2008-06-15 • فتوى رقم 30523
لقد كثر اللغط في الآونةالأخيرة حول حكم الشريعة الإسلامية في ختان النساء، هل هو واجب أم سنة أم مكروه أم حرام، وهل يجوز منعه وتجريم فاعله، حتى أذيع في بعض الإذاعات أن بعض الدول الإسلامية حرمته، وجرمت فاعله بالسجن أو غيره، فما هو الحكم الصحيح؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
بادئ ذي بدء أريد أن أبين أن ختان النساء على نوعين، ختان فرعوني، وختان إسلامي.
فأما الختان الفرعوني فهو قطع جزء من بظر المرأة، وهو مؤذ لها، ومقلل لتمتعها بزوجها.
والنوع الثاني ختان إسلامي، وهو شق أو قطع جزء من الجلدة التي فوق بظر المرأة، وهي المسماة ب(عرف الديك) دون مساس بالبظر نفسه، وهو أنشط لغريزة المرأة وأحظى لاستمتاعها بزوجها، دون أي ضرر عليها في ذلك.، مثله مثل ختان الرجل.
فالأول حرام، ويمكن تجريمه ومعاقبة فاعله، لما فيه من الضرر والمثلة.
والثاني اختلف الفقهاء في حكمه، وقد بينت الموسوعة الفقهية الكويتية في مصطلح ختان أقوال الفقهاء في ختان الرجال والنساء عامة، كما يلي:
اختلف الفقهاء في حكم الختان على أقوال:
القول الأوّل:
ذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو وجه شاذّ عند الشّافعيّة، وروايةً عن أحمد: إلى أنّ الختان سنّة في حقّ الرّجال وليس بواجب، وهو من الفطرة ومن شعائر الإسلام، فلو اجتمع أهل بلدة على تركه حاربهم الإمام، كما لو تركوا الأذان.
وهو مندوب في حقّ المرأة عند المالكيّة، وعند الحنفيّة والحنابلة في رواية يعتبر ختانها مكرمةً وليس بسنّة، وفي قول عند الحنفيّة: إنّه سنّة في حقّهنّ كذلك، وفي ثالث: إنّه مستحبّ.
واستدلّوا للسّنّيّة بحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما مرفوعاً: «الختان سنّة للرّجال مكرمة للنّساء» رواه الإمام أحمد .
وبحديث أبي هريرة مرفوعاً: «خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقصّ الشّارب» متفق عليه.
وقد قرن الختان في الحديث الشريف بقصّ الشّارب وغيره، وليس ذلك واجباً.
وممّا يدلّ على عدم الوجوب كذلك أنّ الختان قطع جزء من الجسد ابتداءً، فلم يكن واجباً بالشّرع، قياساً على قصّ الأظفار.
القول الثّاني:
ذهب الشّافعيّة والحنابلة، وهو مقتضى قول سحنون من المالكيّة، إلى أنّ الختان واجب على الرّجال والنّساء.
واستدلّوا للوجوب بقوله تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:123)، وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنةً بالقدوم» متفق عليه، وأمرنا باتّباع إبراهيم صلى الله عليه وسلم أمر لنا بفعل تلك الأمور الّتي كان يفعلها فكانت من شرعنا.
وورد في الحديث كذلك: «ألق عنك شعر الكفر واختتن» رواه أبو داود وأحمد.
قالوا: ولأنّ الختان لو لم يكن واجباً لما جاز كشف العورة من أجله، ولما جاز نظر الخاتن إليها وكلاهما حرام، ومن أدلّة الوجوب كذلك أنّ الختان من شعار المسلمين، فكان واجباً كسائر شعارهم.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى الختانان وجب الغسل» رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، دليل على أنّ النّساء كنّ يختتنّ، ولأنّ هناك فضلةً فوجب إزالتها كالرّجل.
ومن الأدلّة على الوجوب أنّ بقاء القلفة يحبس النجاسة ويمنع صحّة الصّلاة فتجب إزالتها.
القول الثّالث:
هذا القول نصّ عليه ابن قدامة في المغني، وهو أنّ الختان واجب على الرّجال، ومكرمة في حقّ النّساء، وليس بواجب عليهنّ.
ومن خلال ما تقدم نرى أن الفقهاء مجمعون على شرعية ختان المرأة، ولم يقل واحد منهم بكراهته أو تحريمه، وأن بعضهم جعله مكرمة أو سنة، وبعضهم جعله واجبا وفرضا من فروض الله تعالى على عباده، وكلهم فقهاء أتقياء مشهود لهم بالاجتهاد.
وعليه فلا سبيل إلى تحريم ختان النساء ولا على كراهته أو تجريم فاعله وعاقبته.
وقد هالني جدا قول سمعته على إحدى الفضائيات لأحد المنتمين إلى العلم يفتي فيه بتحريم ختان المرأة، ويقول: لقد أذن رسول الله به في يومه قبل أن يعرف أنه ضار، أما وقد ثبت ضرره لدى الأطباء اليوم فهو حرام لذلك، أخذا بالحديث الشريف (لاضرر ولا ضرار)، كيف يقول هذا الرجل هذا القول، ألم يعلم أن الرسول موحى إليه من الله تعالى، وأن الله تعالى يعلم ما يضر وما ينفع، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهل يمكن أن يكون الأطباء أعلم من الله تعالى؟؟؟
هذا إذا لم تكن الحالة الصحية للمرأة معتلة يضرها الختان، وهو أمر قد يعتري بعض النساء لأسباب خاصة، ولا يمكن أن يكون عاما فيهن، وفي هذه الحال يمنع الختان للمرأة أو يؤجل إلى حين شفائها وتمكنها من فعله من غير ضرر عليها.
ويجب التنبه هنا إلى أن الختان الواجب أو المسنون عند الفقهاء هو الختان الإسلامي وليس الختان الفرعون الضار والمحرم.
وعلى أولياء الفتاة عند ختانها أن يوكلوه إلى امرأة متخصصة في ذلك، وبشروط صحية مأمونة، بعدا عن الوقوع في بعض الأضرار الجانبية.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.