الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فلقد ندب الشارع الإسلامي المسلمين إلى توثيق عقودهم عامة بالشهادة والكتابة ما أمكنهم ذلك، من أجل تثبيت الحقوق التي تنبثق عنها، وفي الوقت ذاته لم يوجب عليهم ذلك فيها، ولم يجعله شرطا في صحتها بإجماع الفقهاء -سوى عقد الزواج لأهميته الخاصة، وتمييزه عن الزنا الذي يعد من أكبر الجرائم شرعا- وذلك للتيسير عليهم، وعدم إعناتهم، فقال تعالى في البيع: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) وقال أيضا: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) (البقرة:282)، وقال سبحانه في الطلاق والرجعة بعده: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (الطلاق:2).
وقد ذهب جماهير الفقهاء من أهل السنة والجماعة إلى أن الأمر بالإشهاد في هاتين الآيتين الكريمتين (في البيع والطلاق والرجعة) هو للإرشاد والندب، وليس للوجوب وشرطية الصحة، مع أن الأصل في الأمر –كما يقول علماء أصول الفقه- أنه للوجوب، إلا أن تصرفه قرينة عنه إلى الندب أو غيره، وقالوا: إن الأمر هنا عدل به عن الوجوب إلى الندب للقرائن الكثيرة التي قررها الفقهاء في كتبهم وموسوعاتهم، ومنها في موضوع الطلاق، أن الطلاق كان يحدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم بوقوعه دون أن يشترط الإشهاد عليه، ودون أن يستفصل هل أُشهد عليه أولا.
من ذلك ما رواه البخاري: (عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ لَهَا لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ) ولم يشهد على ذلك.
ومنه قول الشوكاني: (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقَعُ بِهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى طَلاقِهَا وَلا عَلَى رَجِعَتِهَا, فَقَالَ: طَلَّقْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ, وَرَاجَعْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ, أَشْهِدْ عَلَى طَلاقِهَا وَعَلَى رَجْعَتِهَا وَلا تَعُدْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، ثم قال الشوكاني: (الأَثَرُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَزَادَ " وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ " قَالَ الْحَافِظُ ابن حجر فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ: وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ, وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الإِشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الإِشْهَادِ فِي الرَّجْعَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْقَاسِمِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ فِي الْبَحْرِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّالِفِ, فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ صلى الله عليه وسلم: {مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا} وَلَمْ يَذْكُرْ الإِشْهَادَِ، وَاحْتَجَّ لِلْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الأُمُورِ الَّتِي يُنْشِئُهَا الإِنْسَانُ لِنَفْسِه،ِ فَإِنَّهُ لا يَجِبُ فِيهَا الإِشْهَادُ, وَالاحْتِجَاجُ بِالأَثَرِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ لا يَصْلُحُ لِلاحْتِجَاج،ِ لأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ فِي أَمْرٍ مِنْ مَسَارِحِ الاجْتِهَادِ, وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لَوْلا مَا وَقَعَ مِنْ قَوْلِهِ: "طَلَّقْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ, وَرَاجَعْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ" وَأَمَّا قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَهُوَ وَارِدٌ عَقِبَ قَوْلِهِ سبحانه: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} الآيَةَ، وَقَدْ عَرَفْتَ الإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الإِشْهَادِ عَلَى الطَّلاقِ, وَالْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ يَقُولُونَ بِالاسْتِحْبَاب).
ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ) رواه ابن ماجه وغيره، حيث بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم من يملك الطلاق، ولم يشرط فيه الإشهاد، فكان وقوعه مطلقا غير مشروط بالإشهاد.
وأما ما أسند لبعض فقهاء السلف من قولهم بوجوب الإشهاد في الطلاق فهو شاذ لا يعمل به، وكذلك ما أسند للخَلَف من الفقهاء، فهو ضعيف، أو هو مجرد تمن أو اقتراح منهم، ولم يوافق عليه الجماهير.
ـــــــــــــ
الإجابة على الأسئلة المقدمة من محرر الشرق السيد ......... المحترم:
س)) من المعلوم لدى العلماء أنهم يفتون برأي الجمهور فيما يعرض للمسلمين من نوازل، وهذا حق نقرهم عليه، ولا اعتراض، خاصة في مسائل الطلاق والفراق بين الزوجين، ولكن ما الرأي فيمن يقول: لا يقع الطلاق إلا أمام شهود، كالإمام ابن حزم –رحمه الله تعالى- فهل هناك غضاضة أو مخالفة شرعية من صحيح صريح؟؟
ج )) جرت عادة المفتين في الإفتاء في المسائل المختلف فيها بين الفقهاء بالأخذ بقول الأكثرية منهم، لأنه الأقرب للصواب غالبا، فإذا أجمعوا على شيء وجب اتباعهم، لأن الإجماع حجة قطعية، وهذا عرف متبع أيضا في جميع المجالس التشريعية في العالم، وقد أجاز الفقهاء الأخذ بقول الأقلية منهم عند الحاجة الماسة فقط، بشرط أن لا يكون قول الأقلية شاذا، أي مخالفا لقول الجماهير، أو مخالفا لدليل قطعي، وإلا لم يجز الأخذ به أصلا.
س)) إذا كانت هناك قاعدة فقهية تجيز تغيير الفتوى بتغير الزمان والمكان والإنسان، فلم لا نأخذ بها تمسكا بالأصول واجتهادا في الفروع؟ فنقول بالإشهاد على الطلاق؟؟
ج)) من قواعد الفقه الكلية المستقرة المتفق عليها قاعدة: (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان)، ولكن هذه القاعدة محدودة بالأحكام المبنية على العرف والمصالح المتغيرة، فهذه تتغير بتغير العرف والمصالح المبنية عليها، للقاعدة الفقهية الكلية (الحكم منوط بعلته وجودا وعدما)، أما الأحكام المبنية على نصوص ثابتة فلا تتغير بتغير الأزمان والأعراف بإجماع المسلمين، وإلا لم يبق للتشريع مكان، بل يلغى التشريع ويحتكم للأعراف والعادات بدلا منه، وهذا لا يقول به أحد، ومن القواعد المستقرة غير المنوطة بالعرف موض وع وقوع الطلاق بغير شهود، لأنه أمر شرعي لا محل للاجتهاد فيه، أما الألفاظ التي يقع بها الطلاق، فهذه بعضها يرتبط بالعرف ويناط به، وبعضها يتعلق بالنية، كما في الطلاق باللفظ الكنائي الذي يحتمل الطلاق وغيره .
س)) قال الله تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم) (الطلاق:2) ظاهر صيغة الأمر فيها الدلالة على الوجوب، فلماذا لا نأخذ بهذا الظاهر تأسيا بقول ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن رضي الله عنه وبعض المالكية، والشافعي وأحمد بن حنبل في أحد قوليهما، وعمران بن حصين رضي الله عنه وعطاء بن رباح، ثم أليس في أقوال هؤلاء استئناس بالإشهاد على الطلاق؟؟
ج)) لم يقل أحد من جمهور فقهاء أهل السنة والجماعة بوجوب الإشهاد على الطلاق، ولكنهم قالوا بسنية الإشهاد واستحسانه، والاستحباب غير الوجوب، وذلك صرفا منهم للأمر بالإشهاد في الآية الكريمة في قوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) عن الوجوب للندب للقرائن المتقدمة.
س)) من المعاصرين فقهاء مشهود لهم بالملكة الفقهية، وقدموا للأمة تراثا لا يستهان به، وما زال يعتمد عليه طلاب العلم بل العلماء، منهم الفقيه أبو زهرة -رحمه الله تعالى- والشيخ علي الخفيف، ولهم أقوال في ذلك، فالإمام أبو زهرة يقول: (الإشهاد على الطلاق معقول المعنى يوحيه التنسيق بين إنشاء الزواج وإنهائه، وإنه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا ذلك الرأي)، ويقول الخفيف: (وفي رأيي إن اشتراط الإشهاد على الطلاق هو أقرب الآراء لتحقيق المصلحة، وإبعاده من أن يكون نتيجة غضب أو انفعال وقتي، وبذلك تضيق دائرة الطلاق، ويقول محمد يوسف موسى: (هذه وجهة نظر يجب عدم التغاضي عنها، فإن في الأخذ بهذا الرأي ما يمهد السبيل للصلح في كثير من الحالات).
ج)) مع احترامي للعلماء المعاصرين الأجلة الذين ارتأوا أن لا يقع الطلاق إلا بالشهادة عليه، فإن قولهم مخالف للأدلة الناهضة السابقة، وهو من كثير منهم مجرد أمنية يتمنونها، وليس قولا يقولون به، وعلى كل الأحوال العبرة بالدليل لا بالمستدل.
س)) ويقول الدكتور عبد الرحمن الصابوني -حفظه الله تعالى- في رسالته العلمية: (ونرى وضع المادة التالية: لا يقع الطلاق إلا أمام شاهدين عدلين يسمعان صيغة الطلاق...) ويقول الشيخ أحمد شاكر: الأمر للوجوب، لأنه مدلوله الحقيقي، ولا ينصرف إلى غير الوجوب كندب إلا بقرينة، ولا قرينة هنا).
ج)) تكلم العلماء في طلاق الغضبان، فقالوا : إذا وصل الغضب بالمطلق في ساعة الطلاق إلى درجة الهذيان لم يقع طلاقه، ويسمى عندهم (المدهوش)، أما إذا كان الغضب لم يخرجه عن طوره، فهو مسؤول عن طلاقه كما هو مسؤول عن جميع تصرفاته الأخرى، وقد تقدم ذكر القرينة الصارفة للأمر عن الوجوب إلى الندب في الآية الكريمة السابقة عند عامة الفقهاء، فلم يبق حجة لمن ينفي القرينة الصارفة للأمر عن الوجوب إلى الندب.
س)) معلوم لدى فقهاء الشريعة أن حقيقة التعسف هي استعمال الحق على وجه يضر بمقصود الشرع، أي على وجه الإخلال بالمصلحة، والذي طلق بدافع الغضب وتهور وتعسف بالتالي أضر بالزوجة وبالأولاد، بل والمجتمع، والقاعدة الفقهية تقول: (الضرر يزال) فلم لا نزيل هذا الضرر الذي طم وعم من أولئك المتعسفين، ونضيق عليهم بإيجاب شهود لإيقاع الطلاق؟؟
ج)) إذا عم القتل بين الناس، فهل الأنسب أن نعفي القاتل من العقوبة، أو نخففها عنه، أو نشددها عليه، أعتقد أن العقلاء جميعا يقولون بتشديد العقوبة عليه، وليس بإعفائه منها أو تخفيفها عنه، وإلا عم القتل بين الناس أكثر، ومنه قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:179)، وكذلك الزنا والسرقة وكل الجرائم والمخالفات الأخرى، وكذلك الطلاق إذا عم بين الناس وتسرعوا في إيقاعه على زوجاتهم بحق وبغير حق، فليس الأنسب أن لا نوقعه عليهم، وإلا عم وطم، بل الأنسب أن نوقعه عليهم، ونعزرهم عليه أيضا، ليرتدعوا عنه.
س)) مما هو مقرر في التشريع الإسلامي أن المكلف إذا استعمل حقه لتحقيق غرض يتنافى مع غاية الحق التي أقر من أجلها انسلخت عنه صفة المشروعية، وأصبح هو وجميع لوازمه من الأفعال غير المشروعة، وذلك لأن الحق في التشريع الإسلامي مقيد وغائي وذو صفة اجتماعية، ولذا لا تعتبر رجعة المضار (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا) (البقرة:231)، وأقر الشرع توريث من طلقت فرارا من الإرث، والسؤال هل نقر تصرف المطلق بدون شهود ونعتبره؟؟ ولم لا نبطل تصرفه درءا للمفسدة، خاصة وهو قد جاءنا نادما، وأسرته باكية؟؟
(اللفظ والنية والفقه الحي):
أورد ابن القيم قصة مفادها أن امرأة قالت لزوجها: سمِّني (خلية طالق)، فسماها (خلية طالق)، فأتت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إن زوجي طلقني، فجاء زوجها فقص القصة على أمير المؤمنين، فأوجع عمر رأسها، وقال لزوجها خذ بيدها.. ، ويعلق ابن القيم في كتابه: "إعلام الموقعين" قائلا: هذا هو الفقه الحي الذي يدخل القلوب بدون استئذان وإن تلفظ بصريح الطلاق، والسؤال ألا يكون في فقه عمر رضي الله عنه في مثل هذا أسوة لنا، مما يؤدي بنا إلى فكرة الظروف الخاصة لكل حادثة، ومن المؤكد أن النظر إلى هذه الظروف والملابسات التي نطقت فيها الألفاظ أولى من النظر إلى مجرد نطق اللفظ؟؟
ج)) لا معنى أبدا لقول من يقول: الفقه الحي يقتضي عدم إيقاع الطلاق بدون شهود أخذا مما رواه ابن القيم عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما سمت امرأة نفسها (خلية طالق) وطلبت من زوجها أن يناديها بذلك الاسم ثم رفعته إلى عمر رضي الله عنه مدعية أن زوجها طلقها بذلك، فأوجع عمر رأسها ضربا ولم يطلقها من زوجها بذلك اللفظ، لأن الأمرين مختلفان من كل الوجوه، ذلك أن نداء زوجها لها كان له معنى آخر أقوى من الطلاق، وهو نداؤها باسمها، وهو في الحقيقة اسم زوجته فعلا، ولولا أنه اسمها لوقع به الطلاق عليها، وهنا الأمر مختلف، ولا يوجد معنى آخر لكمة الطلاق غير الفراق، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلاقُ وَالرَّجْعَةُ) رواه الترمذي.
وكل ما أقرره أخيرا بعدما تقدم من بيان مذاهب الفقهاء ومناقشتها، أن الطلاق المستوفي لشروطه يقع من الزوج على زوجته من غير شرط الإشهاد عليه لدى عامة علماء أهل السنة والجماعة، والإشهاد عليه مندوب فقط عندهم، والقول بغير ذلك خارج عن مذاهب أهل السنة بالكلية، ولا معنى للأخذ به من الناحية الفقهية.
والله تعالى أعلم.
الأربعاء 18 ربيع الأول 1426هـ و 27/4/2005م
أ.0د.أحمد الحجي الكردي