العصبات النَّسَبيون
العُصبة في اللغة: الجماعة أولي القوة: ومنه قوله تعالى في سورة يوسف: {قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 14] ثم استعملت في القريب إذا كان ذكراً وليس في نسبه إلى قريبه أنثى، يقال فلان عَصَبة فلان، إذا كان ذكراً وليس في نسبه إليه غير الذكور، كالابن، وابن الابن، والأب، والأخ الشقيق...
والعصبة النَّسَبية في اصطلاح الفقهاء هنا، ثلاثة أنواع، بعضها معرف بالحد، وبعضها بالعد، كالآتي:
1 ـ العصبة بالنفس، وهو كل ذكر ليس في نسبه إلى الميت أنثى، كالابن، والأب، والأخ الشقيق.
2 ـ العصبة بالغير، وهن خمسة حصراً:
1 ـ البنت وإن تعددت بالابن.
2 ـ بنت الابن وإن تعددت بابن الابن المساوي لها في درجة القرب من المورث، سواء أكان أخاً لها أم ابن عم.
3 ـ بنت الابن وإن تعددت بابن الابن الأدنى درجة منها، سواء أكان ابن أخ لها أم ابن عم، بشرط أن لا تكون هي وارثة بالفرض دونه، وإلا ورثت فرضها وانفرد هو بالتعصيب.
4 ـ الأخت الشقيقة وإن تعددت بالأخ الشقيق.
5 ـ الأخت لأب وإن تعددت بالأخ لأب.
3 ـ العصبة مع الغير، وهن اثنتان حصراً:
* الأخت الشقيقة وإن تعددت مع الفرع المؤنث الوارث بالفرض، كالبنت، وبنت الابن.
* الأخت لأب وإن تعددت مع الفرع المؤنث الوارث بالفرض.
حكم العصوبة:
العصوبة حكمها استحقاق ما بقي من التركة بعد أصحاب الفروض قليلاً كان ذلك أم كثيراً، واستحقاق كل التركة إذا لم يوجد أحد من أصحاب الفروض، فإذا استغرقت الفروض كل التركة، لم يستحق العصبة شيئاً.
ثم إن كان العصبات المستحقون للإرث بالتعصيب كلهم من الذكور فقط، اقتسموا ما استحقوا بينهم بالسوية، فإن كانوا ذكوراً وإناثاً، اقتسموا ما استحقوا بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كن إناثاً فقط، كالأخوات مع البنات اقتسمن نصيبهن بينهن بالسوية.
أمثلة:
1 ـ توفي رجل عن: أم، وأب، استحقت الأم الثلث فرضاً لعدم الفرع الوارث، ولا العدد من الإخوة، واستحق الأب الباقي وحده، لأنه عصبة بالنفس.
2 ـ توفي رجل عن: أم، وزوجة، وأخت شقيقة، وأخ شقيق، استحقت الأم السدس فرضاً، لتعدد الإخوة، والزوجة الربع لعدم الفرع، والأخت والأخ، الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، الأخ لأنه عصبة بالنفس، والأخت لأنها عصبة بالغير.
3 ـ توفيت امرأة عن: زوج، وجدة، وبنت، وأختين شقيقتين، فللزوج الربع فرضاً لوجود البنت، وللجدة السدس فرضاً لعدم الحاجب، وللبنت النصف فرضاً لأنها واحدة، وللأختين الشقيقتين الباقي بينهما مناصفة لأنهما عصبة مع الغير.
درجات العصبات:
إذا لم يكن للميت إلا عاصب واحد، استحق منفرداً الباقي بعد أصحاب الفروض، سواء أكان عصبة بالنفس، أم بالغير، أم مع الغير.
فإذا كان للميت أكثر من عاصب، فإن كانوا في جهة ودرجة وقوة قرابة واحدة، اشتركوا في الباقي بعد أصحاب الفروض للذكر مثل حظ الأنثيين، مهما كان نوع عصوبتهم، بالنفس، أو بالغير، أو مع الغير. فإذا اختلفت جهاتهم، أو درجاتهم، أو قوة قرابتهم، قدم بعضهم على بعض، وحجب بعضهم بعضاً، فيقدم أولاً بالجهة، ثم بدرجة القرابة، ثم بقوة القرابة، دون النظر إلى نوع العصوبة.
وبيان ذلك:
1 ـ جهات العصبات أربعة، هي:
* جهة البنوة: وهم الأولاد، ذكوراً كانوا أم ذكوراً وإناثاً. وأولاد الأبناء الذكور خاصة وإن نزلوا، لأن أولاد البنات من ذوي الأرحام، ولا عصوبة لهم.
* جهة الأبوة: وهم الأب ومن فوقه من أصوله الذكور خاصة، الجد العصبي ومن فوقه، دون الإناث، ودون أصول الأم، وأصول أم الأب... وهم من ذوي الفروض، أو ذوي الأرحام.
* جهة الأخوة: وهم الإخوة أو الأخوات، الأشقاء أو لأب، وأبناء الإخوة الذكور فقط، وإن نزلوا، أشقاء كانوا، أم لأب، لأن أبناء الأخوات، وبنات الأخ، من ذوي الأرحام. وكذلك أولاد الإخوة لأم، أما الإخوة لأم أنفسهم، فهم من أصحاب الفروض كما تقدم.
* جهة العمومة: وهم الأعمام الأشقاء أو لأب، وأبناء الأعمام هؤلاء الذكور فقط، أما العمات، وأما بنات الأعمام، فهن من ذوي الأرحام، وكذلك الأعمام لأم، وأولادهم، فإنهم من ذوي الأرحام.
فإذا كان لميت ابن وجد، كانت العصوبة للابن وحده، لأن جهته أقرب، فإذا كان للميت أخ شقيق وعم شقيق، كان الأخ هو العصبة دون العم...
2 ـ درجات العصبات:
تختلف درجات العصبات باختلاف القرب من الميت والبعد عنه، والأقرب يحجب الأبعد منهم دائماً، ما دامت الجهة واحدة، وعلى هذا إذا كان للميت ابن وابن ابن، كانت العصوبة للابن خاصة، لقرب درجته، فإذا كان للميت ابن أخ شقيق، وابن ابن أخ شقيق، كانت العصوبة للأول دون الثاني لقرب الدرجة...
هذا ما دامت الجهة واحدة، فإذا اختلفت الجهة، قدم من كان في الجهة الأولى دون نظر إلى الدرجة، فإذا كان للميت ابن ابن، وأب، كانت العصوبة لابن الابن خاصة، ولم يكن للأب إلا فرضه فقط، مع أنه أقرب درجة، فإذا كان للميت ابن ابن أخ شقيق، وعم، كانت العصوبة للأول، لقرب جهته، دون نظر إلى قرب درجة الثاني.
3 ـ قوة القرابة:
إذا استوى عاصبان في الجهة والدرجة، قدم بينهما بقوة القرابة، فقدم الشقيق على الذي لأب، كما إذا كان لمورث أخوان، الأول شقيق، والثاني لأب، فإن العصوبة للأول دون الثاني، لقوة القرابة، وكذلك العم الشقيق، والعم لأب، وهذا لا يتأتى إلا في جهة الأخوة والعمومة لا غير.
هذا كله ما دامت الجهة ودرجة القرابة واحدة، فإذا اختلفت الجهة أو درجة القرابة، قدم بهما أولاً، دون التفات إلى قوة القرابة.
وعلى ذلك إذا كان للمورث أخ لأب، وابن أخ شقيق، فإن العصوبة للأول لقرب درجته، دون الثاني رغم قوة قرابته، فإذا كان للمورث بنت، وأخت لأب، وابن أخ شقيق، كانت العصوبة للأخت لأب، لأنها عصبة مع البنت، دون ابن الأخ الشقيق، لقرب درجة الأخت عنه، دون نظر إلى قوة قرابته.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بكل ما تقدم، من تعريف، وأقسام، وأحكام العصوبة، ونص على ذلك في المواد (274 ـ 278) منه، كما أخذ به القانون المصري، ونص عليه في المواد (16 ـ 20) منه.