فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي الخبير في الموسوعة الفقهية وعضو هيئة الفتوى في دولة الكويت حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فقد جد جديد في موضوع الحكم القضائي بالطلاق، إذ كانت أحكام القضاة بالطلاق بين الزوجين للشقاق أو غيره تكون قطعية لا تقبل الطعن بأي من طرق الطعن، ولكن الآن تغير الأمر، فأحكام الطلاق التي تصدر عن المحاكم الشرعية في سوريا وكثير من البلدان العربية ليست قطعية، وتقبل الطعن في الاستئناف أو التمييز، ثم إما أن تصدق بعد ذلك، أو تنقض.
فهل تعد المرأة المحكوم بطلاقها –رجعيا كان أو بائنا- مطلقة من تاريخ صدور الحكم البدائي من المحكمة الشرعية، وبالتالي تلزمها العدة من تاريخه، أو لا تعد مطلقة ولا تلزمها العدة حتى يصبح الحكم بالطلاق قطعيا، إما بمرور مدة الاعتراض عليه دون اعتراض من أي من طرفيه، أو بتصديقه من قبل المحكمة الأعلى، الاستئناف أو التمييز، ثم إذا قلنا إنها تطلق من تاريخ الحكم الأول، فهل لها الزواج من غير المطلقة منه بعد مضي عدتها ولو نقض الحكم بالطلاق بعد ذلك؟؟
الجـــــــــــواب:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد عرض هذا الموضوع عليَّ من قِبَل بعض قضاة الشرع قبل بضع سنين، وبعد الدراسة رأيت أن الحكم البدائي من قبل القاضي الشرعي بالطلاق هو طلاق معلَّق ضمنا على شرط أن يصبح الحكم قطعيا بعد ذلك، إن بمرور مدة الاعتراض من غير اعتراض أي من طرفيه عليه، أو بتصديقه من قبل المحكمة الأعلى ذات الاختصاص في ذلك، فإذا أصبح الحكم بالطلاق قطعيا بأي من الطريقين السابقين، فقد وقع الطلاق بين الزوجين من تاريخ ذلك، ووجبت العدة عندها على المطلقة من هذا التاريخ، وقبل ذلك تبقى المحكوم بطلاقها حكما بدائيا غير قطعي زوجة لمن حكم عليه بطلاقها منه.
وقد قدمت هذا الجواب لهؤلاء القضاة، فارتضوه، وأمروا بالحكم به، ومشى القضاء في دولة الكويت على ذلك.
ثم وفقني الله تعالى في أثناء قراءتي في كتاب المدخل الفقهي العام لأستاذنا مصطفى الزرقاء، في بحث نظرية العرف، أن رأيته قرر مثل ما قلته وأجبت به سابقا، من غير زيادة أو نقصان، فسررت من ذلك التوافق سرورا بالغا، وذلك لما لأستاذنا الكبير المرحوم الزرقاء من فقهية عالية ومكانة مرموقة عند عامة رجال القضاء والفتوى في عالمنا الإسلامي.
وعليه فأرى أن على القضاة الشرعيين أن ينصوا عند نطقهم بالحكم بالطلاق بين زوجين لأي من أسباب التفريق بينهما، على معنى ما يلي: (نحكم بطلقة رجعية أو بائنة بين الزوجين ....... حكما قابلا للطعن في محكمة ....... ونأمر فلانة ...... المحكوم بطلاقها بالعدة فور وصول هذا الحكم إلى الدرجة القطعية، وذلك بمرور مدة الاعتراض من غير اعتراض أي من الطرفين على الحكم، أو بتصديقه من محكمة ..... وقبل ذلك تعد الزوجية بين المتداعيين باقية على حالها).
وأستبعد صحة ما عليه العمل في بعض المؤسسات القضائية، من أمر قضاة الدرجة الأولى المرأة المحكوم بطلاقها بالعدة فور صدور الحكم القابل للطعن، وذلك لما لهذا التصرف من عواقب سيئة وخطيرة، منها أن الاعتراض قد ينتهي إلى نقض الحكم بعد سنة أو أكثر، وتكون العدة منتهية منذ زمن بعيد قبل نقض الحكم، فما هو حال المرأة في هذه الحال، هل هي زوجة أو مطلقة؟؟، وقد يصدَّق الحكم بالطلاق من قبل المحكمة الأعلى، فهل يلزم المرأة المحكوم بطلاقها بعد تصديق الحكم بعدة جديدة، أو تكفيها العدة السابقة على تصديق الحكم بالطلاق؟؟ وماذا لو تزوجت المحكوم بطلاقها بعد نهاية عدتها برجل غير مُطلِّقها، ثم نقض الحكم بالطلاق؟؟
والله تعالى أعلم.
الأربعاء 18 شعبان 1429هـ و 20/8/2008م
أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية
وعضو هيئة الفتوى في دولة الكويت
وأستاذ في جامعة دمشق سابقا