2008-02-16 • فتوى رقم 26864
السلام عليكم ورحمة الله
استفسار من فضلكم: لماذا خنق جبريل محمد صلى الله عليه وسلم أثناء نزوله عليه؟ وهل هو حقا جبريل؟
ثانيا لماذا انقطع الوحي عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهل حقا فكر عليه الصلاة والسلام في الانتحار؟
جزاكم الله خيرا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
روى البخاري في صحيحه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت: (( كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء فيتحنث فيه - قال والتحنث التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنا بقارئ )، قال: (فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: { اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم} الآيات إلى قوله تعالى {علم الإنسان ما لم يعلم)
وفي البخاري أيضا ((... وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه و سلم _فيما بلغنا_ حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك))
فلقد ضم جبريل (عليه السلام) فعلاً رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فاجأه بنزوله عليه، والحكمة من ذلك أن يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلم الناس من بعده أن الوحي ظاهرة حقيقية خارجة عن ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومستقلة عن شخصيته، فلا يخيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه توهم أو تخيل أو...، ولقد زعم المستشرقون _عند حديثهم عن الوحيّ_ أن الوحي ظاهرة نفسية وإشراق روحي لم يتجاوز شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو _كما زعموا_ حالة نفسية أثمرتها عزلته وتفكره صلى الله عليه وسلم، وأنكروا أن يكون جبريل هو النازل عليه صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الضم الشديد (الذي فعله جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكان انقطاع الوحي عنه صلى الله عليه وسلم حتى حزن حزنا شديدا) برهانين واضحين ودليلين قطعيين على أن الوحي ظاهرة خارجة عن ذاته صلى الله عليه وسلم تمثلت بنزول جبريل عليه السلام عليه، وليس الوحي أخيلة نفسية، ولا إشراقا روحيا إذ لو كان كذلك لما كان هذا الضم أولا، ولما كان الحزن منه صلى الله عليه وسلم (لانقطاع الوحي) عنه ثانيا.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.