحكم إذا لم تكن ظاهرة منضبطة ربط الحكم بما هو مظنّة لتلك العلة مما هو ظاهر منضبط، وهو هنا مطلق الرضاع الصادق بمصّة واحدة، فقد يكون لها دخل في تكوين جسم الرضيع.
طرق إثبات الرضاع:
يثبت الرضاع لدى الفقهاء بالإقرار وبالبيِّنة، ولكلٍّ من ذلك شروط خاصة به.
آ- الإقرار:
الإقرار بالرضاع المحرم إما أن يكون قبل العقد، وإما أن يكون بعده، وهو إما أن يكون من الزوج، أو من الزوجة، أو من أبويهما، أو من المرضع، أو من غير مَن ذُكر.
فالإقرار إن كان قبل العقد، وكان من الزوج، كأن قال: هذه أختي من الرضاع، أو بنتي، أو غير ذلك ممّن يحرم عليه مناكحتها، لم يجز له الزواج منها مطلقاً، وكل عقد له عليها باطل أو فاسد، لأن الإقرار حجة قاطعة قاصرة على النفس، وهذا بإجماع الفقهاء، وكذلك الحكم لو كان الإقرار من قبل الزوجة، للسبب نفسه، وهو قول جمهور الفقهاء، خلافاً للحنفية، ثم إن صَدَقا في إقرارهما حرم عليهما الزواج ديانة وقضاء، وإن كذبا فيه حرم قضاء لا ديانة.
وأما إذا كان الإقرار من قبل الأبوين، أو المرضع، أو غيرهم، فإنه يأخذ حكم الشهادة، وسيأتي تفصيلاً، هذا إذا لم يطمئن له قلبهما، فإن اطمأن له قلب الزوج أو الزوجة حرم تناكحهما ديانة لا قضاء، ما لم يظهر منهما ما يفيد الاطمئنان، فإن صدر ذلك صريحاً منهما، كان ذلك بمثابة الإقرار، وامتنع النكاح بينهما ديانة وقضاء كما تقدم.
و ذهب الحنفية إلى أن إقرار المرأة لا عبرة به، سواء كذَّبت نفسها بعد ذلك أو لا، فقد ذكر في الدرّ المختار قوله[10]: (وإن أقرّت المرأة بذلك ثم أكذبت نفسها وقالت أخطأت وتزوّجها جاز، كما لو تزوجها قبل أن تكذب نفسها، وإن أصرّت عليه، لأن الحرمة ليست إليها، وقالوا: وبه يفتى في جميع الوجوه)، وعلّق ابن عابدين على ذلك بقوله: (قوله في جميع الوجوه، أي سواء أقرت قبل العقد أولاً، وسواء أصرّت عليه أولا، بخلاف الرجل، فإن إصراره مثبت للحرمة كما علمت).
واستدل الحنفية لعدم اعتبار إقرارها بالحرمة قبل النكاح، بأن الحرمة ليست لها، أي إن الشَّارع لم يجعلها لها، فلم يعتبر إقرارها بها، وأما إقرارها بعد النكاح، فلاتهامها بالتخلّص من الزواج، لأنها لا سبيل لها إلى الطلاق، بخلاف الزوج، فإنه يملك التخلّص منها بالطلاق، فلا تهمة.
هذا ويفهم مما في البحر عن الخانية: أن إصرارها قبل العقد مانع من تزوجها به، ونحوه في الذخيرة، لكن المذهب على خلافه.
فإذا رجع المقرّ عن إقراره، وقال: وهمت، هل يصدق في رجوعه هذا؟
ذهب الحنفية إلى أنه يصدق في رجوعه، ما لم يؤكد إقراره بقوله هو صحيح، أو حق، أو يُشهد على ذلك، أو يجدده بعد العقد، فإن أكده الرجل بما ذكر وأمثاله، لم يصح رجوعه، ولم يقبل منه ذلك، وإنما صحّ رجوعه عن الإقرار قبل التأكيد، لأن الرضاع مما يثبت بالسماع، وذلك مما يشتبه على الكثيرين، فقد يكون المقرّ سمعه من إنسان ثم سمع من غيره ما يخالفه واطمأن إلى كذب الأول، بخلافه بعد التأكيد، فإن التأكيد يفيد القطع والاستقصاء.
هذا إذا كان المقرّ هو الرجل، أما المرأة، فلا عبرة بإقرارها من الأصل كما تقدم.
وقد نصّ على ذلك صاحب الدرّ المختار بقوله: (لو قال لزوجته هذه رضيعتي، ثم رجع عن قوله صدق، لأن الرضاع مما يخفى، فلا يمنع التناقض فيه، ولو ثبت عليه بأن قال بعده: هو حق كما قلت ونحوه، هكذا فسر الثبات في الهداية وغيرها.
وذهب الشافعية والحنبلية إلى عدم جواز الرجوع عن الإقرار، فقد ذكر في مغني المحتاج، فقال: ولو رجع المقرّ لم يقبل رجوعه، إذ إن التحريم يثبت بالإقرار، فلا يرتفع بالرجوع عنه، لتعلّق حق الغير به، كما في الإقرار بالمال.
هذا إذا كان الإقرار قبل العقد، فإن كان بعده وكان من الزوج، فإنه يقبل، كما في الإقرار قبل العقد، وإذا ثبت الرضاع انفسخ العقد عند الشافعية والحنبلية، واستوجب الفسخ عند المالكية والحنفية لفساده.
وإن كان من الزوجة، فإنه ينظر: إن صدقها الزوج، فإنه يثبت الرضاع ويفسد وينفسخ النكاح، أو يستحق الفسخ (حسب الخلاف المتقدم) فإن كذّبها فالعقد صحيح، وذلك لاتهامها بالتخلّص من الزوجية، وليس لها طريق إلا هذا، بخلاف الزوج، فإنه لا تهمة في جانبه لتمكنه من التخلّص من الزوجية بالطلاق، بخلافها، وذلك عند الجمهور.
وعند الشافعية في ذلك روايتان:
الأولى أنه لا يقبل قولها إذا كذّبها الزوج وقد زوِّجت منه برضاها، فإن لم يكن برضاها صدقت بيمينها، ويعللون ذلك بأن ما تدّعيه محتمل إذ ذاك ولم يسبق منها ما ينقضه، فأشبه ما لو ذكرته قبل النكاح، ويفسرون الرضا هنا بأن لا يكون زوّجها وليّ مجبر لجنون أو بكارة، أو أذنت مطلقاً ولم تعين الزوج، هذا إذا لم تمكّنه من نفسها مختارة، فإن مكّنته مختارة اعتبر ذلك رضاً منها في جميع الأحوال.
والرواية والثانية أنه يصدق الزوج بيمينه في إنكار ما أقرّت به، لاستدامة النكاح الجاري على الصحة ظاهراً.
هذا ويشترط في صحة الإقرار لدى الجميع أن يكون ممكناً، وذلك بأن لا يكذبه الظاهر، فلو قال فلانة بنتي من الرضاعة وهي أكبر منه، لم يقبل منه ذلك لاستحالته. والإقرار معه لغو.
والإقرار لا يثبت لدى القاضي إلا بشهادة رجلين عند الشافعية إذا أنكره المقرّ.
وذهب الحنفية والحنبلية إلى أنه يكفي في إثباته ما يكفي في إثبات سائر الأموال، من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، أما المالكية فذهبوا إلى ثبوت الإقرار بكل ما يثبت به الرضاع من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين فقط.
2- البيّنــة:
البيّنة المعتبرة في إثبات الحقوق في الشريعة الإسلامية هي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وذلك لقوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) (البقرة: من الآية282)، والبينة حجة قاطعة متعدية.
واختلف الفقهاء في قبول الشاهد واليمين على المذاهب، كما أنهم اختلفوا في بعض الدعاوى الخاصة في قبول شهادة النساء وحدهنّ، أو شهادتهّن مع الرجال، أو عدم قبول شهادتهنّ مطلقاً فيها.
ففي الدعاوى الجنائية كادوا يتفقون على عدم قبول شهادة النساء، سواء وحدهنّ أو مع الرجل، فلا يقبل في الحدود والقصاص إلا شهادة رجلين فقط، وفي حدّ الزنا خاصة أربعة رجال.
أما في استهلال الصبي وثبوت البكارة والحيض والعيب في المرأة وما إلى ذلك، فقد اختلفوا في حجيّة شهادة المرأة وحدها، فمنهم من اكتفى بذلك، لأن هذه الأمور لا يطّلع عليها الرجال غالباً، فتعذر إثباتها بغير النساء، وذهب آخرون إلى اشتراط الرجال مع النساء طبقاً للآية السابقة، من عدم التفريق بين دعوى ودعوى.
ثم إن الذين قالوا بصحة قول المرأة وشهادتها في هذه الأمور، اختلفوا في عدد النساء اللواتي يثبت بشهادتهنّ الحق فيها.
فذهب جماعة إلى اشتراط أربع نسوة، وذهب آخرون إلى اشتراط امرأتين فقط، كما ذهب البعض على الاكتفاء بشهادة امرأة واحدة.
ثم إن منهم من اشترط العدالة، ومنهم من لم يشترطها.
والآن ونحن نبحث في الرضاع وطرق إثباته، علينا أن نحدد نوع البيّنة التي بها يثبت الرضاع وشروطها.
فقد اختلف الفقهاء في ذلك على أقوال:
ذهب الحنفية إلى اشتراط الشهادة الكاملة التي نصّت عليها الآية الكريمة، وهي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، لأن الأصل في الشهادة أن تكون كذلك، ولا صارف عن الأصل، سواء كانت الشهادة قبل العقد أو بعده، وسواء أكانت برضاع قديم أو برضاع طارئ على العقد.
وفي قول عند الحنفية: إذا شهد به عدل واحد قبل العقد لا يجوز النكاح، وإن بعده وهما كبيران فالأحوط التنزه، ويعللون لذلك بأن الشك في الأول وقع في الجواز، وفي الثاني وقع في البطلان، والدفع أهون من الرفع[11]، ولكن المذهب على القول الأول.
وذهب المالكية[12] إلى أنه يثبت برجلين عدلين، ولو لم يفش منهما ذلك قبل العقد، فإن لم يكونا عدلين اشترط الفشو، والرجل مع المرأتين كالرجلين، ويثبت كذلك بشهادة رجل وامرأة، وبشهادة امرأتين فقط إن فشا منهم ذلك في الصورتين الأخيرتين قبل العقد، لا إن لم يفش ذلك منهما قبله، فإنه لا يثبت.
وهنا هل تشترط عدالة الرجل والمرأة أو المرأتين مع الفشو؟ في المذهب روايتان، والأظهر عدم اشتراط ذلك، هذا إذا كانت البينّة بعد العقد، فإن كانت قبله، فإنه يقبل فيها قول أبوي الزوجين الصغيرين دون فشو أو عدالة، وكذلك والد أحدهما فقط دون والدته، بخلاف الزوجين الكبيرين، فإنه لا عبرة بقول أبويهما ما لم يبلغا حدّ الشهادة المعتبرة بشروطها.
وإذا قال والد أحد الزوجين الصغيرين: رضع ابني مع فلانة، أو بنتي مع فلان، ثم رجع وأراد النكاح بعد ذلك، لا يقبل منه بعد ذلك الرجوع، فإن حصل العقد بالفعل فسخ، بخلاف قول أم أحدهما: (أرضعته أو أرضعتها مع ابني) مثلاً، واستمرت على إقرارها أو رجعت عنه، فالتنزه مستحب لا واجب، وليست كالأب ولو كانت وصية، لكن المعتمد في المذهب أنه إن فشا منها ذلك قبل إرادة النكاح وجب التنزه وقُبل قولها[13].
وأما الشافعية، فقد اشترطوا في البينّة أن تكون بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، كما ثبت أيضاً بشهادة أربع نسوة.
وأما ثبوتها بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، فهو جريٌ على قواعد الإثبات العامة بالبينّة، طبقاً للآية الكريمة السابقة، وأما ثبوتها بأربع نسوة دون أن يكون معهّن رجل، فذلك لأن الرضاع مما لا يطّلع عليه الرجال عادة، لحرمة النظر إلى الثدي، فاكتفى فيه بشهادة النساء فقط للضرورة، وإنما اشترطوا أن يكون أربع نسوة، لأن كل امرأتين بمثابة رجل في الشهادة، فكنّ بذلك أربع نسوة بمثابة رجلين، وهو حدّ الشهادة.
وعلى هذا القول عطاء وقتادة[14].
هذا إذا كان الرضاع بالمصّ من الثدي، فإن كان بالسعوط أو الوجور، لم يكتف فيه بالنساء المتمحضات فقط، ولو كنّ مئة امرأة، لإمكان إطلاع الرجال عليه عادة، حيث لا حرمة في ذلك، فلا ضرورة إلى الاكتفاء بالنساء المتمحضات، ولكن تقبل شهادتهنّ في أن لبن الإناء الذي أوجر به الصبي هو لبن فلانة، لأن الرجال لا يّطلعون على الحلب غالباً[15].
وأما الشهادة على الإقرار بالرضاع، فشرطها رجلان فقط، لاطلاع الرجال عليه غالباً، ولا يقبل غير ذلك فيها، وتقدم ذلك في الإقرار بالرضاع.
وذهب الحنبلية إلى أن الرضاع يثبت بشهادة امرأة واحدة إذا كانت مَرضِيّة، وبهذا قال طاوس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذؤيب وسعيد بن عبد العزيز.
وعن أحمد بن حنبل رواية أخرى تنصُّ على عدم قبول شهادة ما دون امرأتين، وهو قول الحكم، وذلك لأن الرجال أكمل من النساء، ولا يقبل في شهادتهم إلا رجلان، فالنساء أولى.
وهناك رواية ثالثة عن أحمد بن حنبل، أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة، وتستحلف مع شهادتها، وهو قول ابن عباس وإسحاق.
ومما يستدل به لقول أحمد في قبول شهادة المرأة الواحدة إذا كانت مرضية، هو أن الرضاع لا يطّلع عليه غالباً الرجال، لحرمة النظر إلى الثدي، فاكتفي بشهادة النساء وحدهنّ ضرورة، ثم إن الضرورة تقضي بقبول شهادة المرأة الواحدة، لأن الرضاع يكون في انعزال عن الناس غالباً، فإن الكثيرات يأبين الإرضاع أمام غيرهنّ ولو من النساء، لكثرة حيائهنّ، مما قد يتعذر معه إشهاد أكثر من واحدة، فاكتفي بالواحدة ضرورة.
هذا في الشهادة على الرضاع، أما الشهادة على الإقرار، فلا يكتفى فيها بغير رجلين، أو رجل وامرأتين، لأنه مما يطلّع عليه الرجال عادة، فلم تقبل فيه شهادة النساء المتمحضات، اعتباراً بإثبات النكاح[16].
الترجيــح:
بعد استعراض ما تقدم من الآراء والمذاهب، أرى أن ما ذهب إليه الحنفية من قولهم بعدم الاكتفاء بأقل من رجل وامرأتين، سواء في إثبات الرضاع أو إثبات الإقرار به من أحدهما أوجه دليلاً، ذلك أنه حدّ الشهادة التي نصّت عليها الآية الكريمة، ولا دليل يصرف عنها إلى غيرها، كما أنه لا ضرورة للاكتفاء بشهادة النساء وحدهنّ، سواء كنّ واحدة أو أكثر، وذلك لأن المحارم ينظرون عادة إلى الثدي من محارهم وقت الإرضاع، وهو غير محرم عليهم ما لم يكن بشهوة، والشهوة منتفية غالباً هنا، فلا ضرورة إلى الاكتفاء بالنساء فقط، إذ هو عدول عن النص، ولا يلجأ إليه إلا بدليل أو ضرورة، ولم يتوفر شيء من ذلك، ثم لأن غالبية النساء قد جرت عادتهنّ على التسامح في الكذب في هذه المواطن، تحقيقا للمصلحة في زعمهن، فكان الاقتصار عليهنّ في الشهادة هنا طريقاً لتغيير الحق.
والآن: هل تقبل شهادة المرضعة نفسها إذا توفرت لها شروط الشهادة الأخرى، بحيث يثبت الرضاع لو شهدت المرضعة مع امرأة أخرى ورجل، أو شهدت مع ثلاث نساء أخريات، أو شهدت وحدها وكانت مرضية، أو شهد معها امرأة أخرى فقط وكان قد فشا منهما ذلك قبل العقد - حسب اختلاف الفقهاء في حدّ الشهادة-؟
نص الشافعية على أنها تقبل شهادتها إذا لم تطلب أجرة الرضاع، فإن طلبت أجرة الرضاع لم تقبل للتهمة، وكذلك إذا ذكرت فعل نفسها، فقالت: أرضعتها، فإنها لا تقبل في قول، كما لو شهدت بولادتها، والأصح قبولها، لأنها لا تجلب لها نفعا، ولا تدفع ضررا، إذ ثبوت المحرمية بها، وجواز الخلوة، والمسافرة، لا نظر له، فلا ترد بمثله الشهادة[17].
وذهب الحنفية إلى أن المرضعة كغيرها، إذا استكمل معها وبها نصاب الشهادة قبلت، أشار إلى ذلك ابن عابدين نقلاً عن الفتاوى الهندية، فقال ما نصه: (قوله وعدلتين، أي ولو إحداهما المرضعة، ولا يضرّ كون شهادتها على فعل نفسها، لأنه لا تهمة في ذلك، كشهادة القاسم والوزان والكيال على رب الدّين، حيث كان حاضراً، بحر، قلت: وفي شرح الوهبانية عن النتف من أنه لا تقبل شهادة المرضعة عند أبي حنيفة وأصحابه، فالظاهر أن المراد إذا كانت وحدها، احترازاً عن قول مالك، وإن أوهم نظم الوهابية خلاف ذلك فتأمل) [18].
أما الحنبلية فيستوي عندهم كون الشاهدة هي مرضعة أو غيرها، ما دامت مرضيَّة، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه من أنه قال في امرأة زعمت أنها أرضعت رجلاً وأهله: إن كانت مرضيَّة استحلفت وفارق امرأته، وقال إن كانت كاذبة لم يحلّ الحول حتى يبيض ثدياها. يعني يصيبها فيهما برص عقوبة على كذبها، وقد علّق ابن قدامة على ذلك فقال: (هذا لا يقتضيه قياس ولا يهتدي إليه رأي، فالظاهر أنه لا يقوله إلا توقيفا) [19].
ثم أيشترط في الشهادة التفصيل وبيان كيفية الإرضاع وعدد الرضعات وسن الرضيع؟ أم يكفي مطلق الرضاع فقط دون ذكر لذلك؟
ذهب الشافعية والحنبلية[20] إلى وجوب البيان والتفصيل، فقد نصّ في المنهاج فقال: (والأصح لا يكفي < بينهما رضاع محرم > بل يجب ذكر وقت وعدد ووصول اللبن إلى جوفه، ويعرف ذلك بمشاهدة حلب وإيجار وازدراد، أو قرائن، كالتقام الثدي، ومصِّه، وحركة حلقه بتجرع وازدراد بعد علمه بأنها لبون) [21].
وفي قول آخر غير الأصح عند الشافعية: يكفي أن يقول الشاهد: (بينهما رضاع محرم).
ونصّ الحنبلية على أنه إذا شهد فقال: أشهد أن هذه أرضعت هذا، فالظاهر أنه يكفي في ثبوت أصل الرضاع، لأن المرأة التي قالت قد أرضعتكما في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بقولها، هذا ولم يطلب الرسول صلى الله عليه وسلم منها بياناً[22].
والآن أيعتبر النكول حجة في إثبات الرضاع، بأن ادَّعت المرأة الرضاع المحرِّم بعد العقد فأنكره الزوج، فوجهت إليه اليمين فنكل، أو يقضى بنكوله في إثبات الرضاع؟
ذهب الشافعية[23] إلى القضاء بالنكول هنا، لأن النكول إقرار عندهم، والإقرار حجة يثبت بها الرضاع.
وذهب الحنفية[24] إلى أنه إذا قامت بينّة ناقصة على الرضاع، والزوج منكر له، جاز للزوجة أن توجه اليمين عليه، فإن نكل قضى بفسخ النكاح، بناءً على نكوله، وهو واضح على مذهب الصاحبين الذين يريان النكول إقرارا، وكذلك على مذهب الإمام أبي حنيفة الذي يراه بذلاً، لأن ذلك مما يجري فيه البذل أيضاً.
مسألة لبن الفحل:
إذا أرضعت المرأة طفلاً ما، فإنه يصبح ابنها رضاعاً، وهي أمه، وأولادها إخوته، ولكن هل يصبح زوجها – إن كان لها زوج – أباه؟ أي هل لزوجها علاقة بلبنها، فيحرم عليه ما يحرم عليها بسببه؟ ثم ما حدّ لبن الزوج؟ وهل يعتبر الزاني والواطئ بشبهة كالزوج في ذلك؟
اتفق جمهور الفقهاء[25] على التحريم بلبن الفحل، ولكنهم اختلفوا في حدهّ على أقوال:
فذهب الحنفية إلى أن اللبن يكون للزوج كما يكون للزوجة، فتثبت حرمة الطفلة المرتضعة منه من الزوج، كما تثبت من الزوجة، بشروط:
أ- أن يكون الرجل قد دخل بالمرضعة في عقد صحيح أو فاسد أو وطئها بشبهة، أما الزاني، ففيه روايتان في المذهب، يميل المرجحون أمثال الكمال بن الهمّام إلى تصحيح عدم التحريم به على الزوج، فلو زنا بامرأة فحملت منه ثم ولدت ودرّ لها لبن فأرضعت به صبية، جاز للزاني نكاح الصبية المرضعة في تصحيح الكمال وغيره، لأنه لا حرمة لماء الزنا، ولم يجز في رواية ثانية عند الحنفية، وهي ابنته رضاعاً، لأن اللبن جاء بسببه.
ب- أن تكون قد ولدت منه فعلاً، أما قبل الولادة فلا، فلو تزوج امرأة فحملت منه، ثم درّ لها لبن، فأرضعت به صبية، كانت بنت المرضعة فقط، ولزوجها التزوج بالمرضعة، لأنها أجنبية عنه، إذ إن اللبن ليس له فيه حق قبل الولادة، ولو ولدت ثم أرضعت صبية، كانت ابنة لها وابنة لزوجها أيضاً، لأن اللبن أصبح منه.
ج- أن لا ينقطع لبنها منه مدة ثم يرتدّ إليها، وأن لا تلد من غيره، فإن انقطع ثم رجع إليها بعد مدة لم يكن من الزوج، فإن ولدت وأرضعت طفلها ثم جف لبنها ثم عاد بعد مدة فأرضعت منه طفلة، لم تحرم هذه الطفلة على زوجها.
ثم لو طلق الزوج زوجته أو تاركها الواطئ بشبهة أو بعقد فاسد بعد الدخول بها وهي لبون، فتزوجها آخر وحملت منه، فإن اللبن للأول ما لم تلد من الثاني، فإن ولدت كان اللبن من الثاني وانقطع عن الأول، فلو أرضعت صبياً قبل ولادتها، كان ابنا للأول وربيباً للثاني. ولو أرضعته بعد ولادتها كان ابناً للثاني، وربيباً للأول.
هذه الشروط الثلاثة يجب توافرها لكي يصبح اللبن للزوج، فإذا تخلف منها واحد لم يكن للزوج في اللبن حق، ولم يكن منه، وبالتالي لم يحرم عليه من رضعت منه مطلقاً.
وأما المالكية: فقد اشترطوا ليكون اللبن محرِّماً بالنسبة للرجل شروطاً، هي:
أ- أن يكون قد دخل بها فعلاً وأنزل، فلا يكفي مجرد العقد عليها، وكذلك الوطء من غير إنزال، بحيث لو أرضعت صبياً قبل العقد أو بعده وقبل الوطء أو بعده وقبل الإنزال، لم يكن ابناً للواطئ، فإذا أرضعته بعد الإنزال كان ابناً له، ولا يشترط الحمل من الوطء، بل العبرة للإنزال فقط.
ب- أن لا ينقطع لبنها: فلو درّ لها لبن بعد الإنزال وبقي سنين ثم طلقها واللبن موجود فأرضعت به صبياً، كان ابناً للواطىء لديمومة لبنه، فإن انقطع لبنها مدة ثم رجع إليها فأرضعت به صبياً، كان ابناً لها ولواطئيها الأول والثاني، لا شتراكهما في اللبن، وهكذا لو تزوجت ثالثاً ورابعاً، ما دام اللبن مستمراً.
والوطء الحرام كالحلال عند المالكية في ذلك، فلو زنى بامرأة فأنزل فدرّ لها لبن، أو كان بها لبن سابق فأرضعت به صبية، كانت ابنة لها وللزاني بها أيضاً، وهذا هو الراجح في المذهب، وهناك قول آخر، وهو: إن كل وطء لا يلحق به الولد لا يحرم بلبنه من قبل فحله، وهو القول الأول لمالك، ثم رجع عنه إلى القول الآخر بالتحريم.
وإذا كان لبن الزنا تثبت به الحرمة بالنسبة للزاني، فأحرى أن تثبت الحرمة بلبن الوطء بشبهة، وبالنكاح الفاسد، وملك اليمين، بالنسبة للواطئ والمالك.
وأما الشافعية: فقد اشترطوا ليكون اللبن للفحل شروطاً:
ت - أن يدخل الزوج بزوجته في نكاح صحيح أو فاسد، أو أن يطأها بشبهة أو بملك يمين، فإن وطئها بزنا ودرّ لها لبن لم يصر له، بحيث لو أرضعت بنتاً منه جاز له التزوج بها مع الكراهة فقط، لأن ماء الزنا هدر عندهم،فيحل له تزوج بنته من الزنا، فأولى أن يحل له تزوجها من الرضاع بلبن الزنا، وكذلك الولد المنفي باللعان، فإنه ينتفي معه اللبن عن الزوج، لأن الرضاع عند الشافعي يثبت فيما ثبت فيه النسب، لأنه تبع له، وذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) رواه البخاري.
ث _ أن تحمل منه فعلاً، فإن لم تحمل منه فاللبن لها وحدها، وهذا هو الأصح من قولين للشافعي، والقول الثاني أن مجرد الوطء كافٍ في إثبات اللبن للواطئ.
ج- أن لا تتزوج بآخر أو يطأها بشبهة وتلد منه، أو تلد منه زنا، ذلك أن لبن الفحل يستمر ولو مات الزوج أو الواطئ، ولو استمر الأمر عشر سنين، سواء انقطع اللبن وعاد أو استمر ولم ينقطع، بحيث لو انقطع بعد طلاقها أو وفاة زوجها ثم عاد بعد مدة طويلة أو قصيرة، أو لم ينقطع أبداً ثم أرضعت منه طفلاً، كان ابناً لها ولزوجها أو واطئها الأول، ما لم تتزوج أو توطأ بشبهة وتلد منه، فإن تزوجت وحملت ولم تلد، فاللبن للأول، فإذا ولدت فاللبن للثاني، سواء دخل بها وقت ظهور لبن حملها منه، أو لا، وفي قول للشافعي: يكون لهما إذا دخل بها الثاني وقت ظهور حملها منه، وإلا فللأول فقط، هذا إذا لم ينقطع لبنها مدة ثم يعود، فإن انقطع مدة ثم عاد أو كثر، فللشافعي ثلاثة أقوال:
الأول : للأول فقط ، والثاني للثاني فقط ، والثالث لكليهما معاً.
فإن كانت حملت من زنا وهي متزوجة، فإن لبنها لزوجها ما لم تضع ، فإن وضعت كان اللبن للزنا ولا أب للرضيع.
هذا ولو نزل لبن لبكر، وتزوجت وحبلت من الزوج ، فللبن لها لا للزوج ما لم تلد ، ولا أب للرضيع. فإن ولدت منه ، فاللبن بعد الولادة له كما هو لها. ومثل البكر هنا الثيّب اللبون.
واشترط الحنبلية لثبوت الحرمة من الفحل بالرضاع شروطاً هي:
أ – أن يكون اللبن من حمل منتسب إليه ، بأن يكون الوطء في نكاح صحيح أو فاسد أو وطء بشبهة أو بملك يمين. فأما لبن الزاني أو النافي لولد بالعان ، فلا ينشر الحرمة بين الرضيع والواطئ، لأن التحريم بالرضاع فرع لحرمة الأبوّة، فلما لم تثبت حرمة الأبوة لم يثبت ما هو فرع لها.
وفي قول آخر للحنبلية أن لبن الزاني محرم كما يحرم لبن النكاح الصحيح.
وحيثما ثبت نسب الولد ثبتت حرمة الرضيع من لبنه ، فلو وطء رجلان امرأة فأتت بولد فأرضعت بلبنه طفلاً ، صار ابناً لمن ثبت نسب ولدها منه ، سواء ثبت نسبه منه بالقافة أم بغيرها ، وإن ألحقته القافة بهما، صار المرتضع ابناً لهما، فالمرتضع في كل موضع تبع للمناسب.
ب- أن تلد من الزوج ، فإن حملت منه ولم تلد وأرضعت طفلاً كان ابناً لها فقط دون زوجها ، فإن ولدت وأرضعت طفلاً ، كان ابناً لها ولزوجها معاً.
ج- أن لا تتزوج بآخر بعد طلاقها منه أو تطأ بشبهة أو بنكاح فاسد ، فإن طلقها ثم تزوجت بغيره أو وطئت بشبهة ، ففي المسألة خمس أحوال :-
1- أن يبقى لبن الأول على حاله دون زيادة أو نقصان ولم تلد من الثاني ، فهو الأول ، سواء حملت من الثاني أو لم تحمل منه دون خلاف ، إذ إن اللبن الأول ولم يتجدد ما يجعله للثاني.
2- أن لا تحمل من الثاني ، فهو الأول ، سواء زاد اللبن أو اللبن أو لم يزد أو انقطع ثم عاد أو لم ينقطع.
3- أن تلد من الثاني فاللبن له خاصة ، سواء انقطع ثم عاد أم لم ينقطع.
4- أن يكون لبن الأول باقياً وزاد بالتحمل من الثاني ، فاللبن منهما جميعاً لتنازعهما فيه دون ترجيح.
5- انقطع من الأول ثم ثاب بالحمل من الثاني ، فللحنبلية في هذا قولان:
الأول : إن الولد للزوجين لأنها لم تلد من الثاني ، فلم يتمحض اللبن له.
الثاني : أن الولد للثاني فقط ، لانقطاع لبن الأول.
مستثنيات الرضاع:
تقدم نص الفقرة الأولى من المادة /35/ من قانون الأحوال الشخصية السوري التي تنص على ما يلي: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا ما قرر فقهاء الحنفية استثنائه ) فترى ما هي المستثنيات من هذا المبدأ؟
في واقع الحال لا يوجد أي استثناء من هذا المبدأ لا في المذهب الحنفي ولا في غيره، وأي فقيه يستطيع أن يستثني من هذا المبدأ شيئاً مع إطلاق الحديث الشريف (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، لكن علماء الحنفية لاحظوا صوراً من الرضاع قد يخيل لبعض الناس أنها مما يحرم بالرضاع، وهي ليست كذلك لعدم الرضاع، ولعدم وجود علة التحريم فيها أصلاً، فنصوا عليها وأوضحوا أنها مما لا يحرم بالرضاع لا استثناء من القاعدة، ولكن لعدم دخولها فيها أصلاً، وإذا جاز تسميتها مستثنيات فهي من باب الاستثناء المنقطع.
وتلك الصور على سبيل المثال لا الحصر:
1- أم الأخ وأم الأخت رضاعاً لا تحرم لعدم الصلة بينها وبينه على خلاف أم الأخ وأم الأخت نسباً فإنها محرمة ، إلا أن سبب تحريم هذه أنها أم أو زوجة أب، وليس سبب تحريمها أنها أم الأخ وأم الأخت، وهي في الرضاع ليست أما ولا زوجة أب فلا تحرم.
2- أخت لابن الرضاع، لا تحرم ، على خلاف أخت الابن نسبا ، فإنها محرمة، ولكن حرمة هذه لأنها ابنه أو ربيبة وليس لأختها أخت لابن، وأخت الابن رضاعاً ليست كذلك فلا تحرم.
3- أم ابن الابن رضاعاً غير محرمة، على خلاف أم ابن الابن نسباً فإنها محرمة، ولكن حرمة هذه لأنها زوجة الفرع، وليست أم ابن الابن رضاعاً كذلك فلا تحرم.
المحرمات على التوقيت:
1 - زوجة الغير أو معتدته.
2 - المطلقة ثلاثاً في حق مطلقها.
3 - الجمع بين الأختين، أو بين المرأة وعمتها، أو المرأة وخالتها.
4 - المرأة التي لا تدين بدين سماوي في حق المسلم، والمسلمة في حق غير مسلم.
5 - الملاعَنة في حق ملاعِنها.
6 - الخامسة للمتزوج بأربعة.
وتفصيل ذلك كما يلي:
المحرمات على التوقيت سبب تحريمهن مرتبط بعلَّة موقوتة تنقضي بانقضاء الزمان، على خلاف المحرمات على التأبيد، فإن سبب تحريمهن لا ينقضي، وتطبيقاً للقاعدة القائلة: (الحكم يدور مع علته وجودا وعدما) [26] نقرر أن سبب التحريم إذا انقضى انتفى التحريم وعاد الحل المنصوص عليه في قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) (النساء: من الآية24).
وأسباب التحريم المؤقت متعددة، اتفق الفقهاء في بعضها واختلفوا في بعضها الآخر على الشكل الآتي:
1- زوجة الغير ومعتدته:
اتفق الفقهاء على تحريم زوجة الغير ومعتدة الغير مادامت متحققة بوصفها هذا فإذا طلقها الغير أو مات عنها وانقضت عدتها ، زال الوصف المحرم عنها فحلت.
أما تحريم زوجة الغير فلما فيه من الاعتداء على هذا الغير مما يثير الشحناء والأحقاد، ولما فيه من اختلاط الأنساب، وأما معتدة الغير فتحريمها لما يحصل فيه من اختلاط الأنساب في كثير من الأحوال، لأن لزوجها العود إليها في العدة ما لم تكن البينونة كبرى، فكان في زواجها من غيره تفويت حقه عليه، وهو نوع اعتداء عليه فكان محرما لذلك، ودليل تحريم زوجة الغير هنا لقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيما، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:23/24).
وقد أجمع الفقهاء على أن المحصنات هنا المتزوجات، على خلاف المحصنات في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:4، فإن معناه العفيفات.
أما تحريم معتدة الغير فدليله قوله تعالى: (والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (البقرة: من الآية228)، وقوله سبحانه (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) (البقرة: من الآية235)، وقوله جل من قائل: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة:234)، وقوله تعالى: (وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (الطلاق:4).
هذا ومعتدة الغير محرمة على من لم تعتد منه، ما دامت في العدة، مهما كان نوع العدة، عدة وفاة، أو طلاق رجعي، أو طلاق بائن، أو فسخ، وكذلك الموطوءة بشبهة بدون عقد أصلاً، وذلك لحرمة الماء والولد.
أما الموطوءة بنكاح باطل لا شبهة فيه، والمزني بها فلا تحرم على من زنى بها أو وطئها عند الجمهور، وخالف الحسن البصري رضي الله عنه وقال: لا يصح زواج الزاني منها.
فإذا عقد عليها جاز له الدخول بها حاملاً كانت أم حائلاً، فإذا ولدت لستة أشهر فأكثر فالولد له، وإن ولدت لأقل من ستة أشهر فالولد ليس له، ما لم يقر به دون التصريح بأنه من زنا، أما غير الزاني بها فكذلك عند الجمهور، لا تحرم عليه ما لم تكن حاملاً، ويجوز له الدخول بها مباشرة، وقال محمد بن الحسن: يكره له الدخول بها قبل استبرائها بحيضة، مخافة أن تكون حاملاً، وقال: مالك: الزواج بها فاسد حتى تستبرأ بثلاث حيضات أو ثلاثة أشهر، فإذا كانت حاملاً صح العقد عليها أيضا،ً عند أبي حنيفة ومحمد والشافعي.
إلا أنه لا يحل للعاقد عليها الدخول بها قبل الولادة، وذهب أبو يوسف وزفر ومالك وأحمد بن حنبل في رواية إلى أن العقد عليها لا يصح قبل الولادة.
فإما صحة العقد عليها من الزاني أو غيره عند الجمهور، فلأنها لم تذكر في المحرمات، فتدخل في عموم قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) (النساء: من الآية24)، ولأن الزنا لا حرمة له، حيث لا يثبت به النسب، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) رواه البخاري، فإذا لم يكن له حرمة فلا يكون مانعاً من الزواج.
وأما حرمة الدخول بها، فلئلا يؤدي إلى أن يسقي ماؤه زرع غيره، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: (لا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ يَعْنِي إِتْيَانَ الْحَبَالَى) رواه أبو داود .
واستدل المانعون من العقد على الحامل من الزنا، بأن الحمل يمنع من الدخول بها، فيكون مانعاً من العقد، لأن العقد لا يراد إلا للدخول.
فإذا عقد الرجل على زوجة غيره أو معتدته خلافاً لما تقدم، كان عقده باطلاً، لا يترتب عليه أثر ما، للاتفاق على تحريم زوجة الغير ومعتدته.
وقد نص بعض المُحْدَثين على أنه فاسد يترتب عليه المهر والعدة والنسب بعد الدخول، وهو خطأ يجب التنبه إليه[27].
2- المطلقة ثلاثاً في حق مطلقها:
اتفق الفقهاء على أن من طلق زوجته ثلاثاً بانت منه بينونة كبرى، وحرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً ويدخل بها، ثم تبين من ذلك الزوج الثاني وتمضي عدتها، فإذا حصل ذلك حلت له ثانية بعقد جديد، وملك عليها ثلاث تطليقات جديدة، وذلك لقوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (البقرة:230)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجة رفاعة القرظي التي طلقها زوجها ثلاثاً فتزوجت بآخر وأرادت الرجوع بذلك إلى زوجها الأول قبل أن يدخل بها الثاني: (لا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك) أخرجه البخاري ومسلم.
فإذا كان الزواج الثاني فاسداً لم تحل به الأول، وكذلك إذا طلقها الثاني أو مات عنها قبل الدخول بها، فإنه لا تحل للأول بالاتفاق، للنصوص المتقدمة، والحكمة من حرمتها على زوجها الأول بالثلاث ثم حلها له بعد زواجها من آخر ودخوله بها، تأديب الزوج الأول المطلق من ناحية، لئلا يعود إلى طلاقها بعد ذلك، وتأديب الزوجة أيضا، لئلا تثير زوجها وتدعوه بذلك إلى طلاقها، لأنَّ توقف إحلالهما إلى بعضهما بعد الطلقة الثالثة على خوض تجربة جديدة كاملة كاف لثني ذوي العقول والكرامة عن الإقدام على الطلاق بعده، بل هو أفضل عقوبة لذلك.
ما تقدم كله محل اتفاق جماهير الفقهاء، وإن كانوا قد اختلفوا فيما يكون به الطلاق ثلاثاً، وسوف يأتي بيانه في بحوث الطلاق، كما اختلفوا في شروط العقد الثاني الذي تحل به للأول، وقد تقدم حكم زواج المحلل وشروطه.
3- الجمع بين الأختين ومن في حكمهما:
اتفق الفقهاء على حرمة الجمع بين الأختين نسباً في الزواج في وقت واحد، سواء أكانتا أختين شقيقتين أو لأب أو لأم ، سواء بعقد واحد أو بعقدين متتابعين، إلا أنه إن تزوجهما بعقد واحد بطل العقد في حقهما معا لعدم المرجح، وإن بعقدين متتابعين مستوفين الشروط الأخرى، صح عقده على الأولى، لعدم المفسد، وبطل على الثانية، لأن به تم الجمع، فإذا كانا متتابعين ولم يعلم الأول منهما، أو علم ثم نسي، فسد العقدان، لعدم ما يرجح أحدهما على الثاني، وقلنا هنا بالفساد لا بالبطلان لعدم الجزم بالمحرم منهما على الخصوص، وهو شبهة ينزل العقد بها من باطل إلى فاسد، و ذلك لقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ....... وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:23).
وقد ألحق عامة الفقهاء الأختين رضاعاً بالأختين نسبا،ً لعموم لفظ الآية الكريمة السابقة، ونص الحديث الشريف: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) رواه البخاري، وخالف في ذلك ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقصرا المنع على الأختين نسباً دون الرضاع.
كما ألحق عامة الفقهاء بالأختين في حرمة الجمع، المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، نسباً أو رضاعاً، وكذلك عمة الأم وعمة الأب، وإن علت، وخالة الأم وخالة الأب، وإن علت، لأنهما في اللغة عمة وخالة، وذلك أخذا بدلالة النص في الآية السابقة الكريمة، فإن حرمة الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها أولى من حرمة الجمع بين الأختين، لأن الخالة والعمة في مقام الأم، والجمع بين البنت وأمها محرم بالإجماع، فكذلك هاتين، ثم أخذا بالحديث الصحيح، وهو ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ مختلفة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا)، وفي رواية أبي داود: (لا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا وَلا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى).
وخالف الخوارج والجعفرية في الراجح من مذهبهم[28] في ذلك، وذهبوا إلى أن الجمع الممنوع هو الجمع بين الأختين فقط، لنص القرآن الكريم، أما الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، فجائز عندهم لعدم النص عليه في الآية الكريمة، ولدخوله في قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ) (النساء: من الآية24))، إلا أنهم اشترطوا لحل الجمع بينهما إذن الزوجة الأولى إذا كانت هي العمة أو الخالة، فإن كانت الأولى هي بنت الأخت أو بنت الأخ لم يشترطوا رضاها لحل الجمع.
هذا ودليل الجعفرية والخوارج هنا ضعيف جداً لأسباب، منها:
1- مخالفته للحديث الشريف الصحيح الذي يرتقي إلى المشهور، وهو ما تقدم مما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا).
2- مخالفته لما يقولون به مع سائر الفقهاء من حرمة الجمع بين المرأة وأمها، مع أنه غير وارد في الآية الكريمة السابقة.
هذا وحرمة الجمع بين الأصول والفروع محل اتفاق الفقهاء لم يخالف في ذلك أحد، ذلك أنه لو كانت البنت هي الزوجة الأولى، فالأم محرمة عليه مؤبدا، جمعاً وغيره،ً بنص القرآن الكريم، في قوله تعالى: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) (النساء: من الآية23) ، وإن كانت الأم هي الأولى أو تزوجهما معاً فالثانية، وإن كانت لا تحرم عليه مؤبداً إلا بعد الدخول بالأم بقوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ)(النساء: من الآية23)، فإن الجمع بينهما محرم بدلالة النص في الآية الكريمة (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء: من الآية23)، فإن الجمع بين الأم وابنتها أفحش من الجمع بين الأختين بالاتفاق، فلا أقل من أن يكون محرما مثله.
هذا وقد وضع جماهير الفقهاء لحرمة الجمع بين المَحرمين قاعدة تجمع ما يحرم الجمع بينهما، وتخرج ما لا يحرم جمعهما، وهي: أن كل امرأتين لو فرضت كل منهما ذكراً لم تحل له الأخرى يحرم الجمع بينهما، فإذا كانت الحرمة من جهة واحدة وليست من الجهتين فلا يحرم الجمع بينهما، وكذلك غير المحارم أصلاً، وعلى ذلك يكون الجمع بين المرأة وزوجة أبيها مباحا، لأن الحرمة في هذه الصورة من جهة واحدة، ذلك أن بنت الزوج لو فرضت أنثى لم تحل لزوج أبيها باتفاق، ولو فرضت زوجة الأب ذكرا لكان أجنبيا عن تلك الفتاة، لعدم حل تزوجه من أبيها، وكذلك الجمع بين المرأة وأم زوجها للسبب نفسه.
وخالف في ذلك زفر من الحنفية وقال بالتحريم ولو من جهة واحدة فقط، وعلى ذلك يحرِّم زفر الجمع بين المرأة وزوجة أبيها، خلافاً لجماهير الفقهاء، أما الجمع بين بنتي العم وبنتي الخال فمباح بالإجماع، لعدم المحرمة بينهما أصلاً.
هذا في الجمع بين زوجتين محرمين كل منهما من الأخرى، فإذا طلق الأولى، فهل له أن يتزوج بالثانية، كمن كان عنده زوجة فطلقها، ثم أراد الزواج من أختها، فهل تحل له؟
اتفق الفقهاء على حل الأخت ومن في حكمها بعد فراق الأولى وانقضاء عدتها، لأن حرمة الجمع بين المحرمات المؤقتة التي تنتهي بانتهاء مسببها وهو الاجتماع في الزوجية، سواء كان فراق الأولى بطلاق بائن أو طلاق رجعي، ولكن: هل له أن يتزوج بالثانية في عدة الأولى؟
اتفق الفقهاء على المنع من الزواج بالثانية في عدة الأولى إذا كانت عدة طلاق رجعي، لأن المعتدة من طلاق رجعي زوجة حكماً، وذلك ليتمكن زوجها من العودة إليها بدون عقد جديد، فإذا تزوج بها في عدة الأولى كان جامعاً بينهما، فيحرم.
فإذا كان الطلاق بائناً بينونة صغرى أو كبرى، فقد ذهب الحنفية والحنبلية[29] إلى المنع من التزوج بالثانية أيضا،ً مادامت الأولى في العدة، لأن المعتدة من طلاق بائن زوجة بالجملة، بدليل عدم تمكنها من الزواج من آخر، وبثبوت النفقة لها، وعدم خروجها من بيت الزوج، وهذه كلها من آثار الزوجية، فإذا تزوج بمحرمها وهي في العدة، كان جامعاً بينهما بالجملة، فحرم.
والشافعية والجعفرية على جواز الزواج بمحرم زوجته في عدة الطلاق البائن مطلقاً، بينونة كبرى كانت أو صغرى، لأن البائن يقطع الزوجية، بدليل عدم صحة العود إليها إلا بعقد جديد، فلا يكون جامعاً بينهما، فيجوز.
حكم عقد الزواج الذي جمع فيه بين محرمين:
من استعراض ما تقدم نرى أن الفقهاء اتفقوا على منع الجمع بين الأختين نسباً في الزواج، وبين الأصول والفروع كذلك، واختلفوا في الجمع بين الأختين رضاعاً، وبين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وبين كل امرأتين لو تصورنا إحداهما ذكرا لم تحل له الأخرى، فذهب الجمهور إلى المنع منه وخالف البعض، مثل الخوارج والجعفرية، ومثل ابن القيم وشيخه ابن تيمية، ومثل زفر به الهزيل على وفق ما تقدم، كما خالف الجمهور في الجمع بينهما إن كانت الأولى في العدة، وبناء على القواعد ينبغي أن نحكم ببطلان العقد في الحالات المتفق على حرمة الجمع فيها، وبفساده في الحالات التي جرى فيها اختلاف على حسب رأي من ثبتت الحرمة لديه، أما من يقول بالحل فالعقد صحيح في نظره، هذا ما لم تقترن بالعقد الباطل شبهة تخرج به عن البطلان، كجهل القرابة والمحرمة مثلاً، فإذا وجدت شبهة عد فاسداً، إلا أنني لم أر من فصل هذا التفصيل من الفقهاء، بل أن إن غالبيتهم ينصون على عد العقد فاسداً في كل تلك الأحوال، بدون تفريق بين حرمة متفق عليها وحرمة مختلف فيها، فليتنبه له فإنه خطير.
هذا وقد مشى قانون الأحوال الشخصية السوري في تحريم الجمع بين المحرمين على مذهب الجمهور، فنص في المادة (39) منه على حرمة الجمع بين امرأتين لو فرضت كل منها ذكراً لم تحل له الأخرى، فإن ثبت الحل على أحد الفرضين جاز الجمع بينهما، ولكنه سكت عن حكم الجمع بين المحرمين إذا كانت الأولى في العدة، فوجب الرجوع فيه إلى الراجح من مذهب الحنفية، وفقا ً للمادة (305) من القانون، وقد تقدم حكم هذا المذهب.
4- المرأة التي لا تدين بدين سماوي في حق الرجل المسلم، والمسلمة في حق غير المسلم:
اتفق الفقهاء على حرمة زواج المسلمة بغير المسلم، كتابياًُ كان أو غير كتابي، كما اتفقوا على حرمة زواج المسلم بغير الكتابية، أما بالكتابية فجائز بالاتفاق، والكتابي هو غير المسلم الذي يؤمن بدين له كتاب سماوي، وهم اليهود والنصارى عند جماهير الفقهاء، وأدخل بعض الفقهاء، كالظاهرية -والجعفرية في قول- في الكتابي المجوس وعدوهم منهم، إلا أن الجماهير على خلاف ذلك، وأما غير الكتابي فهو كل من لا يدين بالإسلام ولا باليهودية ولا النصرانية، فيدخل في ذلك عباد الشمس والقمر، وعباد الأصنام والأوثان، ويدخل فيه المرتد عن الإسلام بعد اعتناقه، كما يدخل فيه الملحد، وهو من لا يؤمن بدين أصلاً.
وقد استدل الفقهاء لحرمة زواج المسلمة بغير المسلم مطلقاًُ، وكذلك حرمة زواج المسلم بغير الكتابية، بقوله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (البقرة:221).
وأما جواز زواج المسلم بالكتابية، فلقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة:5).
فإن الآية الأولى تدل على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم مطلقاً، وعلى حرمة زواج المسلم من غير المسلمة مطلقاً أيضاً، إلا أن الآية الثانية استثنت من الحكم الأخير حالة زواج المسلم بالكتابية بالنص، لم تستثن من الحكم الأول أي حالة، فبقى على إطلاقه.
والحكمة من منع الزواج مع اختلاف الدين بين الزوجين الرغبة في إبعاد الزواج عن كل ما يمكن أن يثير بين الزوجين الخلاف والشقاق، تأميناً للسكن النفسي، وحسن تربية النشء، وأي اتفاق يمكن أن يكون بين زوجين أحدهما يعبد البقر ويسجد له والثاني يركبه ويأكل لحمه.
وأما حل الكتابية للمسلم، فلما فيه من بعض وجوه التقارب بينهما، فإن الكتابية تؤمن بالله تعالى، وتؤمن ببعض الرسل وبعض الكتب، وتؤمن باليوم الآخر، دون غير الكتابية، فإنها بعيدة عن ذلك كثيراً.
وأما حرمة الكتابي على المسلمة رغم وجود عناصر التقارب بينهما كالحالة السابقة، فإن حكمته أن الغلبة في الأسرة للرجال غالباً، فكان ذلك مظنة إيذائها والإضرار بها، وربما دفعها للارتداد عن الإسلام، وهو مفسدة كبرى، على خلاف المسلم مع الكتابية، فإن ضررها عليه محدود، واحتمال دفعها له إلى الارتداد عن إسلامه مغلوب، فكان جائزاً، إلا أنه مكروه على كل حال، وقد نهى عمر رضي الله عنه عن التزوج بالكتابيات.
هذا وحرمة غير المسلم على المسلمة، وحرمة غير الكتابية على المسلم، حرمة موقوتة ببقاء الوصف المحرِّم، فإذا زال الوصف المحرم زالت الحرمة، كما إذا أسلم غير المسلم، فإن المسلمة تحل له، وكذلك إذا أسلمت غير الكتابية، فإنها تحل للمسلم، إلا أن حل الكتابية للمسلم منوط بدوام هذا الوصف أيضاً، فإذا خرجت الكتابية بعد زواجها من المسلم إلى دين غير كتابي، كالإلحاد مثلاً، أو ارتدت الزوجة المسلمة، فإنها تحرم على زوجها، وذلك للقاعدة الفقهية الكلية: (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً).
وقد نص قانون الأحوال الشخصية السوري على حرمة زواج المسلمة بغير المسلم مطلقاً، وذلك في الفقرة (2) من المادة / 48 / منه، وسكت عن زواج المسلم بغير المسلمة الكتابية أو غير الكتابية، فوجب الرجوع فيه إلى مذهب الحنفية، وفقاً للمادة (305) منه، وقد تقدم تفصيله.
5-المرأة الملاعََنَةُ في حق ملاعِنِها:
الملاعنة هي المرأة التي قذفها زوجها بالزنا ثم عجز عن إثباته بالبينة أو إقرارها، ففي هذه الحال يلاعنها الزوج، ويفرق القاضي بينهما، وتحرم عليه.
وقد اختلف الفقهاء في نوع التحريم الذي يقوم بين المتلاعنين:
فذهب المالكية والشافعية والحنبلية والجعفرية وأبو يوسف من الحنفية، إلى أنه تحريم مؤبد، فلا تحل له بعد للعان أبداً.
وذهب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وهو الراجح في المذهب الحنفي، إلى أنه تحريم مؤقت، ينقضي بإكذاب الزوج نفسه أمام القاضي، فإذا حصل ذلك أمام القاضي أقام عليه حد القذف، وحلت له زوجته ثانية بعقد جديد.
وقد استدل الجمهور لمذهبهم:
بما رواه سهل بن سعد في قصة المتلاعنين، قال: (قَالَ فَطَلَّقَهَا ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَا صُنِعَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةٌ قَالَ سَهْلٌ حَضَرْتُ هَذَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا) رواه أبو داود.
واستدل أبو حنيفة لمذهبه:
1- بأن سبب الحرمة هو فقدان الحد الأدنى من الثقة اللازمة لحسن المعاشرة بين الزوجين بسبب القذف والملاعنة، فإذا كذَّب الزوج نفسه أمام القاضي وتحمل الحد، كان ذلك دليلاً على ندمه وتوبته وعودة الثقة ثانية بين الزوجين، فتزول الحرمة بذلك، وتحل له بعقد جديد.
2- بأن ذلك يغريه بإزالة الضرر عنها وتبرئة ساحتها إن كان فعلاً قد كذب عليها، وفي ذلك مصلحة كبرى لها وللمجتمع وللحقيقة، وهي مصلحة يُحرص عليها، فإذا تزوجها الملاعن قبل أن يكذب نفسه، كان عقده باطلاً للاتفاق على حرمتها عليه، وإذا تزوجها بعد ما أكذب نفسه، فالعقد صحيح عند الحنفية، فاسد عند الجمهور، لخلاف الحنفية فيه.
هذا وقد سكت قانون الأحوال الشخصية السوري في هذا الموضوع، فوجب الرجوع فيه إلى الراجح من مذهب الحنفية، تنفيذا للمادة /305/ منه، وقد تقدم تفصيل هذا المذهب.
أما شروط اللعان ونوع الفرقة الثابتة به ونسب الطفل إن كانت الملاعنة حاملاً، فمحله بحوث انحلال الزواج، وسوف تأتي فيه إن شاء الله تعالى.
6- الخامسة في حق من عنده أربع زوجات:
اتفق الفقهاء على أن للرجل الجمع بين أربع زوجات في وقت واحد، واختلفوا في حل الجمع بين أكثر من أربع منهن، فذهب الجماهير إلى حرمة الجمع بين أكثر من أربع، وذهب الروافض إلى جواز الجمع بين تسع زوجات، وذهب الخوارج إلى جواز الجمع بين ثماني عشرة امرأة.
الأدلــة:
استدل الجمهور على جواز الجمع بين أربع وتحريم الجمع بين أكثر من ذلك، بأدلة، منها:
1- قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) (النساء:3)
2- ما رواه ابن عمر رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم لغيلان الثقفي حين أسلم وعنده عشرة زوجات أسلمن معه: (أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ) رواه مالك في الموطأ.
3- ما روي عن قيس بن الحارث قال: (أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا) رواه ابن ماجه وأبو داود
واستدل الروافض على جواز الجمع بين تسع زوجات بالآية السابقة، إلا أنهم جمعوا بين المذكورات، فجمعوا اثنين إلى ثلاث إلى أربع، فكان المجموع تسعا، وهو غريب ومخالف للأسلوب العربي.
أما الخوارج فقد ذهبوا مذهب الروافض في جمع الأعداد، إلا أنهم ضاعفوها، لأنهم قالوا: معنى (مثنى) أي اثنين اثنين، وكذلك لفظ ثلاث ولفظ رباع، وهو بعيد عن الأسلوب العربي، إلا كان معنى قول إنسان لخادمه: (أعط الفقراء درهمين درهمين) أي أربعة دراهم لكل واحد، وهو غريب لا يقول به أحد.
فإذا كان عند الرجل أربع زوجات حرم عليه الزواج بأي زوجة أخرى معهن حرمة مغياة بتغيير وصفه ذلك، فإذا طلق إحداهن وانقضت عدتها أو ماتت، حل له التزوج بواحدة بدلاً منها، لزوال وصف الجمع بين أكثر من أربع زوجات عنه بذلك.
وهل له التزوج بأخرى في عدة الرابعة؟
ذهب الحنفية والحنبلية[30] إلى أن المطلقة كالزوجة حكماً، فإذا تزوج بأخرى في عدتها كان جامعاً بين أكثر من أربع زوجات حكماً، فلا يجوز، سواء في ذلك المطلقة بائناً أو رجعياً أو المفسوخ زواجها.
وذهب المالكية والشافعية والجعفرية، إلى أن الطلاق إذا كان رجعياً حرم عليه التزوج بخامسة حتى انقضاء عدة الرابعة المطلقة، لأن المطلقة رجعياً في العدة زوجة حكماً، فإذا كان الطلاق بائناً، حل له التزوج بغيرها في عدتها، لأن البائن يقطع الزوجية فوراً، على خلاف الرجعي.
وعلى هذا فإذا تزوج خامسة مطلقاً، أو في عدة الرابعة من طلاق رجعي، كان عقده باطلاً، للاتفاق على حرمتها عليه، ولا عبرة بخلاف الروافض والخوارج، لسقوط دليلهم.
فإذا تزوج الخامسة في عدة المطلقة بائناً أو من فسخ، صح زواجه عند الجمهور، وفسد عند الحنفية والحنبلية، ولم يعد باطلاً عندهم، لخلاف الجمهور فيه، فإذا مضت عدة الرابعة فتزوج بغيرها، صح زواجه بالاتفاق، لعدم الجمع بين أكثر من أربع أصلاً.
وقد أخذ القانون الأحوال الشخصية السوري في هذا بمذهب الحنفية والحنبلية، ونص عليه في المادة /37/ منه، ونصها: (لا يجوز أن يتزوج الرجل خامسة حتى يطلق إحدى زوجاته الأربع وتنقضي عدتها).
حكمة إباحة تعدد الزوجات:
هذا ولا بد هنا من إشارة عابرة إلى حكم تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية وحكمته، وذلك بياناً للدافع، ورداً على شبهات تثار بين الفينة والفينة:
اتفق الفقهاء على جواز جمع المسلم بين أربع زوجات، لصراحة نص القرآن الكريم وهو قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) (النساء:3) لم يخالف في ذلك أحد، وقد تقدم أن البعض أجاز الجمع بين تسع أو ثماني عشرة، إلا أنه شاذ لا يعول عليه لضعف دليله.
ولكن هل لهذا الجمع شروط لا بد من توافرها، ثم ما هي الحكمة منه؟
لقد أشارت الآية الكريمة في آخرها إلى شرط واحد لا بد من توافره لحل التعدد، فإذا انعدم هذا الشرط حرم التعدد، وهو انتفاء الخوف من عدم العدل بين الزوجات، قال تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)، وقد بين الفقهاء أن العدل المشروط هنا هو العدل في النفقة والمسكن والمبيت وحسن المعاشرة، وهو العدل الظاهر المقدور للإنسان، وأما ما وراء ذلك من الميل القلبي فليس مشروطاً، وليس داخلاً في العدل المطلوب بالاتفاق، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة) (النساء: من الآية129)، فقد نفى سبحانه إمكان العدل القلبي ورخص في التغاضي عنه لذلك، واكتفى ببذل الجهد بعدم الإغراق فيه، وذلك تطبيقاً للقاعدة الفقهية الكلية: (التكليف بما لا يطاق ممنوع) وهي مضمون قوله سبحانه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (الحج: من الآية78).
كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يبذل الجهد في العدل بين نسائه، ثم يناجي ربه قائلاً: (اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ) رواه أَبُو دَاوُد.
ويؤيده أيضاً إقدام الصحابة على تعديد الزوجات، وكذلك التابعون، وهو محل إجماع المسلمين إلى يومنا هذا، ولو كان العدل المطلوب للتعدد هو العدل الذي قرر الله تعالى استحالته، لعُدَّ كل أولئك المعددين آثمين، وهو محال، وبذلك يرد على من يدعي أن الله تعالى حرم التعدد بطريق غير مباشر، حيث جعل العدل شرط التعدد، ثم قرر بعد ذلك أن العدل مستحيل، وذلك لأن العدل المشروط هو غير العدل المحال كما تقدم.
ولكن أيعد العقد على الثانية والثالثة والرابعة غير صحيح إذا اقترن بخوف عدم العدل، أم هو شرط دياني لا يؤثر فواته في صحة العقد؟
اتفق الفقهاء على أنه شرط دياني لا يؤثر فواته في صحة العقد، ذلك أن العدل أمر قلبي خفي لا إطلاع لأحد عليه، وما كان كذلك لا يكون مناطا لصحة العقد، ولهذا قرر الفقهاء جميعاً أن العقد على الثانية والثالثة والرابعة صحيح وأن خيف عدم العدل، إلا أن الزوج آثم إذا أقدم على الزواج هذا وهو يخشى عدم العدل، ثم إن خوف عدم العدل المشروط هو الظن وهو دون اليقين، فإذا تيقن عدم العدل فكذلك يعد آثما من باب أولى، إلا أن العقد صحيح، فإذا شك في ذلك شكا فقط، صح العقد ولا إثم عليه، لأنه دون الظن المطلوب.
وقد نص بعض المحْدَثين من الفقهاء على أن للتعدد شرطاً ثانياً، وهو القدرة على الإنفاق على أكثر من زوجة، مستدلين بقوله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النور: من الآية33)، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري.
إلا أن ذلك في الواقع شرط في الزواج عامة، وليس خاصاً بحالات التعدد، فلا ينبغي ذكره هنا، ثم إنه على الاعتداد به فهو شرط دياني وليس شرطاً قضائياًَ تتوقف عليه صحة العقد، مثله في ذلك مثل خوف عدم العدل، وذلك لعدم انضباطه من جهة، ولأن العاجز عن النفقة اليوم قد يكون قادراً عليها غدا، والقادر عليها اليوم قد يكون عاجزاً عنها غداً أيضاً، ولهذا عده الفقهاء شرطاً ديانياً لا قضائياً.
وبهذا نستطيع القول بأن التعدد مباح بدون أي شرط قضائي، وكل ما يهتف به بعض الناس بين الفينة والفينة من إخضاع التعدد لرقابة القضاء أو لشروط معينة فلا دليل عليه مطلقاً، وهو خروج عن مدلول الأدلة السالفة.
وأما الحكمة من هذا التعدد، فلبيانها أشير إلى ما يلي:
إن الحسن في الأشياء غالباً نسبي، فليس هناك شيء هو خير كله، ولا شيء هو شر كله، إلا نادرا، ولهذا كان دائماً الحكم للغالب.
فالجهاد مثلاً ذروة سنام الإسلام، مع أن فيه إزهاق الأرواح وإتلاف الأموال. ... إلا أن جانب الحسن فيه ظاهر، وهو تثبيت الدين وحفظ الملة وحماية الوطن. ... وهو حسن غالب دون شك، فكان مشروعاً لذلك.
والخمرة في مقابل ذلك مفاسدها كثيرة، بل هي أم المفاسد، إلا أن فيها جانبا حسنا، فهي نوع غذاء، وفي إعدادها والاتجار بها منافع مالية لبعض الناس، إلا أن جانب المفسدة فيها راجح، فكانت حراماً لذلك، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى، فقال سبحانه: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) (البقرة: من الآية219).
وكذلك تعدد الزوجات، فإن فيه محاسن ومساوئ، إلا أن جانب المحاسن فيه هو الراجح، فكان مباحاً لذلك.
فمن مساوئ التعدد:
1- أنه يؤذي مشاعر الزوجة الأولى، وهو أمر فطر الله تعالى النساء عليه، ولا تتنزه عنه واحدة منهن.
2- ويثير الحساسيات والأحقاد بين الضرائر، ويثير بينهن الشحناء والبغضاء أحياناً، وهو أمر مكروه لا يرضى به العقلاء.
3- يثير بين أولاد الضرائر الحساسيات أحياناً أيضاً، وقد ينجم عنه قطع الرحم بين الإخوة.
أما محاسن التعدد، فمنها:
1- أنه يتيح الزواج لكل النساء، أو لأكبر مجموعة ممكنة منهن، ذلك أن الإحصائيات الدولية تدل على زيادة عدد النساء على عدد الرجال في كل المجتمعات والأزمنة، وهذه الزيادة النسبية تزيد وتنقص بحسب الأحوال والظروف، إلا أنها موجودة دائماً، وهو أمر لا جدال فيه، ولا يمكن استقطابهن جميعاً في دائرة الزواج مع اختلال النسبة إلا بإباحة التعدد، فإذا منع التعدد -كما لجأت إليه بعض الأنظمة الأخرى- نتج عن ذلك خطران كبيران حتماً، وهما:
آ - شيوع الزنا، ذلك أن قدرة الإنسان على كبت مشاعره وغرائزه وميوله، وبخاصة ميوله الجنسية، محدودة بحدود ضيقه جداً، وفي أغلب الأحوال تتجاوز هذه الغرائز الحدود وتنطلق بهوج مخربة الحضارات ومهدمة الأخلاق، وما وصل إليه الأمر في أوربا خير شاهد على ذلك، وقد نوه بذلك كثير من علماء الغرب، ومنهم (شوبنهور الفيلسوف الألماني) حيث قال: (ولقد أصاب الشرقيون -وهو يعني المسلمين – مرة أخرى في تقريرهم لمبدأ تعدد الزوجات، لأنه مبدأ تحتمه وتبرره الإنسانية، والعيب أن الأوربيين في الوقت الذي يستنكرون فيه هذا المبدأ نظرياً يتبعونه عملياً، فما أحسب أن بينهم من ينفذ مبدأ الزوجة الواحدة على وجهه الصحيح ) [31].
ومنهم (جوستاف لوبون) حيث قال: (إن تعدد الزوجات المشروع عند الشرقيين أحسن من عدم تعدد الزوجات الريائي عند الأوربيين وما يتبعه من مواكب أولاد غير شرعيين) [32].
ومنهم كاتبة غربية كتبت فقالت: (لقد كثرت الشاردات من بناتنا، وعم البلاء، وقل الباحثون عن أسباب ذلك -وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزناً-: وماذا عسى يفيدهن بثي وحزني وتوجعي وتفجعي وإن شاركني الناس فيه جميعاً؟ لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة السيئة، ولله در العالم الفاضل (تومس) فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الشافي وهو إباحة التزوج بأكثر من واحدة، وبهذه الإباحة يزول البلاء لا محالة، وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوربي على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد، وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل أن يتزوج أكثر من واحدة، أي ظن وخرص يحيط بعدد من الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين الذين أصبحوا كلاً وعالة وعاراً على المجتمع الإنساني؟ فلو كان تعدد الزوجات مباحاً لما حاق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم ما هن فيه من العذاب الهون، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن، فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل، وعليه ما ليس عليها، وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين) [33].
ومنهم كاتبة أخرى وهي (مس آن رود) نشرت مقالاً في جريدة (ألا يسترن ميل) في العدد الصادر في 10/5/1901 م قالت فيه: (ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف والطهارة) [34].
ب- كبت الغريزة والميل الجنسي في نفوس أولئك النساء اللواتي لا يجدن زوجا، نظرا لزيادة عدد النساء على عدد الرجال، تلك الزيادة التي ترفعها الحروب والفتن أحياناً إلى درجات عالية جداً، فتمنع هؤلاء من حق إنساني طبعي فطرهن الله تعالى عليه، هو أمر ينافي الفطرة الإنسانية، وينافي العدالة التي تقضي بأن تكون فضائل الله تعالى ونعمه متاحة للجميع على حد سواء.
وهذان أمران لا يرضى بهما عاقل، ولا يقبل بهما مؤمن عادل، ولا مناص للتخلص منهما من إباحة تعدد الزوجات.
2- كثير من الرجال لا تندفع شهوتهم بزوجة واحدة، إما لفرط شبق فيهم، وإما لعذر في الزوجة، من حمل أو مرض أو برود جنسي .... أو لأنها تمكث في الحيض نصف عمرها أو ثلثه، وتمكث في النفاس أربعين يوماً عند كل مولود، وعندها لا مندوحة من الحكم بإباحة التعدد له، أو أن ينطلقن في الصلات غير المشروعة مع الأخريات، وعندها تكون الطامة.
3- بعض الزوجات يتعطلن عن الإنجاب، أو عن القيام بأعباء الزوجية أصلاً في سن معينة، ويكون الزوج في حاجة إلى الاستمرار في حياته على نهجه السابق، وهنا لا مناص من الإذن بالتعدد أو اللجوء إلى طلاق الزوجة، والتعدد أرحم بهذه الزوجة الأولى من طلاقها دون شك، كما لا يضر الزوجة الثانية الجديدة أيضاً لأنها عالمة بالأمر وراضية به من سابق، وربما يشير إلى هذا المعنى ما حصل من تفضيل السيدة سودة بنت زمعة أم المؤمنين رضي الله عنها أن تبقى زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتنزل عن قسمها في المبيت لعائشة رضي الله عنها على أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم.
4- إذا كان في الزواج من ثانية وثالثة ورابعة إساءة إلى الزوجة الأولى، فإن في تركه إساءة أكبر إلى أولئك النساء اللواتي لا يجدن زوجاً، نظراً لكثرة عددهن على عدد الرجال، ذلك أن حصول المرأة على نصف زوج (إن صح التعبير) أهون من عدم الحصول على زوج أصلاً، والقاعدة الفقهية الكلية تقول: (الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف) [35].
5- في إباحة التعدد إكثار النسل، وهو مطلب من طالب الشريعة الإسلامية، ومصلحة من المصالح التي تحرص عليها، وقد أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث شريف، من ذلك: ما رواه معقل بن يسار رضي الله عنه قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلا أَنَّهَا لا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَنَهَاهُ فَقَالَ: تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ) رواه النسائي وأبو داود.
من استعراض ما تقدم نرى أن محاسن التعدد أكثر من مساوئه بكثير، ولهذا جعله الإسلام مشروعاً، لغلبة المحاسن هذه، هذا إلى جانب أن الإسلام فرض على الأزواج المعدّدين العدل بين الزوجات في كل ما يستطاع العدل فيه، مما يقلل من المساوئ وينزل بها إلى الحد الأدنى، فتصبح هدراً لا قيمة لها ولا أثر أمام تلك المحاسن والمصالح المشار إليها.
وقد اتجه قانون الأحوال الشخصية السوري اتجاه الفقهاء في إباحة التعدد إلى أربع زوجات، إلا أنه أشار في المادة (17) منه إلى أن للقاضي أن لا يأذن للمتزوج بأن يتزوج على امرأته إلا إذا كان لديه مسوغ شرعي، وكان الزوج قادراً على نفقتهما، وهذه القيود وإن كانت لا دليل عليها ولا مسوغ لها، إلا أنها في الحقيقة أمور إجرائية شكلية لا تمس جوهر الموضوع، ذلك أن موافقة القاضي وإذنه بالعقد في الأصل أمر شكلي، فالعقد صحيح بدون هذه الموافقة، وإنني أرى أن يلغى هذا القيد، ويبقى الأمر في نصابه الشرعي بدون قيد ولا شرط، إلا ذلك الشرط الديني المتروك لضمير الزوج وخلقه، وهو خوف عدم العدل، ذلك لأن هذا الشرط الشكلي بدأ بدفع الأزواج إلى عقد الزواج خارج المحكمة، وهو ما يسمى بالزواج العرفي، وفي ذلك مفسدة لا أعتقد أن المشرع السوري يرضى بها.
وقد نص مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية في المادة /31/ منه على جواز التعدد إلى أربع زوجات، بشرط إذن القاضي، وقد اشترط لإذن القاضي بذلك شروطا، وهي :
1- أن تكون هناك مصلحة.
2- أن تكون للزوج كفاءة مالية لإعالة أكثر من زوجة.
3- أن تشعر المرأة بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها.
4- أن تخبر الزوجة بأن زوجها يرغب في الزواج عليها.
وهذا في نظري تحكم بغير دليل، إلى جانب أن فيه دفعاً للأزواج للجوء للعقد العرفي، ثم إن فيه إثارة الفتن والأحقاد، وإلغاء مبدأ تعدد الزوجات من أصله، وقد تقدم أنه مصلحة راجحة لا غنى عنها في كثير من الحالات.
ولا بد لي في الختام من أن أقول: إن عامة الفقهاء على أن الزواج من واحدة فقط هو الأصل والعزيمة، وأما التعدد فهو رخصة على الرجل أن لا يلجأ إليها إلا عند الحاجة أو المصلحة، مع ظن العدل بين الزوجات، وأن لا يجعله طريقاً للذة المحضة أو اللعب بأعراض الناس والعبث بها ، لأن للتعدد محاظيره ومساوئه كما تقدم، فلا ينبغي اللجوء إليه إلا عند غلبة محاسنه بتوافر المصلحة فيه، إلا أن ذلك أمر ديني لا يجوز أن يكون لأحد الرقابة عليه.
ثم إنني هنا أستحث السلطات القضائية المعنية، والسلطات المنظمة، أيضاً إلى اقتراح عقوبات مناسبة في حق الأزواج المعديين الذين يتهاونون في أمر العدل المطلوب بين الزوجات، وأن يحملوهم على التزامه بكل الطرق الممكنة، فإنه حق للسلطة وواجب عليها، وبه وحده تنتظم الأمور، وتنزل مآخذ تعدد الزوجات إلى حدها الأدنى، وتتوفر المصالح المرتبطة به على وجهها الأكمل.
[1] المغني 7/41.
[2] المصباح المنير ومختار الصحاح مادة (صهر).
[3] ابن عابدين 3/32-33. والمغني 7/42-44.
[4] انظر المصباح المنير ومختار الصحاح مادة (رضع).
[5] أبو زهرة ص83.
[6] الصابوني، بتصرف قليل 1/174.
[7] فتح القدير 3/5.
[8] الشرح الكبير في هامش الدسوقي عليه 2/503، وانظر الفقه على المذاهب الأربعة 4/253.
[9] بدائع الصنائع للكاساني 4/6.
[10] ابن عابدين 3/223
[11] ابن عابدين 3/224 الطبعة الجديدة نقلاً عن البحر والخانية وكافي الحاكم والهداية والبزارية.
[12] منح الجليل 2/429
[13] الدسوقي 2/506-507
[14] المغني 8/161
[15] مغني المحتاج 3/424
[16] المغني مع الشرح الكبير 9/228
[17] مغني المحتاج 3/424.
[18] ابن عابدين 3/224-225 الطبعة الجديدة.
[19] المغني 8/161.
[20] المنهاج 3/425 , والمغني مع الشرح الكبير 9/.224
[21] المنهاج 3/425.
[22] انظر المغني مع الشرح الكبير 9/224.
[23] انظر مغني المحتاج 3/423.
[24] ابن عابدين 3/224 الطبعة الجديدة .
[25] ونقل الترخيص فيه عن سعيد بن المسيب، وأبي مسلمة بن عبد الرحمن, وسليمان بن يسار, وعطاء, والنخعي, وأبي قلابة, وروي ذلك عن ابن الزبير وجماعة من أصحاب رسول الله r غير مسمَّين, لأن الرضاع من المرأة لا من الرجل, انظر : المغني لابن قدامة الحنبلي 7/477 طبعة الشرح الكبير.
[26] انظر المدخل الفقهي ص154.
[27] انظر أحكام الأسرة في الإسلام للأستاذ محمد مصطفى شلبي ص 208.
[28] انظر الفقه على المذاهب الخمسة لمحمد جواد مغنية ص309 والمغني 7/36-37.
[29] المغني 7/45 .
[30] المغني 7/8.
[31] انظر مقالات الكوثرى نقلاً عن مجلة ( العرب ) المشهورة في بومباي عام / 1364هـ.
[32] انظر شلبي ص 241 نقلاً عن (الإسلام والحضارة العربية) لمحمد كرد علي 1 / 81.
[33] انظر شعبان ص 191- 192 نقلاً عن تفسير المنار 4 / 360.
[34] انظر شعبان ص 191- 192 نقلاً عن تفسير المنار 4/360.
[35] انظر المادة / 27/ من جملة الأحكام العدلية، وكتابنا المدخل الفقهي ص72.