لماذا نجت المصارف الإسلامية
من الانهيارات المالية؟؟
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
العاقل من اتعظ بغيره، والجاهل من اتعظ بما حصل له، والجاهل جهلا مركبا من لم يتعظ بشيء.
لقد انكشف لكل ذي لب ما حصل للعالم في الآونة الأخيرة من انهيار مالي شنيع، فقد أفلس الكثير من بنوك العالم المتقدم والمتحضر والراقي والثري- في نظر البعض- بل إن الذي انكشف هو أكثر البنوك غنى، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الانكشاف سرى إلى العديد من بنوك العالم ومؤسساته المالية والاستثمارية، وأُعلن إفلاس الكثير منها، وطلب النجدة والمساعدة الأكثر ممن يخشى الانكشاف والإفلاس، والجميع تهاوى من غير حذر، وتشكى من غير خجل، والعقلاء يتفكرون في أسباب ذلك، فيعزونها مرة إلى هذا السبب، ومرة إلى هذا السبب، رجما بالغيب، والكل يتوقى أن يعزوها إلى الربا الذي حرمه الله تعالى وجعله من باب أكل أموال الناس بالباطل، والكثيرون لا يعيرون انتباها لذلك، ولا يلتفتون إليه، ولا يزالون يغضون عنه، ويصفون من يتحدث به بالرجعية والتخلف الحضاري، كالنعامة إذا أصابها الخطر وضعت رأسها في التراب ظنا منها أن عدوها لن يراها، ولكن نظرة واعية حصيفة لما تتألق به البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية في العالم كله، وما تتمتع به من حماية إلهية من مثل هذه النكبات والزلات والخذلان الشنيع، كافية لمعرفة الحقيقة الخالدة، هي البعد عن الربا، والنظر في مصالح المستهلكين قبل النظر في مصالح المستثمر، وفي مصالح الفقراء قبل مصالح الأغنياء، فالتجارة شرعها الله تعالى وأباحها وندب إليها لتأمين مصالح عامة الناس، لا لزيادة أموال الأثرياء، ولا بأس بالثروة بعد ذلك لا قَبله، فهذه المؤسسات المالية الإسلامية التي تبتعد عن الربا في معاملاتها، وتنظر في مصالح المستهلكين قبل النظر في مصالح الأثرياء والستثمرين، تعيش بفضل الله تعالى في وقايته وحفظه، وحمايته ورعايته، لم يصبها ما أصاب غيرها من الدمار والإفلاس، ولا يعني أن ظاهرة الانهيار المالي لم تصب المؤسسات الإسلامية بشيء مطلقا، بل أصابها بعض ذلك، وهو أمر بين، فالعالم متواصل في كل عصوره وبخاصة في عصر العولمة، ولكن القليل مغتفر في مثل هذه الأمور، قال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (لأنفال:25).
نسأل الله تعالى أن يحفظ المسلمين والعالم كله من شر الربا، وأن يلهم الجميع الصواب والعود إلى نظام الإسلام المالي والاجتماعي والتربوي والعقدي، إنه سميع مجيب، وهو خير مأمول.
((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) (قّ:37)
والحمد لله رب العالمين.
السبت 18 شوال 1429هـ و 18/10/2008م
أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية وعضو هيئة الفتوى
في دولة الكويت