هكذا محق الله تعالى الربا
في الأزمة المالية العالمية
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
قال الله تعالى في محكم تنزيله: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة:276).
صدق الله العظيم، وكذب المفترون على الله تعالى والجاهلون به والكافرون بنعمه، فقد آن للعالم أجمع أن يعود إلى الإيمان بالله تعالى والتسليم لأحكامه التي أنزلها لسعادة البشرية عامة، وتوفير الخير لها، ووقايتها من أخطاء نفسها ونزوات الشيطان، فقد حصحص الحق وبطل السحر وانكشف الافتراء على الله تعالى، وظهر للعالم كله زيف الحضارة المنحرفة عن شرع الله تعالى، والمخالفة لدينه، فهذه دول الغرب وعلى رأسها أمريكا أغنى الدول وأكثرها ثراء وتملكا للثروات وتحكما في مقدرات البشر، انكشف الغطاء عنها وعن أوهام كانوا يُروِّجونها على البشرية، ويدعون بها الحضارة والتقدم والرقي وينالون ممن يخالفونهم الرأي ويلحون عليهم باللائمة، ويتهمونهم بالتخلف والجمود والرجعية والغباء، وكان الأغبياء من المسلمين ينخدعون بهذه الأكاذيب والألاعيب، ولكن إرادة الله تعالى فوق كل إرادة، شاء المبطلون أو الجاهلون أو أبوا، فإن للباطل جولة ثم يضمحل، وقد ظهر للعالم أجمع سقوط الجبار الذي لا يغلب، والغني الذي لا يفتقر، وما ذلك إلا لوقوفه على شفا جرف هار فانهار به عند أول صاعقة من السماء تنذر من خالف شرع الله تعالى بالدمار والخراب، فهذه بنوك أوربا وأمريكا تنكشف أمام عامة الناس عن إفلاس ما بعده إفلاس، وخسارة ما بعدها خسارة، خسارة لا تكاد تستطيع الصمود أمامها غمضة عين، مما دعاها إلى طلب النجدة والمساعدة من عامة دول الأرض، لترقع بها ثوبها وتستر بها عورتها.
أما آن للعالم أجمع أن يدرك السر الدفين وراء هذا الانكشاف اللعين، إنه الربا الذي حرمه رب العالمين، وجعله من أكبر الكبائر، وجعل من يمتهنه محاربا لله تعالى ورسوله محمد صلى الله تعالى عليه وسلم: قال تعالى في كتابه الكريم:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (البقرة:279).
آمنا بك يا ألله، وصدقناك، ونسألك بحق عرشك وملكوتك أن توفق العالم كله للرجوع إليك، والاحتكام لشرعك، ليعود للعالم أخوته التي خلقته عليها، وصفاءه وتحاببه وتوادده ووحدته، مصداقا لقولك سبحانك: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ، فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:213)، وقولك جل جلالك: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92).
((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) (قّ:37)
والحمد لله رب العالمين.
السبت 18 شوال 1429هـ و 18/10/2008م
أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية وعضو هيئة الفتوى
في دولة الكويت