أهلية الزوجين:
لا بد لمتسائل أن يتساءل – بعد ما درسنا شروط الزواج بأنواعها – عن شرطية أهلية الزوجين للزواج، أهي شرط انعقاد أم شرط صحة. ...... أم ليست شرطاً فيه أصلاً.
والجواب على ذلك أن جماهير الفقهاء ذهبوا إلى جواز زواج الصغار غير البالغين، ذكوراً وإناثاً على سواء، لأنه لم يرد دليل ما على المنع من ذلك، مع ورود أدلة كثيرة على جواز زواجهم، من مثل قوله تعالى: (وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (الطلاق:4)، هو بيان لعدة الصغيرة، وهو إشارة بالضرورة إلى صحة زواجها، وكذلك زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وهي صغيرة فإنه متواتر، وكذلك زواج العديد من الأصحاب الكرام رضي الله عنهم بالصغيرات، والصغير مثل الصغيرة قياساً عليها، لعدم الفارق المؤثر، إلا أن الذي يقوم بتزويجهم وليهم على النفس وليسوا هم بأنفسهم، ولو قاموا به هم كان باطلاً إن كانوا دون التمييز، وموقوفاً إن كانوا مميزين، وقد تقدم ذلك في شروط الزواج.
هذا والمجنون والمعتوه كالصغير في الحكم تماماً، لانعدام أو نقصان الأهلية في كل.
و ذهب ابن شبرمة وأبو بكر الأصم إلى عدم صحة زواج الصغار مطلقاً، ذكوراً كانوا أو إناثاً، لعدم الولاية عليهم في ذلك أصلاً.
و قد اتجه قانون الأحوال الشخصية السوري إلى الأخذ بمذهب ابن شبرمة والأصم، بل إنه أغرق في ذلك وتطرف أكثر منهم، فنص في المادة /15/ منه على ما يلي:
المادة / 15 / 1 – يشترط في أهلية الزوج العقل والبلوغ.
2 – للقاضي الإذن بزواج المجنون أو المعتوه إذا ثبت بتقرير هيئة أطباء الأمراض العقلية أن زواجه يفيد في شفائه.
المادة / 16 / تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة، وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر.
1 – إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة، وطلب الزواج، يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما.
2- إذا كان الولي هو الأب أو الجد اشترطت موافقته.
وأنا أرى رجاحة مذهب الجماهير في صحة زواج القاصرين والقاصرات والمجانين والمعتوهين، بل هو الحق وحده وغيره خطأ فاحش، لتواتر الآثار بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وهي دون البلوغ، وزواج الصحابة من بعده من صغيرات كذلك، وهو دليل قاطع يرد على من يدعى الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
نعم ليس تزويج الصغار والصغيرات والمجانين والمعتوهين هو الزواج الأمثل والأفضل، وقد يكون له بعض المضاعفات، إلا أنه حل مناسب لمشاكل كثيرة في كثير من الأحوال، ولهذا كان لا مندوحة من إباحته دون التشجيع عليه، لما تقدم من الأدلة الناهضة، سيما وقد أثبت كثير من الفقهاء للزوجين خيار البلوغ وخيار الإفاقة فيه، كما تقدم.
هذا رأيي في أصل الموضوع، وأما ما اتجه إليه القانون السوري من المنع من زواج الصغار، بعد أن حددوا الصغر بما دون (18) سنة في الفتى و(17) سنة في الفتاة، فهو تطرف شديد غير مرضي، ذلك أن الفقهاء مجمعون بما فيهم ابن شبرمة والأصم على صحة زواج من تجاوز الثانية عشرة من الرجال، والتاسعة من النساء، إذا ادعوا البلوغ، فكان في منع القانون السوري تزويجهم مخالفة للإجماع، وهو باطل لا يرضى به مسلم، كذلك فإن فيه حكماً ضمنياً بفساد زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة رضي الله عنها، وكذلك زواج الكثير من الصحابة من أولئك الصغيرات، وهو غير مقبول في الدين.
ثم إن نص القانون السوري على إباحة تزويج المجنون بإذن من القاضي إذا ثبت بتقرير طبي أن زواجه يفيد في شفائه، هو قول خال عن الدليل تماماً، ذلك أن السبب المفروض للمنع هو عدم تعريض مصلحة الزوج الآخر للخطر والتغرير، وطريق حل ذلك إعلام الزوج الآخر بالجنون قبل الزواج، وأخذ موافقته عليه صريحاً، فإن أبى منع الزواج لإبائه، لا لجنون الطرف الثاني، وإن وافق فلا سبيل إلى المنع منه بعد موافقته على تحمل الخطر، لقوله تعالى: (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (القيامة:14)، ثم إن انتفاع المجنون بالزواج وعدم انتفاعه منه لا أثر له مطلقاً على ضرر الطرف الثاني، فلا معنى لاشتراطه فيه، والذي يحز في نفسي أن هذا التطرف في القانون السوري أصاب بالعدوى الكثير من القوانين العربية، منها القانون الأردني الذي نص على ذلك في المواد /5 – 8/ منه والقانون الكويتي في المادة /24/ منه، وربما كان أول الشوط في ذلك من المشرع المصري الذي نص على ذلك في المراد /1 – 2/ من القانون رقم /65/ لعام 1923، وأرجو أن يصحح هذا التطرف في يوم على يد مجلس الشعب السوري، ليعود الأمر إلى نصابه الشرعي، وفقاً لما ذهب إليه جماهير الفقهاء.