التعريف بمؤلف الكتاب
أ - الاسم والمولد والوفاة:
هو الشيخ علي بن سلطان، وقد ورد في بعض المراجع أن سلطاناً والده اسمه محمد نور الدين، وفي مراجع أخرى أن محمد نور الدين هو والد سلطان وليس نفسه، وفي بعضها أن سلطاناً هو ابن محمد بن نور الدين، فنور الدين على هذا هو والد محمد، ومحمد والد سلطان، وسلطان والد الشيخ منلا علي القاري صاحب هذا الكتاب، ومثل هذا الإختلاف بين الروايات كثير في أسماء الأعاجم، حيث يسمون أبناءهم بأسماء مركبة مضافة إلى اسم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، تبركاً وتيمناً به، ويلقبونهم بألقاب مضافة إلى الدين مثل بدر الدين ونور الدين. . . فيختلط على البعض، فيظنها نسباً متسلسلاً لا اسماً واحداً، ومثل هذا موجود في العرب أيضاً، ولعل ما حصل للشيخ علىِ ووالده سلطان - من الإختلاف - ضرب من ذلك.
هذا، ولم يهتم علماء التراجم بذكر تاريخ ولادته، ولكنهم ذكروا تاريخ وفاته، فقد ذكر خير الدين الزركلي في الأعلام أنه توفي في شوال من عام (1014) هـ الموافق ل (1606) م. وقد وافقه في ذلكَ صاحب معجم المؤلفين، وغيره. إلا انهم ذكروا -ودون أي خلاف بينهم- أن ولادته كانت بهراة، وأنه رحل منها إلي مكة المكرمة، وأنه توفي فيها، وقد دفن في العلاة، ولما بلغ خبر وفاته علماء مصر، صلوا عليه بجامع الأزهر صلاة الغائب في مجمع حافل زاد على أربعة آلاف.
هذا، وقد وُصف الشيخ علي بأنه فقيه حنفي ومُحَدِّث، وأنه من صدور العلم في عصره، قال عنه المحبي في خلاصة الأثر: (علي بن محمد سلطان الهروي المعروف بالقاري الحنفي، نزيل مكة، وأحد صدور العلم، فريد عصره، الباهر السمت في التحقيق وتنقيح العبارات، وشهرته كافية عن الإطراء في وصفه).
وقال اللكنوي في الفوائد، بعد ما بين بعض مؤلفاته: (وغير ذلك من رسائل لا تعد ولا تحصى وكلها مفيدة، بلغت إلى مرتبة المجددية على رأس الألف).
وقال الشوكاني نقلاً عن العصامي في وصفه: (الجامع للعلوم النقلية والعقلية، والمتضلع من السنة النوية، أحد جماهير الأعلام ومشاهير أولي الحفظ والأفهام).
و إنني أود أن اشير هنا، إلى أن الشيخ القاري هذا عمدة الحنفية في أحكام الحج، فأكثر من كتب من المتأخرين منهم في أحكام الحج، رجع إليه، ونقل منه، واعتمد عليه، ومنهم العلامة ابن عابدين في حاشيته المسماة (رد المحتار على الدرر المختار).
ب - شيوخـه:
لقد أخذ الشيخ علي في مكة المكرمة العلم عن مجموعة من الشيوخ الأكابر، منهم: الشيخ أبو الحسن البكري، والشيخ زكريا الحسيني، والشهاب أحمد بن حجر الهيثمي، والشيخ أحمد المصري تلميذ القاضي زكريا، والشيخ عبد اللّه السندي، والعلامة قطب الدين المكي، وغيرهم.
ج - مؤلفاتـه:
لقد كان الشيخ علي - رحمه الله تعالى - غزير الإنتاج والتأليف في كثير من العلوم الإسلامية، وقد ترك لنا مكتبة ضخمة من المؤلفات النافعة المفيدة الهامة ناهزت المائة والخمسين مصنفاً، وقد طبع البعض منها والحمد لله تعالى، إلا أن أكثرها لم يطبع بعد، وكثير منه محفوظ، وكم أتمنى أن تلحظه عيون العلماء بالإهتمام والإخراج، لينتفع الناس به، وسوف أورد أسماء بعض هذه المؤلفات المتعلقة بالحج وأحكامه، مشيراً إلى المطبوع منها والمخطوط وهذه المؤلفات هي:
1 - الاصطِناع في الاضطباع، مخطوط.
2 - أنوار الحُجج في أسرار الحِجج، مخطوط.
3 - بداية السالك في نهاية المسالك، مخطوط.
4 - بيان فعل الخير إذا دخل مكة من حج عن الغير، مطبوع.
ه - الحظ الأوفر في الحج الأكبر، مطبوع.
6 - رسالة في بيان التمتع في أشهر الحج للمقيم بمكة من عام، مخطوط.
7 - الصنيعة في تحقيق البقعة المنيعة، مخطوط.
8 - العفاف عن وضع اليد في الطواف، مخطوط.
9 - لُمي لباب المناسك وحُب عباب المسالك، مخطوط.
10 - المسلك المتقسط في المنسك المتوسط، مطبوع.
11 - الوقوف بالتحقيق على موقف الصدَيق، !طوط.
12 - الدرة المضيئة في الزيارة المصطفوية الرضية، مطبوع.
د - شبهة مردودة:
لقد أورد المحبي، في خلاصة الأثر، في أثناء ترجمته للشيخ علي القاري، قوله: (لكنه امتحن بالإعتراض على الأئمة، لا سيما الشافعي وأصحابه - رحمهم الله تعالى - واعترض على الإمام مالك في إرسال اليد في الصلاة، وألف في ذلك رسالة، فانتدب لجوابه الشيخ محمد مكين، وألف رسالة جواباً في جميع ما قاله، ورد عليه اعتراضاته، وأعجب من ذلك ما نقله عنه السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي الحسيني في كتابه: (سداد الدين وسداد الدين في إثبات النجاة في الدرجات للوالدين)، أنه شرح الفقه الأكبر المنسوب إلى الإمام أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وتعدى فيه طوره في الإساءة في حق الوالدين، ثم إنه ما كفاه ذلك، حتى ألف فيه رسالة، وقال في شرحه للشفاء متبجحاً ومفتخراً بذلك: (إني ألفت في كفرهما رسالة)، فليته إن لم يراع حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث آذاه بذلك، كان استحيا من ذكر ذلك في شرح الشفا الموضوع لبيان شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد عاب الناس على صاحب الشفا، ذكـره فيه عدم فرضية الصلاة عليه - صلى الله تعالى عليه وسلم - في الصلاة، وادعى تفرد الشافعي، ذلك بأن هذه المسألة ليست من موضوع كتابه، وقد قيض الله تعالى الإمام عبد القادر الطبري للرد على القاري، فألف رسالة أغلظ فيها الرد عليه، وبالجملة، فقد صدر منه أمثال لما ذكر، كان غنياً عن أن تصدر منه، ولولاها لاشتهرت مؤلفاته بحيث ملأت الدنيا لكثرة فائدتها وحسن انسجامها. . اهـ.
وقد نقل هذه الشبهة أيضاً الشوكـاني في البدر الطالع، عن العصامي، إلا انه ردها بعد ذلك رداً قوياً، مهذباً، ذكياً، مما بَرَّأَ ساحة الشخِ القاري من هذه الشبهة، وأحله محله اللائق به، فقال: (وأقول، هذا دليل على علو منزلته،فإن المجتهد شأنه أن يبين ما يخالف الأدلة الصحيحة ويعترضه، سواء كان قائله عظيما أو حقيراً، تلك شكاة ظاهر عنك عارها). اهـ.
هذه الشبهة، لا أعتقد أنها تحتاج إلى رد آخر بعد أن ردها الشوكاني - رحمه الله تعالى - بالرد المفحم، ومثل هذه الشبهة يثار حول العلماء الأفذاذ في كل زمان ومكان، أولئك العلماء الذين يملكون بصائر حاذقة وعقولا ناضجة، تأبى عليهم أن يقبلوا كل ما يسمعونه ويقرؤونه إن لم يسغ لهم دليله ويتضح برهانه، من أي إنسان كان، إلا أن يكون من المعصوم محمد بن عبد اللّه - صلى الله تعالى عليه وسلم - ولا غيره.
ولا يثير تلك الشبهات في العادة إلا جامدوا الفكر، محدودوا النظر مع سلامة نية، وحسن طوية، أو سيؤوا الأخلاق، المعادون لكل نضج أو تقدم فكري، أَوَ نَسِيَ هؤلاء وأمثالهم، اختلاف الصحابة فيما بينهم في كثير من الأحكام التي لم يرد فيها نص من القرآن والسنة ومعارضتهم بعضهم لبعض في كثير من ذلك ؟ أو تناسوا اختلاف الأئمة الكبار فيما بينهم في كثير من المسائل حتى أصبح لكل منهم مذهبا مستقلاً عن الآخر، دون أن يعيب عليهم أحد ذلك ؟ أو نسوا قول الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - عندما سُئل عن المسائل التي اختلف فيها الصحابة - رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم جميعاً - فقال آخذ منهم أو أخالفهم فهم رجال وأنا رجل ؟ ؟. أم نسوا قول الحباب بن المنذر الأنصاري رضي الله عنه، للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو المعصوم، بأدب وحياء، يوم بدر بعد أن نزل بهم رسول الله عليه الصلاة والسلام في أدنى ماءٍ من بدر: (أهذا منزل أنزلك اللّه إياه، ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر، أم هو الرأي والحرب والمكيدة)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة)، فقال الحباب عند ذلك: (ليس لك هذا بمنزل، ثم أشار عليه بغيره، فاستجاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم له وغيّر المكان ؟ ؟.
أيريد هؤلاء أن يكون العلماء أحجاراً صماء، وآذاناً صاغية حافظة لكل ما يقال دون أن يسمح لهم بتفهمه، وتفحصه، ومخر عبابه، وإبداء الرأي فيه ؟ ؟.
وهل جَمدَ العلوم الإسلامية في السنين الأخيرة إلا مثل هذه المقالة الخاطئة؟.
وهل أوقف التجديد والاستمرار في الاجتهاد، إلامثل هذا الاتجاه المغلوط؟.
أنا لا أدعوا للاجتهاد من لم يتأهل له، بل إنني أحرمه عليه، ولكنني لا أقول بإغلاق باب الاجتهاد أمام من تأهل له، بل إنني أجعله عليه واجبا إن احتاح الناس إليه.
هذه سيرة علماء السلف وتوجيهاتهم ألتي استقوها من معين النبوة، من أمثال قول النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - عندما أرسله إلى اليمن بعد أن سأله عما يفعل إذا لم يجد نصاً في القرآن والسنة، فقال معاذ: أجهد رأيي ولا آلو -: (الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضي الله ورسوله).
وقد ثبت عن الإمام مالك - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: (ما منا إلا من رَدَ ورُدَ عليه إلا صاحب هذا القبر). مشيراً إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.