ضيف الحلقة : أ . د . أحمد الحجي الكردي
أستاذ بكلية الشريعة ( جامعة دمشق )
خبير الموسوعة الفقهية في دولة الكويت
عضو هيئة الفتوى في وزارة الأوقاف الكويتية
أ. المطوع : السلام عليكم ، نرحب بكم أيها الإخوة المشاهدون في حلقة جديدة من برنامجكم البيوت السعيدة وشعارنا الذي نرفعه دائماً : حتى تصبح السعادة عادة موضوعانا اليوم من المواضيع المهمة جداً وكثير من المشاكل تحدث بعد وفاة رب الأسرة وكثير من القصص من تفكك أسري، وضياع الأبناء وكراهية الإخوة والأخوات والأقارب تأتي بعد وفاة رب الأسرة واكتشاف الوصية أو اكتشاف أن الشركات قد تم بيعها للذكور دون الإناث ونحن نترحم على كل ميت ونهايتها جميعا إنما هي الموت ، فنحن نقول الله يرحمك وتكون رحمة الله إن كانت أفعال الإنسان جميلة وعادلة ويسرنا أنا نستضيف الدكتور أحمد الحجي الكردي ، فأهلاً بك دكتور وفي البداية نود أن نعرف انطباعك عن عنوان حلقتنا اليوم ؟
د. أحمد : عنوان جميل لأن أجمل ما يتوج به الإنسان أعماله في الدنيا هي رحمة الله سبحانه وتعالى ، وكلنا إلى هذا متجهون ، فأسال الله لنا الرحمة والجنة .
معني التركة
أ. المطوع : بداية .. ما هي التركة ؟ وما هو معناها ؟ وما هي أنواعها ؟
د. أحمد : التركة ما يتركه المتوفى من مال بعد وفاته وهذا القيد يدلنا على أن أموال الإنسان في حياته لا يطلق عليها اسم تركة وتكون أمولا ومملوكات فإذا توفي صار اسمها تركة .
والتركة تضم كل ما يملكه من أموال أما الحقوق المجردة التي كان يتمتع بها في حياته كحقه في السفر وحقه في الوظيفة فهذه ليست بأموال و لا تملك ولا تنتقل إلى الورثة وإنما هي حقوق تختص به في حياته فإذا مات ألغيت وهذا ليس خاصا بالتركة الإسلامية بل هو نظام عام في الدنيا كلها .
توزيع المال في حال الحياة
أ. المطوع : أحيانا يعمد الآباء وخوفا منهم من تفرق الأبناء فيقوم بكتابة الوصية ومن بين الوصية يقسم التركة كما يشاء هو وبعد وفاته يكتشف الأبناء أنه أعطي لأحد الأبناء السدس والأخر الثمن ونحو ذلك لم يعتمد في تقسيمه على النصاب الشرعي الإرث فما هو الحكم في ذلك ؟
د. أحمد : أقول كمقدمة ليس في الدنيا نظام يحافظ على ترابط الأسرة وتماسكها كالنظام الإسلامي ومن محافظته على ذلك أنه نظر على توزيع التركة على الأولاد نظرة فاحصة عميقة عقلانية موضوعية لتؤمن للأولاد توداً وتحابا خلال حياة المورث وبعد وفاته والسؤال هو هل من المستحسن أن يوزع الإنسان أمواله حال حياته ام يتركها على حالها حتى إذا توفاه الله وزعها على الورثة وفق نظام معين ؟ ثم إذا أراد توزيعها في حياته هل يلتزم بأحكام المواريث فيوزعها كما وزعها الله بعد وفاته أم له الحرية في التوزيع كيفما يشاء ؟
استطيع القول إن توزيع الإنسان أمواله في حياته له بعض الإيجابيات وبعض السلبيات وتركه أمواله لتوزع بعد وفاتته على الورثة وفق النظام الإلهي له كثير من الإيجابيات وبعض السلبيات وتختلف كثرة الإيجابيات والسلبيات بين هذين الأمرين حسب ظروف الحال والذي أراه منسجماً مع الاتجاه الإسلامي أن يوزع الرجل جزءاً من أمواله في حال حياته فإذا كان غنياً وكثير المال وكثير الأسرة فيستحسن أن يضع بعض المال بين يدي ورثته وأقاربه فيسعدون يشكر له هذا الصنيع وهذا مما يزيد الترابط الأسري ويترك قسماً كبيراً إلى ما بعد وفاته ليوزع وفق النظام الإسلامي .
الآن نعود فنقول : إذا أراد أن يوزع في حياته فما هو النظام الذي ينبغي أن يلتزم به ؟ بكل تأكيد يجب ألا يوزع إلا بعداله والسؤال هنا هل العدالة أن يسوي بين الذكور والإناث ؟ أم العدالة أن يعطي للذكر مثل حظ الأنثيين ؟
الفقهاء في هذا على قولين : قول بأن كل الهبات في الحياة يستوي فيها الذكر والأنثى فلا يفاضل بينهما ويؤجر ولا يأثم وقول بأن الهبات في الحياة كما في توزيع التركة بعد الوفاة فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين ولكل من القولين ما يؤيده من الكتاب والسنة ومن أخذ بأحدهما فلا بأس عليه .
المفاضلة بين الأبناء في القسمة للحاجة
أ. المطوع ولو كان التقسيم لحاجة بمعني لو أن عنده ثمانية ألاف دينار وعنده من الذكور ثمانية فلكل فرد ألف دينار إلا أنه أحب أن يعطي أحد أولاده ( المعاق إعاقة جسدية مثلا ) مبلغاً زائداً عن أخواته فهل في هذا ظلم للباقين ؟
د. احمد : أنا أذكر بقاعدة فقهية ( حيثما وجدت المصلحة الحقيقة فثم شرع الله ) فنقول الهبات في حال الحياة توزع بعدالة كما بينا إما بالتسوية بين الذكور والإناث أو إتباع النظام الإسلامي في توزيع الإرث هذا هو الأصل لكن إذا وجد بعض الورثة محتاجاً أكثر من غيره كمعاق أو مريض أو معيل لكثير من العيال أو كان أحدهم صغيراً أو بعضهم فقيراً والباقون أغنياء فله أن يفاضل بينهم مفاضلة كبيرة ولا بأس في ذلك فيعطي المعاق إضعاف ما يعطي غير المعاق دون أدنى حرج .
أ . المطوع : وحتى لو كان المعاق أنثى ؟
د. أحمد : نعم .. ونحن هنا لا نفرق بين ذكر وأنثى ، وإنما بين محتاج وأقل حاجة فالعدالة في الأحوال الطارئة تقدر بقدرها والفقهاء كلهم متفقون على ذلك بل ويؤجر على ذلك ولكن ينبغي ألا يحرم الباقين فنحن نؤكد يفاضل لكن لا يحرم وأن يكون قصده مساعدة المحتاج وليس القصد إيذاء الآخرين وإلا إن قصد الإيذاء فهو أثم عند الله تعالى .
الأصل في المفاضلة الصراحة
أ . المطوع : المفاضلة بين الإناث والذكور حال الحياة في الهبات هل تنصح أن يكون ذلك بالسر أم في العلانية ؟
د. أحمد : الجواب في الظروف العادية إذا كان الرجل قادراً على نفسه ومالكا لأسرته فأنا لا أجد غنى أن يكشف ذلك لكل فرد فيجمعهم ويصارحهم ويوجههم ويستدر عطفهم نحو المحتاج ونحو الفقير ونحو الصغير فيقتنعون ويكونون طواعية لآبائهم وكثير من الأبناء يحثون أبائهم على الإحسان لإخوانهم الصغار أو الفقراء أو العاجزين ولكن ربما تكون هناك ظروف خاصة لا يكون فيها رب الأسرة قادراً على أن يفعل ما يريد فيرى حينئذ أن المصلحة الكبرى أن يعطي في السردون أن يعلم الآخرين .
أ. المطوع إذن الهدف أن تبقي البيوت السعيدة ؟
د. أحمد : الهدف أن تبقى السعادة والمودة والمحبة ، لأن المال يفنى .
حرمان العاصي من الميراث
مشاهد ( أحمد من أمريكا ) السؤال الأول : رجل عنده ولد عاص ولا يطيع الله ويعيش مع امرأة بالحرام فهل لوالده الحق في أن يمنعه من الميراث بأن يوصي بعدم إعطائه نصيبه ؟
والسؤال الثاني : رجل عنده زوجة وليس لها أي قريب سيرث منها إن توفيت فهل يجوز أن يوصي أولاده ألا يفؤقوا ماله إن توفي بل يعطوه لهذه الزوجة فإذا ماتت اقتسموا التركة ؟
د. أحمد : أقول وأقرر قاعدة : توزيع التركة بعد الوفاة من النظام العام الذي يتفرد به الشارع ولا يستطيع أي إنسان أن يتدخل فيه ، وللشخص أن يهب ما يشاء لمن يشاء في حياته أما بعد وفاته فالمال يوزع جبراً حسب النظام الشرعي ووصية الشخص بمنع أحد الورثة من نصيبه وصية باطلة ونصيب الوارث لا يتوقف على تدينه أو فسوقه مادام لم يخرج عن الإسلام ويستطيع المورث كما قلنا في حال حياته أن يعطي المال كله لواحد من الورثة دون الآخرين فربما يكون في حرمان الفاسق مثلا دفعه للفسوق أكثر بل يجب على الآباء أن يغروا أبنائهم ويحبونهم في الطريق السوي .
وجواب السؤال الثاني : إن هذا الشرط من الأب وصية إن أراد الورثة أن ينففذوها فهذا أحسن ، وإن لم يريدوا ذلك فهذه وصية تبطل ، لأن الزوجة وراث والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ( لا وصية لوارث ) والأولاد أيضاً ورثة فغن أبوا تطبيق هذه الوصية اقتسموا هذه التركة وأقول هذه الزوجة لن تضيع أبداً فنصيبها من التركة إن كفاها استغنت عن الناس الآخرين وإن لم يكفها فلها نفقة كاملة تأخذها من أولادها وأولا د زوجها بما يكفيها ويجعلها سعيدة فلن تضيع إن شاء الله .
أ. المطوع : أرى إجابتك تصب في جعل الأسرة سعيدة .
د. أحمد : بلا شك وأكرر ما قلته لا يوجد نظام في العالم كالتشريع الإسلامي يكفل سعادة الإنسان والأسرة بل والمجتمع كله والذي تكونه مجموعات أسرية وهذه الأسر كلما كانت متكافلة ومتألفة فيما بينها كلما كان المجتمع متماسكاً ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون )
هبة المال كله قبل الوفاة
أ. المطوع : قابل مصور البرنامج أشخاصا في الطريق فسألهم هل يجوز أن يحرم الإنسان الورثة أو أحدهم ، ويهب جميع ما يملك لصديق أو قريب أو وراث دون الآخر ؟ فكانت إجابة الناس : لا يجوز .
د. أحمد : الحرمان المباشر لا يستطيعه الوارث كأن يقول ابني فلان أو ابنتي فلانة أو زوجتي لا تطعوها شيئاً من التركة هذا لا يستطيعه وهو شرط باطل لا قيمة له إنما يستطيع بطريقة غير مباشرة أن يهب بعض أولاده في حياته كمية من المال فلا يبقى للآخرين إلا القليل وهنا يكون قد حرمهم حكما أو يوصي لاحد الورثة دون الآخرين فما حكم هذه الهبة تصرف منجز في الحياة فإذا كان عقلاً سليماً رشيداً غير مريض فهبته نافذه و لا تثريب عليه من الناحية القضائية أما من الناحية الدينية فإن كان لهبته مبرر شرعي مقبول مثلاً أو أعطي الشقي وترك البار فهذه تنفذ ولكنه آثم عند الله .
أما إن وهب وكان وهو مريض مرض الموت فإن وهب لغير وراث فهبته نفاذة جائزة أو وهب لوارث فهذه الهبة لها حكم الوصية تتوقف على إجازة الورثة بعد وفاته فإن لم يجيزوها بطلت ، وفي الوصية بعد الموت إن أوصى لغير وارث فهذه تصح وتنفذ في حدود ثلث التركة فاقل ومازاد فهو موقوف على إجازة الورثة أو أوصى فكذلك تتوقف الوصية على إجازة الورثة .
هبة الميراث لزوجة دون أخرى
أ. المطوع : عرضت على قصة تتلخص في أن رجلاً تزوج امرأة ثانية على زوجته ( زواجاً عرفياً ) وولدت له ابناً ، وزوجته الأولى مع أولادها لا يعلمون وبعد وفاة الزوج تفاجأت بأن الزوج قد كتب قبل وفاته بثلاثة أيام كل ما يملك لزوجته الثانية وولدها وحرمهم من الميراث فما الحكم الشرعي في ذلك ؟
د. أحمد : هذه نقطة حساسة ومهمة جداً ، وتحدث كثيراً في الأسر ولهذا يجب دراستها وإعطاؤها الأهمية ، أقول : هبة الإنسان في حياته ، أما إذا وهبه والموهوب لم يقبض وتوفى الواهب فالهبة تلغى وتبطل ، لأن الهبة تبرع منجز لا يتم إلا بالقبض هذا من الناحية القضائية ، أما من الناحية الدينية فإن كان لهبته مبرر فهذا جيد .
مرض الموت
أ . المطوع : نحب لو نشرح بعض الكلمات يا أستاذنا ، لأن مشاهدينا ثقافاتهم مختلفة ومستوياتهم متعددة وبعض الألفاظ شرعية بحتة ، وقد تكون صعبة على المشاهدين ما هو مرض الموت ؟
د. أحمد : مرض الموت هو مرض يعيق الإنسان عن التصرف العادي وعن الأفعال التي كان يؤديها بشكل طبيعي في حياته كالعاجز لا يستطيع الحركة والتاجر الذي لم يعد يستطيع النزول إلى المتجر والسيدة في البيت لا يستطيع أن تقوم بأعمالها ونحو ذلك ومرض الموت قد يستمر يوم أو أسبوع أو أسبوعين أو شهر لكنه لا يزيد على سنه في أسوأ الأحوال .
أ. المطوع : وإذا جاءته سكته قلبية مفاجئة وهو كان قبلها بيومين فقط قد تصرف في كل المال ؟
د. أحمد : هذا لا يعتبر مرض موت ولو تصرف قبل السكتة بساعة أو ساعتين
أ. المطوع : والزوج يأثم عندما يهب كل ما يملكه لزوجته الثانية العرفية وأولادها دون الأولى ؟
د. أحمد : قلنا : إن كانت الهبة هذه غير مبررة ولغير سبب فهي نافذة قضاء وشرعاً لكنه يأثم شرعاً ويأخذ بها عذاباُ عند الله في نار جهنم .
رجع الأم عن هبتها لابنتها
مشاهدة ( أم بدر من الكويت ) وهبتني أمي قبل تسع سنوات هبة ، وعندما احتج إخوتي على الوالدة : كيف تفضلين أختنا علينا ؟ وكان وقتها حالتي المادية سيئة فعلتني الوالدة أوقع على ورقة قانونية تسمح لها بأن ترجع في هبتها متى أرادت ، فهل يحق لها الرجوع الآن عن تلك الهبة ؟
د. أحمد : إذا وهبتها الوالدة جزءاً من المال وليس كل المال وكان لهذه الهبة مبرر شرعي حاجة أكثر من غيرها لمرض أو دين أو فقر فهذا الإكرام جيد وحسن ومادامت قبضت هذا الميلع فقد ملكته وأكثر الفقهاء يقولون ليس لوالداتها أن تسترد الهبة إلا برضاها وإذنها هذا من الناحية الشرعية أما إذا كانت هبة لا مبرر لها بل كان فيه تفضيل وإيذاء ، فبعض الفقهاء يقول : ليس لها أن تسترد وتأثم الأم ، وبعضهم يقول : بل لها أن تستردها .
أحكام الوصية الخمسة !!
أ. المطوع : مصور البرنامج سأل الناس الذين التقاهم في الشارع مرة ثانية هل كتبت وصيتك استعداداً للموت ؟ وكان الغريب ان المجتمع أجاب بـ لا .
د. أحمد الكل يستحسن الوصية والكل يبتعد عنها ويخاف منها ، وأريد أن أطمئن الجميع بأن الآجال مقدرة من عند الله ، ولا تنقص بالموت ، ويستحسن بالإنسان بين الفينة والفينة أن يتذكر الموت ،أما حكم الوصية فكما يقول فقهاؤنا تعتريها الأحكام الخمسة فأحيانا تكون مستحبة مندوبة ومطلوبة يؤجر عليها ولكن لا يأثم بتركها وذلك هو الأصل في الوصية أن يتذكر الإنسان إخوانه وأقاربه وأرحامه الذين لهم الفضل عليه وقد قصر في حقهم فهو عند قرب موته يتذكرهم فهذه وصية مطلوبة وأحيانا تكون واجبة لابد من كتابتها وذلك إذا كان على الإنسان ديون لله تعالى كزكوات لم يؤدها وكفارات أو ديون للبشر وليس هناك وثائق تثبت هذه الحقوق لأصحابها ولا يعلم بها أحد سواه وصاحب الدين فهذه وصية يجب كتباتها ويأثم إذا تركتها وتكون ( محرمة ) وذلك إذا أوصى بشيْ محرم مثل أن يجعل داره الفلانية داراً للقمار أو بشيء مكروه كأن وصى مثلاً ببناء أضرحة على القبور ، أو النفقات الباهظة في مظاهر الجنازة فهذه وصية يستحسن ألا يفعلها .
أهم ما تتضمنه الوصية
أ. المطوع : لعل الكثير من الناس يسترهبون من كتابة الوصية ، لأنه لا يعرف يكتبها وما هي تفاصيلها وقد وقفت على موضوع في مجلة الفرحة عدد 32 بعنوان اكتب وصيتك قبل أن تأتي منيتك وهو نموذج لكتابة الوصية وفية بيان اسم الموصي وكيف يوصي أولاده وزوجاته بكلمات توجيهية كما أن الجميل في هذه الوصية أنها جعلت أماكن لإكمال الفراغات تتعلق بالديون والحقوق وأسماء أصحابها وهذا مهم جداً في الوصية أن يبين ماله والحقوق التي له أو عليه فهو يرتاح نفسياً بهذا العمل فهل تعرف أستاذنا نموذجاً ننصح المشاهدين به موجود في كتاب معين أو منشورة ومعرفة كيفية كتابة الوصية كما أن السؤال يتكرر هل من الممكن تغيير الوصية ؟ بعد ستة أشهر مثلاً ؟
د. أحمد : هذا سؤال جميل وأسال عنه كثيراً ، أقول في البداية إن هناك أموراً ضرورية لابد أن تتضمنها الوصية وهناك أمور تحسينية وكمالية يستحسن أن تكون في الوصية والوصية تصرف قولي يصح بمجرد القول فلا يشترط الكتابة لها إذ تصح بالقول ولا تحتاج إلى الإشهاد أيضاً ولكن يستحسن أن يشهد عليها لئلاً ينكرها الورثة وأحسن الحسن أن يكتبها وأن يوقع عليها وأفضل من هذا الحسن أن يوئقها لدى موثق رسمي أو لدى القاضي الشرعي ويبين في الوصية من هو الموصي له وما هو المقدار والسؤال الثاني : إذا كتب ووثق أو قال شفوياً هل له أن يرجع ؟ نعم .. والوصية تصرف غير لازم ويستطيع مادام حيا أن يزيد فيها أو ينقصها ، أو يلغيها لسبب وبغير سبب .
شروط هبة المال حال الحياة
مشاهد ( عمر م السعودية ) الوالد عنده أرض كتب نصفها لأخينا الكبير والنصف الآخر للورثة وطبعا أخي الكبير له حصة أيضاً فيها فما حكم الشرع في هذا ؟
د. أحمد : كما قلنا هبة الإنسان في حياته إذا كان بكامل قواه العقلية تعتبر جائزة وتلتزم إن قبضها الموهوب له فإن كان أخوك قد قبض هذه الأرض ووالدك في كامل صحته وعقله فهي نافذة أما كن مختل القوى العقلية فلا تنفذ أو مريضا مرض الموت فلا تلزم إلا بإجازة الورثة فإن لم يجيزوها فهي باطلة هذه من ناحية القانون أما من الناحية الشرعية فإن كان عمله هذا مبرر شرعي مقبول فهو حسن وإلا فهو أثم عند الله عزوجل .
هل يشترط للوصية كتابة أو إشهاد ؟
المطوع : جاءنا ( فاكس ) من أم صالح من الدوحة تسأل هل الوصية لابد أن تكون عن طريق المحكمة أو محامي ؟ وهل يتم الاعتراف بها إن لم يكن بخط يد الموصي أو لم يكن عليها شهادة الشهود ؟
د. أحمد : الوصية كما ذكرت قبل قليل تصح بمجرد التلفظ بها وثقت أم توثق ولكن إذا وثقت فهذا أفضل خاصة عند إنكار الورثة .
الوصية لا تزيد عن الثلث
أ. المطوع : وتسأل أم صالح هل يجوز للإنسان أن يوصي ببعض تركته للأصدقاء وأولاد الخال مثلا ؟ وهل هناك نسبة معينة للوصية ؟
د. أحمد : أنا قلت إذا كان مال الإنسان كثيراً وورثته قليلون أو مستغنون فيندب له ويستحسن ويؤجر أن يوصي بجزء من ماله لباقي الأقارب والأرحام غير الوراثين إنما بشرط ألا يزيد هذا الجزء عن الثلث فإن زاد توقفت الزيادة فقط وعندنا في هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقال سعد بن أبي وقاص في مكة فزراه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لقد حضر من الموت ما ترى وعندي مال كثير وليس لي إلا ابنة واحدة مستغنية أفأ تصدق بكل مالي ؟ قال : لا قال بالثلثين ؟ قال لا قال : بالثلث قال صلى الله عليه وسلم الثلث كثير لأن تذر ورثتك أغنياء خير من ان تتركهم عالة يتكففون الناس ولهذا استحسن العلماء أن تكون الوصية اقل من الثلث .
للذكر مثل حظ الأنثيين ..مفهوم خاطئ !!
أ. المطوع : هناك مفهوم لدى أكثر الناس ، وهو أن نصيب الذكر في الإرث دوماً أكثر من نصيب الأنثى ، فما حقيقة هذا الميراث ؟
د. أحمد : هذه نقطة تؤخذ على التشريع الإسلامي من قبل الجاهلين والمغرضين أن الإسلام يفرق فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين وهذا أمر غير موجود في التشريع الإسلامي بل الموجود أن الإسلام قد يعطي الذكر ويحرم الأنثى وقد يعطي الأنثى ويحرم الذكر وأحياناً يعطي الذكر أكثر وأحيانا يعطي الأنثى أكثر وأحياناً بالتساوي وهذا كله نتيجة أمور موضوعية وضع لها التشريع الإسلامي قواعد وضوابط فليست الذكورة والأنوثة محل التفريق ونأخذ على ذلك أمثلة :
مثال الذكر يرث مثل الأنثى :
الأم ( السدس )
الأب ( السدس )
الابن ( باقي الميراث بالتعصيب )
مثال الذكر أكثر من الأنثى :
الزوجة ( الثمن )
الابن + البنت ( باقي التركة للذكر مثل حظ الأنثيين )
مثال الأنثى أكثر من الذكر
الأم ( الثلث )
الزوج ( النصف )
أخت شقيقة ( النصف ولو كان مكان الأخت الشقيقة أخ شقيق لأخذ باقي الميراث بالتعصيب أي يأخذ السدس )
مثال الأنثى ترث ويرث الذكر
الأم ( السدس )
الأب ( السدس )
الزوج ( الربع لوجود الأولاد )
البنت ( النصف 9 )
بنت ابن ( السدس ) ول كان مكانها ابن ابن لأخذ باقي الميراث بالتعصيب أي الأنثى .. لأن ورثة الأنصبة قد استحوذا على كل المال .
مثال الذكر يرث ولا ترث الأنثى :
الأم ( الثلث )
الزوج ( النصف )
عم شقيق الباقي بالتعصيب ولو كان مكانه عمة شقيقة لحجبت عن الميراث .
إذن فالقسمة مستوية بين الذكور والإناث فقد يفضل الذكر وقد تفضل الأنثى وقد يحرم أحدهما دون الآخر وقد يتساويا فلماذا نأخذ حالات تفضيل الذكر على الأنثى فقط ولا ننظر إلى الحالات الأخرى ؟!
ما هو سر هذا المفهوم الخاطئ ؟
أ. المطوع : إذن ما هو سر إشاعة للذكر مثل حظ الأنثيين ؟ ويقول الناس : الإسلام ما أكرم المرأة والإسلام ظلم المرأة بدليل الآية ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) وربما يكون هذا مقبول في الزمن السابق حيث مكان المرأة الوحيد هو البيت أما اليوم فالمرأة تعمل والمرأة موظفة فلماذا لازلتم تقسمون التركة بهذه التقسيمه !
د. أحمد : أولاً أنا نفيت الاتهامات عن التشريع الإسلامي واثبت بالأدلة الواضحة التي اتفق الفقهاء عليها أن الأنثى قد تأخذ مثل الذكر وأحيانا تأخذ أكثر منه ، فهذه التهمة لا أصل لها وسؤالك لطيف من أين أتت هذه التهمة في بعض أذهان المسلمين ؟ إنها جاءت من سوء فهمهم لقوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين 9 وليتنبه الجميع فقد قال الله ( في أولادكم ) ولم يقل ( وفي ورثتكم 9 فليس التفريق بين الجنسين في كل الورثة وهذا التفريق له أسباب فعندما يحتاج الإنسان إلى نفقة ويعجز ويشيخ من الذي يحمله ؟ هل ابنه أم ابنته ؟ ولنفرض أن لابنه بيت وأولاده وأهل ولابنته زوج وأولاد ففي أي بيت يسكن ؟ وأين يجد كرامته وشهامته في بيت ابنته عند الرجل غريب أم في بيت ابنه ؟ إذن فالابن هو العصبة والبنت ليس لها عصوبة ولهذا الآن والبنت يستحقان الإرث بطريق النسب متساوين ويفضل الابن على البنت بأنه هو المتكفل بالإنفاق والعمل والقاعدة تقول ( الخراج بالضمان ) أي الذي عند الحاجة يأخذ أكثر عندما يزيد المال .
العقد الصوري أثناء الحياة لبعض الورثة
أ. المطوع بعض الآباء يخاف على تركته أن تقسم من بعد وفاته ويفضل الذكور على الإناث فيعمد إلى إنشاء عقد صوري عبارة عن مبايعة قد تمت في حياته لشركاته وممتلكاته إلى أبنائه الذكور ويبيع لبناته شركة واحدة أو جزء صغير من التركة ويحفظ هذا العقد عند محامي العائلة وبعد الوفاة لا يجد الورثة شيئاً ليقسموه ويتمسك الأولاد بالممتلكات التي باعها الوالد لهم بيعاً صورياً فما الحكم في هذا وما رأيك بهذا العمل ؟
د. أحمد : أنا أسال فأقول : هل هذا البيع حقيقي أخذ مقابله الأب ثمناً أم هو بيع صوري ؟ فإذا كان البيع صوري فهو من البيوع باطلة ولا يترتب عليها أي حكم شرعي وهذا إن استطاعوا إثبات صورية هذه البيوع ولا يثبت هذا إلا بالبينة أو بإقرار الذين اشتروا فإن اقروا هذه الصورية ألغيت العقود أو بالبينة واقتنع القاضي بها فحينئذ يلغى هذه البيوع وكأنها لم تكن ويعود المال للتركة وإذا لم يستطيعوا إثبات الصورية فالأصل في البيع أن يكون حقيقاً .
هل يجوز أن تبقي التركة حقاً مشاعاً للورثة ؟
أ. المطوع : عندنا في بلاد الخليج بعض الأغنياء الذين انعم الله عليهم بالوفير من المال وهم قد جمعوا أبنائهم ذكوراً وإناثاً وأوصوا بعدم تقاسم الشركات لئلا تنهار وتتفكك بل تبقى كما هي ويكون للأبناء حصص في هذه الشركات عبر الأسهم والأرباح فهل هذا التصرف صحيح ، أن لا يوزع الإرث بعد وفاة المورث ؟
د. أحمد : انا أقول إذا توفى الإنسان انتقلت تركته إلى ورثته حكماً بعد وفاته مثقلة بالديون التي عليه في حدود قيمتها وبعد توفيه الديون تسلم التركة للورثة وتصبح ملكاً لهم سواء اقتسموها أم لا وإذا أرادوا ألا يقسموها فإنها تبقى ملكاً مشاعاً لهم فإن اتفقوا على إدارتها بينهم فغنها تصبح حينئذ شركة بينهم مساهمة كالشركات العادية بين الأفراد كما أن لهم أن يقسموها في أي وقت كما يقتسم الشركاء الشركة ويحلونها في أي وقت .
توريث البنت كل المال !!
مشاهدة ( رولا في أمريكا ) عندي ابنة واحدة وأعلم أنها سترث فقط النصف عند وفاتي أو وفاة أبيها والسؤال لا أريد أن يذهب مالي ومال زوجي إلى غير ابنتي فهل من حرج من أن أجعل كل الميراث لابني قبل الموت ؟
د. أحمد : أشير إلى أن الرزاق هو الله فالذي رزق الأم قادر على أن يرزق البنت وأن الرزق لا علاقة له بالعمل ولذلك فأطمني فابنتك ستكون في خير سواء تركت لها مالاً أم لم تتركي وإذا أرادت الأم أن تهب لابنتها مالا في حال حياتها وهي سليمة عاقلة صحيحة وتسلمت البنت هذه الهبة وتصرفت بها فالهبة نافذة ولكن ليس هذا هو المستحسن بل أستحسن لكي لا تحرم المورثة أحداً من الورثة أو العصبات أن تجعل للبنت الربع المال في حياتها أو نصفه وبعد وفاتها تأخذ البنت أيضا نصف التركة والباقي للورثة وهذا مما يجعل البيوت سعيدة مستقرة ولا تقطع الارحام ولا نضن ونبخل بالمال على من يستحقونه بموجب الشرع الإلهي .
جعل ثلث المال حقا مشاعا بين الورثة
مشاهد ( عبدالرحمن ) من قطر أوصى المورث بالثلث بين الورثة يكون لهم جميعا حقا شرعيا يستفدون منه في التعليم تحديدا فما حكم هذه الوصية ؟
د. أحمد لو أنه أوصى بهذا الثلث المشاع لغير الورثة لنفذت الوصية مادامت في حدود الثلث أما في السؤال فالوصية للورثة فهذه تتوقف على إجازة الورثة فإن أجازوها نفذت وإلا بطلت واعتبرت من التركة .
أ. المطوع : أعرف قصة وهي أنا أبا كان غير راض عن زواج ابنته من زوجها فشرط في الوصية ألا تعطي من التركة شيئا حتى تطلق من زوجها فما الحكم في هذا الشرط ؟
د. أحمد : لو لم يكن للطلاق مبرر شرعي فهذا يجوز شرعا وخاصة إذا كانت متفقة مع زوجها ومتفاهيمن وسعيدين فلا يجوز طلبها للطلاق وتأثم إن فعلته أما إذا كان هناك سبب شرعي كأن كان الزوج فاسقاً أو زنديقا أو عاصيا فهذا له أحكامه الخاصة به وأما هذا الشرط فهو شرط باطل لا عبرة له وهو لاغ بل ويأثم شارطه فتبقي هي ابنته ولها نصيبها من الميراث وتبقى مع زوجها .
نتائج تفضيل بعض الورثة في الوصية
أ. المطوع في فيلم مصري بعنوان الورثة نجد أن الأب كتب في الوصية بأن الأبن الأكبر يدير هذه الأموال وسبب هذا حقد الأبن الأصغر على أخيه الأكبر فقتله ودخل السجن فما هو تعليقك على هذه الحادثة دكتور أحمد ؟
د. أحمد : في الواقع إن تفضيل أحد الأولاد على الآخرين بدون مبرر شرعي يعتبر هو ظلم بل ومنهى عنه ( فقد داء على النبي صلى الله عليه وسلم ) والد النعمان بن بشير فقال : يا رسول الله إني منحت ابني هذا بستاني هذا ، وأريد ان أشهدك على ذلك فقال صلى الله عليه وسلم هل منحت كل ولدك مثل هذا ؟ قال : لا قال فاذهب فأشهد غيري فإني لا اشهد على ظلم أو جور وكيف يلقى الإنسان ربه ويترك الدنيا بوجه غبر أبيض وبوجه غير مرتاح :
أبقيت مالك ميراثاً لوراثه فليت شعري ما أبقى لك المال
فنحن نريد أن نودع الدنيا ونحن راضون عن الله عزوجل وهو راض عنا إن شاء الله وأوصي كل الإخوة سواء الأثرياء أو الذين مالهم قليل أن يسووا الورثة ولا يفاضلوا بينهم بما يثير الحساسيات والضيق والحقد والتفرقة
الانتقال من مذهب لآخر من أجل زيادة الحصة في التركة
أ. المطوع : الأخت ( رولا ) من أمريكا بسؤالها عن ابنتها الوحيدة ذكرتني بالمذهب الجعفري والذي يجيز للبنت أن ترث المال كله بخلاف المذهب السني والذي يدخل أطرافه أخرى في الميراث والآن بعض الآباء كبار السن يذهب إلى المحكمة ليغير مذهبة الجعفري وهو انتقال صوري ليضمن بقاء المال والحلال للبنات أو البنت الوحيدة فما رأيك بهذا التصرف ؟
د. أحمد : في الواقع هناك بعض الاختلافات في بعض الجزئيات في المذاهب الإسلامية بين شافعي وحنفي ومالكي وحنبلي وربما بين شيعي وسني وبعض هذه الاختلافات مأذون فيه لأنها في حدود الاجتهادات المأذون فيه وعندما يكون هناك خلاف بين مذهب الزوج والزوجة أو الأب والأولاد فالمذهب المحكم هو مذهب القاضي الذي يرجعون إليه وهو الذي يحكم بحسب انتمائه لمذهبه ثم إن الخلافات بين المذاهب في الإرث محدودة ومتسامح فيها وأقول الإنسان لا ينبغي أن يغير مذهبة من أجل دريهمات وإنما يغير مذهبه من آجل مذهب يراه صحيح ثم إن أغلب البدان الإسلامية حسب علمي تسوى بين الورثة فلا تفرق بين جعفري وسني وتمضي نظاما واحداً تجعله قانونا مأخوداً من المذاهب الإسلامية
توفية الديون حقوق الله عن المتوفى
أ . المطوع : لو أن المتوفى عليه دين من صلاة أو زكاة أو صيام أو حج هل يلزم الورثة ؟ وإذا لزم الورثة فمن هو المسؤول عن ذلك ؟ هل هو أكبر الأولاد أم أن الكل ؟
د. أحمد : المسلم إذا بقى عليه بعض الواجبات المالية التي لم يقوم بها في حياته ( كزكاة وكفارات ) وله مال فيجب عليه أن يوصى بهذه الحقوق وإذا أوصى وجب على ورثته أن يخرجوا هذا المال من التركة بعد الوفاة مادامت كلفة هذه الالتزامات المالية تساوي الثلث فإن كانت أكثر من الثلث فيجب عليهم أن يخرجوا بمقدار الثلث وإذا أرادوا أن يتبرعوا بما زاد على الثلث فحسن وغلا فلا يجب عليهم أما الصيام فإذا تركه فعليه ( فدية ) فيوصى بفديه ، وأما الصلاة إذا تركها فبعض الفقهاء قال ( فيها فدية أيضا ) ويسمونها ( سقوط الصلاة ) وبعضهم يقول لا فدية فيها والذين يقولون بالفدية يقولون كل صلاة بمقدرا صدقة الفطر وإذا لم يوص بإخراجها فهل يجب على الورثة إخراجها وإن يوص مادام في التركة مقدراها وبعضهم قال لا يجب إخراجها لان الصلاة عبادة والعبادات تحتاج إلى نية وهو لم يوص فلا يعد ناويا وعلى كل حال إن أخرجوها وهو لم يوص فبعض الفقهاء قال نرجو أن يغفر له ونرجو الله أن تقبل منهم ومنه .
أ. المطوع : كلمة أخيرة فضيلة الدكتور .
د. أحمد : أشير إلى عدالة التشريع الإسلامي وحكمته ومع أن الإسلام يدعو على الكمال لكنه لا يفرضه على الناس والمثالية أمر لا يقدر عليه كل الناس فالإسلام يقف عند حدود الموضوعية ولا يوجب المثالية وهذا كله لأنها تشريع من حكيم حميد من الله عزوجل .
أ . المطوع : نشطر لك مشاركتك القيمة وأجوبتك المليئة بالفوائد والدرر ، وحتى تصبح السعادة عادة ، مع السلامة .