وقت انتقال ملكية التركة إلى الورثة
إذا لم يكن في التركة دين، أو حق، انتقلت إلى الوارث بمجرد وفاة المورث، باتفاق الفقهاء، بل إنه روي عن محمد بن الحسن أنه قال: تنتقل في اللحظة الأخيرة من حياة المورث، بدلالة إرث زوجته منه، لأن الزوجية تنقطع بالموت.
فإذا كانت التركة مدينة، فقد اختلف الفقهاء في وقت انتقالها إلى الوارث على مذهبين:
* فذهب الشافعية، والحنبلية في المشهور عنهم، إلى أنها تنتقل إلى الوارث بالموت مباشرة، مثقلة بالدين الذي عليها.
* وذهب جمهور الفقهاء، من الحنفية، والمالكية، وبعض الحنبلية، إلى أنها إن كانت مستغرقة بالدين، لم تنتقل لوارث حتى توفى الديون كلها، وفيها تجهيز الميت وتكفينه، وهي من تاريخ الوفاة إلى تاريخ السداد على ذمة الميت، ذلك أن ذمة الميت قائمة عندهم حكماً حتى تصفى التركة، فإذا سددت الديون، انتقلت إلى الورثة من تاريخ السداد، تحقيقاً لمبدأ (لا تركة قبل سداد الديون).
فإذا لم تكن مستغرقة بالدين، انتقل منها إلى الورثة بمجرد الوفاة مقدار ما يخلو عن الدين منها ويبقى على ذمة الميت ما يقابل الدين. فإذا كان الدين يشغل ربعها، انتقل إلى الورثة بالوفاة ثلاثة أرباع التركة، ويبقى الربع على ذمة الميت مشغولاً بالدين، وهكذا.. مع الإشارة إلى أن حق الدائنين في هذه الحال ثابت في جزء شائع في التركة، فإذا تلف من التركة قبل سداد الدين جزء، انتقل حقهم إلى جزء آخر يساويه، ولو استغرق هذا كل التركة.
وقد ترتب على اختلاف هاتين النظريتين الفقهيتين، اختلاف في أحكام عديدة، منها:
1 ـ أن نماء التركة يكون للورثة من تاريخ وفاة المورث عند الشافعية في كل الأحوال، فإذا كانت التركة بستاناً فأثمر، أو آلة فأنتجت... كان ذلك النماء خالصاً للورثة، ولا حق للدائنين فيه مطلقاًَ.
أما على مذهب الجمهور، فيكون النماء للورثة إذا كانت التركة خالية عن الدين، فإذا كانت مستغرقة بالدين، كان النماء كله للغرماء، فإذا كانت التركة مشغولة بدين غير مستغرق، كان النماء موزعاً بين الغرماء والورثة، كل على قدر حصته فيها.
وعلى هذا إذا كانت قيمة التركة عند وفاة المورث عشرة آلاف، وهي مدينة بأحد عشر ألفاً، ثم نمت قبل سداد الدين فأصبحت أحد عشر ألفاً، كانت كلها للدائنين، وفاء لدينهم، عند الجمهور، ولا شيء فيها للورثة.
وكان الألف النماء للورثة دون الدائنين عند الشافعية.
2 ـ مؤونة التركة عند الشافعية تكون على الورثة وحدهم، من تاريخ وفاة المورث، سواء أكانت التركة مدينة أم لا.
أما الجمهور فالمؤونة عندهم بحسب الملك، فإن كانت التركة مدينة، فالمؤونة كلها على الغرماء، ولا شيء على الورثة، لعدم تعلق حقهم فيها، فإذا كانت الديون غير مستغرقة للتركة، وجبت المؤونة على الغرماء والورثة، كل على قدر حقه فيها. فإذا كانت التركة مواشي أو زروعاً... كانت نفقاتها من طعام وشراب وسقاية وحماية... على حسب ما تقدم.
3 ـ ما يجدُّ من الملك بسبب المورث، يعتبر كالنماء، كما إذا نصب المورث شبكة للصيد، فوقع فيها صيد بعد وفاته، فإنه كالنماء، يكون للورثة وحدهم عند الشافعية، ويكون للغرماء والورثة، كل على قدر حصته في التركة، عند الجمهور.
4 ـ حق الشفعة يكون للورثة مطلقاً عند الشافعية، ويكون للورثة وحدهم إذا كان لهم حق في التركة عند الجمهور، ولا يكون للغرماء بحال عند الجميع، أما عند الشافعية فلعدم ملكيتهم للتركة أصلاً، وأما عند الجمهور فلأن التركة على ذمة المورث، وليسوا هم خلفاءه في تركته.
وعلى هذا لو كانت التركة نصف دار، فباع مالك النصف الثاني حصته من أجنبي قبل توزيع التركة، فإن للورثة حق الشفعة عند الشافعية، أما الجمهور فيقولون إذا كانت التركة مستغرقة بالدين فلا شفعة لأحد، وإن كانت غير مستغرقة، فالشفعة للورثة، لأن لهم حقاً في الدار، وهم خلفاء الميت.
5 ـ لا يجوز عند الجمهور قسمة التركة المدينة قبل سداد الدين، لتعلق حق الدائنين، وتجوز القسمة لدى الشافعية، وتكون حصة كل وارث مرتبط بها من الدين بمقدارها.