أفعال الحج بحسب الترتيب الزماني
سأبين في هذا المسرد أفعال الحج: «أركانه، وشروطه، وواجباته، وأهم سننه» مرتبة حسب زمانها، وفقاً لما يقوم به الحاج المفرد، وسوف أشير إلى الفروق التي يجب أن يلاحظها القارن بالنطر لنيته العمرة مع الحج، أما المتمتع فإنه كالمفرد تماماً من حين نيته الحج، وعليه ما عليه تماماً، بالإضافة إلى أفعال العمرة السابقة على نية الحج، والتي سأخصها بباب مستقل إن شاء الله تعالى.
1 - الإحرام من الميقات، وهو نية الحج فقط إن كان الحاج مفرداً، نيةً مقرونة بالتلبية ولو مرة واحدة بصوت مسموع، ورفع الصوت بالتلبية هنا مطلوب، ويؤجر عليه الحاج إذا كـان رجلاً، أما المرأة فلا ترفع صوتها، والنية تكون في القلب مع ذكر التلبية باللسان، فلو صرَّح بالنية بلسانه أيضاً، كان حسنا، ويقول: (اللهم إني أريد الحج فيسِّره لي، وتقبَّله مني، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).
فإن كان قارناً قال: (اللهم إني أريد الحج والعمرة. . . )
وإن كان متمتعاً قال: (اللهم إني أريد العمرة. . . ). كل ذلك بعد التهيؤ للاحرام ؛ بخلع الثياب المخيطة، ولبس الإزار والرداء للرجال، وكشف الوجه فقط للنساء، والإغتسال إن أمكن وإلا فالوضوء، وتقليم الأظفار، والحائض والنفساء تغتسلان أو تتوضآن أيضاً، لأن الغسل هنا للنظافة لا للطهارة، كما يسن إزالة العانة، وشعر الإبط، وحلق الرأس أو تنظيفه وتنظيمه، ثم صلاة ركعتين في غير وقت مكروه، ينوىِ بعدهما النسك ويلبي، سوى الحائض والنفساء فلا صلاة عليهما، وبذلك يكون قد بدأ أعمال الحج، و حَرُمَ عليه كل ما يَحْرُم على المُحْرِم مما تقدم، من جماع، وحلق، وصيد، ولبس مخيط، وما إليه. . . ويُكثر التلبية بصوت عال، كلما علا جبلاً، أو هبط وادياً، أو لقي صديقاً. . . فإنها سنة، ويستمر كذلك حتى يرمي جمرة العقبة في اليوم الأول من عيد الأضحى، وبعد ذلك يقطع التلبية.
2 - الاغتسال عند دخول مكة، إن أمكن، وذلك للنظافة فقط.
3 - التوجه فور دخول مكة إلى الكعبة للطواف بها، وهو طواف القدوم، إن كان آفاقياً - كما تقدم -، ومن السنة أن يقدمه على استئجار البيت إن أمكن، وعلى الصلاة كذلك، إلا أن يخاف فوات الصلاة المكتوبة، أو الوتر،فإن خاف ذلك، يبدأ بالصلاة، هذا وتحية البيت الحرام الطوافُ بدلاً من الصلاة.
ويبدأ طوافه من الحجر الأسود مكبراً مهللاً، رافعاً يديه لاستلامه وتقبيله إن أمكن، وإلا أشار إليه بباطن كفيه ثم قبلهما، ويفعل ذلك في كل شوط، ويسن في هذا الطواف الاضطباع، وهو كشف الكتف اليمنى، ويفعل ذلك في كل طواف بعده سعي فقط.
ويسن للطائف أن يذكر الله تعالى في طوافه،فإن قرأ القرآن أو غيره جاز. كما يسن الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، وهو المشي السريع مع هز الأكتاف، ويسن استلام الركن اليماني بيده في كل شوط دون تقبيل ان أمكنه ذلك، وهو الزاوية الجنوبية الغربية من البيت، ثم صلاة ركعتين إثر انتهاء الأشواط السبعة، ومن السنة أن تكون في مقام ابراهيم إن أمكن، وإلا ففي أي مكان من الحرم.
ثم يلتزم الملتَزَم، وهو أدنى باب الكعبة بينه وبين الحجر الأسود، ويدعو عنده، ويشرب من ماء زمزم ان أمكن ذلك، وهذه كلها سنة.
وكل هذا الذي مَرَ إنما هو للمفرد بالحج،
فإن كان متمتعاً، طاف للعمرة بدل طواف القدوم، وهو - أي طواف العمرة - في الأحكام والكيفية مثل طواف القدوم تماماً في أحكامه، ثم سعى للعمرة، ثم حلق أو قصر، وتحلل ولبس ثيابه، وانتظر حتى الإحرام بالحج بعد ذلك، وليس عليه طواف قدوم.
وإن كان قارناً طاف للعمرة ثم سعى لها، ولم يحلق ولم يتحلل، ثم طاف للقدوم ندباً، ثم سعى للحج إن شاء كما يفعل المفرد، ثم لم يتحلل من إحرامه حتى نهاية أفعال الحج كالمفرد، سواء بسواء.
4 - السعي بين الصفا والمروة:فإذا أراد الحاج أن يسعى سعي الحج إثر طواف القدوم، جاز، وإن أخره إلى ما بعد طواف الزيارة (أي طواف الإفاضة) جاز أيضاً، هذا في حق المفرد والقارن، أما المتمع، فإنه يسعى للعمرة فقط، ثم يحلق رأسه أو يقصره، ويتحلل، كما ذكرنا آنفاً.
فإن أراد المفرد، أوالقارن، تقديم السعي هنا، استلم الحجر الأسود، وكبر وهلل، وخرج من باب الصفا ندباً، فصعد إلى الصفا، واتجه نحو الكعبة، وكبَّر وهلَّل، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، بصوت مرتفع، ودعا بما شاء، ثم مشى نحو المروة، وصعد عليها، وفعل مثلما فعل على الصفا، ثم عاد إلى الصفا، وهكذا سبع مرات، الذهاب مرة، والعودة مرة ثانية. وعليه أن يهرول بين الميلين الأخضرين، وهما ميلان في الطريق بين الصفا والمروة، والهرولة هي المشية السريعة، وهي فوق الرمل ودون العدو (الركض)، وهذا للرجال فقط دون النساء.
ثم يسكن مكة ويبقى فيها محرماً حتى يخرج إلى منى يوم التروية، وهو الثامن من ذي الحجة،فإذا أراد الطواف بالبيت تطوعاً، طاف ما شاء الله له ذلك، وصلى في الحرم وخارجه ما شاء الله له ذلك أيضاً، والطواف بالكعبة في حق الحاج أفضل من الصلاة في الحرم، مع أن الصلاة في الحرم تعادل ألف صلاة في غيره، وربما أكثر من ذلك كما ثبت في الأحاديث النبوية الشريفة، فليحرص على الطواف من أحب التزود من الطاعة والثواب.
ه -فإذا كان اليوم السابع من ذي الحجة، حضرخطبة الإمام بعد صلاة الطهر بمكة، للتعليم والتذكير بأفعال الحج القادمة.
6 -فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوم التروية، صلى صلاة الفجر في مكة، ثمِ غادرها إلى منى، وصلى فيها خمس صلوات، هذا إذا كان مفرِداً أو قارناَ،فإن كان متمتعاً، أحرم بالحج من مكة بعد خلع ثيابه، وفعل ما يلزم للاحرام مما تقدم بيانه، ثم غادر مكة إلى منى مع الناس لإتمام أفعال الحج كالمفرد.
7 -فإن كان اليوم التاسع من ذي الحجة، غادر منى بعد أداء صلاة الفجر فيها إلى عرفات، وبقي فيها حتى الزوال (قبيل الظهر).
8 -فإذا زالت الشمس، دخل مسجد نمرة، إن أمكنه ذلك، وهو مسجد على طرف عرفات وليس منها في الأصل، الا انه الآن بعد توسيعه أصبح جزء منه في عرفات، فاستمع إلى خطبة الإمام، ثم صلى معه الظهر والعصر جمعاً جمع تقديم، ثم خرج من المسجد إلى عرفة ثانية، وبقي فيها داعياً وذاكراً حتى غروب الشمس،فإذا غربت انتظر قليلاً، ثم دفع مع الناس إلى مزدلفة دون أن يشتغل بصلاة المغرب،فإن محلها مزدلفة مع صلاة العشاء جمع تأخير وجوباً،فإذا وصل مزدلفة، صلى فيها صلاة المغرب والعشاء جمعا، جماعة أو منفرداً، ثم أقام ليلته فيها ذاكـراً وداعياً ومصلياً. . . فإذا طلع الفجر، صلى صلاة الفجر غلساً، ثم قـدم إلى المشعر الحرام في مزدلفة، ودعى عنده بما شاء الله حتى الإسفار « قرب طلوع الشمس »، ثم دفع مع الناس إلى منى، ورمى جمرة العقبة بسبع حصيات، وهي الجمرة التي تلي مكة (الجمرة الكبرى)، ووقت هذا الرمي من طلوع الفجر من يوم النحر إلى طلوع فجر اليوم الثاني من أيام النحر، والأفضل أن يكون الرمي قبل غروب شمس يوم النحر، إن أمكن، وإلا فلا كراهة، ولهذا فإنه لا داعي للاستعجال بالرمي إذا كان المكان مزدحماً.
9 -فإذا عاد من رمي جمرة العقبة، ذبح هديه إن كان قارناً أو متمتعاً،فإن كان مفرداً لم يذبح شيئاً على سبيل الوجوب، فإن ذبح هدياً تطوعاً أَجر على ذلك إن شاء الله تعالى، فإن عجز القارن أو المتمتع عن الهدي صام ثلاثة أيام في الحج (آخرها يوم عرفة) وسبعة أيام بعد أيام التشريق في أي مكان كان، بدلاً من الهدي.
10 - حلق شعر الرأس أو تقصيره،فإذا فعل ذلك تحلل من إحرامه كله، وحل له ما يحل لغير المحرم، ولم يَحرم عليه سوى إتيان النساء، فإنه لا يحل له حتى يطوف طواف الزيارة (طواف الإفاضة).
11 - طواف الزيارة، وهو طواف الركن، ويسمى طواف الحج، وطواف الإفاضة أيضاً، وهو سبعة أشواط بعدها ركعتان، ولهذا كان على الحاج بعد رمي جمرة العقبة النزول إلى مكة لأداء طواف الزيارة، وهو سبعة أشواط كما ذكرنا،فإن أخَّره إلى اليوم الثاني أو الثالث جاز، على أن لا يتأخر عن غروب شمس اليوم الثالث من أيام النحر،فإن تأخر عنه لغير عذر لزمه دَمٌ فديةً، وان تأخر عنه لعذر، فلا شيئ عليه، كالحائض، والنفساء، والمريض.
وبعد الطواف هذا يسعى الحاج سعي الحج إن لم يكن قد سعى له بعد طواف القدوم،فإن كان قد سعى له بعد طواف القدوم فقد كفاه،فإن انتهى من طواف الزيارة والسعي للحج على ما ذكرناه، حل من إحرامه تماماً، وحل له كل شيء كان مُحَرَّماً عليه بالإحرام حتى النساء، ثم يعود إلى منى للمبيت فيها.
12 - وفي اليوم الثاني من أيام النحر، يَحْضُر خطبة الإمام بمنى بعد صلاة الظهر، ثم يذهب لرمي الجمار، وهي ثلاث في هذا اليوم، يبدا بها بعد الزوال، ووقتها مستمر إلى طلوع فجر اليوم الذي يليه، فيبدأ بالأولى مما يلي منى ثم الثانية، ثم الثالثة، ويرمي في كل منها سبع حصيات، ويقف بعدها عند الجمرة برهة للدعاء، إلا جمرة العقبة وهي الثالثة والأخيرة، فإنه لا يقف بعدها.
13 - وفي اليوم الثالث من أيام النحر، ينطلق بعد الزوال إلى الجمرات الثلاث، كما في اليوم الثاني، فيرمي في كلٍ منها سبعاً، ووقتها مستمر أيضاً إلى طلوع فجر اليوم الذي يليه، ثم ينزل إلى مكة، ويطوف طواف الزيارة (طواف الإفاضة) إن لم يكن قد طافه من قبل، وبهذا تكون أعمال حجه قد انتهت، وإن شاء بقي في منى إلى اليوم الرابع، أو عاد إليها ان كان قد غادرها للطواف، ورمى الجمرات الثلاث كما فعل في اليوم السابق عليه بعد الزوال، (وإن شاء أن يرميها في هذا اليوم قبل الزوال جاز)، والأول أفضل، ثم ينزل إلى مكة، قال تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ في يَومَينِ فَلا إثمَ عليه وَمَن تأخر فَلا إِثمَ عليهِ لِمَنِ اَتَّقى }.
فإذا مكث في اليوم الثالث في منى حتى طلوع شمس اليوم الذي بعده وليس غروب شمس اليوم نفسه كما عند المذاهب الأخرى، فقد لزمه البقاء والرمي في اليوم الرابع قبل غروب شمسه.
14 - طواف الصَّدَر (الوداع): وهو سبعة أشواط بالكعبة الشريفة، بعدها ركعتان، وذلك عندما يريد السفر والعودة إلى بلده، هذا إذا كان آفاقياً،فإن كان مكياً أو من سكان الحل لم يلزمه هذا الطواف، وكذلك الحائض والنفساء، فإنه لا يجب عليهما هذا الطواف للعذر تخفيفاً من الله تعالى، الا أن يطهرا قبل مغادرة مكة، فعليهما الطواف حينئذ لزوال العذر.