الأخ السيد ........... المحرر في جريدة الشاهد الأسبوعية الكويتية المحترم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فجوابا على أسئلتكم التالية أجيبكم بما يلي:
س1)) إرضاع الكبير؟
ج1)) إرضاع المرأة الرجل الكبير الذي يحرم عليها الزواج منه على التأبيد، كالأخ والعم .... وكذلك الأجنبي قبل البلوغ، من غير ضرورة، ممنوع شرعا، لأن اللبن جزء الآدمي وعضو منه، وجزء الآدمي لا يجوز الانتفاع به من غير ضرورة، لكرامته، لقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70).
وقد أباح الله تعالى للمرأة إرضاع الطفل الصغير الذي يحتاج إليه ولا يستغني عنه للحاجة الماسة، وحدده بسنتين حدا أعلى للرضاعة الجائزة، وفوق السنتين يمنع إرضاعه إلا لضرورة، فقال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) البقرة:233، وإرضاع المرأة الرجل الكبير البالغ الأجنبي عنها حرمته أشد، لما تقدم، ولأن في الإرضاع كشف العورة، وهي محرمة على الأجنبي.
وقد أجمعت الأمة على أن إرضاع الصغير مثبت للتحريم بين الراضع والمرضعة وزوجها، إن كان لها زوج عند الإرضاع، لقوله سبحانه: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) النساء:23.
كما اتفقوا على أن رضاع الصغير المثبت للتحريم هو ما كان دون السنتين من العمر فقط، وقال البعض: التحريم بالرضاع يستمر إلى سنتين ونصف، وقال البعض الآخر إلى ثلاث سنين، ولم يزد أحد على ذلك، وذلك للآية الكريمة السابقة التي حددت الرضاع بسنتين، ولأن الطفل قد يحتاج للفطام من الرضاع والتعود على الطعام إلى ستة أشهر أو إلى سنة كاملة، مستأنسين في ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي رَجُلٌ قَالَ يَا عَائِشَةُ مَنْ هَذَا قُلْتُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ قَالَ يَا عَائِشَةُ انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ) رواه البخاري.
وأما إرضاع الرجل الكبير، أو الطفل الذي تجاوز ثلاث سنين، فهو فوق أنه محرَّم شرعا لما تقدم، فإنه لا يثبت به التحريم باتفاق الفقهاء، ويؤدي إلى مفاسد أخلاقية وسلوكية، وما روي عن التحريم بإرضاع الكبير في التاريخ، فهو إما منسوخ، أو خاص بصاحبه، ولا خلاف معتبرا في ذلك بين العلماء، وكل قول بغير ذلك هو شذوذ في الفتوى، فلا يؤبه له، ولا يلتفت لقائله.
س2)) شرب بول النبي صلى الله عليه وسلم.
ج2)) لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خواص اختصه الله سبحانه وتعالى بها عن سائر البشر، تكريما له، ولضرورات تقتضيها النبوة التي بعثه الله تعالى بها، منها ما اتفق العلماء عليه، ومنها ما اختلفوا فيه، فمما اتفقوا عليه حل زواجه صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع نسوة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:50)
ومما اختلفوا فيه، ما روي من طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم ، فذهب البعض إلى القول بطهارتها، وذهب آخرون إلى القول بأنها كسائر فضلات بني آدم، فقد جاء في (أسنى المطالب 1/56). قوله: (وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ حَجَرٍ: تَكَاثَرَتْ الأَدِلَّةُ عَلَى طَهَارَةِ فَضَلاتِهِ، وَعَدَّ الأَئِمَّةُ ذَلِكَ فِي خَصَائِصِهِ، فَلا يُلْتَفَتُ إلَى مَا وَقَعَ فِي كُتُبِ كَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَقَدْ اسْتَقَرَّ الأَمْرُ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ0
كما ورد أن بركة حاضنته صلى الله عليه وسلم شربت بوله صلى الله عليه وسلم عن غير عمد من فخارة كان فيها، فقال لها صلى الله عليه وسلم: (لا تتجعين بطنك أبدا) (معرفة الصحابة لأبي نعيم 24-73) و(22 /476). والمعجم الكبير للطبراني (25/89).
س3)) تحويل الرصيد من هاتف لهاتف.
ج3)) تحويل رصيد الهاتف من هاتف إلى آخر، إذا كان متوافقا مع العقد المعقود مع مؤسسة الهاتف، ولا يخالفه، ولا يخالف أنظمة الدولة، وليس فيه مضرة لأحد أو ضياع حق له، فلا مانع منه، وهو تبرع أو حوالة، وإلا كان ممنوعا وحراما.
س4)) ما هي أكثر أنواع الفتاوى التي تعرض عليكم: هل هي اجتماعية أو اقتصادية؟؟
ج4)) أكثر الفتاوى التي تعرض عليَّ في اليوم والليلة، وهي بالعشرات، سواء مشافهة أو عبر الهاتف أو الفاكس أو الإنترنت، هي غالبا في أمرين مهمين، الأول القضايا الاقتصادية، حيث تشعبت أعمال المؤسسات الاقتصادية الإسلامية منها والتقليدية، وكثرت العقود المترجمة من الحضارات الأخرى، والمبتكرة المستحدثة، واحتاج المتعاملون بها من المسلمين الملتزمين لأحكام الله تعالى أن يعرفوا الجائز منها من غير الجائز، ثم أمور العبادات، ثم الأمور الأسرية، من زواج بأنواعه المختلفة: زواج المسيار، وزواج المسفار، وزواج الفريند، وزواج الكاسيت، والزواج العرفي، والزواج بنية الطلاق، و....، ومنها الطلاق والحضانة والعدة والإرث والوصية والولاية والوقف و....
س5)) أي الفئات الأكثر تساؤلا وطلبا للفتوى؟
ج5)) أكثر المستفتين النساء، وأكثر ذلك في أمور الطهارة والحيض والنفاس والاستحاضة، والعدة، وربما كان ذلك لتشابك هذه الأحكام، وصعوبة تبين الحكم الشرعي لكل منها مع اختلاف المذاهب الفقهية فيها.
ثم التجَّار، وذلك لكثرة العلاقات التجارية وتعقيدها وتعدد أساليبها القديمة والحديثة.
س6)) كيف تواجه الفتاوى غير الصحيحة: وما هو دور العلماء؟
ج6)) بالنظر لتعدد وسائل الإعلام وكثرتها وسهولة الدخول إليها من كل أحد تقريبا، وبخاصة الإنترنت، فقد كثر المفتون، وبعضهم على قدم عالية من العلم والتقوى، وبعضهم لم يصل إلى المرتبة اللائقة من العلم أو من التقوى، فتزل أقدامهم، وتنحرف أقلامهم أحيانا إلى غير حكم الله تعالى فيما يستفتون فيه، وهو خطأ فاحش، بل من أعظم الفواحش، وذلك لما لذلك من ضرر كبير على علاقات الناس بعضهم ببعض، وعلى عباداته لربهم سبحانه، فربا أفسدت فتوى خاطئة بين أخوين، أو بين زوجين، أو بين شريكين، أو جارين، من غير مبرر لذلك، وربما أفسدت عبادة يقوم بها العبد لربه، قال صلى الله عليه وسلم: (أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ) رواه الدارمي.
وواجب العلماء المخلصين المتخصصين في ذلك، هو بيان الخطأ وتصحيحه، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة، والدليل والبرهان، دون اتهام بالجهل أو الزيغ، لأن الغاية هي الإصلاح وليست العقاب.
وأما واجب أولياء أمور المسلمين، وأهل الحل والعقد فيهم، فهو تنظيم أمور الفتوى، وتشجيع الفتوى الجماعية (المجامع واللجان)، والحيلولة بين غير المؤهلين لها وبين التقدم بها، منعا من الشذوذ والانحراف، وحفاظا على صحة عبادات المسلمين ومعاملاتهم، مع بعضهم البعض، التي لا يجوز لهم الخروج بها عن حكم الله تعالى، لقوله سبحانه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب:36، وقوله سبحانه: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النحل: من الآية43.
والله تعالى أعلم.
الأحد 9 ذو القعدة 1428هـ و 18/11/2007م
أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية، وعضو هيئة الفتوى
في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت