أنواع الزواج المختلف فيها بين الفقهاء:
نكاح المسيار.
النكاح العرفي.
النكاح بنية الطلاق.
نكاح الشغار.
نكاح المتعة.
النكاح المؤقت.
نكاح المحلِّل.
نكاح المسيار
التعريف:
نكاح المسيار مصطلح حديث لم يكن معروفا قبل الآونة الأخيرة، بل هو غير معروف إلى اليوم لدى كثير من المجتمعات الإسلامية، وهو غريب عليهم.
وقد ثار جدل بين المختصين في حكمه الشرعي بين محرِّم ومبيح وكاره، وفيما يلي بيان لحكمه فيما أراه.
والحقيقة أن لزواج المسيار صورا متعددة، وهي مختلفة في الحكم، ولعل البعض حرَّمه بناء على صور معينة منه، وأباحه البعض الآخر بناء على صور أخرى غير الأولى، فكان الصواب حليف الطرفين، ولعل البعض حرمه بناء على عدم توافر شروطه على مذهب معين، وأباحه الآخر على توافرها في مذهب آخر، وهو مما لا ينكر على قائله.
وإنني سوف أبين الصورة الأشهر لزواج المسيار، ثم ألقي الضوء على حكمها الشرعي بحسب أيسر المذاهب الفقهية المعتمدة لدى المسلمين، مبتعدا عن المذاهب الأشد في هذا الموضوع، تيسيرا على الناس.
الصورة الأشهر لزواج المسيار هي: أن يكون للرجل المسلم زوجة وأولاد، فيلتقي بامرأة أرملة أو مطلقة لها بيت ومال، وربما أولاد أيضا، فيتفقان على الزواج على أن لا ينفق عليها ولا يبيت عندها، ولكن يمر عليها أحيانا في النهار، فيكون بذلك قد أشبع جزءا من رغبته في التعدد، وتكون هي قد أشبعت رغبتها بالاحتماء خلف رجل، كما يقول المثل: (ظل رجل ولا ظل جدار).
والناس يلجؤون لمثل هذا الزواج في ظروف خاصة، منها أن يشعر الرجل بحاجته إلى زوجة ثانية، ولا يجد من المال ما يكفي للإنفاق عليها، وتشعر المرأة الخالية عن الزوج بالحاجة إلى زوج، ولا تجده لقلة جمال أو كثرة أولاد مثلا، أو غير ذلك، فيجدان في مثل هذه الحال في زواج المسيار الحل الأوفى لحالهما.
الحكم:
هذا الزواج إذا تم مستوفيا لشروطه الشرعية كان صحيحا، ولا أظن أن أحدا يخالف في ذلك، سواء سُمي زواج مسيار أو غير ذلك، فإن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.
إلا أننا بعد الحكم بصحته، لا بد أن نحكم بإلغاء ما تخلله من شروط تتجافى والغايات والمقاصد التي شرع لها عقد الزواج، ونحكم بأن للزوجة الجديدة في هذا العقد مثل ما للزوجة السابقة من الحقوق، إذا طالبت بها، وعليها مثل ما على الزوجة الأولى من الواجبات، إذا طالب الزوج بها أيضا، ولا عبرة بالشروط المخالفة، فإنها كلها ملغاة، ولا أثر لها على صحة الزواج، لأن عقد الزواج من العقود التي لا تتأثر بالشروط الفاسدة، ولكن يصح العقد وتلغى الشروط الفاسدة، ثم إذا بقي كل من الزوجين ملتزما بما شرطه على نفسه من الشروط في العقد لم يضر ذلك العقد، فإذا عاد بعد ذلك وطالب بحقوقه أجيب إليها، لأن الإسقاط والإعفاء من هذه الحقوق لن ينسحب على المستقبل.
نستنير في ذلك بما حدث للسيدة سودة بنت زمعة أم المؤمنين رضي الله عنها عندما تنازلت عن ليلتها للسيدة عائشة رضي الله عنها وقبل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولا يضر أن تنازل السيدة سودة رضي الله عنها كان بعد العقد، وهذا التنازل هو ضمن العقد، لأنه فارق غير مؤثر.
وأهم شروط عقد الزواج الصحيح وفق أيسر المذاهب الفقهية المعتمدة هو ما يلي:
1- كمال أهلية العاقدين، سواء كانا زوجين أو وكيلين أو وليين، أو غير ذلك.
2- رضا الزوجين إذا كانا بالغين، ورضا ولييهما إذا كانا صغيرين، وإجراؤهما الإيجاب والقبول مستوفيين لشروطهما.
3- الإشهاد على عقد الزواج، كما هو مذهب الجمهور، أو إشهاره قبل الدخول كما يقول المالكية.
4- خلوُّه عن التوقيت.
5- خلوُّ الزوجين عن مانع التحريم المؤبد أو المؤقت بينهما.
فإذا استوفى عقد الزواج هذه الشروط كان صحيحا، ولا يؤثر في صحته تسميته مسيارا، وإذا انتقص واحدا أو أكثر من هذه الشروط لم يصح، هذا من حيث ذات العقد.
إلا أن عقد الزواج إذا ترتب عليه آثار سيئة ومضار للزوجين أو المجتمع، جاز المنع منه، لا لذاته، ولكن لما ترتب عليه من الأضرار، سواء في ذلك أن يكون زواج مسيار أو غيره، وعليه يمكن حمل كلام من منع منه من الفقهاء، وكلام من أباحه منهم، فالآخرون نظروا إلى ما ترتب عليه من الضرر –في نظرهم- فمنعوه، والأولون نظروا إلى ذاته فأباحوه.
هذا ولبعض الفقهاء شروط خاصة لصحة عقد الزواج، زيادة على ما تقدم، وقد أغضيت عنها تيسيرا على الناس، مثل موافقة الولي في حق البكر البالغة، فقد عدَّه بعض الفقهاء شرطا، وندب الآخرون إليه ندبا من غير شرط، والله تعالى أجل وأعلم.
النكاح العرفي
التعريف:
إن النكاح العرفي هو الزواج المكتوم عن السلطة العامة، أو هو الزواج المعقود خارج علم الدوائر الرسمية المعنية بتسجيل الزواج.
الحكم:
وحكم هذا الزواج شرعا متعلق بتوفر شروط صحته، أو عدم توفرها، فإذا توفرت كلها صح، وإذا لم تتوفر لم يصح، وليس التسجيل لدى الدوائر الرسمية شرطا من شروط صحة الزواج، باتفاق الفقهاء، وأهم شروط الزواج الضرورية لصحته تقدمت في زواج المسيار.
فإذا توفر للعقد الشروط السابقة كلها كان صحيحا، يستوي في ذلك تسجيله لدى المأذون الشرعي، أو في المحكمة الشرعية، أو لا، على سواء.
إلا أن في عدم تسجيل الزواج لدى السلطات الرسمية المتخصصة في ذلك، كالمأذون أو المحكمة الشرعية، الكثير من المتاعب والمصاعب والأضرار على الزوجين والأولاد، وغير ذلك، فكثيرا ما يتزوج اثنان بطريقة الزواج العرفي، ثم ينكر الزوج الزواج أصلا، ويصعب على الزوجة إثباته لدى القضاء، لموت الشهود مثلا، أو امتناعهم عن أداء الشهادة، أو غير ذلك، فيلحق بها ضرر، وإذا ما حصل حمل أو ولادة فسوف يلحق الضر الولد أيضا.
ثم إن في عدم التسجيل أضرارا أخرى، فقد حصل أن تزوجت امرأة من رجل زواجا عرفيا، ثم تركته، وتزوجت من غيره بعد ذلك زواجا رسميا، ثم قامت خصومة بين الزوجين، وكان حل الخصومة من الصعوبة بمكان، لصعوبة تبين أي الزواجين هو السابق.
ولهذا فإنني أوصي بعدم اللجوء إلى الزواج العرفي، وأوصي بتسجيل الزواج رسميَّا، اتقاء لمثل هذه الأضرار.
والدوافع إلى الزواج العرفي لدى الناس كثيرة، منها رغبة الزوج في أن يكتم زواجه عن زوجته الأولى، ومنها رغبة الزوجة في أن تكتم زواجها عن أناس معينين لا ترغب بأن يعلموا به، ومنها أن يكون للزوجة راتب من التأمينات أو غيرها من زوج سابق، وإذا ما سجلت زواجها سوف تقطع التأمينات الراتب عنها، وغير ذلك.
إلا أن هذه الأسباب وأمثالها لا تكفي لتبرير الزواج العرفي –في نظري-.
وإنني أتوجه إلى كل شباب وشابات المسلمين، من أجل أن يسجلوا عقود زواجهم لدى السلطات المسؤولة في الدولة عن ذلك، مهما كانت الصوارف والعقبات، وأن يعزفوا عن الزواج العرفي مهما كانت المتطلبات والرغبات، لما تقدم من أضراره والمتاعب والمحاذير التي يمكن أن تتولد عنه.
وفي الوقت نفسه أهمس في أذن السلطات المسؤولة عن تسجيل الزواج، لكي يسهلوا طرق تسجيل الزواج، وأن يشجعوا على التسجيل بكل الطرق والوسائل الممكنة، من حيث الإعفاء من الرسوم، وسرعة القيام بالتسجيل دون تباطؤ، والأمر كذلك والحمد لله تعالى في أكثر البلدان الإسلامية –في حدود علمي-.
كما أهمس في أذن أولياء أمور الفتيات، لأن يتساهلوا قليلا في أمر الموافقة على زواج فتياتهم ممن يرغبن في الزواج منه إذا كان كفؤا، ولا يمتنعوا عنه لأسباب شخصية أو طارئة غير أصيلة.
النكاح بنية الطلاق:
تمهيد:
النكاح بنية الطلاق من أنواع الزواج التي اشتبه بعض الناس في صحتها، بل اختلفوا فيها، فأجازه بعضهم ومنعه البعض الآخر، وكل من الفريقين حاول بيان وجهة نظره، والاستدلال لصحة رأيه.
وإنني -لأهمية الموضوع- سوف أوضح في هذه الكلمات وجهة نظر كل من الفريقين، والأدلة التي حاولوا الاستناد إليها، ثم أبين القول الصحيح الذي عليه عامة الفقهاء، بالأدلة الناهضة والواضحة، وذلك بعد التعريف بهذا النوع من الزواج، و بيان مدى الحاجة إليه، وما إذا كان غيره يغني عنه أو لا، كما يلي:
التعريـف:
الزواج بنية الطلاق هو أن يعقد رجل على امرأة تحل له شرعا عقد زواج مطلق عن الوقت، مستوف لشروطه الشرعية، من موافقة الولي، والشهود ... سواء كان مسجلا لدى السلطات الرسمية أو لا، لأن التسجيل ليس شرطا لصحة الزواج باتفاق الفقهاء، و إن كان أمرا مستحسنا نشير به و ندعو إليه حفظا للحقوق و إزالة الشبهات، ولم ينص فيه على التوقيت بوقت ما، إلا أن الزوج ينوي في نفسه عند الزواج أن يطلق هذه الزوجة بعد مدة من الزمن، قد تمتد إلى سنوات، أو تقصر إلى أشهر أو أيام، لمصلحة له يقدرها في ذلك.
وهذه النية قد تكون معلومة لدى الزوجة بدلالة قرائن الأحوال، أو بإخبار صريح منه لها بذلك قبل الزواج، و ربما تكون الزوجة غير عالمة بنية الطلاق أصلا.
هذا هو الزواج بنية الطلاق الذي نتحدث عنه، و ليس منه أصلا الزواج الذي انتقص شرطا من شروطه الشرعية، ولا الزواج الذي نص فيه على أنه إلى مدة معينة، كالسنة والسنتين، أو أكثر من ذلك أو أقل، فإن ذلك غير داخل فيما نحن بصدده، و لا يشمله الحكم الشرعي الذي سوف نقرره.
الحاجة إليه: والذي يدعو الناس إلى هذا الزواج ويرغبهم به، أو يدعو بعضهم إليه أحيانا، هو طول السفر، و البعد عن الأهل، و الرغبة في صون النفس عن الوقوع بالزنا الذي هو من الكبائر في الإسلام وعقوبته الجلد مائة جلدة لغير المحصن والرجم حتى الموت للمحصن ـكما يعلم الجميع ـ وهو مما يبتعد عنه المسلم و يأباه.
ذلك أن بعض الشباب يذهبون ـ لضرورات الدراسة أو التجارة أو غير ذلك ـ إلى بعض البلدان البعيدة دون زوجة، تخففا من نفقات السفر أو لبعض الأسباب القانونية، أو غيرها، ثم يطول سفرهم وتغريهم بالزنا الأحوال والظروف، والتقاؤهم بالكثير من الفتيات اللاهيات المتكشفات، وتسهيلهن لهم الزنا بهن، أو ما هو فوق ذلك، و يمنعهم من ذلك دينهم وتمسكهم بأحكام الإسلام، وخوفهم من الله تعالى وعقابه يوم القيامة، إلى جانب خوفهم مما ينتج عن الزنا من أمراض جسدية ومشكلات أخلاقية واجتماعية، مما تأباه نفس المسلم وتعافه نفس كل عاقل، ولا يرون أمامهم من طريق للخلاص من ذلك كله، وتوفية لمتطلبات أنفسهم، إلا الزواج من فتيات تلك البلدان التي سافروا إليها ونووا الإقامة فيها مدة من الزمن، مع نيتهم طلاقهن إذا انتهت مهمتهم أو انتهت دراستهم، لأنها قد لا تتوافق مع ظروف بلدهم، أو لأنهم لا يريدون اصطحابها إلى بلدهم لظروف اجتماعية أو قانونية أو غير ذلك، فيسألون عن حكم هذا الزواج الفقهاء المقيمين في تلك البلدان، وربما أنصاف الفقهاء، أو بعض الشباب من زملائهم لعدم توفر متخصص في أمور الفتوى لديهم أحيانا، فيفتيهم البعض أو يشيرون عليهم بالجواز، و يفتيهم آخرون بالمنع والتحريم، فيقعون في متاهات الخلاف وشبهات اختلاط الحلال بالحرام، وربما دفعهم ذلك إلى تخطي العقبات، والاستهانة بالزنا المحرم، والجنوح إليه في نهاية المطاف.
الحكم: تقدم أن الفقهاء في حكمه على مذهبين، منهم المبيح ومنهم المحرم، ولكل دليل على صحة قوله، كما يلي:
أدلة الطرفين:
فأما القائلون بالتحريم، فحجتهم أن فيه معنى نكاح المتعة (النكاح المؤقت بلفظ التمتع، كأن يقول الرجل لامرأة يلتقي بها: تمتعت بك شهرا مثلا، أو أقل من ذلك أو أكثر، فتقول له: قبلت)، وهو نكاح غير صحيح لدى عامة المسلمين، سوى بعض الشيعة، ذلك لأن نكاح المتعة ينتهي بعد مدة معينة محدودة في العقد، وهذا ينتهي بعد مدة معينة عندما يعزم الزوج على الطلاق تحقيقا لنيته السابقة، و هما سواء في نظرهم.
وأما القائلون بصحته وإباحته، فدليلهم أنه نكاح مستوف لجميع شروطه الشرعية ـ كما هو المفترض ـ سوى نية الطلاق الكامنة فيه، وهذه النية غير مؤثرة فيه أصلا، لعدم لزومها للزوج، ولأن النيات في العقود لا أثر لها في صحتها أو بطلانها ما دامت لم تخرج بصورة نص أو شرط في العقد، ولأن فيه حل مشكلة لكثير من الشباب المغتربين، مما يقيهم شر الوقوع بالزنا، وقد لا يغني غيره عنه في حقهم، فكان مباحا لذلك.
القول الراجح:
والقول الفصل بعد بيان الرأيين و دليل كل منهما، أن هذا النكاح صحيح ما دام مستوفيا لشروط صحته كلها، وما دام لم ينص فيه على التوقيت، ولا أثر لنية الزوج الطلاق في ذلك، لما تقدم من الدليل، و لأن الطلاق حق للزوج بنص شارع، وله أن يطلق زوجته بعد الزواج الذي لم ينو فيه الطلاق أصلا، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) رواه ابن ماجه وأبو داود وغيرهما، فكذلك النكاح الذي نوي فيه الطلاق على سواء، و يستوي فيه أيضا أن يخبر زوجته بنيته الطلاق عند زواجه بها، أولا، و ليس هذا من التغرير بها –كما قد يظن-، لأن كل زوجة تعلم بادئ ذي بدء ـ حكما ـ أن لزوجها الحق في طلاقها في أي وقت، لما تقدم من الحديث الشريف، فإذا علمت ذلك استوى عندها أن ينوي طلاقها عند الزواج بها أو بعده، فلم يبق مكان للقول بأنه يغرر بها إذا لم يبلغها بنيته الطلاق بادئ ذي بدء، ثم لأن نية الزوج غير ملزمة له، فلربما عدل عنها بعد ذلك واستمر في زوجيته معها، ثم لأن فيه حلا لمشكلة الكثير من الشباب، و صرفا لهم به عن الوقوع بالزنا الذي هو من الكبائر.
إلا إنني أؤكد هنا أن الزواج بنية الطلاق لا يخلو من الكراهة في حق الزوج الذي نوى الطلاق، وكذلك الزوجة إذا علمت بنيته ووافقت على الزواج منه معها، والكراهة دليلها أن الطلاق أصله مكروه من غير سبب، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) رواه ابن ماجه وأبو داود وغيرهما، فكانت نيته المسبقة مكروهة مثله، ولأن هذا الزواج ـ على صحته ـ غير متعين لتوفية المصلحة التي اتجه الزواج إلى تحقيقها، لأن بإمكان الزوج أن يتزوج بدون أن ينوي الطلاق، ثم يطلق متى شاء، لأن الطلاق حقه ـ كما تقدم ـ .
وقد أفتى كثير من لجان الفتوى في عالمنا الإسلامي بإباحته، ومنها لجنة الفتوى في وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية بدولة الكويت، بفتواها رقم 2 / 65 / ح / 78 .
نكاح الشغار:
التعريف:
نكاح الشغار هو أن يزوج الرجل وليته من آخر على أن يزوجه الأخر وليته، على أن مهر كل منهما بضع الأخرى، وسمي شغارا لشغور كل من المرأتين عن المهر، ويسميه العامة نكاح البدائل أو المقايضة.
الحكم:
اختلف الفقهاء في حكم نكاح الشغار على مذاهب:
فذهب الحنفية إلى صحته، لأنه نكاح مؤبد أدخل فيه شرط فاسد، وهو أن يكون بضع كل واحدة منهما صداقا للأخرى، والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة، كما إذا تزوجها على أن يطلقها أو نحو ذلك، وتكون التسمية فاسدة، لأن البضع ليس بمال، فلا يصلح أن يكون مهرا، فيجب لكل منهما مهر المثل في ذمة زوجها، كما لو تزوجها على خمر أو خنزير، والنهي عن نكاح الشغار الوارد في حديث ابن عمر رضي الله عنه :(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة بالمرأة ليس لواحدة منهما صداق)[1]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا شغار في الإسلام) رواه مسلم، محمول عندهم على الكراهة.
ويشترط لتحقق معنى الشغار أن يجعل بضع كل منهما صداقا للأخرى مع القول من الآخر، فإن لم يقل ذلك ولا معناه، بل قال مثلا: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، فقبل الآخر، أو قال: على أن يكون بضع بنتي صداقا لبنتك فلم يقبل الآخر، بل زوجه بنته ولم يجعلها صداقا، لم يكن شغارا، وإنما نكاحا صحيحا باتفاق الفقهاء.
وذهب المالكية إلى أن صريح الشغار هو أن يقول الرجل للرجل: زوجني بنتك أو أختك أو أمتك، على أن أزوجك بنتي أو أختي، مع جعل تزويج كل منهما مهرا للأخرى، فهذا النكاح فاسد، يفسخ قبل البناء وبعد البناء أبدا، ولكل منهما بعد البناء صداق المثل، وإن سمى لواحدة منهما مهرا دون الأخرى، كأن يقول: زوجني بنتك بمائة من الدنانير مثلا، على أن أزوجك بنتي، فالنكاح فاسد أيضا، ويفسخ نكاح من لم يسم لها صداق قبل البناء وبعد البناء أبدا، ولها بعد البناء صداق مثلها، أما المسمى لها الصداق فيفسخ نكاحها قبل البناء، ويمضى بعد البناء بالأكثر من المسمى وصداق المثل، ويسمى هذا النكاح بمركب الشغار عندهم، وإن سمى لكل واحدة منهما مهرا، كأن يقول: زوجني بنتك ونحوها بمائة من الدنانير مثلا، على شرط أن أزوجك ابنتي أو أختي أو أمتي بمائة من الدنانير، أو أقل أو أكثر، فهذا النكاح فاسد كذلك، يفسخ قبل البناء ويمضى بعد البناء بالأكثر من المسمى وصداق المثل، ويسمى هذا النوع وجه الشغار.
وذهب الشافعية إلى أن نكاح الشغار وهو قول الرجل للرجل: زوجتك بنتي أو نحوها على أن تزوجني بنتك أو نحوها، وبضع كل واحدة منهما صداق الأخرى، فيقبل الآخر ذلك، كأن يقول: تزوجت بنتك وزوَّجتك بنتي على ما ذكرت، باطل، للحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار) رواه الشيخان، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق، ولمعنى الاشتراك في البضع، حيث جعله مورد النكاح وصداقا لأخرى، فأشبه تزويج واحدة من اثنتين، وقال بعضهم: علة البطلان التعليق والتوقف الموجود في هذا النكاح، وقيل لخلوه من المهر، فإن لم يجعل البضع صداقا، بأن سكت عنه، كقوله: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، فالأصح الصحة، لعدم التشريك في البضع، ولأنه ليس فيه إلا شرط عقد في عقد، وذلك لا يفسد النكاح، ويجب لكل واحدة منهما مهر المثل، فعلى هذا لو قال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، وبضع ابنتك صداق لابنتي، صح النكاح الأول، وبطل النكاح الثاني، ولو قال: وبضع ابنتي صداق لابنتك، بطل الأول وصح الثاني وعلى الوجه الثاني وهو مقابل الأصح لا يصح النكاح في الصور المذكورة، لما فيها من معنى التعليق والتوقف.
ولو سميا مالا مع جعل البضع صداقا، كأن يقول: زوجتك بنتي بألف من الدنانير مثلا، على أن تزوجني بنتك بألف كذلك، وبضع كل واحدة منهما صداق للأخرى، أو يقول: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، ويكون بضع كل واحدة منهما وألف درهم صداقا للأخرى، فالأصح بطلان هذا النكاح، لوجود التشريك فيه، وكذا إذا سميا لإحداهما مهرا دون الأخرى، كأن يقول: زوجتك بنتي بألف درهم على أن تزوجني بنتك، وبضع كل واحدة منهما صداق للأخرى، فالأصح بطلانه أيضا، لوجود معنى التشريك فيه، وعلى الوجه الثاني وهو مقابل الأصح يصح النكاح في هذه الصور، لأنه ليس على تفسير صورة الشغار، ولأنه لم يخل عن المهر.
ومن صور الشّغار عند الشّافعيّة أن يقول: زوّجتك ابنتي على أن تزوّج ابني ابنتك، وبضع كلّ واحدة منهما صداق الأخرى.
ولو طلّق امرأته على أن يزوّجه زيد مثلاً ابنته، وصداق البنت بضع المطلّقة، فزوّجه على ذلك، صحّ التّزويج بمهر المثل، لفساد المسمّى، ووقع الطّلاق على المطلّقة.
وذهب الحنبلية إلى أنّ الشّغار نكاح فاسد، لما ورد من أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم (نهى عن الشّغار) رواه الشيخان، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام) رواه النسائي. ولأنّه جعل كلّ واحد من العقدين سلفاً في الآخر، فلم يصحّ، كما لو قال: بعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي، ولا فرق بين أن يقول: على أنّ صداق كلّ واحدة منهما بضع الأخرى، أو لم يقل ذلك، بأن سكتا عنه أو شرطا نفيه، وكذا لو جعلا بضع كلّ واحدة منهما ودراهم معلومةً مهراً للأخرى.
وقالوا: وليس فساد نكاح الشّغار من قبل التّسمية الفاسدة، بل من جهة أنّه وقفه على شرط فاسد، أو لأنّه شرط تمليك البضع لغير الزّوج، فإنّه جعل تزويجه إيّاها مهراً للأخرى فكأنّه ملّكه إيّاها بشرط انتزاعها منه.
فإن سمّيا لكلّ واحدة منهما مهراً، كأن يقول: زوّجتك ابنتي على أن تزوّجني ابنتك ومهر كلّ واحدة منهما مائة درهم، أو قال: ومهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون درهماً، أو أقلّ أو أكثر، صحّ النّكاح بالمسمّى، وهو المذهب، كما هو منصوص الإمام أحمد، لأنّه لم يحصل في هذا العقد تشريك، وإنّما حصل فيه شرط فاسد، فبطل الشّرط وصحّ النّكاح.
وقال الخرقي: هذا النّكاح باطل، للنّهي الّذي ورد في الحديث الصّحيح عن نكاح الشّغار، ولأنّه شرط نكاح إحداهما لنكاح الأخرى، فلم يصحّ.
وإن سمّيا المهر لإحداهما دون الأخرى، صحّ نكاح من سمّي لها، لأنّ في نكاحها تسميةً وشرطاً، فصحّت التّسمية وبطل الشّرط، دون الأخرى الّتي لم يسمّ لها مهر، فنكاحها باطل، لأنّه خلا من صداق سوى نكاح الأخرى، وقال أبو بكر بفساد النِّكاحين، لأنّه فسد في إحداهما فيفسد في الأخرى.
نكاح المُتعة:
التعريف:
نكاح المتعة هو النكاح المؤقت بوقت معين منصوص عليه في العقد بلفظ المتعة، كأن يقول رجل لآخر: (متعتك بابنتي فلانة لمدة شهر أو أسبوع أو أقل من ذلك أو أكثر)، سواء ذكر صداق في ذلك أو لم يذكر، وسواء أشْهَدَ على ذلك أو لم يشهد.
الحكم:
وهو غير صحيح لدى عامة فقهاء المسلمين سوى الشيعة، ودليل عدم صحته نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه في غزوة خيبر، فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى -واللفظ للبخاري- قال: (حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري يقول: أخبرني الحسن بن محمد بن علي وأخوه عبد الله عن أبيهما رضي الله عنهم أن عليا رضي الله عنه قال لابن عباس رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر)، وذلك بعد أن كانت مباحة في الجاهلية قبل الإسلام كالخمرة والربا، وعلى ذلك أجمع الفقهاء من غير نكير، إلا آراء فردية كانت في زمن الصحابة رضي الله عنهم ممن لم يعلموا بالتحريم النهائي لها، كابن عباس رضي الله عنه ثم علموا بذلك فرجعوا إلى التحريم.
وما يحتج به الشيعة من أدلة على صحة نكاح المتعة، يجاب عنه بأنه منسوخ بما جاء بعده من السنة الشريفة الصحيحة، كما تقدم.
عدم الحاجة إليه:
ولا حاجة إليه مطلقا، لغناء النكاح بنية الطلاق عنه، فللزوج أن يتزوجها بزواج مطلق لا يحدد فيه مدة، ثم يطلقها متى شاء، وهو صحيح عند عامة الفقهاء كما تقدم.
النكاح المؤقت
التعريف:
هو النكاح المستوفي لشروطه الشرعية، مع الشهود، ولكنه مؤقت بوقت معين منصوص عليه في العقد، طال أم قصر، كأن يقول رجل لآخر: (زوجتك ابنتي فلانة لمدة شهر، أو أكثر أو أقل، على مهر قدره كذا...، وشهد على ذلك شاهدان أو أكثر.0
الحكم:
ذهب عامة الفقهاء إلى فساده، لما فيه من معنى المتعة، وذهب زفر ابن الهزيل إلى صحته مع إلغاء الوقت الذي يتضمنه، فيصح غير مؤقت، وذلك لأن النكاح لا يفسد بالشرط الفاسد، فيصح العقد المؤقت، ويلغو الشرط الفاسد وهو التوقيت.
الترجيح:
والراجح في نظري قول الجمهور، لما فيه من معنى المتعة، وللقاعدة الفقهية الكلية: (العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني) [2]، والقاعدة الفقهية الكلية: (الأصل في الأبضاع التحريم) [3].
نكاح المحلل
التعريف:
اتفق الفقهاء على أن من طلق زوجته ثلاث طلقات لم يحل له الرجوع إليها بعد ذلك بمراجعة أو عقد جديد حتى تنكح زوجا غيره، لقوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (البقرة:229- 230).
كما اتفقوا على أنه لا يحل لزوجها الأول أن يعود إليها بعقد أو غيره بمجرد زواجها وطلاقها من غيره، إلا أن يدخل الزوج الجديد بها بعد زواج صحيح دخولا حقيقيا، فلا يكفي مجرد العقد، ولا الخلوة الصحيحة، ولا الزواج الفاسد، فإذا دخل بها ثم مات عنها أو طلقها، ثم مضت عدتها منه، فلا بأس بعد ذلك أن يعود إليها زوجها الأول بعقد جديد مستوف لشروطه الشرعية، فإذا كانت الغاية من زواجها من الزوج الثاني إحلالها للأول فهو زواج المحلل.
الحكم:
اختلف الفقهاء في حكم زواج الزوج الجديد منها بعد مضي عدتها من طلاق الأول، إذا كان القصد منه إحلالها لزوجها السابق، على أقوال، وهو ما يسمى بزواج المحلل.
وله صورتان رئيستان:
الأولى: أن يتزوجها بشرط أن يطلقها إذا دخل بها، ليحل للأول العقد عليها بعد مضي عدتها، أو بشرط أنه إذا دخل بها بانت منه، ليحل للأول العقد عليها بعد مضي عدتها، وهذا العقد حرام، وباطل، ولا تحل به لزوجها السابق، عند أكثر الفقهاء، لما فيه من معنى نكاح المتعة أو النكاح المؤقت، وهما غير صحيحين عندهم، وذهب الحنفية إلى صحته مع الكراهة، وتحل به لزوجها الأول بعد طلاقها منه ومضي عدتها، ودليل الجميع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المحلل والمحلل له) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، حيث حمل الجمهور الحديث الشريف على الحرمة، لأنها مقتضى اللعن، وهو الطرد من رحمة الله تعالى، وحمله الحنفية على الكراهة، لإفادته التحليل بنص الحديث الشريف، حيث سماعه المحلل.
الثانية: أن يتزوجها الثاني من غير شرط صريح ملفوظ في العقد بأن يطلقها بعد دخوله بها لتحل للأول، ولكن يتواطآن على ذلك قبل العقد، فهذا العقد ذهب الحنفية والشافعية إلى صحته وحلِّه، لخلو العقد عن شرط مفسد، فصار كالزواج بنية الطلاق، وهو صحيح عند عامة الفقهاء كما تقدم، بل إن الحنفية قالوا: إن فاعله مأجور عليه إذا قصد به حلها للأول، إلا أن الشافعية نصوا على كراهته، وذهب المالكية والحنبلية إلى فساده، لما فيه من معنى النكاح بشرط التحليل، وقد تقدم فساده عندهم.