زكاة الفطر وصلاة العيد .. واجبات وآداب
أيام قليلة ويبتهج المسلمون بقدوم عيد الفطر المبارك، ويسعدون بإتمام شهر الخير والبر والتقوى ، شهر النفحات والفيوضات والطاعات لله عز وجل، ويقدمون صدقة الفطر التي جعلها الشارع الحكيم في هذه الأيام مطهرة لصيام العبد من حدوث ما يخالف الصيام من آداب ومستحبات ...
التقينا الأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي، الخبير بالموسوعة الفقهية الكويتية، وعضو لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت لننهل من علمه حول هذه المعاني ..
بداية دكتور حفظكم الله ... ماذا عن زكاة الفطر، وعلى من تجب؟
زكاة الفطر هي: صدقة تجب بالفطر بعد رمضان، وحكمة مشروعيّتها الرّفق بالفقراء بإغنائهم عن السّؤال في يوم العيد، وإدخال السّرور عليهم في يوم يسرّ المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصّوم من اللّغو والرّفث، وذلك لما عن ابن عبّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قال: «فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصّائم من اللّغو والرّفث، وطعمةً للمساكين، من أدّاها قبل الصّلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصّلاة فهي صدقة من الصّدقات» وهي واجبة على كلّ مسلم، حر، كبير أو صغير، ذكر أو أنثى، صام أو لم يصم، إذا كان قادراً على دفعها زائداً عن ضرورياته عند جمهور الفقهاء، سواء كان يملك النصاب أو لا.
وقال الحنفية تجب على كل من ملك النصاب من أي مال كان، ولا تجب على من لم يملك النصاب.
واستدلّ الفقهاء على وجوبها بما رواه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على النّاس صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعيرٍ، على كلّ حرٍّ، أو عبدٍ، ذكرٍ أو أنثى من المسلمين».
وقد ذهب الحنفيّة إلى أنّ زكاة الفطر يجب أن يؤدّيها المسلم عن نفسه، وعن كلّ من تلزمه نفقته ويلي عليه ولايةً كاملةً، وهم أولاده الصغار الفقراء فقط، فلا تجب عليه عن زوجته، ولا عن والديه، أو أولاده الكبار، أو أولاده الصغار الأغنياء.
وذهب الشّافعيّة والحنبلية إلى أنّ صدقة الفطر يخرجها الشّخص عن نفسه، وعن كلّ من تجب عليه نفقته من المسلمين، لقرابةٍ، أو زوجيّةٍ، أو ملكٍ.
وماذا عن وقت إخراجها، وما المقدار الذي يجب إخراجه ونوعها، وهل يجوز إخراج القيمة ؟
أما وقت وجوب زكاة الفطر، فقد ذهب الحنفيّة إلى أنّه طلوع فجر يوم العيد، وهو أحد قولين مصحّحين للمالكيّة، وعليه فكل من ولد قبل ذلك وجبت عنه صدقة الفطر، وكل من مات قبل ذلك سقطت عنه صدقة الفطر .
أما عن وقت وجوب أدائها، فقد ذهب جمهور الحنفيّة إلى أنّ وقت وجوب أداء زكاة الفطر موسّع؛ لأنّ الأمر بأدائها غير مقيّدٍ بوقتٍ، كزّكاة المال، فهي تجب في مطلق الوقت، وإنّما يتعيّن بتعيّنه، ففي أيّ وقتٍ أدّى كان مؤدّياً لا قاضياً، غير أنّ المستحبّ إخراجها قبل الذّهاب إلى المصلّى، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أغنوهم في هذا اليوم» .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنبلية والحسن بن زيادٍ من الحنفيّة إلى أنّ وقت وجوب الأداء مضيّق كالأضحيّة، فمن أدّاها بعد يوم العيد بدون عذرٍ كان آثماً، واتّفق جميع الفقهاء على أنّها لا تسقط بخروج وقتها، لأنّها وجبت في ذمّته لمن هي له، وهم مستحقّوها، فهي دين لهم لا يسقط إلاّ بالأداء، لأنّها حقّ للعبد، أمّا حقّ اللّه في التّأخير عن وقتها فلا يجبر إلاّ بالاستغفار والنّدامة.
وأما عن إخراجها قبل وقتها فقد ذهب المالكيّة والحنبلية إلى أنّه يجوز تقديمها عن وقتها يومين، لقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "كانوا يعطون صدقة الفطر قبل العيد بيومٍ أو يومين".
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يسنّ إخراجها قبل صلاة العيد ويكره تأخيرها عن الصّلاة، ومحرّم تأخيرها عن يوم العيد بلا عذرٍ، لفوات المعنى المقصود، وهو إغناء الفقراء عن الطّلب في يوم السّرور، فلو أخّرها بلا عذرٍ عصى وقضى، لخروج الوقت.
وروى الحسن بن زيادٍ عن أبي حنيفة أنّه يجوز تقديمها عن وقتها سنةً أو سنتين كالزّكاة.
وذهب بعض الحنفيّة إلى أنّه يجوز تقديمها في رمضان فقط، وهو قول مصحّح للحنفيّة.
وأما المقدار الواجب فيها عن كل فرد، فقد اتّفق الفقهاء على أنّ الواجب إخراجه هو صاع من جميع الأصناف الّتي يجوز الإخراج منها، عدا القمح والزّبيب، فقد اختلفوا في المقدار فيهما فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنبلية، إلى أنّ الواجب إخراجه من القمح هو صاع منه، وهو ما يساوي 2،5 كغ تقريبا، وذهب الحنفية إلى الاكتفاء بنصف صاع من القمح.
ثم إن الجمهور من الفقهاء على وجوب إخراجها عيناً من غالب قوت البلد، من القمح أو الأرز أو التمر أو ... ولا يجوز إخراج القيمة نقداً.
وقال الحنفية: لا مانع من إخراجها عيناً أو نقداً، والنقد أفضل، لما فيه من زيادة منفعة للفقير.
لمن تصرف زكاة الفطر وهل مصارفها هي نفس مصارف الزكاة المفروضة ؟
ذهب الجمهور إلى جواز قسمتها على الأصناف الثّمانية الّتي نصت عليها الآية الكريمة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:60).
وذهب المالكيّة وهو رواية عن أحمد واختارها ابن تيميّة إلى تخصيص صرفها بالفقراء والمساكين فقط.
وذهب الشّافعيّة إلى وجوب قسمتها على الأصناف الثّمانية، أو من وجد منهم.
والأفضل في زكاة الفطر أن توزع في البلد الذي يقطنه المسلم عند الفطر، سواء أكان ماله فيه أم لم يكن؛ لأنّ الّذي وجبت عليه هو سبب وجوبها، فتفرّق في البلد الّذي سببها فيه، ولو نقلها إلى بلد آخر، فإن كان من أجل إعطائها لأرحامه أو لمن هم أحوج إليها من فقراء بلده فلا مانع من ذلك، وإلا كره له ذلك.
فضيلة الدكتور أيام قليلة ويحفنا عيد الفطر المبارك .. ماذا عن آداب العيد، وما يجب على المسلم أن يفعله في هذه الأيام ؟
اختلف الفقهاء في حكم صلاة العيد: ما بين سنة مؤكدة وواجبة وفرض كفاية ، وصلاة العيد ركعتان خلف الإمام كباقي الصلوات، يكبر الإمام في الركعة الأولى بعد دعاء الاستفتاح ثلاث مرات جهراً، وفي قول سبع مرات، ويكبر في الثانية مثل ذلك بعد القراءة، وقال البعض يكبر قبل القراءة.
ووقت صلاة العيد هو من ضحوة النهار، بعد شروق الشمس بثلث ساعة تقريباً، إلى ما قبل الزوال.
ويسن أن يقرأ الإمام في الركعة الأولى سورة (سبح اسم ربك الأعلى)، وفي الثانية سورة (الكافرون).
وللعيد آداب ينبغي للمسلم أن يتحلى بها ما أمكنه ذلك، منها:
التّكبير: التّكبير في العيدين يكون في أثناء الصّلاة وفي الطّريق إليها وبعد انقضائها. أمّا التّكبير في الغدوّ إليها، فقد ذهب الفقهاء إلى مشروعيّته عند الغدوّ إلى الصّلاة في المنازل والأسواق والطّرق إلى أن تبدأ الصّلاة.
وأمّا التّكبير في أثناء صلاة العيد - التّكبيرات الزّوائد - فهي سنّة عند جمهور الفقهاء، واجبة عند الحنفيّة.
وأمّا التّكبير في أدبار الصّلاة فلا خلاف بين الفقهاء في مشروعيّته في أيّام التّشريق، وهو مندوب عند جمهور الفقهاء، وواجب عند الحنفيّة.
ويستحبّ الاغتسال للعيد والتطيب ولبس أحسن ما عنده من الثياب، لما روى ابن عبّاس والفاكه بن سعد رضي الله عنهم: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر والأضحى» وما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوب مهنته لجمعته أو لعيده».
والتّهنئة بيوم العيد، فيهنئ الأرحام والأقارب والجيران والأصحاب بالزيارة أو بأي طريق من طرق التهنئة الأخرى على قدر الإمكان.
في الختام نشكر باسمكم الأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي، الخبير بالموسوعة الفقهية الكويتية، وعضو لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت، ونسأل الله العلي العظيم أن يتقبل منا صالح الأعمال، ويرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.