الأخ السيد ........... المحرر في جريدة الرأي الكويتية اليومية المحترم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فجوابا على أسئلتكم التالية أجيبكم بما يلي:
س1)) ما هو حكم الشريعة الإسلامية الغراء في الغلاء؟ هل هو عقوبة إلهية للناس؟ وما حكم الدين في الاحتكار وقيام بعض الناس في رفع الأسعار بطريقة كبيرة، وما هو الحل في الشريعة الإسلامية لهذا الموضوع المهم في نظركم؟
ج)) الأصل في النظام الاقتصادي الإسلامي أنه وسط بين الحرية والتوجيه، فلا هو حر حرية مطلقة فيبيع الناس ويشترون فيما بينهم دون أي تدخل من أحد بينهم في ذلك، لا الدولة ولا غيرها، ولا هو موجَّه تنظمه الدولة وتمليه بحسب ما تراه من المصلحة، وإن كان اتجاهه للحرية أكثر، وميله للتوجيه أقل.
فالأصل هو أن يبيع التاجر السلعة التي يملكها ملكا حلالا بمال شاء من الثمن، وله أن يمنعها عن أي أحد، وللمشتري أن يشتريها بالثمن الذي يراه، فإذا لم يوافق البائع على ذلك كان له مطلق الحرية في أن يُعرض عنها ويتجه إلى غيرها مما يحب من السلع، ويستسيغ من الثمن، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء:29)، وقد غلت الأسعار مرة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له بعض الأصحاب الكرام: (يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فإذا غلت الأسعار يوما حتى عسر على الفقراء الشراء، ولحق بهم الضرر الشديد، جاءت الزكاة لترفع الضر عنهم، وتغنيهم وتساعدهم في تأمين حاجاتهم الأساسية، وربما الكمالية أيضا، ومبلغ الزكاة جزء كبير من ربح الأغنياء، وربما بلغت أحيانا نصف ربح الأغنياء، فهي 2,5% من مجموع رأس مال وربح الأغنياء الذين لا يربحون عادة ما يزيد على 6 أو 7 في المئة من رأس المال، وإذا علمنا – في الظروف العادية – أن الفقراء (وهم من لا يملكون من المال ما يسد حاجاتهم الضرورية) أقل من الأغنياء عددا في العالم غالبا في الظروف العادية (وهم من يملكون النصاب من المال زائدا عن حاجاتهم الأساسية، وهو ما قيمته قيمة 85 غراما من الذهب الخالص)، علمنا أن ما يصيب الفقراء من ربح الأغنياء ليس أقل في بعض الأحيان مما يصيب الأغنياء أنفسهم من هذا الربح، وبذلك يتأمن المال الذي تسد به الحاجات للفقراء والأغنياء، دون تدخل من أحد في حرية الأخذ والعطاء، وليست الزكاة صدقة يمن بها الأغنياء على الفقراء، فيدفعوها لهم أو يحجبوها عنهم كيفما شاؤوا، بل هي حق ثابت وواجب مؤكد في أموال الأغنياء للفقراء، يأخذونه منهم بالمودة والمحبة والرضا إذا جنح الجميع إلى ذلك، وإلا فتؤخذ منهم بقوة الإمام ولي الأمر: قال تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (المعارج:24-25) فإذا لم تكف الزكاة يوما لسد خلة الفقراء والمساكين، وكانت الأسعار فوق طاقة عامة الناس، في هذه الحال فقط يجوز لولي أمر المسلمين العادل أن يتدخل لتحديد أسعار السلع الضرورية، من المأكل والمشرب والملبس والمسكن، بطريقة تقلل من ربح الأغنياء بما يؤمن مصلحة الفقراء، وذلك للقواعد الفقهية الكلية: (الضرورات تبيح المحظورات)، والقاعدة الفقهية الكلية: (الضرورات تقدر بقدرها)، والإمام في هذا التسعير يجب أن يراعي مصلحتي الأغنياء والفقراء معا، فلا يبالغ في تنقيص السعر بما يضر الأغنياء كثيرا، ولا يتهاون فيه بما يحيل على الفقراء تأمين ضرورياتهم، وذلك إلى أن تزول الغمة عن الفقراء، فيعود الأمر حرا كما كان سابقا.
ويجب أن لا ننسى الضوابط الإسلامية في تصرفات الأغنياء، والقيود التي تحد من غلوائهم، وتمنعهم من قصد الإضرار بغيرهم، وتغريهم بالتيسير على الناس، وتذكرهم بأن الرزق مقسوم من الله تعالى لا يزيده كثرة الربح ولا ينقصه تقليل الربح، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ) رواه البخاري.
ِمن ذلك، حرمة الربا، وحرمة الغش، وحرمة التدليس، ووجوب الصدق في المعاملة، والترغيب في تيسير الأمور على الناس وجعل ذلك قربة من القربات يدخل بها المرء الجنة، وينال رضا الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى) رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم : (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رواه الترمذي.
س2)) ما حكم الدين الإسلامي في اختلاط الطلاب مع الطالبات في الجامعات وغيرها من المدارس؟
ج)) لقد كرم الله تعالى الإنسان، وفضله على كثير من مخلوقاته الأخرى، فقال جل من قائل: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70)، وقضت حكمته جل شأنه أن يجعل الناس من ذكر وأنثى، ليتوالدوا ويتكاثروا ويملؤوا الأرض عبادا لله تعالى صالحين، قال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13).
ولقد سوى سبحانه بين الذكر والأنثى في الكرامة وكثير من الصفات، وميز بينهما في بعض الصفات، وذلك ليشعروا بعدالة الله تعالى فيما سوى فيه بينهم، وليتم بينهم التكامل والتكاثر فيما اختلفوا فيه، فلو كانوا كلهم ذكورا، أو كلهم إناثا، لانقرض الجنس البشري بعد سنين قليلة، ولما أمكن تكاثرهم على الأرض، فميز الله تعالى الرجال بقوة البدن، وميز النساء بقوة العاطفة، ليؤمن الرجال النفقة للأسرة بقوتهم البدنية، ويؤمن النساء حسن الرعاية لها بقوتهم العاطفية الدافقة.
وما دام هذا الاختلاف بين الجنسين قائما فلا بد من تنظيم العلاقة بينهما، وفرض قيود على تواصلهما مع بعضهما، لئلا تطغى قوة الرجال البدنية فتهان المرأة، أو تطغى قوة النساء العاطفية فتفسد الأخلاق، فشرع الله تعالى حدودا للتعامل بين الرجال والنساء، لا يتعدونها في تعاملهم بعضهم مع بعض، ليتأمن التواصل والتعاون، وتتجنب المحاذير، ففرض الله تعالى الحجاب الشرعي بين الرجال والنساء الأجانب عنهم، فقال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59)، وحرم النظر بينهما إلا لحاجة ماسة وعلى قدرها، فقال جل من قائل: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور:30-31)، ومنع الخلوة بينهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا، وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه أحمد في المسند.
وعليه فقد أجمع المسلمون على عزل النساء عن الرجال، وعزل الرجال عن النساء كل منهما عن الآخر في الاجتماعات العامة ما أمكن، وعدم الإذن باجتماعهما معا إلا بالحجاب الإسلامي الكامل، وعند الحاجة، وعلى قدرها، فذلك أحفظ للأخلاق، وأبرأ للنفوس من أن يغلبها الشيطان، أو يعبث بها الهوى، سواء كان ذلك في الجامعات أو المدارس أو غيرها من مواطن التجمعات، فيكون للنساء جماعتهن، وللرجال جماعتهم، ما أمكن ذلك، وعند الحاجة الشديدة لا بأس باجتماعهما مع الحجاب الكامل ووجوب غض البصر ما أمكن، كما في الطواف حول الكعبة المشرفة مثلا، أو الحاجة إلى الكشف للتطبب، أو غير ذلك.
والله تعالى أعلم.
س3)) ما هي أهمية العلم للإنسان، وهل هو مهم للرجال والنساء معا في شريعتنا الإسلامية الغراء، أو هو خاص بالرجال فقط دون النساء، وهل هو خاص بعلوم معينة كعلوم الشريعة الإسلامية مثلا، أو هو لازم في كل العلوم؟
ج)) العلم النافع للبشرية عامة مهما كان نوعه فرض على جماعة المسلمين، ذكورا وإناثا، ولا تبرأ ذمتهم منه إلا بالقيام به على قدر الطاقة والإمكان، مهما كانت فروعه وأنواعه ومتطلباته، فإذا امتنعوا عنه مع القدرة عليه أثموا جميعا إثم تارك الفرض، وعذِّبوا على ذلك في نار جهنم، قال صلى الله عليه وسلم : (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) رواه ابن ماجه، والمسلم هنا اسم جنس يشمل الذكور والإناث على سواء بإجماع الفقهاء، ويكفينا لبيان مكانة العلماء في المجتمع قول الله تعالى فيهم: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(المجادلة: من الآية11)، وهو عبادة يتقرب بها المسلمون إلى الله تعالى، بل هو أفضل أنواع العبادة بعد الشهادتين والإيمان بالله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد والدارمي.
وآلة العلم هي القراءة والكتابة، وهي أمر الله تعالى لعباده قبل أي أمر آخر، والأمر بها أول ما أنزل من القرآن الكريم، قال الله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق:1)، وقال سبحانه: (نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم:1).
والمسلمون لم يفرقوا في فرضية العلم عليهم بين علم وعلم، بل كل ما يحتاجه الناس في حياتهم من العلوم هو فرض عليهم على قدر طاقتهم وإمكانهم، فإذا تخلفوا عن بعض العلوم لعذر أعفوا منه، وإن تخلفوا لغير عذر أثموا جميعا، إلا أن علوم الشريعة الضرورية لكل مسلم كأحكام الصلاة والصيام والحج والزكاة وبر الوالدين والإحسان إلى الجار وصلة الأرحام وما شاكلها هي فرض عين على كل مسلم، لأن عبادته لا تصح إلى بها، أما غيرها من العلوم التي يحتاج إليها المجتمع في أعماله كالطب والهندسة والرياضيات و.... فهي فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين، وإذا أعرضوا عنها جميعا مع القدرة عليها أثموا جميعا، وبخاصة ما يحتاجه المسلمون من ضروريات الحياة وما يحمون به أنفسهم من أعدائهم، من السلاح وغيره، فهو أشد ضرورية وأشد فرضية، قال سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (الأنفال:60)، فمن قدر على التعلم لزمه ذلك، ومن عجز عنه لزمه أن يجهز للعلم من يقدر عليه على قدر طاقته.
ويستوي في ذلك كله الرجال والنساء، كل على قدر طاقته وإمكانه وحاجة المجتمع إليه، ولو رجعنا لتاريخنا الإسلامي الحافل بالمآثر، لوجدنا المجتمع مغطى في كل أصقاعه بالعلماء من الذكور والإناث على سواء، لا فرق بينهما في ذلك، مع ملاحظة أن الرجال أقدر على بعض العلوم من النساء، وأن النساء أقدر على بعض العلوم من الرجال، وربما استطاع الرجال علوما لا يستطيعها النساء، وربما استطاع النساء علوما لا يحسنها الرجال، وكل منهم مكلف شرعا بما أهل له، ومكِّن منه.
والله تعالى أعلم.
س4)) ما هي أهمية النشئ، وما هي الطرق الإسلامية في تربيتهم وتعليمهم، وهل يباح الضرب في التعليم؟
الأولاد زينة الحياة الدنيا، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف:46)، وهم شباب المستقبل، وعلماؤه الذين يعمر الكون بهم، وجنود الله تعالى المدافعون عن دينه وشريعته، وبقدر ما يحسن الأولياء تربيتهم بقدر ما تعمر الدنيا بهم، ومن هنا جاء اهتمام الشارع الإسلامي بهم تربية وتعليما وتنشئة، بدءا من اختيار الزوج زوجته، لأن الزوجة هي الأم في المستقبل، وهي عماد الأسرة وركنها، كما قال الشاعر الحكيم:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
ولهذا جاءت وصية النبي صلى الله عليه وسلم للشباب بحسن اختيار الزوجة، فقال صلى الله عليه وسلم: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ، لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم : (تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ) رواه ابن ماجه.
وبعد اختيار الأم تأتي الوصية بالولد نفسه، في حسن تسميته، والإنفاق عليه في تعليمه عقيدة الإسلام الحقة، ثم تعليمه القرآن الكريم، ثم تعليمه أركان الإسلام وأحكامه، ثم توجيهه إلى مهنة يحسنها، ويعيش بها، ويخدم المجتمع من خلالها، بالحكمة والموعظة الحسنة، ثم بالقسوة عليه بعض الشيء إذا لم يستجب بالحكمة، قال صلى الله عليه وسلم : (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أبو داود، والضرب المأذون به هنا هو الضرب الخفيف الذي يخيف ولا يضر، ولا يجوز الضرب الشديد المهين.
فإذا ما اتبع المسلمون هذه الأساليب في تربية أولادهم نشؤوا بينهم على طاعة الله تعالى وحبه وحب الخير، وهو الذي يبني ولا يخرب، ويعمر ولا يدمر، وهو مطلوب الإسلام في النشء.
والله تعالى أعلم.
الأربعاء 12 ربيع الأول 1429هـ و 19/3/2008م
أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية وعضو هيئة الفتوى
في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية