العقوبة لمانع الزّكاة
من منع الزّكاة وهو في قبضة الإمام تؤخذ منه قهراً لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» رواه البخاري، ومن حقّها الزّكاة، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه بمحضر الصّحابة: "الزّكاة حقّ المال" وقال رضي الله عنه: (وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ فَقَالَ عُمَرُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ) رواه البخاري. وأقرّه الصّحابة على ذلك.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ مانع الزّكاة إذا أخذت منه قهراً لا يؤخذ معها من ماله شيء.
وذهب الشّافعيّ في القديم، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكرٍ عبد العزيز من أصحاب أحمد إلى أنّ مانع الزّكاة يؤخذ شطر ماله عقوبةً له، مع أخذ الزّكاة منه.
واحتجّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَلا يُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا قَالَ ابْنُ الْعَلاءِ مُؤْتَجِرًا بِهَا فَلَهُ أَجْرُهَا وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ لآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ» رواه أبو داود.
ويستدلّ لقول الجمهور بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ليس في المال حقّ سوى الزّكاة» رواه ابن ماجه. وبأنّ الصّحابة رضي الله عنهم لم يأخذوا نصف أموال الأعراب الّذين منعوا الزّكاة.
فأمّا من كان خارجاً عن قبضة الإمام ومنع الزّكاة، فعلى الإمام أن يقاتله، لأنّ الصّحابة قاتلوا الممتنعين من أدائها، فإن ظفر به أخذها منه من غير زيادةٍ على قول الجمهور كما تقدّم.
وهذا فيمن كان مقرّاً بوجوب الزّكاة، لكن منعها بخلاً أو تأوّلاً، ولا يحكم بكفره، ولذا فإن مات في قتاله عليها ورثه المسلمون من أقاربه وصلّي عليه.
وفي روايةٍ عن أحمد يحكم بكفره ولا يورث ولا يصلّى عليه، لما روي أنّ أبا بكرٍ لمّا قاتل مانعي الزّكاة، وعضّتهم الحرب قالوا: نؤدّيها، قال: لا أقبلها حتّى تشهدوا أنّ قتلانا في الجنّة وقتلاكم في النّار، ووافقه عمر. ولم ينقل إنكار ذلك عن أحدٍ من الصّحابة فدلّ على كفرهم.
وأمّا من منع الزّكاة منكراً لوجوبها، فإن كان جاهلاً ومثله يجهل ذلك لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنّه نشأ بباديةٍ بعيدةٍ عن الأمصار، أو نحو ذلك، فإنّه يعرّف وجوبها ولا يحكم بكفره لأنّه معذور، وإن كان مسلماً ناشئاً ببلاد الإسلام بين أهل العلم فيحكم بكفره، ويكون مرتدّاً، وتجري عليه أحكام المرتدّ، لكونه أنكر معلوماً من الدّين بالضّرورة.
هذا وعامة شراح حديث(آخذوها وشطر ماله) أنه منسوخ.
الرأي
وبعد ذلك أرى أن يؤخذ بمذهب الجمهور، ويطوى موضوع العقوبة، ولا يؤخذ من مانعي الزكاة إلا مقدارها دون زيادة، وذلك منعا من ذريعة تسلط البعض على أموال الناس بسبب ذلك.
والله تعالى أعلم.
أ.د. أحمد الحجي الكردي