الدولة المختارة والنظام المختار
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
لقد كثر اللغط في الآونة الأخيرة حول الدولة الني يريدها الشعب، والنظام الذي يختاره للاحتكام إليه في أمور حياته.
فذهب قوم إلى المطالبة بالدولة العلمانية، وآخرون إلى المطالبة بالدولة الديمقراطية، والبعض إلى الدولة المدنية، والبعض الآخر إلى المطالبة بالدولة الإسلامية، وكل يتمسك بما طالب به، وجعله مبدءا لا يحيد عنه، ويضلل ويخون من يخالفه في الرأي والمطالبة، وبهذا الشكل تفرقت الأمة، وتمزق شملها، وضعف كيانها، وطمع بها أعداؤها، والعاقلون في الأمة يفتشون عن الحل، عن الكلمة التي تجمع الأمة، وتوحد قواها، وتجعلها يقظة لما يحيق بها من أعمال معادية لها، لا تضمر لها الخير، وإنما تتربص بها الدوائر.
هذا الموضوع يقتضي عقلاء الأمة أن يسارعوا إلى تدارك الأمر قبل أن يستفحل، ويجمعوا تفرق الأمة قبل أن تتمزق، وليس ذلك بمستحيل، بل هو الواجب المؤكد الممكن، أسوتنا في ذلك رسل الله تعالى، بعثهم الله تعالى لتوعية الأمم وجمع شملها وإزالة عناصر الفرقة من بينها، وعليهم اجتمعت أممهم فعلا في زمانهم، وعلماء الأمة في كل عصر هم ورثة أنبيائها، وفيهم سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، حيث قال: (العلماء ورثة الأنبياء) رواه الترمذي وأبو داود.
وإنني أقدم بين يدي ذلك كله اقتراحا في هذا الموضوع، أرجو أن تجتمع عليه الأمة بكل أطيافها، راضية ممتنة، لا راغمة حانقة، وهو اقتراح مطروح للمناقشة، وبيان الرأي، بكل الحرية المسؤولة، والعقلانية المقبولة، بعيدا عن المهاترات اللاهية، والمغرضة العابسة، التي لا يقصد منها إلا الإضرار والإفساد، مما لا يليق بأفراد أمتنا وشعبنا.
فلنبتعد كلنا عن كل الألفاظ السابقة المطروحة للدولة، فلا دولة علمانية، ولا إسلامية، ولا ديمقراطية، ولا مدنية، ولا... مما يثير الآخرين، ويدعوهم إلى الخوف والمخالفة.
فنقول جميعا: هي دولة الحق، والعدل، والحرية، والقانون، يستوي فيها كل المواطنين في كل ذلك، على اختلاف أطيافهم: العِرقية، والدينية، والقومية، والطائفية... فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لذكر على أنثى، ولا لكبير على صغير، ولا لغني على فقير، ولا.... إلا بالحق والعدل الذي يستوي فيه الناس جميعا، ولا تقدم لأحد على أحد في هذه الدولة، إلا بما يقدمه من خير لدولته وأمته، من علم نافع، ومعرفة حقة، وإخلاص صادق و.... مخلصا فيه لها، غير متصيد لمنافع من وراء ذلك، يبتزها بها، ويقتنصها ويدمرها من أجل مصلحته.
ولا يرغم أحد فيها على عقيدة لا يرتضيها، ولا على دين لا يقتنع به، ولا على تشريع لا يرى فيه الخير والعدل له ولأمته.
أقول هذا القول مستندا فيه إلى مبادئ أراها عادلة، ونصوص صادقة، أطرحها أمام الناس جميعا، دون أن أسندها لمصدرها، لأترك للجميع التأمل والحرية الكاملة في تفهمها وتخيرها والموافقة عليها، أو مناقشتها، من غير حرج ولا ضيق.
من ذلك:
- (لا إكراه في الدين).
- (الناس سواسية كأسنان المُشط).
- (لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر).
- (أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم).
- (إنما يجازى الناس على قدر عقولهم).
- (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
- (فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله).
أقول ما تقدم، وأقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك، إني أردت الإصلاح وجمع الكلمة، فوفق الأمة لما تحبه وترضاه.
والله تعالى أعلم.