السيد .......... حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فجوابا على كتابكم الكريم المؤرخ في 28/10/2007م ذي الرقم .......
نجيب بما يلي:
الربا شرعا على نوعين: ربا النَّساء، وربا الفضل، والأول هو المعني هنا، وهو ربا النَّساء، ومعناه ربا الدين، فعندما يقرض شخص آخر - فردا كان أو شركة أو مؤسسة أو.... - مبلغا من المال، على أن يرده له بعد مدة معينة بأكثر منه، أو عندما يثبت له عليه دين محدد بسبب بيع أو غيره، فيمهله مدة في سداده مقابل زيادة في مبلغه، مهما كانت الزيادة، قليلة كانت أو كثيرة، فهو من الربا المحرم، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : (كل قرض جر نفعا فهو ربا) رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث الشريف وإن كان في سنده مقال، إلا أنه متواتر معنى لدى الفقهاء-، ولإطلاق النصوص المحرمة للفائدة، من غير تحديد نسبة معينة للتحريم بها، من ذلك قوله تعالى: (وَحَرَّمَ الرِّبا) البقرة: من الآية 275، فشمل لذلك القليل والكثير.
وقد اتفقت الأمة الإسلامية سلفا وخلفا على تحريم ربا النساء المتقدم، وجعلته من أشد المحرمات، لقوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة: 275، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعله أشد حرمة من الزنا، فقال صلى الله عليه وسلم : (دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً) رواه الإمام أحمد في مسنده.
كما اتفقت الأمة الإسلامية أيضا بشتى أقطارها ومذاهبها على أن فوائد البنوك التقليدية من ربا النساء الذي حرمه القرآن الكريم، كثيره وقليله، سوى آراء انفرادية كانت تظهر بين الفينة والفينة، تزعم أن فوائد البنوك التقليدية ليست داخلة في ربا النساء المحرَّم شرعا، وقد رد هذه الشبهات أعلام الأمة سابقا ولاحقا، ولم يأبهوا لها، ولم يعولوا عليها، واتفقوا على أنها لا تشكل خلافا بين الفقهاء، لتهافت الشبهات التي أدلوا بها.
وقد نصت على ذلك فتوى لجنة الأمور العامة للفتوى في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بفتواها رقم 42/ع/2003م ونصها: (إن فوائد البنوك التقليدية من الربا المحرم شرعا، باتفاق فقهاء العصر، وعامة المجامع الفقهية، لذا فإن اللجنة ترى أن الموضوع لم يعد محلا للاجتهاد، ولا محلا للاختلاف فيه) .
كما سارت على ذلك الهيئة العالمية لبيت الزكاة في فتاواها كلها، وهي مُلزمِة قانونا لإدارة بيت الزكاة، ولا سبيل لها إلى مخالفتها.
وأقر ذلك المجمع الفقهي التابع لمنظمة العالم الإسلامي في جدة، بقراره رقم (3) في مؤتمره الثاني المنعقد في جده من 10-16/ربيع الثاني 1406هـ الموافق 22-28/ديسمبر 1985م. وجاء فيه ما يلي: (إن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي أجله وعجز عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة (أو الفائدة) على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعا، وإن البديل الذي يضمن السيولة والمساعدة على النشاط الاقتصادي حسب الصورة التي يرتضيها الإسلام هو التعامل وفقا لأحكام الشريعة. وقرر المجلس التأكيد على دعوة الحكومات الإسلامية إلى تشجيع المصارف التي تعمل بمقتضى الشريعة الإسلامية، والتمكين لإقامتها في كل بلد إسلامي لتغطي حاجة المسلمين كيلا يعيش المسلم في تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته).
وكذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 133/7/14 في دورته الرابعة عشرة من 8 إلى 13/من ذي القعدة 1423هـ الموافق 11-16 من كانون الثاني 2003م حيث جاء فيه ما يلي:
إن القوانين المنظمة لعمل البنوك تمنعها من العمل في مجال الاستثمار القائم على الربح والخسارة، فهي تتلقى الودائع من الجمهور بصفتها قروضا، وتحصر وظائفها –كما يقول القانونيون والاقتصاديون- في الإقراض والاقتراض بفائدة، وخلق الائتمان بإقراض تلك الودائع بفائدة.
كما جاء فيه: إن فوائد البنوك على الودائع من الربا المحرم شرعا في الكتاب والسنة.
ولجنة الإفتاء بالأزهر الشريف أكدت على حرمة عوائد شهادات الاستثمار(آ ، ب) لأنها من باب القرض بفائدة، والقرض بفائدة ربا، والربا حرام.
وقد أفتى فضيلة مفتي مصر الشيخ محمد سيد طنطاوي في رجب 1904هـ الموافق فبراير 1989م بحرمة إيداع الأموال في البنوك أو إقراضها أو الاقتراض منها بأي صورة من الصور مقابل فائدة محددة مقدما.
وكذلك مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف في مؤتمره الثاني في عام 1961م، وقد نص على ما يلي: (الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي، وكثير الربا في ذلك وقليله حرام، والإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك).
وقد تنبهت بنوك كثيرة، وفعاليات اقتصادية كبيرة في دولة الكويت، وفي الكثير من الدول الإسلامية، إلى خطورة الربا، والاتفاق على تحريمه، وتشوفت إلى تحويل بنوكها التقليدية إلى بنوك إسلامية خالية من الفوائد الربوية، وقد أثبتت التجارب الإسلامية في الكويت جدية وأصالة هذا المنهج الاقتصادي الإسلامي، ومنها قيام بيت التمويل الكويتي منذ بضع سنين، ثم بنك بوبيان الإسلامي، ثم أخيرا البنك الدولي الإسلامي.
بل إن الكثير من الدول الأجنبية أدركت خطورة الفوائد الربوية التقليدية، وجنحت إلى إقامة العديد من البنوك الإسلامية في بلادها، وقد أثبتت هذه البنوك الإسلامية جدارتها وقدرتها على حماية الاقتصاد وتنميته بطرق إسلامية خالية من الربا، بل وتفوقت في ذلك على البنوك التقليدية، والحمد لله رب العالمين، وهو توجه إسلامي يدعمه ويؤيده جميع الفعاليات العلمية والاقتصادية الإسلامية في كل أنحاء العالم الإسلامي، وللكويت –والحمد لله رب العالمين- في ذلك قصب السبق، والقدح المعلى.
ولهذا، فإننا بعد ما بيناه لفضيلتكم، نتمنى أن تكونوا عونا لعامة المسلمين في إنشاء البنوك والمؤسسات الاقتصادية التي تقوم على الأسس الإسلامية، والعمل على تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك إسلامية، حفاظا على المصالح العامة، وإرضاء لرب العالمين، الذي أحل البيع وحرم الربا بقوله سبحانه: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة:275.
والله تعالى ولي التوفيق.
السبت، 15 ذو القعدة، 1428هـ و 24/11/2007م
أ.د.أحمد الحجي الكردي